fbpx

مصالح إقليمية ودولية على محك التدخل التركي في ليبيا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن تركيا تسارع الخطى للتدخل في ليبيا، ليس بهدف حماية مصالح الليبيين بقدر سعيها لترسيخ قدمها هناك وافتكاك حصة من السوق الليبي لإنعاش صادراتها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تعقيدات جديدة تدخل على خط الأزمة الليبية، عقب عملية قصف مجهولة استهدفت الكلية العسكرية في العاصمة طرابلس، وأودت بحياة أكثر من 30 شخصاً، بالتزامن مع العملية العسكرية التي يخوضها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر للسيطرة على المدينة، وتحرك تركيا للانخراط المباشر في الصراع. تطورات جدت في ظرف قياسي واستنفرت معها المحيطين الإقليمي والدولي على حد السواء، على أمل الحيلولة دون إجهاض الحل السياسي، وتجنب تفريخ الأزمة السورية في ليبيا ومنطقة شمال أفريقيا وحماية سواحل أوروبا، فيما تستعجل أنقرة التحرك بإرسال فصائل مسلحة سورية موالية لها إلى طرابلس، للقتال إلى جانب حليفها رئيس حكومة الوفاق فايز السراج.

ولا تزال ليبيا تعيش تحت وطأة صراع عسكري لم يهدأ منذ 8 سنوات وانقسام سياسي تجسده حكومتان، واحدة في الشرق وأخرى غرب البلاد. وتعود أسباب هذه الأزمة إلى عدم التوافق بين الفرقاء السياسيين المدعومين من أطراف دوليين ومتضاربي المصالح، إلى جانب استفحال السلطة والفصائل المسلحة والميليشيات. وعلى رغم التوصل إلى اتفاق الصخيرات 2015 والمؤتمرات التي انعقدت في أكثر من بلد، إلا أن الخيار العسكري ظل الأكثر حضوراً.

وعلى هامش هذا الوضع الأمني الهش، عاشت العاصمة طرابلس على وقع مجزرة راح ضحيتها العشرات. ففي الرابع من كانون الثاني/ يناير، تعرضت الكلية العسكرية جنوب طرابلس لقصف جوي سقط فيه أكثر من 30 طالباً، من دون أن تعلن أي جهة مسؤوليتها عن العملية، فيما اتهمت حكومة الوفاق قوات حفتر بالوقوف وراء هذه “المجزرة”. اتهامات لم تتردد الحكومة المعترف بها دولياً في توجيهها لاعتبارات عدة، أولها أن الجيش الليبي قد أطلق منذ مدة عملية عسكرية جديدة، من أجل ما اعتبره تطهيراً للعاصمة الليبية من الميليشيات التي تدعم حكومة السراج وقد حقق تقدماً كبيراً في الفترة الأخيرة، ما أثار مخاوف الأخير من فقدان السيطرة على العاصمة تدريجياً. وثانياً، لتبرير طلب الدعم العسكري من تركيا لا سيما في ظل الجدل الكبير الذي أثارته هذه الخطوة داخلياً وخارجياً والمخاوف من تصعيد الصراع وفتح أبواب حرب سيتجاوز شظاها حدود البلاد وتعمق الأزمة التي لم تتمثل الحل منذ سنوات. 

وعلى رغم نجاحه في السيطرة على مناطق الهلال النفطي وشرق البلاد، وأجزاء واسعة من الجنوب الليبي، إلا أن حفتر يسعى إلى السيطرة على العاصمة الليبية لثقلها السياسي وأهميتها الجيوسياسية بخاصة منطقة الساحل الغربي المرتبط بحركة الموانئ البحرية والتجارة مع أوروبا. كما يتطلع إلى إخراج الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق عن المناطق الحيوية المتحكمة بتوريد النفط. ولهذا لم يلتزم قائد الجيش الليبي بالاتفاقيات التي من شأنها أن تفضي إلى حل سياسي، على غرار اتفاقه مع حكومة السراج برعاية الإمارات بداية 2019، والذي نص على إنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات عامة واستمر في شن عمليات عسكرية في أكثر من جهة. 

لا تزال ليبيا تعيش تحت وطأة صراع عسكري لم يهدأ منذ 8 سنوات وانقسام سياسي تجسده حكومتان، واحدة في الشرق وأخرى غرب البلاد.

وساهم ضعف حكومة الوفاق وفشلها في ضبط الأمن والسيطرة على الميليشيات التي دخلت في مناسبات عدة في قتال طويل، في تعنت حفتر وإصراره على المضي نحو السيطرة على طرابلس والبدء في عملية عسكرية انطلقت منذ نيسان/ أبريل الماضي. عملية يبدو أنها بدأت تضيق الخناق على حكومة الوفاق التي سارعت بالاستنجاد بحليفها التركي، قبل أن تفقد السيطرة على الأمور وتخسر بذلك أنقرة ذراعاً راعية لمصالحها في ليبيا.

وتتالت التقارير التي تؤكد أن حكومة الوفاق طلبت رسمياً من تركيا الحصول على دعم عسكري جوي وبري وبحري لصد هجوم يشنه الجيش الليبي لاستعادة طرابلس. معطى تؤكده موافقة البرلمان التركي الأسبوع الماضي على تفويض إرسال جنود إلى ليبيا وتوقيع مذكرتي تفاهم للتعاون الأمني والعسكري وتحديد المناطق البحرية الموقعة معها في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، على رغم اعتراض مصر وقبرص.

ولم تنتظر تركيا كثيراً للتحرك باتجاه ليبيا حيث أرسلت قبل أيام حوالى 1000 مقاتل سوري، لمشاركة قوات حكومة الوفاق القتال بنطاق العاصمة طرابلس في مواجهة تقدم القوات الموالية لخليفة حفتر، بحسب ما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، والذي أكد أيضاً أن عمليات تجنيد المقاتلين ما زالت مستمرة سواء في عفرين أو مناطق درع الفرات التي تسيطر عليها قوات سورية موالية لتركيا. 

ويبدو أن تركيا تسارع الخطى للتدخل في ليبيا، ليس بهدف حماية مصالح الليبيين بقدر سعيها لترسيخ قدمها هناك وافتكاك حصة من السوق الليبي لإنعاش صادراتها، وهي تدرك جيدا أن هذا الهدف لن يرى النور إلا في حال استمرار حلفاءها الإسلاميين في طرابلس والتي يحمل لواءها فايز السراج والمليشيات المتحالفة معه. ولهذا فإن تركيا التي تعيش ضيقاً اقتصادياً لن تفلت هذه الفرصة، التي من شأنها أن تعزز نفوذها وتضمن لها أخذ حصتها في ليبيا. ومما لا شك أن فيه أنها تحركت منذ سنوات في هذا الاتجاه مستفيدة من ورقة الإسلام السياسي في طرابلس من جهة، وفي دول الجوار بخاصة تونس التي يرتبط إسلاميوها الموجودون في السلطة منذ 2011 بعلاقات قوية مع أردوغان وحزبه. والأكيد أن طرح ملف عودة الشركات التركية لاستئناف أعمالها في ليبيا أخيراً، بشكل مكثف بين مسؤولين ليبيين وأتراك جزء من مخطط أنقرة لا سيما أنها كانت تتمتع بحضور قوي قبل 2011 ولكن الظروف الأمنية أجبرت شركاتها على المغادرة.

ويعيد التحرك التركي بشأن ليبيا اليوم الأذهان إلى بداية الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 عندما ألقت أنقرة بثقلها هناك لدعم الثورة لإسقاط نظام الأسد والحال أنها كانت تعد العدة للتوسع على حساب بعض المناطق وتوظيف جماعات متطرفة لخدمة أهدافها، وها هي اليوم تعيد السيناريو ذاته في ليبيا، بذريعة حماية حكومة السراج والميليشيات الداعمة له.

على رغم نجاحه في السيطرة على مناطق الهلال النفطي وشرق البلاد، وأجزاء واسعة من الجنوب الليبي، إلا أن حفتر يسعى إلى السيطرة على العاصمة الليبية لثقلها السياسي وأهميتها الجيوسياسية.

ولكن الخطوة التركية لا تجد التجاوب الإقليمي والدولي وتثير المخاوف من استنساخ ما يحدث في سوريا في ليبيا، لا سيما في ظل ما يروج عن أن المقاتلين السوريين الذين استقدمتهم أنقرة إلى طرابلس ينتمون لفصائل متشددة وهناك من يرجح انتماء بعضهم لتنظيم “داعش” الإرهابي. ويستنفر هذا التحرك الجانب المصري خصوصاً، والذي بدأ مناورات عسكرية في المتوسط وهدد بالتدخل في حال انخرطت في الصراع الليبي. 

خليفة حفتر

والحقيقة أن الموقف المصري كان متوقعاً، فهو تتمة لصراع قديم مكتوم ـ معلوم بين القاهرة وأنقرة من أجل النفوذ والمصالح في ليبيا. ولهذا قد لا تتقاتل القوات المصرية والتركية مباشرة، إلا أن كلا الطرفين سيدفع بثقله لدعم أحد طرفي الصراع هناك. فكما تدعم تركيا حكومة السراج تقوم مصر بأدوار مماثلة مع قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، وهو ما سيتعزز أكثر في هذه الفترة. وعليه قد تتحول ليبيا، في حال الفشل الدولي والإقليمي، إلى ساحة حرب بالوكالة بين قوى تتنافس من أجل الفوز بحصة من ثروات ليبيا في مشهد يحاكي التجربة السورية وما ترتب عنها من دمار وتهجير وكوارث وتعقيدات، قد تحتاج عقوداً لتحل.  

ومن المرجح أن يحدث الصراع المصري – التركي، في حال اندلاعه، على المدى القصير أو المتوسط انقساماً كبيراً داخل البلاد، يبدو ظاهرياً أنه امتداد لاقتتال عسكري بين تيارين ليبيين، فيما يحرك خيوطه كلا البلدين. كما سيفرز متغيرات جديدة على مستوى دوائر الصراع الدولي والإقليمي من أجل اقتسام الكعكة الليبية.

تونس والجزائر أدوار ضعيفة

أما بلدا الجوار تونس والجزائر، فما زال الغموض يلف موقفيهما، على رغم تأثيرات الأوضاع الأمنية والسياسية الليبية المباشرة على كليهما، ولا سيما الجانب التونسي المرتبط بحدود شاسعة وناشطة مع الجانب الليبي. فعلى رغم محاولات البلدين لتقريب الفرقاء الليبيين، إلا أنها ظلت محتشمة وتنم عن سوء تقدير لأبعاد استمرار الأزمة في البلد المجاور. وفيما انشغل الطرفان بأوضاعهما المرتبكة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، كانت ليبيا تتحول إلى حلبة صراع بين أطراف يتطلعون إلى ضمان موطئ قدم لهم، حتى وإن كان عبر تعميق خلافات الفرقاء.

وقد تكون تونس أكثر البلدان تضرراً لدى أي تدخل عسكري في ليبيا، وستتأثر أمنياً، فاندلاع الحرب هناك يعني حتماً الهجرة القسرية للمدنيين الليبيين والمهاجرين الذين ستكون وجهتهم الأولى تونس، وهو ما قد تستغله عناصر بعض التنظيمات المتطرفة المتمركزة في مدن ليبية مختلفة للعبور إلى تونس وتعزيز أنشطتها على أراضيها. ولهذا يثير غموض موقفها من مجريات الأحداث الأخيرة جدلاً شعبياً واسعاً، لا سيما بعد استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد نظيره التركي رجب طيب أردوغان. إذ فتح توقيت الزيارة المجال لاعتبار أن تونس انخرطت في صراع المحاور وأن وجود الإسلاميين في الحكم سيؤثر في مواقف البلاد المتعلقة بهذا الملف، على رغم تطمينات الرئاسة في تونس بأنها لن تسقط في هذا المطب، وستدعم دائماً الانتصار لخيار الحل السياسي.

الجزائر هي الأخرى يبدو أنها تحسست الخطر متأخرة، وفضلاً عن تصريحاتها الصريحة برفضها أي تدخل عسكري في ليبيا في إشارة إلى الجانب التركي، فإنها تشهد نشاطاً ديبلوماسياً حثيثاً، بهدف تلقف الأزمة قبل اشتعالها أكثر. فكان أن استقبلت رئيس حكومة الوفاق فايز السراج بالتزامن مع زيارة مماثلة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والتي شددت فيها على ضرورة عدم جر ليبيا إلى ما من شأنه أن يزيد تعقيدات الأزمة. ولكن يبقى هذا التحرك دون المأمول في ظل تجييش تركيا للمرتزقة إلى ليبيا وسط غياب موقف واضح وجدي من الجانب الجزائري.

ولم تتوقف المستجدات الميدانية في ليبيا في حدود دول الجوار بل استنفرت القوى الدولية كل حسب مساحة نفوذه في هذا البلد. ففرنسا التي انخرطت منذ 2011 بثقلها في الأزمة، بذريعة حماية أمنها القومي من خطر السواحل الأفريقية ونجحت في التمركز بخاصة في جنوب البلاد، بعدما دعمت الجيش الليبي عام 2014 ضد التنظيمات الإرهابية التي استطاع الأخير إبعادها من المنشآت النفطية. وبعد هذا النجاح قدمت نفسها كوسيط بين الفرقاء في ليبيا ونظمت لقاءات بينهم في أكثر من مناسبة بهدف تقريب وجهات النظر ولتأخذ بزمام الأمور في ما يتعلق بالحل السياسي الليبي على حساب إيطاليا، التي تعتبر ليبيا مستعمرة تاريخية لها. لهذا كانت من أوائل الدول الرافضة لقرار أنقرة التدخل عسكرياً في ليبيا ومن المرجح أن تتحرك من أجل الضغط دولياً على تركيا كي لا تندفع أكثر حفاظاً على مصالحها هناك وخوفاً من تدفق اللاجئين أيضاً. 

لم تنتظر تركيا كثيراً للتحرك باتجاه ليبيا حيث أرسلت قبل أيام حوالى 1000 مقاتل سوري.

أما إيطاليا التي سحبت فرنسا البساط من بين أقدامها ودفعتها لمهاجمتها واتهامها بإشعال فتيل الحرب في ليبيا ونهب ثروات دول أفريقيا، فمن المرجح أن يكون لها تحرك إزاء التطورات الأخيرة لغايتين أساسيتين. أولهما أن تعود إلى واجهة الأحداث في هذا البلد وتثبت أنها لم تفقد زمام التأثير والمبادرة فيه بحكم العوامل التاريخية، وثانياً ستتحرك بقوة أكبر من قبل خوفاً من موجات الهجرة التي ستهدد سواحلها، وهي التي تعاني من تبعات هذا الموضوع حتى اللحظة ودخلت في توترات كبيرة مع دول الاتحاد الأوروبي من أجلها. وكان رئيس الوزراء الإيطالي، جوسيبي كونتي وجه تحذيراً شديد اللهجة لأردوغان من مغبة التدخل العسكري التركي في ليبيا. 

ولا يبدو أن التنافس أو التوتر الفرنسي الإيطالي بشأن ليبيا سيستمر في ظل المتغيرات الراهنة، ولهذا من المتوقع أن يدرك كلا الطرفين أن هذا الوضع لم يعد مجدياً في الوقت الذي تقترب فيه تركيا من جنوب المتوسط وتهدد مصالحهما هناك. وربما ستتولى برلين التي تستعد لعقد مؤتمر بشأن ليبيا الضغط على الطرفين، من أجل ترك الخلافات والتوافق لتدارك الوضع قبل تفاقمه ودخول نفق جديد يحاكي الأزمة السورية. 

هذا من دون أن ننسى القوى دولية الأخرى الناشطة بصورة أقل في ليبيا، ولو ظاهرياً، كبريطانيا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية فإنها لن تسمح حتماً بأن تتغلغل تركيا في ليبيا وتستأثر بالحصاد. ومن المرجح أن تضغط هذه الدول من أجل كبح جماح تركيا، وإن لم يجدِ ذلك فقد تنزل بثقلها لدعم أطراف بعينها في الصراع الليبي لقطع الطريق عن أنقرة، وهو سيناريو ضعيف نظراً إلى رغبة الجميع في عدم السقوط في مطب حرب جديدة قد تنسف ما تبقى من ليبيا.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!