fbpx

مقتل قاسم سليماني: هل الردّ مؤجل؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

الأرجح أن رد طهران لن يكون وشيكاً، لا بل أن عبارة “المكان والزمان المناسبين” توحي بأن لا رد الآن، لكن طهران تجيد الاستثمار في “الجفلة” التي يُحدثها الخوف من ردود الفعل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وفي اليوم الثاني على قتل المارينز الجنرال قاسم سليماني ظهر أن هامش الرد الإيراني ضيق، والأرجح أنه مؤجل. واشنطن متحفزة، وقواتها في العراق مستمرة باستهداف مواقع ومواكب لقادة في الحشد الشعبي. بالأمس قصفت طائرة أميركية موكباً للحشد في منطقة التاجي شمال بغداد، وقادة الحشد، لا سيما منهم قيس الخزعلي، اختفوا، وثمة أخباراً غير موثقة عن أنهم غادروا إلى إيران، وعن أن آخرين من قادة الصف الثاني غادروا إلى بيروت. الرد في العراق اليوم سيكون استدراجاً لضربات أميركية أشد قسوة، وربما عرض الأجواء الإيرانية لامتحانات لا يبدو أن طهران مستعدة للخوض فيها.

في واشنطن اليوم دونالد ترامب، رجل لا يمكن أن يتوقع أحد نوع ردود أفعاله، لكنه الآن في مزاج انقضاضي. وطهران سبق أن اختبرت ضعف حساسيته حيال إسقاطها طائرة الاستطلاع في الخليج، لكنها اليوم اختبرت نوعاً ثانياً من ضعف الحساسية، فالرجل غير مكترثٍ بـ”سيادة” العراق ولا بتوازنات الاشتباك اليومي مع الإيرانيين فيه، لا بل هو غير مكترث بإدارته نفسها، ذاك أنه أعطى الأمر بقتل سليماني من دون العودة لأحد في البنتاغون. لا شك في أن طهران تأخذ هذا الأمر في الاعتبار حين تفكر في الرد، خصوصاً في العراق. 

ستحاول إيران مقايضة دماء جنرالها باستعادة نفوذها المهتز بفعل الانتفاضات. وعلى هذا الصعيد، سيكون نفسها أطول من نفس واشنطن التي لطالما تراجعت في نصف الطريق

بالأمس تحدث ترامب عن بنك أهداف كبير بحوزته، وبعد ذلك أغارت الطائرة على موكب الحشد في التاجي. أرسل ثلاثة آلاف جندي إضافيين إلى القاعدة الأميركية في الكويت، وصرح مسؤول أميركي عن احتمال إرسال جنود لحماية السفارة في بيروت. هذا الكلام غير المكترث لسيادة الدول المعنية فيه، هو كلام “ترامبي” بامتياز. يريد الرئيس أن يرسل جنوداً إلى لبنان! وهو أرسل جنوداً إلى الكويت، الدولة الصغيرة المجاورة لإيران، والتي لا ترغب بتوتير العلاقة معها. كل هذا لا قيمة له في حسابات الرجل.

رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبدالمهدي مشاركا في تشييع سليماني والمهندس في بغداد

إنما ثمة مشهد آخر ينفرج فيه موقع طهران، وتظهر فيه واشنطن في موقع “المعتدي”، فالتشييع الذي شهدته بغداد اليوم لمن هم في عرف واشنطن “أشرار” شاركت فيه الدولة العراقية بغالبية أركانها. عُزفت للجنائز ألحان القوى المسلحة الرسمية، وتقدم المشيعين رئيس الحكومة المستقيل، وقدم رئيس الجمهورية العزاء وكذلك رئيس البرلمان، وممثلو المرجعية الدينية، ومشى خلف الجنازة عشرات الآلاف. هذا المشهد يضع واشنطن في موقع غريب، فقواتها تقيم في المنطقة الخضراء وفي قواعد قرب المطار، وطائراتها مستمرة بشن غارات على مواكب الحشد وعلى قادته. هذه لحظة عراقية غريبة ونادرة، ومن الصعب على المرء تحديد ما تعنيه، لكن الأكيد أن موقع واشنطن قبل الغارة هو غيره بعدها. فالعراق الرسمي والعراق “الشيعي” أبّنا من تعتبرهم الولايات المتحدة أشراراً، ومن تتهمهم بالوقوف وراء قتل أميركيين. هذه المفارقة سيُبنى عليها لاحقاً، وسينجم عنها فرز حاد في علاقة البيت الأبيض مع أطراف السلطة في العراق. والأرجح أن يكون لمشهد التشييع ارتدادات على انتفاضة العراقيين على الحكومة الشيعية، ذاك أن المنتفضين سيكونون هذه المرة عرضة لمزيد من التخوين والأرجح لمزيد من العنف في مواجهتهم.

الأرجح أن رد طهران لن يكون وشيكاً، لا بل أن عبارة “المكان والزمان المناسبين” توحي بأن لا رد الآن، لكن طهران تجيد الاستثمار في “الجفلة” التي يُحدثها الخوف من ردود الفعل. في العراق، مشهد التشييع سيمتد إلى تثبيت قادة الحشد في الحكومة المقبلة، وفي بيروت ستنقض دولة “حزب الله” على الانتفاضة وستتخفف من شروط المنتفضين أثناء تشكيلها الحكومة.

سيكون رد طهران أفقياً بهذا المعنى، وستحاول مقايضة دماء جنرالها باستعادة نفوذها المهتز بفعل الانتفاضات. وعلى هذا الصعيد، سيكون نفسها أطول من نفس واشنطن التي لطالما تراجعت في نصف الطريق، حالما يشعر سيد البيت الأبيض بأن المهمة في الحدود الأميركية قد أنجزت.

لا شك في أن طهران اليوم في موقع لا تحسد عليه، ليس ميدانياً وحسب، إنما اقتصادياً أيضاً بفعل العقوبات والحصار. وإذا كانت الأصوات العالية في محور الممانعة لا قيمة لها في هذا المشهد وهذا الاستعصاء، وبالتالي فان الرد لن يكون مزلزلاً، فإن ابتلاع الخسارة قد يكون أفقاً لحماية النفوذ، وربما لتزخيمه.