fbpx

فلسطين: جدل وتهدئة ومستشفى أميركي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن مسيرات العودة ورفع الحصار أثمرت عن قرب التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد نسبياً، قد تصل إلى خمس سنوات بين حركة “حماس” وإسرائيل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يبدو أن مسيرات العودة ورفع الحصار أثمرت عن قرب التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد نسبياً، قد تصل إلى خمس سنوات بين حركة “حماس” وإسرائيل. وما تتناقله وسائل الإعلام الإسرائيلية عن ذلك ونفي حركة “حماس”، ترافقا مع إعلان الهيئة الوطنيّة العليا لمسيرات العودة في غزّة، تعليق مسيرات العودة في قطاع غزة حتى نهاية آذار/ مارس المقبل 2020. كل ذلك مؤشر إلى أن “حماس” مستعدة للتوصل إلى تهدئة.

تترافق هذه التطورات مع الأخبار التي تتداولها وسائل إعلام إسرائيلية وعربية عن صفقة تبادل أسرى بين الحكومة الإسرائيلية و”حركة حماس”، تتم بلورتها النهائية لإنجازها في الفترة القريبة المقبلة.

تعليق مسيرات العودة ورفع الحصار خلقت حالاً من الجدل في الساحة الفلسطينية بين مؤيد ومعارض. المؤيدون يرون أنها حققت إنجازات مهمة سياسياً واقتصادياً، فيما تتهم جهات أخرى بخاصة “حركة فتح” والسلطة الفلسطينية، “حركة حماس” بالتفرد في قيادتها وحرف مسارها السلمي وفقاً لمصالحها من أجل أهداف سياسية والاستمرار في حكم القطاع، وحرف الأنظار عن فشلها في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم للفلسطينيين في قطاع غزة. 

ووصف بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين الإعلان عن وقف مسيرات العودة بأنه خطوة دراماتيكية وقرار استراتيجي في أساسه من جانب “حماس”، وأن مسيرات العودة، كانت المرساة التي أعادت “حماس” بواسطتها مصالحها إلى الأجندة، وأعادت إسرائيل إلى طاولة المفاوضات. ويرى هؤلاء أن “حماس” تريد التهدئة لتتمكن من إعادة إعمار القطاع، وهي تخشى من أن استمرار الوضع الحالي، وبخاصة البطالة المرتفعة وأزمة البنية التحتية، ستزيد من انعدام الثقة بها وتعزز قوة معارضيها.

تترافق هذه التطورات مع الأخبار التي تتداولها وسائل إعلام إسرائيلية وعربية عن صفقة تبادل أسرى بين الحكومة الإسرائيلية و”حركة حماس”.

كما أن هناك إجماعاً واسعاً في القيادة السياسية الأمنية الإسرائيلية حول التهدئة، والسبب المركزي لذلك هو الرغبة في التركيز على التهديد الإيراني والجبهة الشمالية، والمصلحة الإسرائيلية الأبرز هي تفضيل تهدئة في غزة الآن، لتعيد الهدوء المنشود إلى بلدات غلاف غزة. 

مسيرات العودة انطلقت في 30 آذار 2018، احتجاجاً على استمرار فرض إسرائيل حصاراً خانقاً، قوض مقومات حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، ومنذ انطلاقها سقط حوالى 364 شهيداً، بينهم 15 تواصل سلطات الاحتلال احتجاز جثامينهم، و47 طفلاً، وامرأتان، و9 من ذوي الحاجات الخاصة، و4 مسعفين، وصحافيان. كما أصيب 19173 شخصاً، بينهم 4987 طفلاً، و864 امرأة، ومن بين المصابين 9506 أصيبوا بالرصاص الحي، بينهم 2127 طفلاً، و190 سيدة. 

وعلى رغم نفي “حماس” عقد تهدئة طويلة، إلا أن الحكومة الإسرائيلية بحثت البنود الأساسية لـ”التسوية” في قطاع غزة، التي توصل إليها رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شابات في مباحثات غير مباشرة مع حركة “حماس” بوساطة مصرية.

ووفقاً لما ذكرته “القناة 12 الإسرائيلية”، فإن المباحثات تتواصل في وتيرة عالية بعد نقل رسائل من “حركة حماس” عبر مصر لإسرائيل، في أعقاب اغتيال القيادي العسكري في الجهاد الإسلامي، بهاء أبو العطا، ما خلق فرصة لإحداث تحول استراتيجي في العلاقات، وفي حينه لم تشارك “حماس” في الرد على إسرائيل وتركت “حركة الجهاد الإسلامي” وحيدة في الرد على اغتيال أبو العطا.

وبذلك تجدد الجدل في الساحة الفلسطينية ووجهت اتهامات لـ”حركة حماس” بالتخلي عن الجهاد. وكان سبق ذلك خلاف بين أبو العطا وقيادة “كتائب القسام”، قبل أسبوع من استشهاده على خلفية إطلاق عدد من الصواريخ من دون تنسيق مشترك، وشكل هذا الإطلاق، ربما دليلاً، على تحفظ الجهاد الإسلامي على أداء “حماس” في أكثر من موقف.

وأبدت “حماس” حرصاً على ألا تصل الأمور إلى عدوان إسرائيلي ومواجهة قد لا يحتمل نتائجها الفلسطينيون في قطاع غزة، وصعوبة الحصول على إنجاز سياسي في ظل أوضاع سياسية إسرائيلية خاصة ودولية وإقليمية غير مناسبة لها. مع العلم أن مسار مفاوضات التهدئة كان بوتيرة مرتفعة، ووضع “حماس” في موقف سياسي محرج، إذ بدت وكأنها تخلت عن حليفها الاستراتيجي “حركة الجهاد الإسلامي”، بخاصة أن وفداً قيادياً من “الجهاد” ومن ضمنه أبو العطا، زار القاهرة في محاولة لتثبيت قواعد التهدئة في غزة.

تعليق مسيرات العودة ورفع الحصار خلقت حالاً من الجدل في الساحة الفلسطينية بين مؤيد ومعارض.

إسرائيل ستتعهد في الاتفاق بتقديم تسهيلات مدنية لسكان القطاع، منها زيادة التصاريح الممنوحة للتجار للخروج من القطاع عبر المعابر مع إسرائيل بشكل تدريجي، وزيادة مساحة الصيد في البحر، ودفع مشروع مد أنبوب غاز في القطاع، وزيادة في إدخال المعدات إلى مستشفيات القطاع. في المقابل، ستتعهد “حماس” بمنع إطلاق القذائف الصاروخية من القطاع، وستقوم بالتقليص التدريجي لمسيرة العودة الأسبوعية على الحدود، وصولاً إلى إلغاء المسيرات نهائياً.

وسبق ذلك اتهامات ومناكفات على موافقة إسرائيل على إقامة مستشفى أميركي جاء ثمرة تفاهمات إنسانية غير منفصلة برعاية مصرية قطرية أممية، ولا معلومات صريحة وحقيقية. 

وكان بدأ الحديث عن موافقة إسرائيل على إنشاء مستشفى أميركي في شمال قطاع غزة لتحسين الخدمات الصحيّة، وذلك على إثر التفاهمات الإنسانية التي توصلت إليها فصائل المقاومة المشاركة في مسيرات العودة، ورفع الحصار والاحتلال بوساطة مصر وقطر والأمم المتحدة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وفي أيّار/ مايو 2019، تم استكمال العمل على فكرة تطوير المستشفى الأميركي بوساطة مصريّة وأمميّة، وتمويل قطريّ وأميركي.

وصل إلى غزة في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وفد أميركيّ لتفقّد المستشفى والإشراف على دخول بقيّة المعدّات، وفي اليوم التالي دخلت دفعة من معدّات المستشفى الميداني الأميركي.

وجاءت إقامة المستشفى لتكشف بوضوح عن حقيقة أن المصير الفلسطيني لم يعد بيد الفلسطينيين‏، وأن مفاتيحه انتقلت إلى الوسطاء والرعاة‏، ومن ثم ذهب مؤشر الانكسار إلى مدى أبعد‏، بحيث صار الفلسطينيون مفعولاً بهم، ولم يعودوا فاعلين.

المصلحة الإسرائيلية الأبرز هي تفضيل تهدئة في غزة الآن، لتعيد الهدوء المنشود إلى بلدات غلاف غزة. 

حفلة الجدل والمناكفات المستدامة بين السلطة الفلسطينية و”حركة فتح” من جهة و”حركة حماس” من جهة أخرى، حول إقامة مستشفى أميركي شمال قطاع غزة، ليس نابعاً من كراهية للولايات المتحدة الأميركية أو الخطر الذي قد يشكله وجود مستشفى وعاملين أميركيين فيه بحسب منتقدين لـ”حماس”، وقناعة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وغيره في “حركة فتح” بأن 99.9 في المئة من الأوراق في يد الولايات المتحدة.

لم يعد أمام الفلسطينيين وقت كبير للاجتهادات في وصف ما يحصل في فلسطين حول إقامة مستشفى أميركي، في ظل الاستفراد الأميركي والإسرائيلي في الفلسطينيين‏ وحصار قطاع غزة لفصله، ‏ فلا أعتقد أن أحداً يختلف على أنها حرب على وجود الفلسطينيين، والذين يساهمون في فضح عورات الواقع الفلسطيني والأوهام الني علقها الرئيس عباس على الولايات المتحدة‏.‏

المفارقة في تعليق مسيرات العودة والنقد الشديد من “حركة فتح” عن قرب التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد، وإقامة المستشفى الأميركي ليس في التوقيت‏، ذلك أن المشهد مخزٍ وباعث على الرثاء، في حين يجوع الناس في قطاع غزة بفعل الحصار والانقسام وإجراءات عقاب غزة من السلطة وعملية الفتك الإسرائيلي بالفلسطينيين تتواصل في غزة‏‏.

طبيعي أن تستمر هذه الحال مع 13 عاماً من الهزيمة والانكسار وتنكيس الرؤوس‏، واستمرار صلف الإدارة الأميركية وقراراتها لتصفية القضية الفلسطينية، ولا حدود ولا مساس في حق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها بالوسيلة التي تراها مناسبة حتى لو كان ذلك تصفية الوجود الفلسطيني على أرضه.

جاءت إقامة المستشفى لتكشف بوضوح عن حقيقة أن المصير الفلسطيني لم يعد بيد الفلسطينيين‏.

يعيش الغزيون انتظاراً طويلاً منذ سنوات وفقدوا الأمل من الانتظار والوعود، ويبدو أيضاً أن “حركة حماس” فقدت الأمل، وقد تكون غير معنية بإنهاء الانقسام، وتركز اهتمامها على رفع الحصار بعقد هدنة طويلة الأمد، من طريق تحسين شروط حياة الناس وليس رفاههم، ويبدو أن إسرائيل تعمل على فكفكة الحصار وليس رفعه نهائياً. وما تقوم به هو تسهيلات اقتصادية مشروطة بقيود تستطيع التحكم باستمرارها وتوقفها وفق مصالحها ومدى التزام الفصائل الفلسطينية بالتهدئة. 

إسرائيل تكرر المكرر وسط نفي لوجود خلافات داخل جهاز الأمن “الشاباك”، وبين الجيش الإسرائيلي، حول دخول عمال من القطاع إلى إسرائيل، فيما موقف الجيش هو السماح بدخول عمال، بينما “الشاباك” يعارض ذلك بذريعة أن قسماً من العمال يمكن أن يشكلوا “خطراً أمنياً”. وهذا هو الأساس، فإسرائيل تعمل وفق مصالحها ولن تغير موقفها تجاه الفلسطينيين معتبرة أنهم خطر أمني مهم. سواء نفت “حركة حماس” أو لم تنف حقيقة قرب التوصل إلى تهدئة، فإن ذلك لن يحل أزمات الفلسطينيين المستمرة، وواقع أنهم ما زالوا تحت الاحتلال، ويقومون بعملية تدمير ذاتي لمشروعهم الوطني.