fbpx

“في لبنان أنا سورية وفي سوريا أنا لبنانية”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أن أولد وأعيش في بلد من أم مواطنة وأن أبقى “أجنبية” فهذا ليس تفصيلاً. ولكن أن يكون والدي سوري وأولد في لبنان خلال التسعينات فهذا بحد ذاته تعقيداً هائلاً يرخي بثقله على كل تفاصيل حياتي اليومية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“شلون”، “مو” كلمتان من اللهجة السورية، وفي منزلنا يتفرّد أبي باستخدامهما. لا أذكر أنني مرّة سألتُ عن سبب هذا التفرّد في محيطنا اللبناني، ولكنني أذكر جيداً أن أهلي كانوا حريصين على أن أدرك تماماً أنني سورية أيضاً ولست فقط لبنانية. 

التسعينات 

عندما كنت لا أزال صغيرة، وعندما كان يسألني أحد من قريتي “أنت ابنة من؟”، كنت أجيب بنسب نفسي إلى أمي (ابنة فلانة). وبعد جوابي، كان يتكرر سؤال: يعني مين بيك”؟

أزعجني الأمر، فاشتكيتُ إلى أمي: “لماذا يصححون لي وأنا لم أخطئ”!

في حينها فسّرتْ لي أمي بصيغة مبسطة كيف يفكّر محيطنا الاجتماعي، ثمّ سألتني لماذا أنت مصرة على الإجابة نفسها؟ فأجبتها أنني أعتقد أن الناس هنا يعرفونها أكثر من أبي لأن القرية قريتها هي. ربما كانت هذه أولى تجليات الغربة في وطن أمي. 

كمواطنة سورية في لبنان لا يمكن أن أنفصل عن الواقع السوري، ومن الطبيعي أيضاً أن أكون منخرطة بالواقع السياسي اللبناني ومتأثرة به.

نشأت في قرية أمي حيث بنى أهلي بيتاً لنستقر فيه قبل أن أولد. ولدتُ وترعرتُ في قرية صغيرة في لبنان، ولم أكن أعرف عن بلدي سوريا أي شيء. فقط كنت أسمع من صديقتي أن والدها يمنعها من اللعب في ذاك المكان القريب من منزلها، لأن على مقربة منه ورشة يعمل فيها “سوريون”. هذه كانت واحدة من الأمور التي تركتني مع شعور قاس بخجل ٍمن هويتي وما تحمله من تهمٍ جاهزة حيث أعيش. 

2005.. “ثورة الأرز”

عام 2005 امتلأت الشاشات بشعار “فاجأناكم مو؟” وأنا كنت ألفتُ هذا التعبير على لسان أبي، فلماذا أصبح شعاراً هزلياً؟ كنتُ كلما سمعت الشعار أتذكر سؤال طفولتي “شو يعني مو”. ومن دون أي معرفة جدية ودقيقة بخلفيات الشعار، شعرتُ باستفزاز رماني على الطرف الآخر من المعادلة من دون أن أفهمها أصلاً. من دون أن أعي تماماً لماذا الثورة، ولماذا “السوريون” غير مرغوبٍ بهم هنا؟ ببساطة شعرتُ أن ألفاظ والدي، الإنسان العادي، الذي لم يتعرض بأذىً لأي أحد أو تعامل بتمييز، صودرت منه لدواعي السخرية. 

بالطبع لاحقاً ومع فهمي لواقع العلاقة اللبنانية السورية تغير موقفي من المسألة، من دون أن أشفى تماماً من الانزعاج المرافق لاستخدام كلمات يقولها كل سوري وسورية.

2006 … “حرب تموز”

عام 2006 خلال حرب تموز قرر أهلي أن نلجأ إلى أقاربنا في سوريا. وقتها انتبهتُ إلى أنني في سوريا أنا الـ”لبنانية”، وعام 2011 أصبت بعارض صحي في لبنان، نقلتُ على أثره إلى المستشفى، وهناك بادرت الموظفة التي تملأ أوراقي إلى وضع عبارة أني لاجئة سورية. أذكر أن أمي جادلتها لتقنعها أنني لست لاجئة لأنني ابنتها ولأنني مولودة هنا. وهكذا أبقى في لبنان الـ”سورية” وفي سوريا الـ”لبنانية”  

2011… الثورة السورية 

بعد 2011 أصبحت الأمور أصعب بكثير. كمواطنة سورية في لبنان لا يمكن أن أنفصل عن الواقع السوري، ومن الطبيعي أيضاً أن أكون منخرطة بالواقع السياسي اللبناني ومتأثرة به. هكذا أصبحَ الوضع أكثر تعقيداً عليّ، بين تأثير مواقفي على مسألة إقامتي في لبنان من جهة، وعلى إمكان دخولي إلى سوريا من جهة ثانية. تعقيدات تحصل ببساطة لأنني ابنة لامرأة لبنانية، فلا أنا لاجئة لأستفيد من هذه الحماية، ولا أنا مواطنة. 

هذا الواقع دفعني للقيام برقابة ذاتية على مواقفي لا سيما بالنسبة لما يحصل في سوريا. أما لجهة لبنان فالوضع كان مختلفاً، فانخراطي في النقاش السياسي اللبناني كان باستمرار مرتبطاً بنوع من التبرير القائم على حقيقة أن أمي لبنانية ولي الحق بالجنسية اللبنانية (القانون اللبناني لا يسمح للأم اللبنانية المتزوجة من غير لبناني بمنح أولادها جنسيتها) وانا أطالب بحقي. ولكن الحقيقة فإن مطالبي ومعاركي تشبه تلك التي يحملها أي شاب أو شابة لبنانية، والجنسية ليست إلا واحدة من تلك المطالب. وهكذا وجدت نفسي أبرر باستمرار للإجابة على سؤال: “ما هي علاقتي حتى أتدخل في الشأن اللبناني؟”.  

أن أولد وأعيش في بلد من أم مواطنة وأن أبقى “أجنبية” فهذا ليس تفصيلاً. ولكن أن يكون والدي سوري وأولد في لبنان خلال التسعينات فهذا بحد ذاته تعقيد هائل يرخي بثقله على كل تفاصيل حياتي اليومية. 

” سألتني إن كنت أقبل بإعطاء أولادي الجنسية على اعتبار أنني مواطنة لبنانية؟” فأجاب: “مواطنة ونص” فردّيت: “لا، أنا سورية، ولكن أمي لبنانية”.   

واحدة من الوقائع التي لا أنساها، حصلت معي خلال سنوات دراستي الجامعية، وتحديداً خلال سنتي الأولى من الدراسات العليا بالقانون. حينها علّق أستاذ مادة تتعلق بقوانين الانتخابات بصيغة فيها الكثير من الانتقاص: “هول النسوان اللي بيطالبو انو المرا تعطي الجنسية لولادها…”. 

أذكر أني عندما خرجتُ من الصف اتصلت بأمي وبدأت أصرخ على الهاتف لأعبر عن غضبي الكبير من مثل هذا الكلام في كلية الحقوق. وقتها انتظرتُ حتى توزيع الأبحاث، واخترتُ موضوعاً يتعلق بصحة التمثيل في القوانين الانتخابية كونه يتضمن اشكالية تعريف المواطن، وهذا كان مدخلي لأسترد حقي. عندما انتهينا من مناقشة البحث، وأجبتُ أستاذ المادة على أسئلته ومنها مثلاً “يعني أنت لو زوجك عراقي مثلاً، بتقبلي تعطي الجنسية لأولادك؟”.

طلبتُ في النهاية من الأستاذ الإذن لأسأله أنا، وكان الآتي: ” سألتني إن كنت أقبل بإعطاء أولادي الجنسية على اعتبار أنني مواطنة لبنانية؟” فأجاب: “مواطنة ونص” فردّيت: “لا، أنا سورية، ولكن أمي لبنانية”.   

شو تغيّر بعد ثورة 17 تشرين؟ 

مؤخراً، بعد انتفاضة 17 تشرين بات الموضوع مختلفاً. فالتراكم الذي كرّسته المجموعات الناشطة لجهة الحق بالجنسية، وتكريس موقع الحراك النسوي كحامل للثورة وأهدافها، ورافعة لمطالب حقوق النساء قدم دفعة قوية للحركة الحقوقية.

لقد همّشت الثورة الخطاب الإقصائي الذي يدفع للتردد بإبداء المواقف السياسية، لمصلحة شعور كبير بالانتماء للدفاع عن الحق بمواجهة الظلم. 

بعد 17 تشرين جوابي تغيّر، فبالنسبة للنشاط السياسي اللبناني أنا لبنانية، وفي سوريا أنا سورية، والواقع أنني ببساطة مزدوجة الجنسية، وبالجنسيتين مطالبي واحدة. 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!