fbpx

قناة إسطنبول مصدر كارثة بيئية في المنطقة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هناك أكثر من تسمية لهذا المشروع، وسائل الإعلان التابعة للحكومة التركية تسميه “المشروع العملاق” أو “المشروع المجنون”. أما المعارضون والمدافعون عن البيئة فيسمونه Ecocide، أي “الإبادة البيئية”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهاية العام الماضي عن استعدادات حكومته لتنفيذ مشروع قناة إسطنبول الأكثر إثارة للجدل داخل تركيا. وقد أعلن أردوغان عن المشروع عام 2011 حين كان يتولى رئاسة الوزراء آنذاك ضمن مشاريع اقتصادية أخرى، مثل مطار إسطنبول الجديد الذي افتتح جزء منه في الربع الثاني من عام 2019 ومد طريق بري بطول الغابات الواقعة على ساحل البحر الأسود وصولاً إلى المطار الجديد. 

و”قناة إسطنبول” هي مجرى مائي اصطناعي على بعد 30 كيلومتراً، غرب مضيق البوسفور الذي يقسم مدينة إسطنبول إلى نصفين. وتقدر التكلفة الأولية للمشروع بنحو 15 مليار دولار أميركي. ويمتد هذا المجرى المائي الصناعي في غرب تركيا ليربط البحر الأسود في الشمال ببحر مرمرة في الجنوب على مساحة طولها 45 كيلومتراً، بينما يتراوح عرضه بين 250 متراً إلى ما يقارب نصف كيلومتر وبعمق 25 متراً. ومن شأن هذه القناة القضاء على بحيرة كوتشوك شيكمجه شمال بحر مرمرة، ذاك أنها تصبح جزءاً من القناة ناهيك بتملح مياهها إثر الاختلاط بمياه بحر الأسود. وتأخذ القناة شكل قوس يبدأ من البحيرة المذكورة إلى غرب إسطنبول وشرق مدينة أدرنة القريبة من الحدود البلغارية وصولاً إلى البحر الأسود. كما سيقضي المشروع على سد سازليديري، وهو خزّان مائي مهم للمدينة ويوفر جزءاً كبيراً من إمدادات المياه لها.

هناك أكثر من تسمية لهذا المشروع، وسائل الإعلان التابعة للحكومة التركية تسميه “المشروع العملاق” أو “المشروع المجنون”. أما المعارضون والمدافعون عن البيئة فيسمونه Ecocide، أي “الإبادة البيئية”.

خريطة المشروع الحالية

وهذه التسمية الأخيرة هي الأكثر انتشاراً في الأوساط الإعلامية والبيئية والسياسية، بسبب الأخطار التي يشكلها المشروع ليس على تركيا فحسب، بل على غالبية الدول المتوسطية وتلك المحيطة بالبحر الأسود. 

وتحدث علماء بيئيون في تركيا عن مخاطر قناة إسطنبول على التنوع الأحيائي في البحر الأسود، المرمرة والبحر الأبيض المتوسط من نواحٍ عدة، ناهيك بمخاطر تملح المياه الجوفية في الجزء الغربي من إسطنبول الذي سيصبح جزيرة في حال إتمام المشروع. وتمكن العودة إلى السجالات المتعلقة بهذا المشروع وآراء علماء البيئة والتنوع الأحيائي في البحار التي تتأثر بشكل مباشر بقناة إسطنبول. يرى كل من جمال سيدام من جامعة هاشتبه واثام غوننج من جامعة إسطنبول التقنية أن القناة تؤدي إلى إفراغ بحر مرمرة من الأوكسيجين، بسبب كميات المياه المالحة الهائلة التي ستجلبها القناة من البحر الأسود. ويرى الأكاديميان أن خلو مياه مرمرة من الأوكسيجين سيقضي على الحياة البحرية، فضلاً عن انتشار رائحة كبريتيد الهيدروجين (البيض الفاسد) من مرمرة والبوسفور والمناطق المجاورة، ما يؤدي إلى تغيّر نوعية مياه البحر وتوازنه الغذائي. كما ستتأثر بيئة البحر الأسود سلباً مع مرور الوقت. إضافة إلى ذلك، ستملأ مياه البحر المالحة جوف الجزيرة التي ستتشكل بين مضيق البوسفور والقناة الجديدة.

“قناة إسطنبول” هي مجرى مائي اصطناعي على بعد 30 كيلومتراً، غرب مضيق البوسفور الذي يقسم مدينة إسطنبول إلى نصفين.

وبحسب الأكاديمي أمين أوزوي من “معهد علوم البحار” التابع لجامعة الشرق الأوسط التقنية، “تعتمد التيارات الهوائية الاتجاه المزدوج ذاته لمضيق إسطنبول على توازن ميكانيكي لطيف للغاية، وفي حال بناء القناة وفقاً لهذا الأكاديمي التركي، ستتغير هذه التيارات وتتدفق من البحر الأسود بسرعة كبيرة على طول القناة، بسبب التدخل في الطبيعة القائمة”. ويؤدي ذلك إلى ترك أعماق بحر مرمرة مع كمية أقل من الأوكسيجين تدريجاً، الأمر الذي يجبر الأسماك على الهجرة، بينما تواجه الكائنات البحرية التي تعيش في قعر البحر خطر الانقراض. ويشير باحثون إلى أن هجرة الكائنات البحرية من البحر الأبيض المتوسط ​​ستحول بيئة البحر الأسود إلى بيئة متوسطية تزداد فيها نسبة الملح، ما يعرض الصيد للخطر إلى حد كبير. قد لا ترى الأجيال المقبلة الأسماك الزرقاء المسماة سيد البوسفور أو سمكة البحر الأسود. اقتضاباً، ستؤدي قناة إسطنبول إلى تخريب ثلاث بيئات بحرية وهي: البحر الأسود ومرمرة والبحر الأبيض المتوسط. 

تقدر التكلفة الأولية للمشروع بنحو 15 مليار دولار أميركي.

وبموازاة الانتقادات المتتالية لمشروع القناة، حذر الصندوق العالمي للطبيعة وهي منظمة دولية غير حكومية تعمل على القضايا المتعلقة بالحفاظ والبحث واستعاد البيئة، من أن مشروع مد طريق بري بطول الغابات الواقعة على ساحل البحر الأسود، وصولاً إلى مطار إسطنبول الجديد، سيلحق أضراراً بيئية خطيرة بالغابات والأراضي الزراعية والبحر الذي سيتصل به. من شأن تجريف الغابات لفتح هذا الطريق إلحاق أضرار جسيمة بالنظام البيئي ومئات الأنواع من النباتات والحيوانات.

المشروع كما خطط له في البداية

تحاول حكومة “حزب العدالة والتنمية” برئاسة أردوغان ووسائل الإعلام التابعة لها تضليل الرأي العام، وتقول إن مشروع القناة سيخلق عشرات الآلاف من فرص عمل جديدة وسيدر عليها 8 مليارات دولار سنوياً، مقابل التعريفات التي تدفعها السفن مقابل المرور عبرها، كون القناة لن تخضع لاتفاقية مونترو الموقعة عام 1936، والتي تنص على حرية الملاحة في مضائق البحر الأسود، ومن بينها البوسفور. وتتيح الاتفاقية التي وقعت عليها تركيا، الاتحاد السوفيتي السابق، بريطانيا، فرنسا، اليونان، بلغاريا، رومانيا، يوغسلافيا، اليابان، أستراليا، حرية المرور والوجود للسفن التابعة للدول المطلة على البحر الأسود. أما السفن التابعة لدول خارج حوض البحر الأسود، فلا يسمح لها بالوجود سوى ثلاثة أسابيع في الحوض.

تبين هذه الخريطة التغيير الذي طرأ على المشروع

وانضم حاكم إسطنبول أكرم إمام أغلو إلى جبهة المعارضين لمشروع القناة معتبراً أنه تهديد وجودي لمدينة إسطنبول. وتعهد إمام أغلو في مؤتمر صحافي في 20 كانون الثاني/ يناير باستخدام “جميع الوسائل القانونية لمنع المشروع” الذي طالما تفاخر وتباهى به الرئيس التركي أردوغان. ذاك أنه سيؤدي إلى “إبادة” الموارد المائية لسكان إسطنبول، البالغ عددهم 16 مليون نسمة، ناهيك بتدمير طبيعة المقاطعة وجعلها غير قابلة للإصلاح وغير قابلة للحياة، إثر تدمير بحيرتين صناعيتين كبيرتين توفران مياه الشرب لسكان اسطنبول، إضافة إلى تملح طبقات المياه الجوفية التي تشكل مصدراً استراتيجياً للمياه العذبة. ويصف إمام أغلو “قناة إسطنبول” بمشروع القتل، إنه مشروع كارثي ضد وجود 16 مليوناً وضد أمن 82 مليوناً، إنه “خيانة بحق إسطنبول” بحسب وصفه. وانتقد أغلو في الوقت ذاته بيع قطع أراض على طول القناة لمستثمرين عرب، بينهم أعضاء من عائلات حاكمة. وتشير المعلومات إلى أن بلدية إسطنبول اكتشفت بيع 40 فداناً بالقرب من القناة، إلى أفراد من عائلة أمير قطر. وأعلن المتحدث باسم بلدية إسطنبول مُراد أوجن ذلك أمام الرأي العام التركي، فيما طالب “اتحاد غرف المهندسين المعماريين الأتراك” في بيان بإلغاء المشروع. 

هذا الموضوع تم انجازه بدعم من مؤسسة Rosa-Luxemburg-Stiftung’s Beirut Office