fbpx

رثاء “الحاج قاسم” في إعلام الممانعة … الجنرال يقتلُ عن حق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

سيرة الجنرال كما تبنيها أجهزة الممانعة لا تحتمل ضحايا من أطفال ونساء، ولا مهجرين ومعذبين، هي، على العكس، تنبذ هؤلاء وتردهم إلى صفة “الإرهابيين”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يكرس إعلام الممانعة قاسم سليماني بوصفه “شهيداً” فحسب، بل هو” فارس نبيل” و”أب” و”متواضع” و”خلوق” وقريب من القلب”، و”روحاني”، لكن أيضاً، “سفاح ” و”مرعب” و”رجل مهام قذرة” حين يتعلق الأمر بأميركا وإسرائيل. 

وتوزيع الصفات تبعاً للوظيفة، يفترض أنسنة متناقضة، تحيل الرجل إلى الخير المطلق مع قومه، وإلى الشر المطلق مع عدوه. حيث أن الأنسنة محكومة بالوظيفة والدور داخل الحرس الثوري وليس في العلاقات وطبيعة المجتمع واكتشاف الذات ومراحل تطورها. وعليه، سيرة الحاج المقتول بصواريخ أميركية، جرى تحقيبها في صحيفة قريبة لـ”حزب الله” بتحولات ثورة الخميني، وما تلاها من حروب. ما يعني أن محاولات الأنسنة التي بذلت في أجهزة الممانعة الإعلامية كرست ضدية تحيل القتيل إلى وظيفة تتسرب منها بعض الصفات الإنسانية أحياناً. 

صورة وزعها مكتب المرشد خامنئي تجسد الإمام الحسين محتضناً سليماني

وما المبالغة في إسباغ مديح الشهادة على القتيل سوى تكريس الرجل – الدور، بوصفه ما فوق إنساني، يحظى بمزايا الأولياء والأنبياء، وكأن ضعف الإنساني يعوّض بالميتافيزيقي في استلهام لأدبيات دينية غالباً ما تستحضر لوصف “الشهداء” الذين ينكرون ذواتهم في حياتهم. ففي جولة في العراق، على ما تسرد صحيفة ممانعة، “كانت مجموعة من المقاتلين تأخذ استراحة محارب، بينهم شاب عشريني يرتدي كنزة خفيفة ويبدو عليه التأثر ببرودة الجو. ما إن اجتازت سيارة (سليماني) جوار المجموعة حتى طلب الحاج قاسم من المستشار الذي كان يقود السيارة التوقف فورا. وسط تفاجؤ الجميع، فتح باب السيارة ونزل سريعا متوجها نحو مجموعة المقاتلين. ارتبك مرافقو الحاج، وسارعوا إلى اللحاق به خشية عليه من العبوات. اقترب الجنرال مبتسماً من ذاك المقاتل، مدّ يده إلى جيب السترة التي كان يرتديها، أخرج منها بعض الأوراق، ثم خلعها ووضعها على كتفي المقاتل المذهول، تناول رأسه بيديه وطبع قبلة على جبينه ثم قفل عائدا إلى السيارة. فيما كان المرافقون يلملم بعضهم البعض الآخر، تقدم أحدهم نحو الشاب وسأله: هل تعرف من هو هذا الشخص؟ نفيٌ بريء عكسته سريعا ملامح الشاب، قبل أن يأتيه الجواب من السائل: هذا الحجي قاسم، هنيئا لك سترته”.

“الولي” إذا يقوده وحي ما نحو الجندي المسكين، ليمنحه عبر سترته الخلاص المباشر من البرد، واللامباشر من الأخطار، في استحضار للسرديات الدينية التي يتخفف فيها الإنساني لصالح الغيبي، ويصبح فيها موقف التعاطف البديهي إلى معجزة وأمثولة.

“الولي” الملهم تتأرجح صورته بين أدوار تستخدم الصفات الإنسانية لتجميله، و”استشهاد” يحيله إلى ضرورة معصومة، حتى حين يمارس القتل يمارسه عن حق، وهذا تحديداً ما هدف إليه إعلام الممانعة في تركيب صورة قاسم سليماني.

القناة الناطق باسم “المقاومة” في لبنان، تحاول في تقرير لها تجميع صورة الجنرال القتيل التي أصابها التبعثر بين الإنساني والوظائفي والميتافيزيقي، فتخلط بين مشاهد، طفل يعانق سليماني، وآخر يقدم له وردة، وبين مشاهد له على الجبهات وأخرى وهو يسجد ويصلي، في سعي مفتعل للإيحاء أن الرجل هو كل ذلك، في حين أن ما يبدو هو تناقض وتفسخ في شخصية الجنرال، وكأننا حيال ثلاثة رجال، يمدهم إعلام الممانعة بالصفات، لخداع مشاهديه بأنهم واحد.

والإعلام ذاته إذا يفتعل أنسنة القتيل الذي مارس هواية الإشراف على المجازر في سوريا والعراق، يحيل الأخيرة إلى وظائف استراتيجية نذر الجنرال حياته لتحقيقها. فطبقاً لجريدة الممانعة “في العام 2011، تنبّه الحاج مبكراً لما يخطط لسوريا. بعد فترة قصيرة من المراقبة، اتخذ قراراً بتعزيز دور المستشارين الإيرانيين هناك، بموجب الاتفاقات الموقعة مع بين طهران ودمشق، قبل أن يضع خطة عمل مبدئية تقوم على: أولاً، الحفاظ على الرئيس الأسد كشخص وموقع. ثانياً، الحفاظ على تماسك الجيش السوري”. الضحايا الذين سقطوا بسبب خطة سليماني يختفون خلف الوظيفة التي تكفل بها في الحفاظ على بشار وجيشه، ذاك أن سيرة الجنرال كما تبنيها أجهزة الممانعة لا تحتمل ضحايا من أطفال ونساء، ولا مهجرين ومعذبين، هي، على العكس، تنبذ هؤلاء وتردهم إلى صفة “الإرهابيين”.

“الولي” الملهم تتأرجح صورته بين أدوار تستخدم الصفات الإنسانية لتجميله، و”استشهاد” يحيله إلى ضرورة معصومة، حتى حين يمارس القتل يمارسه عن حق، وهذا تحديداً ما هدف إليه إعلام الممانعة في تركيب صورة قاسم سليماني.