fbpx

“هاقد بدأت الحرب!”: الشباب الإيراني وصراعات ما بعد سليماني

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
ترجمة- Vox

“لم أكن أعرف الشعور الذي خالجني حينها. فلم أستطع الإفصاح عن أنني مسرور لأنه مات، ولم أستطع القول إنني سعيد”… ماذا قال الشباب الإيراني عن مقتل سليماني؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ظل بابك مستيقظاً لوقت متأخر، ولذا تمكن من مشاهدة الأخبار وقت بثها مباشرةً في ساعات الصباح الباكر ذات يوم جمعة في إيران. قتل الأميركيون قاسم سليماني أحد الرموز العسكرية الشهيرة في البلاد، في ضربة موجهة.

أخبرني بابك، البالغ من العمر 25 سنة، وهو مهندس برمجيات من بندر عباس، وهي مدينة تقع في جنوب إيران، قائلاً: “لم أكن أعرف الشعور الذي خالجني حينها. فلم أستطع الإفصاح عن أنني مسرور لأنه مات، ولم أستطع القول إنني سعيد”.

فقد اعترت بابك الصدمة جراء تخلص إدارة ترامب من سليماني. لكنه كان ينظر إلى القيادي العسكري الكبير على أنه امتداد للنظام الإيراني، فقد خدم الرجل الحكومة الإيرانية من دون أن تكون هذه الخدمة للشعب الإيراني بالضرورة.

الأهم من ذلك كله، أن بابك كان قلقاً، وكالكثير من الإيرانيين الذين تحدث إليهم موقع “فوكس” الإخباري عقب موت سليماني. فقد كانوا قلقين حيال ما سيلي ذلك من أحداث، لأن طهران قد تنتقم، فليس لديها خيار آخر، ما قد يستفز الولايات المتحدة من جديد.

يعني ذلك أن الأمور ستزداد سوءاً بالنسبة إلى إيران.

مثل بابك، ينتاب الكثير من الأشخاص الإيرانيين الذين تحدث إليهم موقع “فوكس”، عبر تطبيقات الرسائل المشفرة مثل “واتساب” و”تلغرام” الشكوك حول النظام الإيراني الحالي. (لم يستخدم موقع فوكس الأسماء الكاملة حرصاً على حماية خصوصية المشاركين في هذه القصة). وجميعهم تقريباً من الشباب المتعلمين، ويتمتعون بخبرة جيدة في التكنولوجيا (على رغم أن الإيرانيين يمكنهم الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فإنهم في الغالب يلجأون إلى وسائل بديلة باستخدام الشبكات الافتراضية الخاصة VPN للدخول إلى وسائل الإعلام الغربية). كما أنهم لا يمثلون سوى شرذمة قليلة من الأصوات في إيران، على حد قولهم.

ولكن مشاعرهم المعقدة بشأن اغتيال سليماني هي تذكير بأن قرارات السياسية الخارجية الأميركية، أو حتى تغريدة ترامب المروعة، يبدو مظهرها وتأثيرها مختلفاً تماماً، إذا كنت جالساً في إيران، أو تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي فيها.

وجهت إيران ضربة رداً على الولايات المتحدة، وذلك بإطلاق وابل من الصواريخ الباليستية على قاعدتين في العراق تحويان قوات أميركية. وعلى رغم أن هذه الهجمات لم تخلف أي خسائر أو أضرار، إلا أنها كانت استعراضاً علنياً لدقة إيران وقوتها.

مشاعرهم المعقدة بشأن اغتيال سليماني هي تذكير بأن قرارات السياسية الخارجية الأميركية، أو حتى تغريدة ترامب المروعة، يبدو مظهرها وتأثيرها مختلفاً تماماً، إذا كنت جالساً في إيران.

رد الرئيس دونالد ترامب، الذي كان هادئاً، على نحو غير معهود، بعد الهجمة بخطاب مقتضب، وصف فيه إيران بأنها مكتوفة الأيدي، ما يُقلل من احتمال حدوث اشتباكات مسلحة كبيرة أخرى، على الأقل في المستقبل القريب.

لكنه أعلنها صراحة بأن حملة الضغط القصوى التي تقودها إدارته ضد إيران لم تنته بعد، وأوضح أن الولايات المتحدة ستفرض المزيد من العقوبات الساحقة على إيران.

لا تُعد العقوبات من الأخبار السارة لدى الإيرانيين، الذين يشعرون بالكثير من الأسى جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة في الأساس. إذ يشهد الاقتصاد الإيراني حالة من التدهور، وقد زادت العقوبات من وضعه سوءاً وتعقيداً.

ولكن بعد أيام من سماع دوي الطائرات تحوم في السماء، أو القلق بشأن التجنيد العسكري الإلزامي المحتمل، أو التساؤل عما إذا كان عليهم الهروب من العاصمة إلى المدن الساحلية، فإن هذا التقليل من التصعيد، حتى مع فرض عقوبات جديدة، بدا للإيرانيين وكأنه هدنة. كما قالت مريم، البالغة من العمر 20 سنة، وهي طالبة تعيش لبعض الوقت في كرمانشاه، وهي مدينة كردية تقع في غرب إيران، “لقد تعلمت إيران كيفية التعايش مع العقوبات”. 

“لقد كانت الخطوة الأسوأ التي أقدمت الولايات المتحدة على اتخاذها على الإطلاق”.

كان سليماني شخصية جديرة بالاحترام في نظر كثر من الإيرانيين. فقد وصف بأنه حامي إيران، الذي دافع عنها ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. وقد أدرك حتى أولئك الذين لم يتبنوا وجهة النظر هذه، أو الذين خالجتهم الشكوك في ما إذا كان نفوذه في أماكن مثل سوريا واليمن يخدم المصالح الإيرانية بالفعل، أن موت هذا الرجل المؤثر لن يمضي من دون رد.

قال علي رضا، (28 سنة) وهو يعمل لدى شركة أجنبية في طهران، “إن كثيرين من المحيطين بي احترموه أيضاً لأن وظيفته كانت الدفاع عن الحدود الإيرانية”. وأضاف “ولذلك في اعتقادي، تُعد حادثة اغتياله أسوأ خطوة اتخذتها الولايات المتحدة على الإطلاق”.

لقد كان اغتيال الولايات المتحدة السافر مسؤولاً كبيراً، عصفاً لكبرياء البلاد. قالت مريم “لو لم يكن ترامب هو من أمر بهذه الضربة بنفسه، أو كان سليماني وطأ لغماً أو شيئاً ما، لما حزن الناس عليه على هذا النحو. الناس معظمهم غاضبون للغاية، فتلك مسألة مست كبرياءهم، وهم يشعرون كما لو كان يا إلهي، أهو دونالد ترامب بنفسه من ضغط على زر ثم قتلوه؟”.

قال علي رضا: “أنا أعرف الكثير من الأشخاص المعارضين للنظام وفيلق القدس، وحدة القوات الخاصة التابعة للحرس الثوري الإسلامي الإيراني (IRGC) الذي قاده سليماني. لكنني رأيت الكثير من أصدقائي يغيرون صور ملفاتهم الشخصية ليدعموا النظام الآن. إنهم يريدون الثأر، ويشعرون بالغضب. فقد تأذى كبرياؤهم، ويريدون من الحكومة أن تفعل شيئاً ما حيال ذلك”.

لا تُعد العقوبات من الأخبار السارة لدى الإيرانيين، الذين يشعرون بالكثير من الأسى جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة في الأساس.

شهر مضى، شهدت إيران انقسامات كثيرة، صاحبها اندلاع تظاهرات حاشدة من قبل المحتجين المطالبين بالتغيير. بيد أن شعوراً بالضياع ساد في أعقاب مقتل سليماني. يقول علي رضا، “لقد فقد هؤلاء الناس الذين هتفوا من أجل إحداث تغيير في علاقة إيران بالعالم، أصواتهم، ولا يمكنهم التحدث الآن، فقد أصبح الهدوء يخيم على الجميع الآن”.

أشار كثيرون إلى هذا الوضع باعتباره حالة من النسيان، وكأن مقتل سليماني تسبب في خلق فجوة في الذاكرة الجماعية. أعرب طالب يبلغ من العمر 23 سنة من جامعة قم عن ذلك قائلاً، “إن النظام فرض إجراءات صارمة ضد الاحتجاجات، وسعى إلى قمعها بعنف”. وأضاف: “بدا الأمر كما لو أن الناس نسوا تماماً أن هذا الرجل يرمز إلى مثل هذه الأعمال المناهضة للشعب. ولقد فاجأني ذلك على نحو ما”.

وأردف، “ولكن كان ذلك قبل تغريدة ترامب، التي دفعتني إلى التفكير، وقلت في نفسي، ربما الناس على حق. ويتعين علينا أن ندعم النظام”.

تغريدات ترامب تشكل أهمية حقيقية في الواقع، لا سيما واحدة منها.

بعد مضي يومين على مقتل سليماني، نشر ترامب تغريدة حملت في طياتها تهديداً مزعجاً، قال فيها “إذا أقدمت إيران على ضرب أميركيين أو أصول أميركية، فقد حددنا 52 موقعاً إيرانياً سنستهدفها (تمثل الرهائن الأميركيين الـ52 الذين اختطفتهم إيران قبل سنوات)، بعضها على مستوى عالٍ جداً ومهم لإيران والإيرانيين والثقافة الإيرانية، وتلك الأهداف، وإيران نفسها، ستتعرض للضرب بسرعة كبيرة وبشكل قاس للغاية”.

أثار تهديد ترامب بضرب المواقع الثقافية باحتمال ارتكاب جريمة حرب. في حين حاول أعضاء من حكومته، بما في ذلك وزير الخارجية، مايك بومبيو، ووزير الدفاع، مارك إسبر، التراجع عن تلك التعليقات، ورفضها بوصفها “افتراضية” وصرحوا بأن الولايات المتحدة ستلتزم بالقانون.

بيد أن كثراً من الإيرانيين أخذوا تهديدات ترامب على محمل الجد. وقال أحد طلاب الماجستير الذي يعمل في مجال العلاقات العامة ويبلغ من العمر 26 سنة ويقيم في طهران، “عندما يهدد المواقع الثقافية، فإن الناس يصدقونه، لأنه يبدو وكأنه مجنون”.

يرى البعض أن التهديد بمهاجمة المواقع الثقافية أثبت أيضاً أنه على رغم خطابات ترامب الطنانة – وربما أيضاً خطابات إدارته – فهو في الواقع لا يعبأ بالشعب الإيراني على الإطلاق.

كان سليماني شخصية جديرة بالاحترام في نظر كثر من الإيرانيين.

قالت مريم، الطالبة من مدينة كرمانشاه، إنها صدقت ذات يوم أن ترامب يفصل بين الحكومة الإيرانية والشعب. هكذا رأت العقوبات الاقتصادية: باعتبارها عقوبة ضد النظام وليس الشعب.

بيد أنه عندما هدد ترامب بقصف المواقع الثقافية في إيران، فكرت ما هو الضرر الذي قد يلحق بالحكومة جراء ذلك؟ لا شيء. أضافت مريم، “حينها أدركنا أنه ليس معادياً للنظام، بل يعادي إيران منذ البداية، ولم نكن نعلم ذلك”.

لم تكن مريم قط من أنصار حكومتها. ولكنها قالت إنها خلال حديثها مع أصدقائها توصلت إلى فهم واضح: وهو أنه لا يوجد جانب جيد، لا النظام ولا ترامب ولا أي شيء. وأردفت، “قد يكون هذا النظام هو الأسوأ، ولكن دونالد ترامب أيضاً على القدر نفسه من السوء. على الأقل هذا النظام إيراني”.

حتى أمثال سيبهر، الطالب في جامعة طهران الذي يبلغ من العمر 22 سنة، الذي اعتبر تركيز النظام على الحزن على مقتل سليماني ليس أكثر من مثال آخر على دعاية النظام، قال إنه انزعج بسبب تغريدة ترامب.

قال سيبهر، “اليوم، كان لدي امتحان حول ترميم المواقع التاريخية. أنا لا أمزح. فقد بدا الأمر غريباً للغاية، لأنني فكرت، لماذا نُمتحن في هذا بما أن ترامب على الأرجح سيُدمرها؟”.

وأضاف، “هذا هو الشيء الوحيد الذي أغضبني بشدة. فهو يقول إنه يحب الشعب الإيراني، ولكنه لا يهتم بالثقافة أو المواقع الثقافية”.

قالت مريم “لو لم يكن ترامب هو من أمر بهذه الضربة بنفسه، أو كان سليماني وطأ لغماً أو شيئاً ما، لما حزن الناس عليه على هذا النحو”.

توقف موقت في الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران، إنما ثمة قدر كبير من الشكوك حول ما سيحدث لاحقاً.

“ها قد بدأت الحرب”، هكذا أرسل لي أحد المستخدمين عبر تطبيق “واتساب” من إيران، بينما بدأت التقارير ترد على الصواريخ الإيرانية التي استهدفت قاعدة عين الأسد في العراق.

استيقظ بابك مجدداً، وكان ذلك في الوقت نفسه تقريباً من الليل كما كان في الأسبوع الذي شهد الهجوم على سليماني. وفي مدينة بندر عباس القريبة من سواحل مضيق هرمز سمع أصوات الطائرات. “حين رأينا الطائرات في السماء اعتقدنا أننا أصبحنا رسمياً في حرب مع الولايات المتحدة”.

وقالت مريم أيضاً إنها لم تستطع النوم في تلك الليلة. وفكرت، “حسناً، ها قد بدأت. نحن نخوض حرباً مع الولايات المتحدة”، لقد كانت واحدة من أسوأ الليالي في حياتها.

تمكنت مريم أخيراً من النوم في الـ6 صباحاً. ولكن عندما استيقظت لاحقاً ورأت أن ترامب نشر تغريدة قال فيها إن “كل شيء على ما يرام”، وإنه لم يقع ضحايا أميركيون جراء الهجوم، عرفت حينها أنهم ليسوا في حرب.

ربما ساهم خطاب ترامب في تبديد المخاوف من حدوث صراع وشيك. لكن كثراً من الذين تحدثنا إليهم قالوا إنه على رغم أن هذا ما قد يبدو عليه الوضع في الوقت الراهن كما نرجو، فإن عواقب مقتل سليماني ما زالت لم تُحسم ولم تُحل بعد.

قال لي طالب في جامعة طهران يبلغ من العمر 23 سنة، إنه لا يعتقد أن الأمر انتهى عند هذا الحد، والآن لا أحد يولي اهتماماً للمشكلات الحقيقية التي تواجهها إيران، مثل انتهاكات حقوق الإنسان. وأضاف، “إنني أشعر بالقلق حول مستقبلي، وحياتي. لا أدري ما الذي قد يحمله المستقبل لي”.

ثم مجدداً، كما كتب لي سيبهر، الطالب الذي يدرس الهندسة المعمارية، بعد خطاب ترامب، “ولكنها على الأقل ليست حرباً حقيقية”.

هذا المقال مترجم عن vox.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!