fbpx

“لا بد من صنعاء وإن طال السفر” انقلبت لصالح الحوثي… ما السبب؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

انقلبت الصورة في حرب اليمن، فبدلاً من شعار القوات الحكومية، المرفوع على مدى 5 سنوات: “لا بد من صنعاء وإن طال السفر”، باتت جماعة الحوثي، على مرمى حجر من مدينة مأرب، حيث مقر وزارة الدفاع وقادة الجيش ومعسكرات الرئيس عبدربه منصور هادي، المعترف به دولياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انقلبت الصورة في حرب اليمن، فبدلاً من شعار القوات الحكومية، المرفوع على مدى 5 سنوات: “لا بد من صنعاء وإن طال السفر”، باتت جماعة الحوثي، على مرمى حجر من مدينة مأرب، حيث مقر وزارة الدفاع وقادة الجيش ومعسكرات الرئيس عبدربه منصور هادي، المعترف به دولياً.

الجديد في معركة جبهة نهم هذه المرة (140 كلم شرق العاصمة صنعاء – 80 كلم من مدينة مأرب)، أن قوات الحكومة تتقهقر إلى الخلف، بعد هزائم شديدة تكبدتها على مدى 8 أيام من القتال العنيف، مع قوات صنعاء (الحوثيين)، التي اندفعت شرقاً وغيرت مواقعها، من الدفاع إلى الهجوم، مع تعزيزات قوية.

بالنسبة إلى قوات هادي، التي استعادت أجزاء واسعة من مديرية نهم، في 2016، بعد معارك ضارية امتدت شهوراً، فقد فاجأها القتال هذه المرة، وكثافة النيران، في ظل وضع ميداني مماثل يمتد شمالاً من حدود نهم، وحتى مديرية المتون في قلب محافظة الجوف، التي تشهد أيضاً قتالاً شرساً على مدى 10 أيام بلياليها، تراجعت فيه القوات الحكومية، وباتت مدينة الجوف (مركز المحافظة) مهددة هي الأخرى بالسقوط في يد المقاتلين الحوثيين، المدعومين من طهران.

النتيجة العسكرية، حتى الآن هي أن قوات الحوثي، قطعت خط الاتصال البري، بين محافظتي مأرب والجوف، اللتين يرأسهما شيخان قبليان منتميان إلى “حزب الإصلاح” (الإخوان المسلمين)، وباتت مديرية الصفراء، التي يمر منها الطريق الرابط بين المحافظتين المتجاورتين تحت سيطرة مقاتلي الحوثي، وبالتالي فإن خط الإمداد اللوجستي القادم من مارب، إلى ألوية الشرعية على امتداد جغرافيا الجوف مترامية الأطراف (39495 كلم 2)، بات مقطوعاً، وليس أمامهم سوى الصحراء، كخطوط إمداد بديلة، إنما بعيدة للغاية. 

مأرب، الأهمية العسكرية المسترخية

في الحرب القائمة، تعتبر مأرب عاصمة عسكرية وأمنية، مهمة بالنسبة إلى القوات الحكومية، إذ لجأ إليها خلال سنوات الحرب الست، قرابة مليوني شخص مع عائلاتهم، من نازحين وهاربين من الاعتقالات والملاحقات، وجنود وضباط سابقين، ومجندين جدد، وعمال ومستثمرين كبار، في مختلف قطاعات العمل. وقبل هؤلاء، لجأ إلى مأرب سياسيون، وقادة عسكريون، وشيوخ قبائل، معظمهم ينتمون إلى “حزب الإصلاح الإسلامي”، كانوا تشردوا من قراهم ومدنهم واتخذوا من مأرب مركزاً يجمعهم ويحافظ على قواتهم ومصالحهم الضخمة.

في الحرب القائمة، تعتبر مأرب عاصمة عسكرية وأمنية، مهمة بالنسبة إلى القوات الحكومية، إذ لجأ إليها خلال سنوات الحرب الست، قرابة مليوني شخص مع عائلاتهم.

وتعتبر مدينة مأرب، المدينة الشمالية الوحيدة التي لم يدخلها الحوثي طيلة سنوات تمدده الـ7 الاخيرة، إذ قاومت قبائلها وأجبرت مقاتليه على التراجع إلى الخلف، حتى أعادته إلى “نهم” و”صرواح” (80-50 كلم) غرب مدينة مأرب. وخلال 2015 و2016 تشكلت قوة عسكرية جديدة في مارب، مثلت النواة لوزارة دفاع الحكومة بقيادة جنرالات سابقين ومقاتلين قدامى، ومنها انطلقت للسيطرة على مركز محافظة الجوف، وشبوة وبيحان وحريب وأجزاء من مديريات صعدة على الحدود اليمنية – السعودية.

وبدلاً من وضعية الهجوم، التي عهدتها مأرب طيلة السنوات الخمس الماضية انقلب الوضع إلى الدفاع. وباتت المخاطر قائمة في حال واصلت كتائب الحوثي اندفاعها باتجاه السد والحقول النفطية والغازية، وباتجاه ثروة المشايخ والقادة العسكريين المتراكمة منذ عقود.

الآثار والثروة 

ومأرب محافظة نفطية وأثرية مهمة، فهي مركز مملكة سبأ (1200 قبل الميلاد) وفيها السد والمعبد وعرش الملكة بلقيس، غير أن الطابع العام في المجتمع الماربي هو نمط الحياة البدوي، وتتشكل مأرب من قبائل عربية ذائعة الصيت كمراد، وعبيدة، وجَهم، والجدعان، وقبيلة الاشراف. وعلى رغم بأس هذه القبائل وسمعتها القتالية، إلا أنها ليست على قلب رجلٍ واحد اليوم، إذ يؤيد قطاع عريض فيها حكومة هادي، وجزء لا يستهان به كالأشراف تقاتل مع الحوثي، والتزم كثر الحياد، لا سيما كبار شيوخ القبائل الذين لكلمتهم وزنها في التحشيد والمواجهة. 

تعتبر مدينة مأرب، المدينة الشمالية الوحيدة التي لم يدخلها الحوثي طيلة سنوات تمدده الـ7 الأخيرة.

وتعتمد مأرب في معركتها، إلى جانب رجالها، على مقاتلين من مختلف محافظات البلاد، الذين انخرطوا في كشوفات التجنيد على مدى السنوات الست الماضية، ودُفعوا إلى الجبهات، بحثاً عن نصر، يحملهم إلى صنعاء، البعيدة من مأرب مسافة 173 كلم، ولكن لا أمل على المدى المنظور على الأقل. 

ومأرب، هي أول محافظة يمنية اكتشف فيها أول حقل نفطي (صافر) ومنه يمتد أنبوب النفط الخام الى ميناء رأس عيسى (محافظة الحديدة)، على البحر الأحمر غرب اليمن. كما يمتد منها أنبوب الغاز الذي يضخ إلى بحر العرب جنوباً، (ميناء بلحاف- محافظة شبوة). وفي مارب محطة الكهرباء الغازية التي تغذي العاصمة صنعاء وبعض المحافظات الأخرى بالكهرباء (معطلة منذ بدء الحرب- قبل 6 سنوات).

الحرب على تخوم المدينة

تقع مديرية نهم على الحدود الإدارية الفاصلة بين محافظتي صنعاء ومأرب، وفيها دارت، على مدى 5 سنوات وحتى الآن أشرس المعارك وأكثرها حصداً للأرواح، إذ سقط المئات من الجانبين قتلى، إضافة إلى آلاف الجرحى والمصابين. 

وتكتسب هذه المعركة أهميتها من تحولاتها الاستراتيجية على مجمل أوضاع الحرب والسياسة في اليمن عموماً، وعلى مصير الشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي، خصوصاً. وفي حال سقطت مدينة مأرب من يد الشرعية، فإنها ستكون القشة التي قصمت ظهر البعير، لا سيما بعد خسارة الشرعية عدن كعاصمة سياسية بديلة، العام الفائت، على يد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصاليين)، ولن تكون خسارة مأرب أخف وطأة. 

كيف انفجرت المعركة الأخيرة؟

قبل أسبوعين احترق مئات المجندين التابعين للحكومة بصاروخ باليستي داخل أحد المساجد، في مأرب، ولم يعترف الحوثيون رسمياً حتى اللحظة بتبنيهم هذه العملية الهجومية، الأمر الذي أجج مشاعر السخط والريبة داخل معسكر الحكومة الذي يشهد انقساماً ملحوظاً، منذ أكثر من عام، لا سيما عقب قصف الطائرات الحربية الإماراتية لرتل كامل من مقاتلي الحكومة وصدتهم عن دخول مدينة عدن في حربهم مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات. 

الصاروخ الباليستي الذي قتل ما لا يقل عن 120 مجنداً، وأصاب المئات، بحالات متفاوتة أغلبها خطرة، هو الذي فجر المعركة في نهم، أخيراً، واندفع إليها الحوثي بكامل قوته، مستغلاً الوضع الانقسامي داخل معسكر الأعداء، وكانت النتائج الحربية لمصلحته، بل وأكثر من المتوقع.

تتمركز القوات الآتية من صنعاء (مقاتلو الحوثي) حالياً، على بعد 40 كلم، من مدينة مأرب. وباستعادة الحوثيين السيطرة على معسكر فرضة نهم، وجبل المنار، تكون المعركة انتقلت توبوغرافياً من الجبال شديدة الوعورة إلى مساحات مفتوحة، لا يغامر الحوثيون، عادةً، في القتال داخلها، خوفاً من سلاح الجو، ولا سيما طائرات الاباتشي السعودية. 

بعض الترجيحات تقول إن الحوثي سيتمكن من دخول المدينة، سلماً أو حرباً، وهذه فرضية لا تسندها حقائق منطقية. إذ لا تزال مأرب تعج بآلاف المقاتلين المتحمسين، وهناك تحشيدات للمقاومة، وتعبئة بمختلف الوسائل، الدينية والمناطقية والحزبية والقبلية. وفوق ذلك، سيحتاج الحوثي إلى آلاف المسلحين لتأمين المدينة ومديرياتها وطرقها وحقولها النفطية والغازية في حال حالفه النصر، وبالتالي سيفقد الكثير من مقاتليه النوعيين، الذي سيحتاجهم في جبهات أخرى لا تقل خطورة، كجبهة الحديدة، وصعدة، وميدي، والبيضاء، والضالع، وتعز.

الجوف قبل مأرب في خطر

تقع محافظة الجوف إلى الشمال تماماً من محافظة مأرب ومركز محافظة الجوف، ليس بعيداً من مربعات الاقتتال الدائر حالياً عند مفرق الطريق البري الرابط بين المحافظتين، مأرب والجوف، بل إن مركزها لا يبعد من نهم سوى 20 كيلومتراً. لكن الخطر الأقرب إلى مركز الجوف، بات ذلك الآتي من جهة الغرب، وبخاصة من جهة المتون، المديرية التي استعادها الحوثي قبل أسابيع، وزحف منها شرقاً باتجاه المجمع الحكومي، حيث مقر وبيت المحافظ والمجلس المحلي ومقر المنطقة العسكرية السادسة التي تشهد خلافات في رأسها وصلت حد الاشتباك وتبادل التُهم.

قبل أسبوعين احترق مئات المجندين التابعين للحكومة بصاروخ باليستي داخل أحد المساجد، في مأرب، ولم يعترف الحوثيون رسمياً حتى اللحظة بتبنيهم هذه العملية الهجومية.

وهكذا بات وضع الحكومة على المستوى العسكري لا يحسد عليه. ويزداد الوضع تدهوراً كل يوم بسبب حالة التذمر الشديد التي يشعر بها المجتمع المحلي وشركاء السياسة والحرب من الاستحواذ شبه الكامل لجماعة الاخوان المسلمين، على السلاح والمال والسلطة، وتحكمهم بالقرار السياسي في رأس الحكومة المعترف بها دولياً، وهو الوضع نفسه الذي أجج مشاعر الكراهية في عدن ودفع بالشارع الجنوبي إلى الانتفاضة ضد الجماعة ومعسكراتها وأخرجها من المدينة. 

وتتهم أطراف في الحكومة، دولة الإمارات العربية المتحدة، الحليف الرئيسي في الحرب إلى جانب الرياض، باستهدافها بذريعة وجود الاخوان المسلمين كطرف مؤثر في داخلها، وتمويل المشاريع الانفصالية على حساب الوحدة والمصير الواحد.