fbpx

كأنّها أجواء حرب!؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“ونظرت من الشبّاك فإذا بها حرب أهليّة”. هكذا كتب الشاعر الراحل محمّد العبد الله “مؤرّخاً” اكتشافه للحرب اللبنانيّة وعلاقته بها. هل نقول نحن اليوم إنّنا إذا نظرنا من الشبّاك سنرى حرباً إقليميّة كبرى تدور بيننا وفوقنا؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ونظرت من الشبّاك فإذا بها حرب أهليّة”. هكذا كتب الشاعر الراحل محمّد العبد الله “مؤرّخاً” اكتشافه للحرب اللبنانيّة وعلاقته بها. هل نقول نحن اليوم إنّنا إذا نظرنا من الشبّاك سنرى حرباً إقليميّة كبرى تدور بيننا وفوقنا؟

نستطيع أن نقول، على الأقلّ، إنّنا نرى بارجة حربيّة أميركيّة تتقدّم من شواطىء قبرص إلى شواطىء سوريّا، وأنّ الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب ألغى زيارة مقرّرة لبلدان أميركا اللاتينيّة، كي “يتفرّغ للموضوع السوريّ”. نائبه مايك بنس سوف يقوم بالمهمّة في الجوار الجنوبيّ. نستطيع أيضاً أن نقول إنّ أوضاع ترامب الداخليّة وشبهة علاقاته بالرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين قد تشجّعه على خوض حرب في الشرق الأوسط. كراهيّته لإيران ورغبته في إلغاء الاتّفاق النوويّ معها، أو “إصلاحه جذريّاً”، أيضاً تدفع في هذا الاتّجاه. قد يقال في المقابل: لكنّ ترامب تعهّد قبل أيّام بالانسحاب من سوريّا! صحيح. بيد أنّ تعهّدات ترامب، كما بتنا نعلم جيّداً، ترامبيّة. فضلاً عن ذلك، جاءت قمّة أنقرة التي جمعت إلى بوتين كلاًّ من الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني والتركيّ رجب طيّب أردوغان، لتضيّق المساحة المتروكة لسخافات الرئيس. مَن تبقّى من أفراد جدّيّين في طواقم الإدارة الأميركيّة لا بدّ أن ينبّهوا: إن لم نفعل شيئاً فسيملأ الثالوث الروسيّ التركيّ الإيرانيّ فراغ الشرق الأوسط. أمّا تركيّا، التي لم تعد أطلسيّة إلاّ بالاسم، فسوف تجد موسم هجرتها نحو الشرق سانحاً. أصدقاء أميركا الخليجيّون لا بدّ أنّهم في هذا الوارد الحربيّ، خصوصاً وأنّ وليّ العهد السعوديّ عاد للتوّ من الولايات المتّحدة مارّاً بأوروبا.

نستطيع أيضاً أن نقول إنّ الأوروبيّين فقدوا ما تبقّى من صبر على بشّار الأسد. بعض غضبهم مردّه إنسانيّ، وبعضه سببه الحسبة التي باتت معروفة: كلّ إمعان في سياسات التوحّش الأسديّ يعني مزيداً من الاقتلاع السكّانيّ ومن سلوك طريق اللجوء شمالاً في البرّ والبحر. التوتّر في العلاقة مع روسيّا، حليفة الأسد ومحتلّة شبه جزيرة القرم، يرفع الاحتمال التصعيديّ. (وسط هذه المعمعة تظهر وثائق تفيد أنّ النظام السوريّ قتل عمداً الصحافيّة البريطانيّة ماري كولفِن في شباط (فبراير) 2012 في حمص. هذه الرواية ردّدها أقارب كولفن).

نستطيع أن نقول كذلك إنّ الثقة الأميركيّة – الأوروبيّة بالضمانة الروسيّة في ما خصّ الكيماويّ السوريّ إنّما انهارت تماماً بعد استخدام هذا السلاح في دوما. جدير بالذكر أنّ هذه الضمانة كانت الذريعة لامتناع الرئيس الأميركيّ باراك أوباما عن ضرب نظام الأسد. ما حصل في دوما يستحيل إخفاؤه تحت السجّادة.

لكنّنا نستطيع أيضاً أن نقول إنّ جسراً أساسيّاً للتهدئة قد انهار: إنّه الجسر الروسيّ – الإسرائيليّ. تواطوء موسكو وتلّ أبيب كان يتيح للإسرائيليّين الحركة في الأجواء السوريّة لمطاردة الحضور العسكريّ الإيرانيّ والحزب-اللهيّ هناك. إسقاط الطائرة الحربيّة الإسرائيليّة في شباط الماضي جاء إشارة إلى أنّ ذاك التواطوء يهتزّ من الداخل. الكلام الروسيّ المرتفع النبرة، للمرّة الأولى، في إدانة إسرائيل، بعد قتلها المتظاهرين الفلسطينيّين على حدودها مع غزّة، كان إشارة لافتة. ما نقلته صحيفة “هآرتس” من أنّ القيادات العسكريّة صارت أشدّ انحيازاً لفكرة التصدّي المباشر لإيران، بعدما كان هذا رأي السياسيّين دون العسكريّين، إشارة أخرى. لقد بات في الوسع القول إنّ إسرائيل وإيران باتتا وجهاً لوجه من دون العازل الروسيّ.

الصفاقة الروسيّة والسوريّة في إنكار مقتلة دوما تضيف إلى أسباب الحرب سبباً نفسيّاً إذا صحّ التعبير: كيف يمكن بغير القوّة التعامل مع أنظمة يصل بها الإنكار إلى هذا الحدّ؟

كأنّها إذاً أجواء حرب. أمّا أن تكون حرباً، فهذه قصّة أخرى، كما أنّ أشكالها وصيغها، في حال وقوعها، قصّة أخرى أيضاً. لقد سبق أن عاشت المنطقة والعالم هذه الأجواء مع أوباما وانتهت الأمور، في اللحظة الأخيرة، على نحو مختلف. كلّنا نتذكّر.