fbpx

لبنان: حسان دياب أو انتصار إلهي جديد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أُسقط دياب علينا من منطاد الممانعة، التي قالت لنا إنه شخص شريف ومتعلّم وتكنوقراط. وما تقوله الممانعة يشبه دوماً التكليف الشرعي ويأتي على شكل انتصار إلهي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ذات صباح، استيقظ اللبنانيون وقد أصبح لهم رئيس حكومة جديد، بمواصفات “وطنية” خالصة. إنه البروفيسور الأستاذ الوزير السابق حسان دياب. 

أُسقط دياب علينا من منطاد الممانعة، التي قالت لنا إنه شخص شريف ومتعلّم وتكنوقراط (تكنوقراط مستقل أتى به “حزب الله”!). وما تقوله الممانعة يشبه دوماً التكليف الشرعي ويأتي على شكل انتصار إلهي، بحيث تستحيل سبل المناقشة. وكل سؤال يستدعي في المقابل حملة تخوين واتهاماً بالعمالة.

رئيس الحكومة المكلف حسان دياب

نواف سلام القانوني والدبلوماسي والحقوقي، الاسم الذي كان مطروحاً في فلك التسميات، “أميركي”، أما دياب فـ”شريف”، وشغل منصب رئيس البرامج الخارجية في الجامعة الأميركية في بيروت (وأستاذ هندسة في الجامعة ذاتها). وسارع أحدهم إلى موقع “ويكيبيديا” لتحديث المعلومات عن دياب، لينقله إلى رتبة رئيس الحكومة المكلّف بسرعة البرق، ولا يبقى مجرّد وزير تربية سابق. 

سيشكّل دياب حكومة اختصاصيين مستقلين، أو هكذا راح يردد مذ وصله خبر أنه صار رئيساً للوزراء. عقد ربطة العنق، سرّح شعره الناعم ونزل يخطب ويحاضر بحكومة مستقلة، لن يختار وزراءها سواه.

دياب الذي تقريباً لا يملك إرثاً سياسياً يخشى عليه ولا قاعدة شعبية حتى يخسرها أو يحسّنها ولا صورة تاريخية حتى يحافظ عليها، يبدو كانتحاريٍّ لا يخشى أي شيء ولا يقلقه أي أمر.

“حزب الله” ومن حوله بقوا طيلة الفترة الأخيرة مصرين على الاتجاه إلى حكومة سياسية أو في أحسن الأحوال تكنوسياسية، ورفضوا بصراحة ووضوح أي حكومة اختصاصيين يقودها الحريري، على رغم الضغط الشعبي الذي شمل المناطق اللبنانية كلها. أما الرئيس المكلّف الذي أتى به الحزب، فيكلّمنا بثقة عالية عن حكومة تكنوقراط مستقلة. وإن كان يقول ذلك عن وعي وإدراك، فالأمر يعني أن حكومة الاختصاصيين التي رفض “حزب الله” أن يرأسها الحريري، سيرأسها دياب الآن، بمباركة “حزب الله” وأصدقائه.

دياب الذي تقريباً لا يملك إرثاً سياسياً يخشى عليه ولا قاعدة شعبية حتى يخسرها أو يحسّنها ولا صورة تاريخية حتى يحافظ عليها، يبدو كانتحاريٍّ لا يخشى أي شيء ولا يقلقه أي أمر. سيدخل حقل الألغام بشجاعة الذين لا يملكون شيئاً يخسرونه، سيقاتل، سيحاول، ثم قد يعتذر أو قد لا يفعل. (يبدو أنه هو شخصياً لا يعرف إن كان احتمال الاعتذار مطروحاً أو لا، فتارة يعد بأنه سيعتذر في حال لم يستطع تشكيل حكومة ثم يصارح وسائل الإعلام بـ”لن أعتذر”). ودياب، الذي نشر كتاباً عن إنجازاته يوم كان وزيراً للتربية كلّف عشرات ملايين الليرات، يكفيه حقاً شرف المحاولة. وحتى لو فشل الآن، ولم يشكّل أي حكومة، وفي حال استطاع تشكيل حكومة تبيّن أنها عاجزة ولم تحقق أي شيء، دياب هذا منتصر في كل الأحوال. دخل نادي رؤساء الحكومات اللبنانيين. وربما سيتحفنا بعد حين بكتاب إنجازات ثانٍ، يوثق فيه إنجازه الجديد هذا. حتى أن ما حدث في شوارع بيروت و”الغزوة” السنية رفضاً لفرض دياب زعيماً على الطائفة، كلها أحداث لم تستوقفه كثيراً. ربما أطفأ التلفزيون ببساطة وعاد ليتصرّف كرئيس وزراء اختاره النواب بطريقة دستورية جميلة لا غبار عليها. 

من خارج السياق، يمكن طرح سؤال الأكثرية النيابية، الأكثرية الممانعة التي استطاعت فرض رئيس وزراء من اختيارها على اللبنانيين، هي الأكثرية ذاتها التي تخبرنا كل يوم أن أحدهم يمنعها من مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين. كان رائعاً مثلاً لو أن مكافحة الفساد التي يرفعها “التيار الوطني الحر” ورفاقه شعاراً، فُرضت على الجميع كما فُرض حسان دياب بقوّة الأكثرية و”ميثاقيتها”، ولم يقل لنا أحد “ما خلّونا” (لم يسمحوا لنا).