fbpx

السلفيون في مصر: السياسة قبل الدعوة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

وجد السلفيون الفرصة مناسبة، بعد الربيع العربي، لاستعادة مواقعهم، واقتسام حصة عادلة في الفضاء الديني، الذي انفرد به الإخوان لعقود، باعتباره المنافس التقليدي لهم. بيد أنه ظلت ترافق تقدم السلفيين في العملية السياسية، تصدعات عديدة، داخل “حزب النور”، بسبب البراغماتية الشديدة في المواقف العقائدية، حتى ولو كانت بصورة تكتيكية، ورافقتها حال من المرونة السياسية، أكثر وضوحاً، ترفض الصدام مع السلطة بل وتتحالف معها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ساهم المناخ السياسي الذي شكّل انفراجة، إبان الربيع العربي في القاهرة، لدى الأحزاب السلفية، على وجه الخصوص، في بناء شبكة مناصرين ومؤيدين، وتحويلها إلى رأسمال سياسي.

سابقاً، كان يقتصر نشاط تلك الأحزاب، على الجانب الدعوي والخدمي، ومحاولة تغيير المجتمع من أسفل، بعد أن تمكن السلفيون، من استثمار رأسمالهم الاجتماعي، المنبث في قرى ومدن مصر بامتدادها، ومن خلال شبكة اجتماعية وخيرية.

وحقق “حزب النور”، أكبر الأحزاب السلفية، في القاهرة، في أول انتخابات برلمانية، عقب الثورة، نجاحاً لافتاً، إذ فاز بنسبة 24 في المئة، من مقاعد مجلس النواب، وحاز بالتالي، على المرتبة الثانية، بعد “حزب الحرية والعدالة”، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، على رغم حداثة عهده في السياسة، وضعف خبراته التنظيمية مقارنة بالأخير.

الحالة الملتبسة في الخلط والتداخل بين الدين والسياسة، في الحالة السلفية، وعدم التمييز بين المجالين الدعوي والدنيوي، وأنشطتهما، ترجع إلى تداخل المشهد السياسي، الذي دفعها لقبوله والدخول في أحشائه، والاستجابة لمعطياته، ببراغماتية شديدة وانتقائية، من دون وضع تصور سياسي شامل، يتضمن الرؤية السلفية للدولة الحديثة، وتعيين موقع الشريعة في علاقتها بها.

فلم يكن توافق السلفيين الشكلي، مع الآليات الديموقراطية والإجرائية، مثل القبول بشرعية صناديق الاقتراع، نتيجة لمراجعات فكرية جادة وواقعية، بمقدار ما كان حالة من التهافت والانتهازية، وكذلك الحال، عندما قدموا نساء للترشح، فتم وضع وردة لحجب صورهن، على لافتات الدعاية.

ويتجلى ذلك التناقض في إشارة لافتة، طلب فيها الشيخ السلفي، عبد المنعم الشحات، أثناء انعقاد البرلمان عام 2011، إذ شغل منصب المتحدث الرسمي، باسم الدعوة السلفية بالاسكندرية، ضرورة تدشين “مجلس فقهي”، تحال إليه القوانين، ليفصل في شرعيتها الدينية من عدمها، وهذا ما يفضي الى الزام المشرعين بمرجعيات دينية وفقهية، لما سيصدر من مواقف سياسية أو يترتب عليها من قوانين.

والبرنامج السياسي لـ”حزب النور”، لم يتضمن أي التزام حقوقي، مثلاً، لمبدأ المواطنة، والتي لم يرد ذكرها مرة واحدة في صفحاته، وكذلك حضور تصور عن الدولة المدنية، فيما يشدد على ضرورة أن تكون الشريعة الإسلامية، حاكمة لكافة مناحي الحياة وسبلها. ولا يكتفي بنص المادة الثانية للدستور المصري الذي يقر بأنّ “الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع”، بل ينبغي أن تضحى مرجعية عليا للدولة، في نشاطها السياسي والقانوني والتشريعي والاجتماعي والاقتصادي”.وإلى ذلك، تصبح كل الحقوق والحريات العامة والممارسات السياسية ملتزمة بالشريعة، وفق هذا الإطار الذي يضبط مفهومها، وفق المنظور السلفي، وهو ما يتقاطع مع فتاوى أعلنها، الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، على موقع “أنا السلفي”، والذي يعد المرجعية العلمية والفقهية لـ”حزب النور”.

وتفصح آراء نائب رئيس الدعوة السلفية عن مواقف تقليدية، تجاه الأقباط، والعمل في مؤسسات الدولة، وآليات تداول السلطة والانتخاب، وموقفه من القوانين الوضعية، والتي يعتبرها عدواناً على الدين وخروجاً عن طاعة الله.

فيحرّم ياسر برهامي العمل بالقوانين الوضعية، فى مؤسسات الدولة التي تعطل الأخذ بنصوص الله وكتابه، في الحكم وتنظيم شؤون الناس، واستبدالها بقوانين وتشريعات بشرية، بحسب ما يتبنى من رأي، فيقول على موقع “أنا السلفي”، أحد الإصدارات الدعوية للتيار السلفي الذي ينتمي إليه: “الحكم بغير ما أنزل الله كفر.

وبحسب الفتاوى الموجودة على المنصة الإلكترونية، للدعوى السلفية، يقر برهامي بتحريم العمل بالشرطة، باستثناء قطاع المطافئ: «إذا كنت تعمل فى المطافئ مثلاً، والأعمال التي لا تتعلق بالقوانين الوضعية، ولا تمنعك من القيام بالطاعات واجتناب الظلم والمعاصي، فلا حرج فى ذلك».وأفتى برهامي لأحد الشباب السائلين، على موقع «أنا السلفي»، بعدم جواز العمل، في البنوك، حتى وإن كانت في الأعمال التي لا تتعلق بالقروض.

ويعد الموقف من الأقباط من أكثر المواقف التى لا تتوانى الدعوة السلفية، وأعضاء “حزب النور”، عن التصريح به ليل نهار، فهم “النصارى” و”المشركون”، حيث جاء سؤال على الموقع ذاته، يقول: “هل يجوز للمسيحي الترشح في مجلس الشعب؟ وإذا كان يجوز فهل يكون على رأس قائمة “حزب النور” السلفي؟”.

فأجاب: “مجلس الشعب له سلطة تشريعية ورقابية، ويمكنه عزل رئيس الدولة، ومحاسبة الحكومة، والمقرر أن كل أنواع الولايات، لا يحل للكافر أن يتولاها، وهذا ليس غريباً من القول، فـ”مجلس اللوردات البريطاني” وهو أحد مجلسي التشريع، شرط دخوله أن يكون العضو بروتستانتياً. وفي أي حال فهذا في حالة الدولة المسلمة الكاملة”.

وأوضح برهامي أن “هدم الكنائس ليس حراماً شرعاً، وسبب موافقتنا، على بنائها من خلال مواد الدستور، الخاصة، بدور العبادة وعدم أخذ الجزية من النصارى، أن المسلمين في العصر الحالي، معلوم حالهم بالنسبة إلى دول العالم بالضعف، وتدهور المنزلة بين الناس”.

ويتضح داخل بنية الخطاب السلفي، الذي يقوم على مفهوم “الفرقة الناجية”، كما تتم استعارته من مدونة الحديث النبوي، أن ثمة حضوراً قوياً للعنف الرمزي، فيجعل من كل مسلم “سلفي” بالضرورة، حتى يكون إسلامه صحيحاً، ومن ثم يصبح الخارجون عن طاعة “الجماعة”، منحرفين عن العقيدة، ويجسدون البدع والضلال، وضد المنهج السني السليم، وهو ما يؤكده، وفق نظريتهم السياسية والعقائدية، حديث آخر يقول: “لا تجتمع أمتي على ضلالة”.

وحول مفهوم الجماعة المسلمة، الذي يركز عليه ويتبناه السلفيون، تبقى مسألة التنظيم وكمونها في العقل السلفي، أمراً مغرياً وذات وجاهة، تداعب فكرهم وطموحهم السياسي والدعوي. وهو ما تتحرى تحقيقه، طوال الوقت، بخاصة أن المكونات السياسية، قائمة لديها، بغية تحقيق “أسلمة المجتمع”.

وجد السلفيون الفرصة مناسبة، بعد الربيع العربي، لاستعادة مواقعهم، واقتسام حصة عادلة في الفضاء الديني، الذي انفرد به الإخوان لعقود، باعتباره المنافس التقليدي لهم.

بيد أنه ظلت ترافق تقدم السلفيين في العملية السياسية، تصدعات عديدة، داخل “حزب النور”، بسبب البراغماتية الشديدة في المواقف العقائدية، حتى ولو كانت بصورة تكتيكية وتلفيقية، ورافقتها حال من المرونة السياسية، أكثر وضوحاً، ترفض الصدام مع السلطة بل وتتحالف معها، وقد عبّر حزب النور صراحة عن موقفه الداعم للرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الأخيرة.

وترتب على ذلك، تسرب شكوك ومخاوف لدى قيادات ومجموعات، في الدعوة السلفية، بأن السياسة ستخصم من رصيد “الدعوة” التاريخي، وتهدد وجود “الهيئة الدينية” ونفوذها، وتفقدها الهيمنة الأيدولوجية على مريديها، والتي ستُزاح أمام الفعل السياسي ومراوغاته، لحساب “الحزب” الناشئ، إذ تراوح الجدل حول تحديد تبعية الأخيرة لحساب الأولى أم العكس.

وهو ما أسفر عن انفصال في جسد الحزب بين قيادتيه التاريخيتين، في الدعوة السلفية، وهما الشيخين: عماد عبد الغفور، رئيس الحزب، وقتها، وياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية.

وكانت إحدى الإشكاليات المثارة لدى التيار السلفي، عقب الربيع العربي، ومشاركته في الحياة السياسية، هو آلية انضباطه السياسي، من دون ما يضطره ذلك، إلى تقديم تنازلات منهجية وعقائدية، تتصادم وثوابت الدين.

ومن بين الشكوك التي يثيرها السلفيون تذمرهم من انشغال الشيوخ بالقضايا السياسية، عن الدعوة الدينية، فاعتبر الشيخ إسماعيل المقدم أن الدور الحقيقي لأئمة الدعوة السلفية، هو “الدعوة إلى الدين ونشر المفاهيم الصحيحة في العبادات والمعاملات الدينية”.

وعبّر في جملة صريحة: “إذا كنا محصورين بين خيارين إما حراسة الدين أو خوض السياسة، فلن نقبل إلا خياراً واحداً”.