fbpx

لبنان: كيف يتحكم المصرف بشاشات التلفزيون؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إعلانات المصارف تحاصر كل الشاشات اللبنانية، لا سيما تلك التي قدمت نفسها بصفتها شاشات الثورة. وهذا ما يطرح أسئلة أخلاقية حول موقع هذه الشاشات، ومسؤوليتها عن فعل “سوء الأمانة” الذي مارسته المصارف.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انتقلت رعاية بنك “سوسيتيه جنرال” من برنامج “كلام الناس” الذي كان يقدمه الإعلامي مارسيل غانم على شاشة “أل بي سي” إلى برنامج “صار الوقت” الذي يقدمه الإعلامي نفسه ولكن على محطة “أم تي في”. هذه الرعاية المصرفية لأهم برنامج سياسي لبناني مستمرة إلى اليوم، وهي تعكس بدقة موقع الإعلام التلفزيوني من المواجهة الجارية بين المصارف والانتفاضة اللبنانية، ومن خلفها أكثر من مليون مودع مارست هذه المصارف عملية سوء أمانة حيال مدخراتهم. ومن الطبيعي والحال هذه أن تقف محطات التلفزيون إلى جانب المصارف في هذه المواجهة.

والحال أن مارسيل غانم ليس لوحده وإن كان يشكل ذروة في عملية إخضاع المصرف للإعلامي، إلا أن إعلانات المصارف تحاصر كل الشاشات اللبنانية، لا سيما تلك التي قدمت نفسها بصفتها شاشات الثورة، أي “أل بي سي” و”نيو تي في” و”أم تي في”، وهذا ما يطرح أسئلة أخلاقية حول موقع هذه الشاشات، ومسؤوليتها عن فعل “سوء الأمانة” الذي مارسته المصارف، لا بل عن حصتها من عملية “الهندسة المالية” التي سطت المصارف عبرها على مدخرات المودعين. والسؤال هنا يصبح وجيهاً عن مدى خضوع حسابات محطات التلفزيون لـلـ “capital control”، طالما أنها شريكة المصارف في التغطية على فعلتها الكبرى.

والحال أن أول غيث العلاقة بين المصارف ومحطات التلفزيون، ومنها التي قدمت نفسها بصفتها “شاشات الثورة”، تمثل في ضعف تغطية التظاهرات التي استهدفت مصرف لبنان والمصارف التجارية، وفي كثافة حضور ممثلي هذه المصارف في البرامج السياسية، وفي الحرص على تغطية الفعاليات التي سعت بعض المصارف إلى المشاركة فيها في سياق محاولات صد التهم الموجهة إليها.

في وضع طبيعي، وفي سياق ثورة على المصارف، لا تعني رعاية مصرف لبرنامج سياسي على محطة تلفزيونية سوى فضيحة مهنية لهذه المحطة وللبرنامج السياسي وللإعلامي الذي يقف وراءه. لكن غانم لا يملك على ما يبدو حساسية من هذا النوع. استمر في العلاقة مع SGBL، على رغم إقدام المصرف على الحجز على ودائع زبائنه. الموقع الطبيعي لغانم والحال هذه سيكون إلى جانب ممول برنامجه. من حقنا كمشاهدين أن نعتقد ذلك، ومن حقنا كمودعين أن نطالب المحطة بتوضيح عن سبب وقوفها إلى جانب المصرف الذي يمارس فعلاً غير قانوني بحقنا!

الحال أن أول غيث العلاقة بين المصارف ومحطات التلفزيون، ومنها التي قدمت نفسها بصفتها “شاشات الثورة”، تمثل في ضعف تغطية التظاهرات التي استهدفت مصرف لبنان والمصارف التجارية.

لكن السؤال يمتد إلى نشرة أخبار تلفزيون “الجديد” التي يسبقها إعلان “بنك لبنان والمهجر”! والسؤال هنا أخلاقي ومهني، ذاك أن قبول المحطة بتمويل المصرف في لحظة مواجهة كبرى بين المصارف وبين أكثر من مليون مودع يعني وقوف المحطة إلى جانب الجاني، وحجبها ظلامة الضحية. أما مهنياً، فالاختلال واضح، والوسيلة الإعلامية لها مصلحة في قصة مجتزأة عما يحصل.

“أل بي سي” لم تنجُ بدورها من كرم المصارف، لا بل أن الكرم مضاعف في حالتها، فإعلانات المصارف تعاقبت على نشرتها الإخبارية من كل حدب وصوب. “بنك بيبلوس” و”بنك ميد” و”بلوم بنك” و”فرنسا بنك” و”بنك عودة”، جميعها تعلن بالقرب من الأخبار التي تنقلها “أل بي سي” عن التظاهرات وعن فعاليات الانتفاضة. وهذا ما يدفع طبعاً إلى التساؤل عن مدى نجاة المضمون الصحافي من تأثير معلن اختار أن يسبق الخبر أو أن يعقبه. فمن الملاحظ مثلاً أن نشرات الأخبار ركزت في تعريفها الفساد على فضائح الفساد الصغرى التي أقدم عليها موظفون، وإضافة إلى إغفالها مسؤولية المسؤولين السياسيين عن هذا الفساد، سعت إلى تحييد المصارف. وهذه الأخيرة عادت وتبنت خطاب مكافحة “الفساد” بوصفه فعل تسيب في الإدارة، لا بوصفه جزءاً من سياسات كان المصرف في صلبها. فقد أعلن مثلاً صاحب “بنك الموارد” مروان خير الدين أنه مع الثورة طالما أنها تهدف إلى “محاربة الفساد”، وهو كان نجماً تلفزيونياً على مدى أيام الانتفاضة كلها، لكن الفساد الذي يتحدث عنه هو الـ”ميكروفساد” وهو فعلاً قد يكون متضرراً منه، لكن الـ”ماكروفساد” أي ذلك المتمثل بالسطو على عشرات المليارات من الدولارات، هي ودائع اللبنانيين في المصارف، فهو ليس فساداً في عرف خير الدين وفي عرف محطات التلفزيون اللبنانية. 

لا تعني رعاية مصرف لبرنامج سياسي على محطة تلفزيونية سوى فضيحة مهنية لهذه المحطة وللبرنامج السياسي وللإعلامي الذي يقف وراءه.

المصارف ليست معلناً تجارياً في لبنان. إنها طرف أساسي في هذه المواجهة. إنها سلطة، لا بل هي سلطة فاسدة خرقت القوانين ومارست سوء أمانة حيال المودعين، وتولت تمويل الفساد، ووزعت الغنائم ورشت الأحزاب. 

المصارف تُعلن في تلفزيون “أو تي في” ليس لأن الإعلان في هذه المحطة يصيب زبائن يريد المصرف أن يجذبهم، إنما تعلن فيه إرضاء لنفوذ جبران باسيل، وكونها شريكته في الغنائم وفي الحصص، وتعلن في برنامج “صار الوقت” لأسباب غير تجارية وترويجية، إنما بهدف ضبط المضمون التحريري لفقراته. وعلى هذا النحو نجحت المصارف في إيجاد حليف قوي لها يعينها في المواجهة التي يخوضها شباب الانتفاضة والمودعون من ضحايا ارتكاباتها. 

إذا كانت الانتفاضة نجحت في ضم المصارف إلى “كلن يعني كلن”، لا بل إلى تصدرها “كلن يعني كلن”، فإن محطات التلفزيون اللبنانية هي ابنة نظام المحاصصة والفساد نفسه، وهي مُنحت التراخيص بناء على هذه المحاصصة، وتوزعت الحصص الإعلانية بناء عليها أيضاً. والفساد تمدد إلى الشرايين الداخلية لهذه المحطات بحيث فقدت الكثير من الحساسيات المهنية والأخلاقية الضرورية في هذه المهنة، وصار بإمكان مارسيل غانم أن يعلن في عز أيام الانتفاضة أن برنامجه برعاية SGBL، من دون أن يرف له جفن.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!