fbpx

نضال أيوب: ثورة على المكتب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في استدعاء نضال أيوب ما يُنبئ بتكريس المزاجيّة القضائيّة نهجاً والتموضع مع النافذين وجهةً، على قاعدة هيا نستدعي الأعزل في وجه الشبكة، والأضعف في وجه الأقوى، والثورة في وجه السلطة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة هوايات كثيرة، منها الاستجابة إلى طلبات أصحاب النفوذ، حتّى لو لم يمتلكوا مصرفاً، إذ لا تعنيه المظاهر الماديّة كثيراً. يكفي أن يمتلكوا صفة “إعلامي مع السلطة”، ليستجيب المكتب لشكاويهم، وإن كانوا هؤلاء هم من ابتلوا أوّلاً على المدّعى عليهم.

كان الإعلامي حسين مرتضى أفرد دقيقة وعشرين ثانية لسرد أكبر عدد ممكن من الأكاذيب في فيديو ركيك أقلّ ما يُقال فيه إنّه مفبرك، ودنيء، وتحريضي، كال فيه حسين الأكاذيب لعدد من الناشطين والمحتجّين، من بينهم الصحافيّة نضال أيوب التي ارتبط اسمها بالدفاع عن المُهمّشين والمقموعين واللّاجئين على اختلاف جنسيّاتهم. حسين هو بذاته عيّنة لآلاف الأشخاص الذين يصادفهم روّاد الإنترنت والمتظاهرون يوميّاً، من الذين يعتاشون على خلق البلبلة والتسبّب بأذيّة الآخرين، وانتشارهم ليس بالأمر المفاجئ أو الجديد.

لكن المفارقة هي أنّ القضاء، حتّى اليوم، لم يستدعِهم ولم يحقّق معهم ولم يضع لتصرّفاتهم المسيئة أيّ حدّ، لا بل كرّس وبوتيرة متسارعة استنسابيّةً ومزاجيّةً واضحتَين في تعامله مع القضايا المطروحة أمامه. وقصّة نضال نموذج صارخ لهذه الحقيقة، إذ تحرّك القضاء مستجيباً للمحرّض والمفبرِك، لا لحمايتها من أخبار ملفّقة وأذيّة محتملة.

ذات يوم، قرّر حسين أن يقرّر. فقرّر أنّ نضال عميلة، ووكيلة، ليس مجرّد وكيلة، إنّما وكيلة “رسميّة” لمعهد كانفاس الصربي التابع لوكالة الاستخبارات المركزيّة- CIA. ثمّ قرّر أنّها شكّت ببعض الرفاق في مجموعة “طلعت ريحتكم” التي قرّر أيضاً أنّها شاركت في تأسيسها عام 2015، فقرّر أنّها تقدّمت ببلاغ ضدّهم إلى أوليائها، ليقوم هؤلاء بطرد من أزعجوها. لم تنتهِ قرارات حسين هنا. فقرّر أن نضال جنّدت خلايا أمنيّة من زملاء لها في موقع “المدن” التي عملت فيه سابقاً، ومن “الشاذّين” مثلها من جمعيّة “حلم”، على أن تستلم، هي “الشاذّة”، أمن التظاهرات في بيروت مع غيرها من الرفاق، وتحتمي بتأشيرة أميركيّة قرّر حسين أنّ جهاز الاستخبارات وفّرها لها تحسّباً لأي مكروه قد يصيبها. فقرّر القضاء. أن يستدعي نضال.

نضال التي لجأت إلى القضاء لتضع حدّاً لهذه المهزلة التي تتكرّر يوميّاً بحقّ كثر وتطلب تعويضاً على الأذى الذي ألحقته بها، استدعاها القضاء، مُمثّلاً بالنائب العام الاستئنافي في بيروت القاضي زياد أبو حيدر، مُشيحاً بوجهه عن شكواها ضد ما ارتكبه حسين، ليصبّ كامل انتباهه على شكواه التي تبعتها. هذه الشكوى غير المفهومة  في مسألةٍ لا ناقة لحسين فيها ولا جمل، ذلك أنّ نضال لم تتعرّض له بشيء ولم تضعه في دائرة الخطر التي رماها فيها وهو يركّب صوراً من هنا وجملاً غير مفيدة من هناك.

ربّما أراد حسين إبعاد الأضواء عن فعلته الرديئة، فنبش في تاريخ نضال الحقيقي، لا المزيّف الذي اختلقه، فوقع على هتافات وتعابير لنضال لا ترتقي إلى مستوى تهذيبه، علماً أنّه حرّ في انتقادها أو رفضها، غير أنّه ليس حرّاً في الافتراء عليها والتحريض ضدها وتعريض سلامتها لأي شكل من أشكال الخطر. فهل يقبل القضاء أن يكون شريكاً معه في تكريس هذه المعادلة؟ وهل يُرسي اليوم الاستنسابيّة قاعدةً لتحرّكه؟

في استدعاء نضال أيوب بعد فداء عيتاني وربيع الأمين، وبالطبع عصام خليفة الذي تزداد قضيّته تعقيداً، ما يُنبئ بتكريس المزاجيّة القضائيّة في الاستدعاءات نهجاً والتموضع مع النافذين وجهةً، على قاعدة هيا نستدعي الأعزل في وجه الشبكة، والأضعف في وجه الأقوى، والثورة في وجه السلطة، في وقت كان الأجدر بالقضاء أن يغتنم الفرصة ليستعيد ثقة الناس به ويعكس العبارة، فيستدعي الشبكة المشؤومة لا الفرد الأعزل، والذكر المُستقوي لا الفرد المستضعف، والسلطة المشتومة لا الفرد الشاتم.

قد لا تكون تهم التعرّض للرئيس والذات الإلهيّة الموجّهة إلى نضال تهماً سهلة، لكنّ رحلة دحضها التي تنطلق مع التحقيق معها صباح الثلاثاء 7 كانون الثاني/يناير في ثكنة جوزيف ضاهر، يجب أن تبقى سهلةً، بالخفّة والصمت والحنكة التي تتّسم بها هتافات الثورة؛ وربّما بالحجّة والمنطق ومبدأ عدم قانونيّة الاستدعاء لاتّسامه بالانحياز وإشكاليّة اختصاص المكتب المُستدعي. وإن قرّروا الإشاحة بنظرهم عن المنطق، كما أشاحوا بنظرهم عن شكوى نضال الأولى، فليعلموا أنّهم بذلك إنّما يُحقّرون العقل، أي الذات الإلهيّة.