fbpx

أن تكون “سنيّاً” في لبنان…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بصفتي “سنياً” غير مرغوب فيه بين الأصدقاء “السنة” لأنني أسكن في ضاحية بيروت. وكنت “سنياً” غير مرحب به في الضاحية

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت جملة أمي المتكررة “جاد روح صلي”، تستدعي السؤال ذاته في رأسي، “ليه الصبيان بصلوا؟”، فوالدي لم يكن يصلي، بالتالي اعتقدتُ أن الصلاة هي للنساء فقط. لكن نظرات أمي الحازمة كانت تدفعني لابتلاع اسئلتي وحشريتي وانفذ رغبتها وأصلي.

ولدت في المملكة العربية السعودية حيث كان والدي يعمل، ثم علمت من المدرسة أنني مسلم. انتقلنا إلى بيروت ومدارسها، حيث استوقفني سؤال غريب من تلميذ، “أنت سني أو شيعي؟”. للأمانة لم أعرف الجواب… فسألته، “ماذا تقصد؟ ماذا يعني هذا الكلام؟”. فكان جواب التلميذ، “ما هو دينك؟” فتعجبت قائلاً، “أنا مسلم”… غضب التلميذ وقال لي، “لا بد أنك شيعي، بيت شحرور شيعة وساكن بالضاحية”.

استفسرت عن الموضوع فور عودتي إلى المنزل، وكان جواب والدتي، “إن هذا الحديث معيب، وكلنا إسلام”. بقيت مصراً على الموضوع، أنهيت واجباتي المدرسية ونزلت إلى الشارع لأتنزه مع صديقي (جاري في المبنى)، وسألته عن الموضوع ذاته، فسخر قائلاً، “لا إنت سني، بتصلوا انتو وبطنكم عم توجعكم”، طبعاً الحديث بالنسبة إلي، عاد ليكون باللغة السنسكريتية… ماذا يعني أننا نصلي و”بطنّا عم توجعنا؟” اتضح في ما بعد أن السنة يصلون مكتوفي الأيدي والشيعة يصلون وأيديهم ملاصقة لخواصرهم. نعم الموضوع سخيف وساخر ربما لكن هذه الحوارات كانت جزءاً من طفولتي.

الشارع يريد سياسياً مستقلاً مؤهلاً، قبل أن يحمل ديناً أو طائفة أو مذهباً.

عانيت من إخراج قيدي، الذي يحمل كلمة “سني”، في خانة المذهب. وامتدت لعنة “سني” منذ الصفوف الابتدائية والثانوية، بصفتي “سنياً” غير مرغوب فيه بين الأصدقاء “السنة” لأنني أسكن في ضاحية بيروت. وكنت “سنياً” غير مرحب به في الضاحية، على رغم توافر شروط الشيعة في شخصي من اسم عائلتي “شحرور” وسكني في الضاحية، إلى قريتي في الجنوب. ما هذه المأساة، “لا هوليك راضيين ولا هول راضيين”؟

الحمد لله وبعد 30 عاماً، المشهدية ذاتها عادت، حين قال أحد الأصدقاء مستغرباً، “سني! من بيت شحرور ومن الجنوب وساكن بالضاحية… لا وبتسوق BMW”. 

أسباب هذه الحوارات الطائفية، لا تعد ولا تحصى، فهي تراكمات لعقود من أزمات نظام طائفي وحرب أهلية واستقطاب اقليمي. لسنوات اعتقدنا ان الخطاب الطائفي والمذهبي هو قدر لبنان وعلى هذا الأساس تصرف الزعماء في بلدنا، وعلى هذا الأساس حصلت الانتخابات وترسخ الانقسام.

لكن الانتفاضة اللبنانية أتت لتعيد فينا بعض الأمل ولتقول إن هناك هوية لبنانية جامعة تتجاوز المذهب والدين، لكن الأسابيع الأخيرة تشهد هجمة مضادة من زعماء الطوائف والأحزاب والسياسيين الذين لا يناسبهم أن تكون هناك لغة جامعة فشرعوا يحاولون استعادة النفس المذهبي بشتى الوسائل.

خطابات الأمين العام لـ”حزب الله”، وعناوين من نوع، “الحرب على الشيعة”، إلى جانبها، مركز رئاسة الحكومة والطائفة السنية، ورئيس “تيار المستقبل”، والإحباط السني في التداول السياسي والشعبي، وحقوق المسيحيين وهي العبارة الأثيرة لدى “التيار الوطني الحر”.

رئيس الحكومة المكلف حسان دياب

النقاشات حول الشارع السني أعادتني الى بدايات وعيي حول معنى هذا، خصوصاً وأنا أتابع نقاشات هذا الشارع اليوم. فالشارع السني جزء عضوي وفاعل في الانتفاضة، بل وهتفت معاقل “سنية” ضد تيار المستقبل وضد رئيس الحكومة سعد الحريري في طرابلس وعكار. إلا أن اختزال هؤلاء بكرسي حكومي، خصوصاً بعد استقالة سعد الحريري، جعل كثيرين ممن اندفعوا بحق خلف خيارات وطنية للشعور بأنهم تعرضوا للخيانة. وحركة الاحتجاج الحاصلة ضد الرئيس المكلف الحالي، حسان دياب، لا تختزل فقط بمنطق أنه شخصية سنية انتخبها “حزب الله”. رفض المعترضين على تسمية حسان دياب تعود لكونه ابن منظومة المحاصصة، وكلامه عن تشكيل حكومة اختصاصيين، لا يبدو مقنعاً، طالما أن الأحزاب هي التي ستقترح أسماء الاختصاصيين. 

الغضبة “السنية” يحاول تيار المستقبل والرئيس الحريري بلا شك الاستثمار فيها تحت شعار أن “السنة بخطر”، لكن ربما كان من الأفضل لهذا الفريق أن يراجع نفسه قبل أي أحد آخر، فأين انماء مناطق البؤس السني في الشمال وطرابلس وبيروت وأين مال السنة؟ أليس بخطر؟ وهو بخطر لأنه في “بنك البحر المتوسط”، بنك “السنة”، الذي يملكه الحريري… ولو كان الحريري خائفاً على مال السنة كما هو خائف على “كرسي السنة” لكان حرر أموال جمهوره… لكنه لم يفعل. 

الأسماء التي تداولتها السلطة لرئاسة الحكومة، من سعد الحريري إلى سمير الخطيب، ومحمد الصفدي، وحسان دياب وغيرهم هي أسماء أولاد السلطة والتسوية السياسية. هم رجال أعمال داخل المعترك السياسي بشروط المحاصصة فقط لا غير. الشارع يريد سياسياً مستقلاً مؤهلاً، قبل أن يحمل ديناً أو طائفة أو مذهباً. 

الشارع يريد أن يرفع من شأن المواطنة وأن يلغي كل ما هو طائفي. إن كنا كمواطنين بخير، سنكون سنة أو شيعة أو موارنة… بخير أيضاً.