fbpx

صحافيو العراق يرفضون حمل السلاح ويشكلون “لوبي” لحمايتهم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

البيئةُ العراقية صارت مُلغمةً بالمخاطر وغير صالحة لعمل الصحافيين، هي التي خطفت أحمد عبد الصمد من بين عشرات الصحافيين العراقيين، كانت ذاتها البيئة التي هددت العشرات الآخرين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

غاب أحمد عبد الصمد عن مؤتمر الصحافة الاحترافية الثاني، الذي أقيم هذا العام في منفى الصحافيين، السليمانية، فمُراسل قناة “دجلة” في محافظة البصرة قُتل بأيادٍ مجهولة، وترك كرسيّه فارغاً. وعبد الصمد كان واحداً من أبرز ضيوف المؤتمر في دورته الأولى، التي أقيمت في بغداد في كانون الثاني/ يناير 2019، إلا أن ذكراه، وطيفه، وأحاديث عن التنديد والاستنكار والرفض، هي التي كانت حاضرة في هذه الدورة من مؤتمر الصحافة الاحترافية لعام 2020…

رخصةُ حمل السلاح

لم يتمكن عبد الصمد من النجاة بنفسه، بعد تعرضه لإطلاق النار وزميله المصور صفاء غالي أثناء مغادرتهما ساحات الاعتصام في البصرة جنوب العراق، وعلى يد مسلحين مجهولين يوم الجمعة 10 كانون الثاني، لتنتشر بعد مصرعه بيوم واحد أنباء حول إجازة حمل الصحافيين السلاح. يقول الصحافي أحمد حسن “في حالة إجازة حمل السلاح للصحافيين، هذا يعني أن هنالك رسالة توجهها وزارة الداخلية لهم، بأنها غير قادرة على حمايتهم، ومن الأفضل أن يحموا أنفسهم بأنفسهم”.

الصحافي أحمد عبدالصمد

نقاشاتٌ تدور بين نقيب الصحافيين مؤيد اللامي ووزير الداخلية بشأن تسهيل مهمات منح إجازةٍ للصحافيين في سبيل حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، هذا ما يشير إليه العميد خالد المحنا قائلاً: “هناك نقاشات بين نقيب الصحافيين، ووزير الداخلية في سبيل منح الصحافيين رخصة لحمل السلاح”. وأكد أن “هذه الرخصة لا تعني أن الوزراة تتخلى عن حماية الصحافيين، إلا أننا كجهة أمنية سنوفر الحماية للمؤسسات العامة، أما الأفراد فلن نكون قادرين على وضع حمايات شخصية لهم، وكل ما يمكننا فعله هو تشكيل لجان خاصة للبحث في حالات الاعتداء أو الانتهاكات أو القتل”.

وعن الملف الخاص بقتل الصحافي أحمد عبد الصمد والمصور صفاء غالي يؤكد المحنا أن “هناك لجنة شُكلت في البصرة يرأسها وكيل الوزير في البصرة لإكمال التحقيقات بشأن قضية عبد الصمد، ولن تُعلن النتائج إلا بعد إكمال التحقيق”.

لم يتمكن عبد الصمد من النجاة بنفسه، بعد تعرضه لإطلاق النار وزميله المصور صفاء غالي أثناء مغادرتهما ساحات الاعتصام في البصرة جنوب العراق.

والقانون العراقي يسمح بحمل المدنيين السلاح، وفقاً لشروط خاضعة لموافقة الجهات الأمنية المعنية، أي وزارة الداخلية التي يفترض أن تتأكد من سلوك الشخص ومسيرته، وإن كان قام بأي جريمة أو تجاوز قانوني أم لا. يقول الخبير القانوني حيان الخياط “إذا كان السلاح مُجازاً وحاصلاً على جميع الموافقات الأمنية، وتمت حيازته بشكل شرعي وقانوني، فلا بند في القانون العراقي يمنع حمله”. مؤكداً أن “منح الصحافيين السلاح يعدّ أمراً جيداً في مرحلة بدأت فيها المؤسسات الأمنية تعجز عن توفير الحماية اللازمة لهم، بخاصة إن كانت طريقة منح السلاح وفق شروط ومعايير، وبعد تأكد الوزارة من أمانة الصحافي وصدقيته ومن أنه غير متهم بجرائم سابقة وما إلى ذلك”.

هُروب

البيئةُ العراقية صارت مُلغمةً بالمخاطر وغير صالحة لعمل الصحافيين، هي التي خطفت أحمد عبد الصمد من بين عشرات الصحافيين العراقيين، كانت ذاتها البيئة التي هددت العشرات الآخرين. هذا ما يؤكدهُ عزيز صحافيٌّ هاربٌ من بغداد للعمل في إقليم كردستان. ويضيف: “تعرضتُ للتهديد أكثر من مرة بعدما كنت نشرتُ أكثر من مقال سواء عبر حسابي الخاص على فيسبوك، وحتى في بعض الوكالات الإخبارية. هذه المقالات والتحقيقات تكشف ملفاتٍ خاصة بالتظاهرات والاحتجاجات التي يشهدها العراق”.

لم يكتفِ المُتعرضون لعزيز بتهديده عبر رسائل مُتتالية من حساباتٍ وهمية إلى حسابه في “فايسبوك” والذي تعرض لأكثر من محاولة تهكيرٍ وأغُلق أكثر من مرة من قبل إدارة التطبيق، يقول عزيز “في أحد المساءات وبينما كُنت عائداً بسيارتي الخاصة إلى بيتي في الكرادة لاحقتني سيارة من نوع (مونيكا) سوداء اللون، لم أنتبه لعدد الراكبين فيها، وكانت وجوههم مغطاة بـ”الأشماغ”. كل ما أذكره أنهم بدأوا رشق الرصاص الحيّ عليّ. ولأنني كُنت أستخدم سيارتي من النوع الرياضي الخاص بالمسابقات والتي تكون محركاتها فائقة السرعة، استطعت الهروب منهم، من دون أن يتمكنوا من اللحاق بي. بعد هذا الحادث أيقنت أن أقل ما عليّ فعله مغادرة بغداد فتوجهت نحو الإقليم حيث ملاذي الآمن هنا.”

قانون حرية التعبير

لم يتجاوز دور الصحافيين في العراق إزاء الانتهاكات أكثر من منشوراتٍ تُكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتضمن الشجب والاستنكار لا غير. يذكر صلاح الربيعي والذي يعمل مراسلاً في إحدى القنوات التي تعرضت للإغلاق بسبب تغطيتها تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر، “حاولنا جاهدين إقامة وقفة احتجاج أو استنكار ضمن ساحات التظاهر، لما يتعرض له الصحافيون من تكميم أفواه وتقييد حريات لعملنا، إلا أن معظم الصحافيين لم يحضروا الوقفة، ولم يتجاوز عدد الحاضرين أصابع اليد الواحدة، فكيف لنا أن نقف ضد منتهكينا إن كنا نتخاذل عن الاحتجاج أو الخروج للتظاهر من أجل توفير حماية لنا أو العمل بالقوانين الخاصة لحمايتنا”.

نقاشاتٌ تدور بين نقيب الصحافيين مؤيد اللامي ووزير الداخلية بشأن تسهيل مهمات منح إجازةٍ للصحافيين في سبيل حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم.

حاولت مجموعة من الإعلاميين بعد عام 2003 تعديل القوانين الخاصة بالإعلام والتي كانت تعمل قبل هذا العام في منظومة أحادية، كما هو نظام الحكم السياسي الذي كان يعمل وفق قوانين ذات منظومة أحادية، إلا أن هذا التعديل الذي قدمه الإعلاميون لهذه القوانين، جوبه بالتسويف من قبل البرلمان العراقي. يقول رئيس “جمعية الدفاع عن حرية الصحافيين” مصطفى ناصر: “لجأنا إلى إعداد مقترح عام 2011، من أجل تعديل القانون الخاص بحريات الصحافيين، وقدمناه إلى لجنة الإعلام والثقافة آنذاك، ولم يتغير شيء. ثم بعد عام 2013 تغيرت اللجنة وترأستها النائبة السابقة ميسون الدملوجي. وهنا دخلنا في مشكلات تخص قوانين حرية التعبير والجرائم المعلوماتية، وأحيلت تعديلاتنا إلى جدول الأعمال، ما دفعنا إلى تشكيل فريق من المدافعين عن حريات الصحافيين. ودعينا إلى تظاهرة وكانت مؤثرة في ذلك الوقت، ما دفع رئيس البرلمان سليم الجبوري إلى إعادة التعديلات إلى جلسات الاستماع مرة أخرى. إلا أن قانون شبكة الإعلام تقدم على التعديلات التي قدمناها، ومن ثم حصلت انتخابات عام 2018 ما دفعنا للتواصل أيضاً مع نواب جدد في سبيل تفعيل القانون، إلا أن التعديلات التي وضعناها تداخلت مع مشكلات قانوينة جديدة، منها قانون الجرائم المعلوماتية. وبينما كنا في خضم معالجة ذلك، انطلقت التظاهرات الحالية وبقي كل شيء معلقاً”.

“لوبي” صحافي 

منذ 2003 وحتى الآن تستمر الانتهاكات بحق الصحافيين، وتشير إحصاءات إلى أن العراقَ اليوم يحمِلُ أسوأ سجلٍ في حريةِ الصحافة، خصوصاً بعد احتجاجات تشرين الأول 2019،  لِتَرصُدَ جمعيةُ الدفاع عن حريةِ الصحافة أكثرَ من 89 حالةِ انتهاكٍ طاولت صحافيين، منها هجماتٌ مُسلحة، وعملياتُ اقتحامٍ وإغلاق مقار ومكاتب أكثر من 17 وسيلةِ إعلام، فضلاً عن تهديدِ قُرابةِ 33 صحافياً بالقتل، واعتقال حوالى 8 صحافيين من قِبل أفرادٍ حكوميين وآخرين مجهولين، وإصابةِ أكثرِ من 14 صحافياً بالرصاصِ الحي وغازاتِ القنابل مسيّلة الدموع. وذلك خلالَ أداءِ واجبِهم والعملِ على تغطيةِ الاحتجاجات. وشهِد تشرين الأول الماضي، تعرضَ حوالى 28 صحافياً للاعتداءِ بالضرب والمنع من أداء واجبهم.

في هذا السياق، شكلت مجموعة من الصحافيين والأكاديميين “لوبي” صحافياً، يضم قادة الرأي العام والمنظمات الصحافية ووسائل الإعلام المستقلة والأكاديميين. وأعلن عن ذلك في ختام المؤتمر الثاني للصحافة الاحترافية الذي أقيم في السليمانية في كانون الثاني 2020. ويهدف اللوبي إلى تحقيق ما نص عليه الدستور بشأن حرية العمل الصحافي. كما يعمل على تشكيل لجنة لإطلاق حملات عبر “السوشيل ميديا”، تعمل بشكل منتظم على إطلاق الحملات باستخدام “الهاشتاغات” المطالبة بحماية الصحافيين، إضافة إلى التواصل مع منظمات إقليمية ودولية لإطلاق حملات مشتركة تصب في حماية الصحافة وحرية الصحافيين، فضلاً عن تنظيم وقفات احتجاجية للإعلان عن رفض الانتهاكات الحاصلة بحق الصحافة والمطالبة بالإسراع لتفعيل قوانين تحمي الصحافيين.