fbpx

الحكومة التونسية الجديدة: “النهضة” تسيطر وحجب للنساء والاستقلالية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تتجاوز النسبة الحقيقية للنساء في حكومة الجملي 24 في المئة!

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“انتظرتُ منكم سؤالاً معيّناً ولكنكم لم تطرحوه”. ثم أشار بسبابته إلى ثلاث صحافيات جالسات في الصف الأمامي مضيفاً: “انتظرت منكن أن تسألنني على عدد النساء في الحكومة، لكن لم يسألني أحد”.

هكذا خاطب الحبيب الجملي رئيس الحكومة التونسي المكلف الصحافيين، مؤكداً أن حكومته ستكون 40 في المئة منها نساء. تحدث يومها الجملي بكل ثقة باسماً وأصر على توجيه خطابه للصحافيات تحديداً، “تحبوا التناصف؟ احنا قربنا له… المرة الجاية إن شاء الله”

رئيس الحكومة المكلف حبيب الجملي

خطاب وصفته ناشطات نسويات بالأسطوانة المشروخة، لا سيما بعدما أثبت عدم صحته بعد يوم واحد من الإعلان الرسمي عن تشكيل الحكومة. وتضمنت القائمة الاسمية للفريق الحكومي التي استلّمها رئيس الجمهورية قيس سعيد، 10 نساء فقط من أصل 43 وزيراً، اختارهن الجملي بين وزيرات وكاتبات دولة. وهنا لا تتجاوز النسبة الحقيقية للنساء في حكومة الجملي 24 في المئة.

رئيسة “الاتحاد الوطني للمرأة التونسية” راضية الجربي استنكرت ضعف تمثيل المرأة في حكومة الجملي، ودعته في بيان رسمي إلى تدارك الأمر بتعيين العنصر النسائي سفيرات وقناصل وولاة وغيرها من الوظائف العليا في الدولة.

رئيس الحكومة المكلف علّل غياب العنصر النسائي بصعوبة الولوج إليهن كما قال وأنه في حاجة ماسة إلى قاعدة بيانات لـ”الكفاءات” عموماً وتلك النسوية خصوصاً، حتى يسترشد منها هو واللاحقون من المكلفين بالحكومات.

“تحبوا التناصف؟ احنا قربنا له… المرة الجاية إن شاء الله”

لكن رئيسة “الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات” يسرى فراوس تخالفه الرأي وتدحض ما يقول، مؤكدة لـ”درج” أن الجملي هو من صدَّ آذانه ومجالسه عن النساء فتمنّعن عن الانضمام إلى حكومته وليس العكس، “منذ النقاش الأولي والمفاوضات حول تشكيل الحكومة لفتنا الانتباه إلى أن الجملي لا يتناقش مع كل الأطراف، وأشرنا إلى غياب النساء عن مجالسه، وقد توقعنا هذه النتيجة الهزيلة”. وأكدت فراوس أنه “لم تكن هناك إشارة واحدة في خطابه السابق إلى حقوق النساء وهو ما منع النساء من الإقبال إليه، بسبب تبنيه خطاباً لا يحتويهن”.

رصدنا في هذا التقرير أكثر من 20 لقاء عقدها الجملي خلال الشهر الأخير من المشاورات حول تشكيل الحكومة، لعلّنا نظفر باستنتاج ولو قريب من الواقع حول إن كانت هناك رغبة حقيقة لديه في إشراك المرأة في الحكومة المقبلة أم هي مجرد خطب لترويج حكومته. ويبدو أن الاحتمال الثاني هو الأوفر حظاً قياساً إلى العدد القليل من النساء اللواتي قابلهنّ، وإبعادهنّ بالتالي من دائرة الترشيحات.


سعاد عبد الرحيم إحدى أهم قيادات “حركة النهضة” والرئيسة الحالية لبلدية تونس

فمن الغريب أن يلتقي الجملي سعاد عبد الرحيم إحدى أهم قيادات “حركة النهضة” والرئيسة الحالية لبلدية تونس، حتى يتناقش معها في تشكيل الحكومة. فهي تشغل وظيفة رسمية ولن تكون لها حقيبة وزارية حكماً. والتقى الجملي كل من فاطمة قرط رئيسة “اتحاد قضاة محكمة المحاسبات”، وامرأتين عن نقابة القضاء الإداري وسيدة كفيفة عن المنظمة التونسية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الحاجات الخاصة.

الاستاذة في علم الاجتماع والناشطة الحقوقية فتحية السعيدي تؤكد لـ”درج” أن “تصريح الحبيب الجملي القائل بصعوبة الوصول إلى الكفاءات النسوية يعكس عقلية متجذرة داخل المجتمع التونسي”، مؤكدة أن الفضاء السياسي حكر على الرجال فقط. وترجح السعيدي غياب العنصر النسائي في الحكومة المرتقبة لصعود التيارات المحافظة في الانتخابات الفائتة وهيمنتها على المشهد السياسي.

تضمنت القائمة الاسمية للفريق الحكومي التي استلّمها رئيس الجمهورية قيس سعيد، 10 نساء فقط من أصل 43 وزيراً.

السعيدي ترى أيضاً أن وجود 10 نساء فقط من أصل 43 عضواً في الحكومة هو تعدٍ صارخ على الفصل 46 من الدستور الدولة التونسية الذي وقع إقراره في 2014، الذي ينص على التزام الدولة حماية الحقوق المكتسبة للمرأة والعمل على دعمها وتطويرها. كما تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات. علاوة على ضرورة تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة واتخاذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء على العنف ضد المرأة.

وتستغرب السعيدي عدم وصول نسبة النساء في حكومة الجملي إلى الحد الأدنى على الأقل أي 30 في المئة، في حال فشله في تحقيق التناصف.

ومع الإعلان الرسمي لحكومة الجملي في الثالث من كانون الثاني 2020 ومن قبلها تسريبات أسماء الوزراء الجدد، انكشفت أكذوبة حكومة “الكفاءات المستقلة عن كل الأحزاب” التي أعلن عنها الجملي في وقت سابق. وشدد في تصريحه في كانون الأول/ ديسمبر 2019 على أن هذه الحكومة سيكون أعضاؤها أبعد من أن تطاولهم أيادي “حركة النهضة” نفسها التي عينته في هذا المنصب.

فراوس لم تستنكر في حديثها غياب العنصر النسائي فحسب، بل نددت بهذه التشكيلة الحكومية التي اعتبرتها موغلة في الزرقة النهضوية في إشارة إلى اللون الأزرق الرامز إلى علم “حركة النهضة”. تردف فراوس لـ”درج”، “تحقق للنهضة ما أرادته منذ 2011 واختارت شريكاً انتهازياً وهو حزب قلب تونس وما تبقى من الساحة السياسية القديمة، نساء ورجالاً تجمعهم راية البيروقراطية ولديهم هواء سياسي واضح إما نهضوي أو انتهازي يبحث عن التموقع والمصالح. كما أن هذه الحكومة تأتي في إطار تنفيذ مطامح “النهضة” منذ سنوات بأن تحكم البلاد وتتمكن من السيطرة على السلطتين التنفيذية والتشريعية بعدما أحكمت قبضتها على السلطة القضائية”. 

وتعتبر فراوس أن هذه الحكومة ستكون مكلفة للشعب التونسي، بعدما كلفته شهرين من المفاوضات علماً أن لعبة الاستقلالية سرعان ما ستهوي أمام تأزم الوضع الاقتصادي في البلاد.

الباحثة في علم الاجتماع فتحية السعيدي بدورها تشاطر فراوس الرأي، مشيرة إلى أن “هذه الحكومة تقوم على الولاءات والميول السياسية. رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي هو نفسه ليس مستقلاً وقد عينته حركة النهضة”. لذلك ترى السعيدي أنه لن يتم تعيين أشخاص في اختلاف جذري وواضح مع “حركة النهضة” ومن دون رضاها.

رئيس الحكومة المكلف علّل غياب العنصر النسائي بصعوبة الولوج إليهن كما قال وأنه في حاجة ماسة إلى قاعدة بيانات لـ”الكفاءات” عموماً وتلك النسوية خصوصاً.

وعلى رغم أن الجملي أكد في مرات عدة أن تأخر الإعلان عن حكومته راجع إلى التحري عن مدى “استقلالية أعضائها”، إلا أن بعض الأسماء التي تم الإعلان عليها، أشار إلى عكس ذلك. 

ولعلنا نذكر كاتبة الدولة لدى وزير الصحة مها العيساوي التي انتشر لها مقطع فيديو في حوار على قناة “فرانس 24″، بصفتها عضو المكتب السياسي لحزب “قلب تونس”. 

علاوة على صلة قرابة أخوية بين الوزير المقترح لحقيبة التشغيل والتكوين المهني حسين بن سعبد دبّش وجميلة الكسيكسي النائبة عن “كتلة حركة النهضة”.


سناء السخيري كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية

كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلفة بالديبلوماسية الاقتصادية والتونسيين في الخارج، سناء السخيري، انتشرت لها صورة على مواقع التواصل الاجتماعي بصحبة الأمين العام لـ”حركة مشروع تونس” محسن مرزوق.

إلا أن الحزب قال في بلاغ له إن السخيري عبرت عام 2017 عن رغبتها في الانضمام للحركة من دون انخراط فعلي أو مشاركة حزبية ومنذ ذلك التاريخ لا تربطها صلة بـ”حركة مشروع تونس”.

وزير الداخلية المقترح سفيان السليطي هو الآخر اعتبره مراقبون غير مستقل وله “ميول نهضوية” مبطنة بسبب تعامله مع ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد عندما كان ناطقاً رسمياً باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.

تقول السعيدي في هذا السياق: “الاستقلالية كذبة كبرى، وهي حجة لمن لا حجة له، لأنه ليس هناك شخص مستقل، يمكن أن يكون غير منتمٍ، إذ إن أفكاره وتوجهاته السياسية لا بد أن تكون قريبة من الحزب هذا أو ذاك أو تلك العائلة السياسية. المطلوب ليس الاستقلالية بقدر الاستقلال الذاتي حتى وإن كان مسيساً، إذ عليه أن يعي جيداً التفريق بين منصبه الحكومي وانتمائه السياسي”.

تستغرب السعيدي عدم وصول نسبة النساء في حكومة الجملي إلى الحد الأدنى على الأقل أي 30 في المئة، في حال فشله في تحقيق التناصف.

وتضيف السعيدي: “من المؤسف أننا في تنشئتنا الاجتماعية نعيش في ظل ثقافة الجماعة التي تلغي كينونة الفرد، إذ لا قيمة له إلا في ظل الجماعة وهذه من الأفكار الخطيرة التي أثرت في تشكيل هذه الحكومة والحكومات السابقة. هذه الثقافة لا تنجح في بناء الدولة أو حماية المواطنة كما أنها تكرس مبدأ التمييز”.

ومع هذا اللغط الذي أحاط بحكومة الجملي يبقى السؤال الأهم، هل ستضمن “حركة النهضة” جمع أصوات نيابية كافية لمنحها الثقة، لا سيما بعدما أعلن كل من “حزب التيار الديموقراطي” و”حركة الشعب” عن عدم رغبتهما في منح الثقة البرلمانية؟ أما بقية الأحزاب فمقابل ماذا ستضمن “حركة النهضة” أصواتها؟