fbpx

إسرائيل: 88 شخصاً من العرب قُتلوا هذا العام لماذا لم تُحل سوى 27 قضية منها فقط؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حلت الشرطة الإسرائيلية 26 جريمة قتل من أصل 43 جريمة، كان ضحاياهم من اليهود.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ارتفع عدد جرائم الاشتباه في القتل بين المواطنين العرب بشكلٍ ملحوظ العام الماضي، لكن عدداً صغيراً فقط من هذه القضايا تم حله. ففي هذا العام، لم تحل سوى 27 قضية من أصل 88 قضية، بنسبة بلغت 30% فقط، بينما حلت الشرطة 26 جريمة قتل من أصل 43 جريمة كان ضحاياهم من اليهود.

وكشف تحقيق أجرته صحيفة هآرتس أن هناك ثلاث سمات رئيسية تتكرر في قضايا القتل التي تحدث في صفوف السكان العرب، وهي: عدم التعاون من جانب الأشخاص المعنيين -بما في ذلك الشهود- وإخفاق المحققين في العثور على أدلة، وأخيراً، نتيجة لذلك، انتهاء لوائح الاتهام في بعض الأحيان بتسويات قضائية مخففة بين الدفاع والادعاء. وكانت هذه المسائل واضحة وضوحاً كبيراً في ثلاثة تحقيقات أُجريت مؤخراً، في مقتل كل من: انتصار عيسوي ومراد عماش وحامد عتايقة. 

وتُمثل قضية مقتل عيسوي حالتين استثنائيتين على طرفي النقيض فيما يتعلق بتعاون السكان العرب مع الشرطة. ففي هذه القضية، شهد شخص أن شقيقه هو القاتل، بينما رفض ابن المجني عليها، الذي اعتقدت الشرطة أنه يمكنه مساعدتهم في العثور على القاتل، التعاون معها.

لاقت عيسوي، وهي أم لخمسة أبناء تبلغ من العمر 56 عاماً، حتفها في شهر مايو/أيار الماضي بعد أن أُصيبت بطلق ناري في باحة منزلها بمدينة الرملة، الواقعة في اللواء الأوسط شمال غرب القدس، وقد جرح أيضاً أحد الجيران جراء إطلاق النيران. اشتبهت الشرطة في أن القاتل هو أحد سكان مدينة الرملة، يدعى عمر مصراتي (23 عاماً)، الذي أنكر أي صلة له بالحادث. ويُعتقد أن مصراتي كان يخطط لقتل ابن عيسوي، الذي كان على خلافٍ معه، لكنه أطلق النيران على والدته انتصار عن طريق الخطأ.

وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت في هذا التحقيق، أخفقت الشرطة الإسرائيلية في العثور على أي دليل دامغ يدين مصراتي بقتل عيسوي بشكلٍ مباشر. وحتى الآن لم يعثروا سوى على بعض القرائن، متمثلةً في لقطات كاميرا مراقبة يظهر فيها مصراتي وهو على دراجته النارية في محيط المنطقة، وأيضاً شهادة أحد رفاقه أنه سمع مصراتي يقول إنه أطلق الرصاص على شخص ما.

تواجه الشرطة غالباً صعوبة في العثور على أدلة جنائية قوية في مسرح الجريمة في المناطق العربية.

اكتشف المحققون أن هناك كاميرات مراقبة في موقع الجريمة والتي ربما تمكنت من التقاط لحظة إطلاق النار، إلا أنهم عندما وصلوا إلى المنطقة وجدوا الكاميرات لكنهم لم يعثروا على مقطع الفيديو. أدى ذلك إلى اشتباه الشرطة في أن ابن عيسوي، الذي يُزعم أنه كان المقصود بالجريمة، قد تخلص من شريط الفيديو. لم تتأكد الشرطة من السبب الحقيقي وراء اختفاء الشريط. وافترضت إحدى النظريات أن الابن لم يرغب في أن تحرز التحقيقات تقدماً حتى يتمكن من أخذ الثأر بنفسه. في حين افترضت نظرية أخرى أنه أخفى الشريط لأنه ربما يورطه في عملية إطلاق النار.

وفي خطوة غير اعتيادية، قرر المحققون استجواب ابن عيسوي لاشتباههم في محاولته عرقلة التحقيق. 

سأله المحقق “كان يوجد مسجل فيديو رقمي في منزلك، أين اختفى؟”

أجاب الابن “كانت أمي هي المسؤولة عن الكاميرات”.

فقال له المحقق “أنت تعرقل التحقيق. لقد أرسلتَ لنا مقطع التقطته الكاميرا قبل ذلك بيوم. هذا الأمر يتعلق بأدلة في جريمة قتل والدتك. يجب أن تخبرني أين المسجل؟” 

لم يتراجع الابن، مجيباً “سل أمي”.

واصل المحقق “ألا تخجل من نفسك؟ قُتلت والدتك وأنت تصادر مقطع الجريمة!”

الابن “ليس لدي أيّة فكرة عن مكان الجهاز”.

المحقق “أنت كاذب”.

الابن “بل أنت الكاذب”.

لم يُعثر على جهاز التسجيل واتهم مصراتي في نهاية المطاف بالقتل الخطأ الناتج عن الإهمال. خلال جلسة استماع في المحكمة بشأن طلبٍ من الدولة بإبقاء مصراتي رهن الحجز طوال فترة المحاكمة، علّق القاضي في بداية الجلسة على عدم وجود دليل دامغ يثبت ضلوع المشتبه به في جريمة قتل عيسوي، مشيراً إلى أن هذا يضعف القضية.

وقال مسؤول كبير في الشرطة الإسرائيلية لصحيفة هآرتس “بالتأكيد ليس لدى المشتبه بهم والمتهمين نية في مساعدة الشرطة من أجل العثور على دليل، لكننا نتعامل كثيراً مع جرائم قتل تقوم خلالها عائلة وأصدقاء الضحية بعرقلة التحقيق، فهم يكذبون ويخفون الأدلة التي قد تسفر عن الإدانة. لهذا عندما نقبض على القاتل ويكون جلياً أنه مذنب، يقول الإدعاء إنه لا توجد أدلة كافية. هذا أمرٌ محبطٌ للغاية”.

لكن في قضية إطلاق النار على انتصار عيسوي، جاءت الدعوات بالتعاون بين السلطات وباقي الأشخاص المعنيين من عائلة المتهم: فبينما كان عمر مصراتي مطارداً من الشرطة، نشر أخوه مختار مصراتي بياناً استثنائياً على صفحته في موقع “فيسبوك”.

قال مختار في البيان “أريد أن أوصل رسالة لكل إنسان شريف في هذه البلاد، المغدورة انتصار العيسوي، رحمها الله، لقد قتلت وانتقلت الى رحمته تعالى، قمت أنا بنفسي بالإبلاغ عن القاتل، واسمه عمر مصراتي، وأضاف ” قمت بهذه الخطوة لأني لا أريد أن أتستر على قاتل روح بغير حق مهما كلفني ذلك، ضميري لم يسمح لي بالنوم ليلاً مع زوجتي على نفس الفراش وأنا أعلم أن هناك رجلاً فقد زوجته وأبناء فقدوا أمهم… أرجو من جميع المسلمين في البلد أن يخطو تلك الخطوة وأن يكشفوا هويات القتلة في البلاد، حتى لو كلفهم ذلك حياتهم”.

أحياناً ما تؤدي المشاكل التي تقف أمام المحققين إلى توجيه اتهامات أخف من التي كانت تعتزم الشرطة توجيهها، ومن ثم توقع العقوبة بناءً على ذلك.

وأنهى المنشور، الذي تمت مشاركته على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، بعبارة “المتستر على الجرم كفاعله”.

بالإضافة إلى عدم تعاون الشهود -والذي يعد السبب أحياناً- تواجه الشرطة غالباً صعوبة في العثور على أدلة جنائية قوية في مسرح الجريمة في المناطق العربية. مثلما حدث في قضية مراد عماش صاحب الـ 19 عام، والذي قتل بالرصاص في بلدة جسر الزرقاء شمال قيسارية في سبتمبر/أيلول. إذ تشتبه الشرطة في إصابته بطريق الخطأ خلال تبادل إطلاق نار بين أفراد عائلتين. إلا أنه توجد ثغرات عديدة في قصة مقتله، فبينما تم استدعاء المسعفين في خدمة الإنقاذ الطارئة “نجمة داوود الحمراء” (Magen David Adom) التابعة للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر إلى منزل عماش، يعتقد المحققون أنه أصيب بالطلق الناري في مكان آخر قبل نقله إلى منزله.

كان من المستحيل التأكد من المكان الذي وقع فيه إطلاق النار بالضبط، وأدى عدم معرفة مسرح الجريمة تحديداً إلى مشاكل أخرى. مثلاً، لم يعثر المحققون على أدلة حول الرصاصة التي أصابت المراهق قط، والتي كان من الممكن استخدامها للعثور على سلاح القتل. وقد خلص الخبراء الجنائيين إلى أن هناك ثلاثة بنادق على الأقل استخدمت في إطلاق النار، لكنهم لا يعرفون أيها تحديداً استخدمت لقتل عماش. واجهت الشرطة أيضا مشكلة في العثور على شهود متعاونين في تلك القضية كذلك.

يقول أحد المصادر المطلعة إن الأشخاص الذين يعتقد أنهم كانوا مع عماش في الليلة التي قتل فيها قدموا للمحققين خمس روايات مختلفة حول ملابسات مقتله.

يشتبه المحققون في أن قاتل عماش هو شاب يبلغ من العمر 19 عامًا يدعى قصي جُربان، لكنهم واجهوا عقبة أخرى، فبينما يعتقد كبار ضباط الشرطة في المنطقة الساحلية أن القضية ضد جربان قوية ويصرون على اتهامه بقتل عماش، فإن المدعون العامون في حيفا يختلفون معهم. فقد قالوا إنهم لا يستطيعون إثبات التهمة على جربان بالدليل القاطع. وفي النهاية فقد تم اتهام المشتبه به بمحاولة التخريب المتعمد، وحيازة سلاح في منطقة سكنية، ولكن اسم عماش لم يظهر حتى في لائحة الاتهام، ولم يتهم أحد بموته حتى الآن.

أحياناً ما تؤدي المشاكل التي تقف أمام المحققين إلى توجيه اتهامات أخف من التي كانت تعتزم الشرطة توجيهها، ومن ثم توقع العقوبة بناءً على ذلك، أحد الأمثلة على ذلك، هي قضية محمد عتايقة (20 عاماً) المشتبه به في طعن قريبه حامد عتايقة (19 عاماً) حتى الموت في مايو/آيار الماضي. فقد اتهم محمد بتهمة مخففة هي القتل الخطأ، والتي تبلغ العقوبة القصوى لها السجن 12 عاماً.

توصلت محاميته إفرات سرفاتي (Efrat Tzarfati) مؤخراً إلى تسوية قضائية مع المدعين، بالاتفاق مع أسرة الضحية، والتي بموجبها ستطالب الدولة بالسجن لمدة خمس سنوات ونصف. تكمن جسامة مثل هذه التسويات في أنها تسمح من بإطلاق سراح شخص طعن شاباً حتى الموت في غضون ثلاث سنوات.

وقد أوضح مصدر مطلع على القضية كيفية إبرام هذه التسوية، فقد عقدت صُلحة -أو مجلس مصالحة- بين أقارب الضحية وعائلة المشتبه به. ويخشى الادعاء من أن تؤدي تلك المصالحة إلى تراجع شهود رئيسيين في المحكمة عن أقوالهم التي قدموها للشرطة.

وقالت سرفاتي “أتوجه باسم موكلي وعائلته بخالص تعازينا لعائلة (الضحية). إضافة إلى ذلك، فإننا نعتمد على المحكمة لتوقيع العقوبة المناسبة لملابسات الفعل المعنِي. ولا يسعنا التعليق على ما إذا كانت العقوبة مخففة أو مشددة دون معرفة الأدلة والاعتبارات التي دفعت الطرفين إلى الموافقة على إبرام تسوية، لهذا فإن أي حديث عن أن العقوبة مخففة لا يعبر بدقة عن الأدلة في هذه القضية”.

ومن المتوقع أن تصدر محكمة بئر السبع حكمها في القضية في فبراير/شباط 2020 القادم.

هذا المقال مترجم عن haaretz.com ولقراءة الموضوع الاصلي زوروا الرابط التالي