fbpx

لم يكن على أوباما استرضاء إيران مطلقاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

اتبعت الولايات المتحدة سياسة الاحتواء مع إيران بحكم الأمر الواقع، وذلك بعدما تحولت إيران من حليف إلى عدو عام 1978… إلا أن إدارة أوباما أقدمت على مغامرة كبيرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اتبعت الولايات المتحدة سياسة الاحتواء مع إيران بحكم الأمر الواقع، وذلك بعدما تحولت إيران من حليف إلى عدو عام 1978. وهو النهج الذي تبنته مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. بيد أنه بدايةً من إدراة أوباما، تأرجحت السياسة الأميركية ما بين الاسترضاء والصدام، وهو ما أسفر عن وضع مضطرب وخطير. 

ارتكزت الاستراتيجية التي وضعت في عهد إدارة جورج دبليو بوش (عملت في البنتاغون ومجلس الشيوخ خلال ذلك الوقت) على 3 دعائم، وإن لم توثق رسمياً مطلقاً. أولاً: فرض عقوبات تعجيزية على تقدم إيران النووي. ثانياً: دعم الدول الحليفة لأميركا المحيطة بإيران -وخصوصاً تحالف أميركا القوي والقيم مع العراق- لمنع أي تهديد إيراني على أمنها ومكانتها في الشرق الأوسط. ثم ثالثاً وأخيراً: تشجيع الحركة الإيرانية التي تؤيد الديموقراطية على فرض ذاتها والمطالبة بمكانها الشرعي والعادل في الحكومة.

عندما أصبح أوباما رئيساً، كانت استراتيجية الاحتواء المدعومة بقوة رادعة، تسير على النهج المرسوم لها. وعلى رغم أن الثورة الإسلامية التي تزعمها آية الله الخميني، التي كان يفترض أن تنتشر عالمياً، فشلت في ضرب جذورها في أي مكان خارج إيران، لكنها نجحت في لبنان، متمثلة في “حزب الله” الفتاك. كان هناك وقتها عناصر ضمن الميليشيات الشيعية في العراق معروف أنهم على علاقة مع الإيرانيين، وقد أغرقت العبوات الناسفة وغيرها من الأسلحة الإيرانية الحرب الأهلية العراقية، لكن تكتلات السياسية الرئيسية في العراق، بما فيها الأحزاب الشيعية، كانت لا تزال تعارض التدخل الإيراني في البلاد صراحةً. بل في الواقع، قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2008 بأشهر معدودة، هاجمت حكومة نوري المالكي ذات الأغلبية الشيعة الميليشيات المدعومة إيرانياً التي تسللت إلى مدينة البصرة في جنوب العراق.

بعد سنوات، أقدمت إدارة أوباما على مغامرة كبيرة. مدفوعة برؤية مؤشرات واعدة في فرصة إقامة علاقة أقل عدوانية مع إيران، قرر أوباما عقد صفقة مع نظام الملالي. فقد ألغى الاتفاق النووي الذي عُقد عام 2015 نظام العقوبات الذي فرضته الأمم المتحدة، ولعب دوراً حاسماً في انهيار الاقتصاد الإيراني، في مقابل فرض قيود موقتة على المنشآت الرئيسة التابعة لبرنامج التسليح النووي الإيراني وأخذ تعهدات مبهمة من الإيرانيين بعدم تطوير أسلحة نووية بتاتاً.

قرر أوباما عقد صفقة مع نظام الملالي. فقد ألغى الاتفاق النووي الذي عُقد عام 2015 نظام العقوبات الذي فرضته الأمم المتحدة.

خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده البيت الأبيض للكشف عن الصفقة، وُجهت أسئلة لأوباما حول ما إذا كان الاتفاق سيسمح للولايات المتحدة “بالتصدي بمزيدٍ من القوة للتصرفات الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، بمنأى تماماً عن المسألة النووية”. أو بعبارة أخرى، هل سيدعم الاتفاق سياسة احتواء إيران أم سيقوضها؟ كانت تلك إحدى النقاط التي أثارها أوباما خلال رده على هذه الأسئلة: “سيكون من السهل علينا كثيراً، إذا لم يكن بحوزتهم الأسلحة، مراقبة الأنشطة الإيرانية المسيئة، والتصدي لهم في الساحات الأخرى التي يعملون فيها على نحوٍ يتعارض مع مصالحنا أو مصالح حلفائنا”.

لا تخلو هذه الإجابة من بعض المشكلات، فقبل سنوات قليلة فقط، سحب أوباما القوات الأميركية من العراق، وسلم هذا الانسحاب حلفاء أميركا في العراق فعلياً على طبق من فضة للإيرانيين. فقد صار لدى إيران جسراً برياً يمر في العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى الحدود الإسرائيلية، ومن الصعب تصور أنها لن تستفيد منه. علاوة على ذلك، في حين أنه لم يكن هناك أيّ شك في أن التعامل مع إيران قد يكون أسهل في حال تخليها عن الأسلحة، لكن الاتفاق النووي لم يحل هذه المشكلة كلياً، لأنه ترك مع إيران جميع العناصر الأساسية من البلوتونيوم واليورانيوم اللازمين لإحداث تفاعل متسلسل من شأنه إنتاج رؤوس نووية، والتي يمكنها تنشيطها في غضون أشهر. أضف إلى ذلك أن كثيرين في طهران كانوا يعتبرون أن الصفقة ذاتها تعد استسلاماً من جانب أميركا، ربما هناك بعض الإنصاف في هذا التصور إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الولايات المتحدة رضخت للمطالبات الأساسية في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تعود لما يقرب من العقد. ولجميع هذه الأسباب، بصرف النظر عن نيات أوباما الحسنة، كان لا بد أن يكون الافتراض الأساسي هو: هل ستتجرأ إيران، وهل سيكون من الأصعب كثيراً التصدي لـ”أنشطتها المسيئة” الأخرى؟

وهذا ما حصل بالفعل. ففي العراق، تحول دعم الإيرانيين الميليشيات الشيعية إلى فرض النفوذ على الحكومة العراقية نفسها. وفي سوريا، قبل أوباما بمشاركة روسيا وإيران في الحرب الأهلية، وهو ما جعل انتصار الأسد النهائي حتمياً. وفي لبنان، اقترب “حزب الله” من إحكام سيطرته على كامل الدولة. ربما أعاد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الولايات المتحدة إلى العراق ثانية بعد فترة وجيزة، لكن ذلك حدث في ظل إدارة تسمح لإيران باستكمال عملية إخضاعها العراق بمنتهى الحرية. وعليه، يمكن القول إن الولايات المتحدة كانت بمثابة السلاح الجوي غير المباشر لإيران في حربها ضد “داعش”، بل وساعدت في زيادة الهيمنة الإقليمية الإيرانية.

على رغم أن تلك لم تكن نياته بكل تأكيد، فإن استراتيجية أوباما آلت في النهاية من نواح عدة إلى المهادنة. بيد أنه عندما وصل الرئيس ترامب إلى منصبه، رأى الجمهوريون فرصة لإلغاء ذلك الاتفاق البغيض. وفي سبيل ذلك، مارسوا ضغوطاً حثيثة على الرئيس لحمله على الانسحاب منه، وهو ما قام به في نهاية المطاف. وأعلن وزير الخارجية مايك بومبيو عن إعادة فرض عقوبات شديدة تدميرية، بسبب الحاجة القصوى التي تجاوزت حتى تلك التي كانت موجودة خلال إدارة بوش من قبل.

سحب أوباما القوات الأميركية من العراق، وسلم هذا الانسحاب حلفاء أميركا في العراق فعلياً على طبق من فضة للإيرانيين.

ولكن إذا كان عقد اتفاق مع إيران خطأ منذ البداية، فهل يمكن التراجع عن ذلك الخطأ بالانسحاب من الاتفاق؟ فقد تكبدت الولايات المتحدة بالفعل تكاليف جمة لا يمكن استردادها. فضلاً عن أن الولايات المتحدة تخلت عن نظام العقوبات الدولية في مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني، التي من المقرر أن ينتهي العمل بها في غضون سنوات قليلة، لذا فإن معضلة ما ينبغي القيام به حيال ذلك الأمر لم تحل، بل تأجلت فقط. والأدهى من ذلك أن الانسحاب من الاتفاق لن يؤدي إلا إلى التعجيل بقدوم ذلك اليوم الذي يجب أن تواجه فيه الولايات المتّحدة هذه المعضلة مرة أخرى، وهذه المرة من دون أن تحظى بميزة وجود جبهة ديبلوماسيّة موحدة. وفي الوقت نفسه، يوفر امتثال إيران لنظام التحقق المحدود الذي ينص عليه الاتفاق (عدم القدرة على تفتيش المواقع العسكرية، أو إجراء عمليات تفتيش في أي وقت وأي مكان، وأن نطاق عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية يقتصر على المنشآت المعلن عنها فقط)، الحد الأدنى من المكاسب على الأقل.

في الواقع، لم يعن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني أن الولايات المتحدة بصدد العودة إلى إستراتيجية الاحتواء المدعومة بوسائل الردع. بل إن الانسحاب من الصفقة يقتضي ضمنياً اتباع سياسة المواجهة، ولكن هل كانت الإدارة حريصة حقاً على الانتصار في تلك المواجهة؟ الواقع أن نهج ترامب في السياسة الخارجية، الذي يُسميه كاتب العمود بصحيفة واشنطن بوست، ماكس بوت، “الانعزالية العدائية”، لا يتورع عن إبراز القوة الأميركية في الخارج، بل يعارض الالتزامات الخارجية، ويبدو أحياناً متناقضاً في التعامل مع الحلفاء الضروريين أنفسهم، لنجاح أي استراتيجية تقريباً تقوم على المواجهة.

يعد النهج الذي تتبناه الإدارة في التعامل مع العقوبات مثالاً واضحاً على ذلك. فقد تسببت العقوبات في تضاؤل عائدات إيران من النفط إلى حد كبير، وما ترتب على ذلك من آثار مدمرة. ولتخفيف حدة التأثير في أسعار النفط العالمية، سعى حلفاء أميركا في الخليج – لا سيما، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – إلى تعويض الإمدادات الإيرانية المفقودة. واعتبرت إيران ذلك عن حق حملة في إطار الحرب الاقتصادية ضدها، وردت بالهجوم أولاً على شحنات النفط السعودية والإماراتية، ثم منشأة إنتاج رئيسية في السعودية، وأخيراً طائرة أميركية مُسيرة. إلا أن الولايات المتحدة لم ترد على هذه الاستفزازات، ما دفع بلا شك كثيرين في السعودية والإمارات إلى التساؤل عما إذا كان من الأفضل اتخاذ موقف أكثر حيادية تجاه إيران.

لكن الولايات المتحدة لم ترد بالقوة إلا عندما شنت إيران علناً سلسلة من الهجمات على السفارة الأميركيّة في بغداد، وغيرها من المنشآت في العراق، ما أسفر عن مقتل مواطن أميركي. غير أن قتل مواطن أميركي من دون إنكار ذلك ولو ظاهرياً هو خط أحمر من غير المرجح أن تتجرأ الحكومة الإيرانية على تجاوزه مرة أخرى في أي وقت قريب. إذاً، هل يمكن أن يكون الإنفاذ الجاد والصارم لهذا الخط الأحمر كافياً لدعم نظام العقوبات المتعددة الجنسيات، أو تحديد مستوى الاحتواء اللازم لتحقيق الاستقرار في المنطقة؟

في العراق، تحول دعم الإيرانيين الميليشيات الشيعية إلى فرض النفوذ على الحكومة العراقية نفسها.

تعتمد أي فرصة لاحتواء إيران على تعزيز نظام التحالفات الإقليمية الأميركي – وبخاصة إحياء التحالف الأميركي مع العراق. وفي حين قد لا يفهم الأميركيون ذلك، فإن إيران تدركه جيداً. ولهذا السبب تصاعدت حدة هجماتها في الفترة الأخيرة من مجرد الهجوم على حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، إلى توجيه الهجمات مباشرةً على المنشآت الأميركية في العراق. ولهذا السبب، تمثل رد إيران على مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني بصورة أساسية في مهاجمة المنشآت التي تضم موظفين أميركيين في العراق. وإذا كان بوسع إيران أن تطرد الأميركيين من العراق، وأن تدفع حلفاء أميركا الآخرين في الخليج إلى الإذعان وتبني موقف أكثر حيادية، فإنها قد تهيمن على قسم كبير من الشرق الأوسط، بصرف النظر عن مستوى القوات الأميركية في المنطقة. وفي هذه الحالة يُعد مقتل سليماني هدية تفوق أهميتها فداحة الخسارة التي مُني بها النظام.

قد تكون إيران الآن أكثر تردداً في قتل الأميركيين. ولكن إذا لم تخش تحدي المصالح الأميركية بطرائق أخرى، فمن المرجح أن يصير الشرق الأوسط أكثر خطورةً في الأشهر المقبلة، بينما تحاول إيران التوصل إلى سبل جديدة لإرغام أميركا على الاختيار بين المهادنة والحرب التي لا يريد أي أميركي أن يخوضها. ولهذا السبب فإن العودة إلى استراتيجية الاحتواء، المدعومة بسبل الردع الواضح الجاد والصارم، أصبحت الآن ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى.

هذا المقال مترجم عن theatlantic.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.