fbpx

“بلاد القائد”: الكاتب في ظل الديكتاتورية وعراء الثورة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تسعى رواية “بلاد القائد” إلى إعادة كتابة عهد الطاغية العربي بأسلوب سردي، لا يخلو من المفارقة والسخرية المرة والتهكّم والجرأة معاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على رغم كسرها الحصار الثقافي على فلسطين ووصولها إلى يديّ القارئ هناك، إلا أن رواية الكاتب اليمني علي المقري (تعز 1966) “بلاد القائد” الصادرة حديثاً عن “المتوسط” لم تستطع كسر الحصار الثقافي على اليمن الذي يعيش داخل أتون حرب التحالف السعودي – الإماراتي منذ 2015، حالها حال كتب كثيرة أصدرها يمنيون في المهجر القسري، ولم تدخل البلاد منذ سنوات، حتى لتبدو منفية هي الأخرى مثل أصحابها.

صدر العمل ضمن سلسلة “الأدب أقوى” (إلى جانب الطبعة العربية) التي خصصتها “المتوسط” لمقاومة الاحتلال من خلال النشر. عن ذلك يقول المقري لـ”درج”، إنه لا يعرف كيف يمكن إيصال الرواية إلى القارئ اليمني، ويبحث مع الناشر إمكان تحقيق ذلك. 

غلاف رواية “بلاد القائد”

تحمل رواية صاحب “بخور عدني” سؤالاً مركباً طرح في كل بلد عربي عاش الثورات في العقدين الأخيرين، وهو مآل الديكتاتور، ومصير المثقف الذي كان تابعاً له، وهذا يعني بالضرورة علاقة المثقف بالسلطة، التي بُحثت في الكثير من كتب الفكر والأدب والأكاديميات من قبل، وتظل مسألة شائكة ومعقدة بعد مراجعة كل حرب.

ويعرف المقري – المقيم في فرنسا – بجرأته في طرح القضايا الاجتماعية ذات الأبعاد الدينية والعرقية والنوعية في مؤلفاته التي عادة ما تثير جدلاً واسعاً لدى السلطتين القبلية والدينية اللتين ظلتا تحكمان اليمن عقوداً من الزمن، في ظل سعي حثيث لشراء ذمم الكتاب وتوجيههم وفق ما يخدم بقاء الحاكم وزمرته ويصب في مصلحة أحزاب سياسية، فتتت المجتمع وشوهت المدن التي ضاقت ذرعاً بمن فيها، بعدما كانت نماذج يحتذى بها في التعايش والتنوع السياسي واللغوي والديني. كما يعود بالفائدة على العادات والتقاليد السلبية في البلاد، ويساهم في ترسيخ الفكر العقائدي والمذهبي والمجتمعي المتطرف ضد الأقليات والجندر والفصل الطبقي بين فئات المجتمع.

رواية سياسية

هذه المرة يلجأ الكاتب إلى السياسة، في رواية تسعى إلى إعادة كتابة عهد الطاغية العربي بأسلوب سردي، لا يخلو من المفارقة والسخرية المرة والتهكّم والجرأة معاً. يرسم ملامح دولته المعروفة بـ”عِرَاسوبيا” التي تتلاشى تدريجاً ليتحول اسمها لاحقاً إلى بلاد القائد، وعراسوبيا اسم مركب من ثلاثة مقاطع صوتية لغوية، يحمل كل مقطع منها جزءاً من أحرف اسم دولة عربية، هذه الدول هي العراق وسورية وليبيا.

صدر العمل ضمن سلسلة “الأدب أقوى” (إلى جانب الطبعة العربية) التي خصصتها “المتوسط” لمقاومة الاحتلال من خلال النشر.

على الجانب الآخر، تسرد الرواية الخامسة للمقري، حكاية كاتب معروف، يرضخ لظروف الحياة الصعبة، التي هي من صنع القيادة من دون شك، فالأنظمة القمعية لا تفكر بالمواطن ورفاهيته بقدر بحثها عن سعادة القائد وحاشيته وحرصها على بقائه. يضطر الكاتب إلى خيانة ضميره ورسالته السامية، من خلال العمل ضمن لجنة من المنافقين والانبطاحيين عبدة الديكتاتور، أوكل إليها “توثيق” حياة القائد المُلهِم للفكر والعبقرية، لقاء أجر مادي يكفي لعلاج زوجته المريضة.

هذه السيرة يجب أن تكون على مستوى عال من التبجيل والتأليه، فالقائد هو ملهم الناهضين والمفكرين والعباقرة وهو المخلّص البشرية من مشكلاتها، حتى تلك التي ترتبط بعلاقة الناس بربّهم. كما أنه وحده من وصل إلى درجة الكمال، لكنها في الواقع سيرة مزيفة لحياة معقّدة وصاخبة وموبوءة بجنون العظمة وهوس الغرور المفرط الذي سيؤدي في النهاية إلى السقوط بطريقة وخيمة ومدوّية، تماماً كما حدث للدكتاتوريين العرب عقب ثورة الربيع العربي.

و”من الممكن لكل عربيّ أن يجد ديكتاتوره الخاص في هذه الرواية” كما يقول المقري لـ”درج”، ويضيف: “حاولت أن أقترب من المخلفات الهائلة التي يتركها الديكتاتوريون بعد رحيلهم”، وما أكثرها. تلك المخلّفات عبثت لاحقاً بالمنطقة العربية وأدخلتها في دوامة نزاع كبيرة.

صراع الكاتب

خلال العمل لدى الديكتاتور يعيش الكاتب حالة صراع داخلي مع الذات، إذ ينظر إلى نفسه على أنه مجرد أداة تخط ما يملى عليها، وهي فضيحة أدبية رافقتها فضيحة على المستوى الشخصي، بعد لقائه بابنة الرئيس المعجبة بأعماله الأدبية التي تصور الحرمان واللوعة الجنسية والتي تطلب منه الزواج سراً، وهنا تصبح علاقة الشخصية بدوائر السلطة شديدة التعقيد والتشعب.

الكاتب اليمني علي المقري

لكن لحسن حظ المثقف (أو سوئه) تقوم الثورة، ويسقط الديكتاتور وينفرط عقد النظام والحاشية وحتى لجنة السيرة، ويتحول الروائي من فصل يصف الديكتاتور بـ”المبجّل” إلى فصل آخر هو “القذى”، تتبعه جملة فصول تناقض أسماؤها الصفات والأسماء التي ادعاها القائد المخلوع، وهو تناقض يوحي بحجم تغيّر الأحداث وتسارع وتيرتها. 

هنا تصيّر الثورة الكل ضد الكل، وهم يصرخون بلا معنى، ويبدو الناس وكأنهم خرجوا للتو من سجن أبدي كانوا فقدوا الأمل بمغادرة جدرانه المظلمة، ولهذا ينظرون إلى الثورة وكأنها تعني التقارب مع الموت، أكثر من الحياة. 

تحمل الرواية سؤالاً مركباً طُرح في كل بلد عربي عاش الثورات في العقدين الأخيرين، وهو مآل الديكتاتور، ومصير المثقف الذي كان تابعاً له.

تلك الحياة الإضافية التي أصبحت متاهة لا يعرف الثوار كيف يتصرفون فيها، فيصارعون مع كل من حولهم، ليس مع النظام والديكتاتور وبقاياه فقط، بل في ما بينهم ومع رفقائهم، والحقيقة أن هذه مسألة ظهرت جلياً في واقع البلدان التي مرت بها الثورات العربية ومنها اليمن الذي يعيش اليوم تقلبات سياسية وأمنية وعسكرية وثقافية معقدة، بعد أربع سنوات من الحرب التي يشنها التحالف من أجل استعادة الشرعية، التي أصبحت هي الأخرى خارج اللعبة، في وقت أصبح فيه الكل ضد الكل.