fbpx

مقتل سليماني هل يغير الشرق الأوسط إلى الأفضل؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لن يكون غياب قاسم سليماني مجرد خسارة للنظام الإيراني فحسب، بل هو خسارة أيضاً لمن على شاكلة بشار الأسد وحسن نصر الله، الذين اعتمدوا عليه في الماضي لضمان بقائهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


أصبحت الاغتيالات التي تُنفذ بحق “أعداء” الولايات المتحدة البارزين، بداية من مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، وصولاً إلى مقتل زعيم “تنظيم الدولة الإسلامية” أبي بكر البغدادي، ذات دلالات رمزية كبيرة في السنوات الأخيرة. لكن أهميتها السياسية غالباً ما تكون مبالغة.

لكن الضربة الجوية التي أودت بحياة قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس الإيراني” -من وحدات قوات النخبة في الحرس الثوري الإيراني- مختلفة. إذ يمكنها أن تغيّر الشرق الأوسط بصورة جذرية، وإذا ما تواصل العمل وفقاً للاستراتيجية الصحيحة، فإن بإمكانها تغييره نحو الأفضل.

ولفهم السبب، علينا الإقرار بأن سليماني كان جنرالاً إيرانياً استثنائياً: فقد كان حاملاً للواء أيديولوجية النظام الإيراني العنيفة والمتطرفة، وكان رجلاً سعى جاهداً إلى تحقيق حلم آية الله الخميني بتأسيس دولة إسلامية مثالية.

منذ اللحظة التي استولت فيها المؤسسة الدينية في إيران على ثورة الشعب الإيراني عام 1979، عكف آيات الله (رجال الدين) على تصدير تجربتهم الإسلاموية المتشددة إلى بلدان الشرق الأوسط. كان طموحهم الأكبر هو تأسيس دولة شيعية جامعة، تتمركز حول الخميني باعتباره المرجع والمرشد الأعلى للمسلمين وليس الإيرانيين وحسب، وهو منصب منصوص عليه في دستور الجمهورية الإسلامية وموجود حتى يومنا هذا. 

ولتحقيق ذلك، توصل أتباع الخميني إلى فكرة تشكيل فيلق القدس: عبارة عن جيش إسلامي مُكرس لتصدير الثورة الإسلامية وتحرير فلسطين، وذلك من خلال تدمير إسرائيل. لكن مكانة “فيلق القدس” لم تبرز فعلياً إلا عندما تولى قيادته عام 1998، ذاك القرويّ الذي يدين بالولاء الأعمى لعلي خامنئي. كان هذا الشخص هو سليماني، الذي يعد تجسيداً للأيديولوجية الإسلامية الشيعية التي ترعاها إيران. 

كان سليماني مُخطِط الأنشطة الإيرانية الخارجية -فقد كان مسؤولاً عن تنسيق المخططات الإرهابية المرتبطة بالنظام الإيراني، التي تصل إلى بلدان بعيدة للغاية مثل تايلاندا وبلغاريا- وكان أيضاً المحرك الرئيسي لما يسمى الهلال الشيعي الإيراني: وهو مصطلح يشير إلى منطقة النفوذ الإيراني هلالية الشكل الممتدة من العراق إلى سوريا، وصولاً إلى جنوب لبنان. فقبل شهرٍ واحدٍ من موته، تباهى قائد “فيلق القدس” بنجاح الفيلق تحت قيادته في “تكوين رابط إقليمي بين المقاومة (الشيعية)، يصل العراق بإيران وسوريا ولبنان”، وبالفعل، ترتبط هيمنة إيران الحالية في الشرق الأوسط ارتباطاً وثيقاً بالجنرال الإيراني واستعداده إلى إراقة الدماء. فعلى مدى عقدين، رعى سليماني التطرف الشيعي من بغداد إلى بيروت ووضع استراتيجيات إرهابية على درجة كبيرة من الدقة، لم تكن لتخطر أبداً ببال بن لادن أو البغدادي. 

ففي العراق على سبيل المثال، وفي أعقاب سقوط الديكتاتور البعثي صدام حسين عام 2003، عكف سليماني وشركاؤه بلا كلل على تنظيم الشباب الشيعي ودفعهم إلى التطرف وتجنيدهم في الميليشيات، التي لا تدين بالولاء إلى الدولة العراقية، بل إلى المرشد الأعلى في إيران. وقد تمكنوا، بفضل الصواريخ والقنابل التي يزرعونها على جانب الطريق، من قتل المئات وجرح الآلاف من أفراد القوات الأميركية والبريطانية. ومن خلال هذه الميليشيات، تمكن الجنرال أيضاً من إرساء علاقة مع العراق ترتكز على أسس القيادة والسيطرة. لكن أجندة طهران تلك جعلت العراق على شفا حرب أهلية وساهمت في ما بعد في صعود تنظيم الدولة في عام 2014.

يجب أن تنتبه واشنطن وأوروبا إلى أن الوقت ليس مناسباً حالياً للانسحاب من الشرق الأوسط، فقد يهدد ذلك بزيادة جرأة الحرس الثوري وميليشياته.

لكن الاختبار الأكبر في حياة سليماني، برز على أرض خارج الحدود الإيرانية، ألا وهي سوريا. بدأ الأمر عندما تدفق الملايين في شوارعها عام 2011 للتظاهر ضد الرئيس بشار الأسد، فهرع الجنرال وفيلقه لِدعم بقاء الديكتاتور في منصبه. فكانت سوريا في عهد الأسد هي الشريان الرئيسي الذي تمكنت إيران من خلاله من تسليح ميليشياتها وتجهيزها، ووصل مستوى العنف الجامح لإبقاء الأسد في السلطة إلى درجة مذهلة، مع موت ما يقرب من نصف مليون سوري منذ ذلك الحين. ولذلك فليس من المستغرب أنه بعد السماع بمصرع سليماني، تدفق كثر من السوريين إلى الشوارع للاحتفال، هاتفين “راح راح قاسم سليماني، يا بشار أنت التالي”.

AFP)

وفي نقطة متعلقة بذلك الصراع، فإنه على رغم من شهرة سليماني باعتباره رجلاً ساعد في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، فقد كان ظهور تلك الجماعة المسلحة المناهضة للشيعة في سوريا والعراق هدية من الله للنظام الإيراني. إذ مكن ذلك طهران من تبرير مشاركتها الواسعة في عمليات خارج حدودها، ومنحتها كذلك مسوغاً دينياً لسفك الدماء الذي تسببت فيه. وفجأة أصبح الحرس الثوري الإيراني ومقاتلوه الشيعة الدخلاء، الذين قمعوا المتظاهرين السُنة المناهضين للأسد، “مدافعين عن الأضرحة الشيعية المقدسة” من تهديد تنظيم الدولة الإسلامية. وجسد سليماني صورة المسيح المخلص، وشبه بحسين العصر، نسبة للإمام الحسين، الإمام الثالث عند الشيعة المعصوم إلهياً، والذي ثار ضد الخلافة الأموية عام 680 ميلادية، واستشهد في سعيه للدفاع عن الإسلام الشيعي.

لا يمكن هذا الغطاء الديني إخفاء أجندة إيران الحقيقية عن الأشخاص الذين يعيشون تحت عواقب أفعالها. فقد خرج السكان العراقيون في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 إلى الشوارع، مطالبين بإنهاء سنوات من التدخل الإيراني في شؤونهم مع حرق صور خامنئي وسليماني، واتضح أن هذه خطوة أبعد مما ينبغي. فبعد يوم واحد فقط من اندلاع الاحتجاجات في العراق، سافر الجنرال الإيراني إلى بغداد ليأمر الميليشيات المدعومة من إيران بقمع المتظاهرين العراقيين، ما أسفر عن مقتل 500 شخص وأكثر من 27 ألف جريح، وتكررت مشاهد مماثلة بعد أسابيع فقط في إيران، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، حين استخدم الحرس الثوري الإيراني القوة الغاشمة ضد المتظاهرين المناهضين للنظام، ما أدى إلى مقتل 1500 شخص خلال أسبوعين فقط من الاحتجاجات.

يدل هذا على مدى أهمية موت سليماني. فعلى عكس بن لادن والبغدادي، لم يقد سليماني ساحة الجهاد من منبر بعيد، بل كان العقل المدبر العملياتي في قلب المعركة. فقد أمضى بعض الوقت -ابتداءً من رحلاته المنتظمة إلى بيروت للقاء زعيم “حزب الله” حسن نصر الله/ وصولاً إلى بعثاته الكثيرة من سوريا والعراق وإليهما- في إملاء الخطوات الاستراتيجية المقبلة وزراعة وكلاء لطهران وتجنيدهم. لهذا عندما اندلعت الأزمة السورية،  كان سليماني في موقع ممتاز بالفعل، يؤهله للاستفادة من شبكات المقاتلين التي بناها لأكثر من عقد من الزمن، مطبعاً النموذج المختبر والمثبت في لبنان والعراق. وبحلول وقت وفاته، كان أنشأ ميليشيات في سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان وباكستان وسلّحها، لضمان استمرار الثورة الإسلامية خارج حدود إيران، بل وصوب أنظاره إلى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. لذلك لن يكون غيابه مجرد خسارة للنظام الإيراني فحسب، بل لمن على شاكلة الأسد ونصر الله، الذين اعتمدوا عليه في الماضي لضمان بقائهم.

قامت الولايات المتحدة بمغامرة عالية الخطورة عندما قتلت سليماني، وكانت لحظة مهمة للغاية في محاولة قمع الطموحات التوسعية الإيرانية، ولكن هذه الخطوة يجب أن تكون مصحوبة باستراتيجية شاملة حتى يكتب لها النجاح التام.

تحتاج أوروبا والولايات المتحدة إلى التوحد حول القضية المشتركة المتمثلة في احتواء إيران كخطوة أولى. وإذا لم يفعلوا ذلك، فعندما ترد إيران، وستفعل، فهناك خطورة من أن يتزايد الانقسام بين الطرفين، مع إلقاء أوروبا اللوم على ترامب بسبب رد فعل إيران، بدلاً من لوم النظام الإيراني نفسه، وهو ما تريده المؤسسة الدينية في طهران بالضبط. واستخدمت الحكومة البريطانية الخطاب الصحيح، ملقية اللوم صراحة بتصاعد التوترات على “الأنشطة المهددة والمزعزعة للاستقرار”، التي يتبناها سليماني والنظام الإيراني، وعلى القادة الأوروبيين الآخرين أن يحذوا حذوها.

رحل سليماني، لكن “الحرس الثوري الإيراني” ما زال قائماً، وستحاول طهران بالتأكيد استغلال ما تسميه “استشهاد” سليماني كوسيلة لتحفيز شبكتها من المقاتلين الأجانب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وزيادة تطرفهم. وهذا يزيد من أهمية العمل الجماعي بين أوروبا والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين، لإيجاد المزيد من الطرائق لتقييد أنشطة الحرس الثوري وميليشياته. يعني ذلك أن التقييم المشترك للتهديد الذي تشكله الميليشيات المدعومة من إيران يعد أمراً بالغ الأهمية، وكذلك إيجاد استراتيجية متماسكة تتناسب مع حجم المشكلة التي خلفها سليماني وراءه. وبينما يجب أن ينصب التركيز على تخفيف حدة التوترات، يجب أن تنتبه واشنطن وأوروبا إلى أن الوقت ليس مناسباً حالياً للانسحاب من الشرق الأوسط، فقد يهدد ذلك بزيادة جرأة الحرس الثوري وميليشياته.

قبل كل شيء، ينبغي على الغرب إعطاء الأولوية لمصالح شعوب المنطقة، الضحايا الحقيقيين لسفك الدماء والتطرف الذي يشجع عليه النظام الإيراني. لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر، لكن يمكن -ويجب- أن تكون نهاية عهد الإرهاب الذي قاده سليماني فرصة إيجابية لإحداث التغيير في الشرق الأوسط.

هذا المقال مترجم عن foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي

مجتمع التحقق العربي | 25.04.2024

الضربات الإيرانيّة والإسرائيليّة بين حملات تهويل وتهوين ممنهجة

بينما تصاعدت حدّة التوترات الإقليمية بعدما قصفت إيران إسرائيل للمرة الأولى منتصف نيسان/ أبريل، كان الفضاء الافتراضي مشتعلاً مع تباين المواقف تجاه أطراف التصعيد غير المسبوق.