fbpx

الانتخابات وحملاتها: زيارات عائلية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تتخذ الزيارات الانتخابية التي يقوم بها المرشحون إلى مؤيديهم المحتملين شكل واجبات عائلية حيث يلتقي المرشح أفراد أسرة ما في منزل واحد من وجهائها ويشرح لهم ما يفترض أن يكون برنامجه الانتخابي ويحثهم على تأييده وتأييد اللائحة التي ينتمي اليها (مع إصرار على حصوله على الصوت التفضيلي، طبعاً)…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتخذ الزيارات الانتخابية التي يقوم بها المرشحون إلى مؤيديهم المحتملين شكل واجبات عائلية حيث يلتقي المرشح أفراد أسرة ما في منزل واحد من وجهائها ويشرح لهم ما يفترض أن يكون برنامجه الانتخابي ويحثهم على تأييده وتأييد اللائحة التي ينتمي اليها (مع إصرار على حصوله على الصوت التفضيلي، طبعاً).

يتخلل الزيارة نبش للعلاقات القديمة بين عائلة المرشح والعائلة المضيفة وتذكّر لجيرةٍ جمعت بعضاً من الجانبين في أيام مضت، لكن تجري استعادتها كدليلٍ على ودٍ لم ينقطع بين الناخبين والمرشح. فهذا كان يتبضع من دكان والد “الأستاذ” الزائر، وتلك كانت جارة خالته ولم تتوقف زياراتهما المتبادلة إلى أن سافرت الخالة إلى كندا لتلتحق بابنها وعائلته هناك… ولا تخلو الزيارة الانتخابية من الاطمئنان التقليدي عن الأبناء وما يعملون وأين أصبحوا في دراستهم، بالإضافة إلى عشاءٍ معتبر قد يحاول المرشح التهرب منه لإرتباطه بالتزامات أخرى.

لم يصل إلى سمعنا أن مرشحاً توجّه إلى مصنع أو شركة أو نقابة لدعوة العمال والموظفين هناك إلى دعم ترشيحه. ولم نعرف أن ساعياً للدخول إلى الندوة البرلمانية اهتم بأناس لا يدلون بأصواتهم في دائرته الانتخابية، ما لم يكن قد ترشح عن الدائرة التي لا ينتمي إليها أصلاً بحسب قيد سجل النفوس، باستثناء الكلام العام والفارغ من المضمون عن مكافحة الفساد وبناء الدولة وتعزيز دور الجيش او الاعتراف بدور المقاومة في انقاذ البلد من الخطر التكفيري…إلخ.

الاهتمام بالعائلات والمسجلين في نطاق انتخابي واحد لا يرجع فقط إلى القانون الذي ما زال يقسم اللبنانيين وفق الانتماءات الطائفية على الرغم من أخذ العملية الانتخابية سمة النسبية عند احتساب الاصوات وتقسيمها على اللوائح. ذلك ان ما من شيء يمنع أن تقصد حملة انتخابية قطاعاً اقتصادياً أو انتاجياً ما، إذا كانت أكثرية العاملين فيه من أبناء منطقة واحدة.

لكن الغالب على الظن أننا ما زلنا نقيم في الحيز الذي تتصدر فيه العائلة وقياداتها وآليات الولاء لها مركز الحياة السياسية في مجتمعاتنا.

يقدم الراحل هشام شرابي في كتابه “مقدمة لدارسة المجتمعات العربية” صورة حزينة عن اثر صدارة العائلات هذه ودورها الكبير والبعيد عن الاضواء في آن، في رسم صورة الواقع العربي. ويقول أن في كل مرة كان الخيار بين سلامة العائلة وبين سلامة المجتمع كانت الأولوية للعائلة والعشيرة. وهكذا أدى الاهتمام الأكبر بالعائلة والعشيرة في حربي 1948 و1967 إلى المساهمة في تهجير الفلسطينيين الذين لم يكن قد رسخ عندهم بعد الهم المجتمعي ولا معنى الوطن. إنقاذ العائلة ونقلها إلى مكان آخر، أهمّ وفق هذا المنطق من الدفاع عن الأرض والمدينة والبلدة والوطن. أمر مشابه يجري حالياً في سوريا التي يتعرض مجتمعها إلى هجوم منظم ومُدمر أفضى إلى اجهاض محاولة بناء اجماع وطني حول الموقف من النظام ومن قضايا أساسية على غرار الحرية والديموقراطية والتمثيل السياسي.

لعل التفصيل في ذلك وشرحه يضعنا أمام واقع المجتمعات العربية التي ما زالت في طور الولاء للقرابة وللدم وليس لمفاهيم مجردة، سواء كانت سياسية او اخلاقية او اجتماعية. وليست الأحزاب والتيارات عندنا غير تحالفات عائلية وضعت القضية او الزعيم في موضع الجد الخرافي الذي تنسب القبائل نفسها اليه، أكثر مما هي خيارات فردية حرة. وإذا صدف أن انتمى فرد إلى حزب من غير الذي تدين عائلته بالولاء له، فسرعان ما يجد الفرد هذا نفسه ضمن أجواء “عائلة” الحزب الجديدة حتى ليتماهى معها إما بالزواج أو باتباع تقاليدها الخاصة، بعدما تكون عائلته السابقة قد نبذته وأبعدته عنها “إبعاد البعير المعبّدِ”، على ما يقول الشاعر.

والتوريث الذي ربما يكون أوسع في هذه الدورة الإنتخابية من كل سابقاتها، هو الشكل الذي تتخذه عملية إعادة انتاج الولاءات العائلية والمنقسمة الى جانبين: ورثة الزعماء يترشحون، وورثة الناخبين ينتخبون. فتعود اللوحة البرلمانية شديدة الشبه بما كانت عليه قبل الانتخابات، حتى في الأسماء، ما دام التغيير في السياسات والمناهج غير وارد في المستقبل المنظور.