fbpx

لماذا وصلنا إلى صفقة القرن؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

جاء إعلان صفقة القرن في احتفال جمع الهزل بالمأساة، عندما قُدم نتانياهو كمنتصر، وقدمت فلسطين وشعبها كمهزومين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

جاء إعلان صفقة القرن في احتفال جمع الهزل بالمأساة، عندما قُدم نتانياهو كمنتصر، وقدمت فلسطين وشعبها كمهزومين. منتصرون يملون شروطهم على مهزومين، هكذا أرادوا أن تكون الصورة، وظهر وسطاء يحثون الضحايا على قبول الأمر الواقع. هزيمة قاسية لا يغيرها الرفض في عالم يعتمد لغة المصالح وما تصنعه علاقات المال والقوة من وقائع على الأرض. ما بعد الإعلان لا يشبه ما قبله في المواقف والسياسات والأفعال، فرضية تدعمها تجربة مريرة من محاولات اجتراح الحل الذي تمخض في المرة الأولى عن مأساة أوسلو، وفي المرة الثانية عن مهزلة صفقة ترامب. 

مسخ المسوخ

من يلقي نظرة على مضمون “الصفقة” التي تلخصها خارطة فلسطين الجديدة التي صممها نتانياهو بالتعاون مع فريق كوشنر، سيجد عدم انطباق اسم دولة أو حتى دويلة عليها، فهي مكونة من 5 بنتوستونات يمكن فصلها عن بعضها بعضاً بالممرات والحواجز والبوابات الالكترونية أو وصلها بحسب الحاجة الإسرائيلية في استخدامها كأسواق، وهي محاطة من جميع الجهات بمستوطنات ومواقع وحواجز عسكرية إسرائيلية وكاميرات مراقبة، وليس لها أي منفذ جوي أو بحري أو بري مستقل يربطها بالخارج. فضلاً عن كونها منزوعة السيادة والسلاح، ومنزوعة الموارد (بعد ضم أهم الأراضي الصالحة للزراعة والتي تحوي خزانات المياه). أما عاصمة الدولة العتيدة فهي قرية “ابو ديس” المنفصلة عن مدينة القدس، وبخاصة البلدة القديمة التي تضم المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والتراث المعماري الذي ينتمي إلى حضارات متعاقبة.  

لم يكتفِ مهندسو صفقة حل الابارتهايد واسمه الحركي “دولة” فلسطينية بالمواصفات السابقة، بل وضعوا مجموعة من الشروط الإضافية المذلة وهي: 

  • الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية – وما يعنيه الاعتراف من شطب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني والإقرار بأن فلسطين هي الوطن التاريخي “للشعب اليهودي” انسجاماً مع قانون القومية الإسرائيلي. 
  • شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم بحسب قرار 194 الدولي، وتوطينهم في البلدان التي ينتشرون فيها، ونقل صلاحيات الاونروا للبلدان المضيفة.
  •  تسليم سلاح حماس والجهاد الاسلامي وفصائل المقاومة الاخرى أو تجريدها منه حفاظاً على الأمن الإسرائيلي.
  • الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الدولة الموعودة والاعتراف بضم القدس والمستوطنات ومنطقة الأغوار لإسرائيل.
  • وضع نهاية للمطالب الفلسطينية التاريخية والراهنة في مختلف المجالات واعتبار هذا الحل نهائي. 
  • التأكد من الالتزام الفلسطيني العملي بالشروط السابقة “المستحيلة” لمدة 4 سنوات انتقالية. وفي حالة عدم الالتزام أو العجز عن التطبيق تكون اسرائيل في حل من الموافقة على “الدولة الفلسطينية”. ولأن هذه الشروط مستحيلة ومذلة ولأن إسرائيل ليست لديها مواعيد مقدسة فإنها لن تقبل بوجود دولة مسخ المسوخ إرضاء للعنصريين اليهود، وسيكون مصير الدولة هو مصير السلطة راهناً.

على انقاضكم نحيا 

الحل المسمى صفقة، جاء تتويجاً لمسار سياسي بدأ باتفاق اوسلو قبل 27 عاماً. كان الموقف الإسرائيلي واضحاً بحده الأقصى والأدنى ليس في رفضه للحقوق الفلسطينية وحسب، بل وفي تفكيك مقومات تحقيقها على الارض، وفي صناعة نقيضها الاستيطاني. فهدف الاستيطان المدعوم بلا حدود من الدولة هو منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة أو لها علاقة من قريب أو بعيد بالاستقلال والانفصال عن إسرائيل. الشيء الوحيد الذي استخلصته المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعد الانتفاضة الأولى هو التخلص من حكم التجمعات الفلسطينية الكبرى بشكل مباشر. وكان جوهر اتفاق أوسلو بالمفهوم الإسرائيلي هو نقل حكم السكان إلى السلطة الفلسطينية. أما الاعتراف الإسرائيلي بمنظمة التحرير فلا يتجاوز هدفه إعادة تأهيل منظمة إرهابية كي تتمكن من حكم شعبها والدفاع عن الأمن الإسرائيلي. لم تغير إسرائيل فكرها وايديولوجيتها وروايتها ومناهج تعليمها بعد إبرام معاهداتها واتفاقاتها مع مصر والاردن ومنظمة التحرير، إضافة إلى 9 دول عربية أقامت علاقات بين علنية وسرية مع إسرائيل. بقيت إسرائيل في عهد السلام مع العرب تتعامل مع أرض إسرائيل التاريخية الكاملة ومع حق اليهود في العودة إليها والحق في السيطرة على الأراضي والموارد فيها، وبقيت تتنكر للحقوق الطبيعية الفلسطينية المشروعة كحق تقرير المصير وإقامة الدولة وعودة اللاجئين. واستبدلت القانون الدولي بكل مكوناته بأيديولوجيا دينية متزمتة في تعريفها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفي تمويه أطماعها الكولونيالية. وجاء قانون القومية ليعيد تعريف إسرائيل كدولة دينية. إن أقصى ما تفتقت عنه العقلية الاستعمارية الإسرائيلية هو حكم ذاتي فلسطيني غير قابل للتحول إلى دولة. وبعد ذلك وافقت شكلياً على تسمية الحكم الذاتي دولة كما جاء في صفقة ترامب للتغطية على مشروعها الفعلي.

الاستيطان الإسرائيلي كان أداة تحويل الأراضي الفلسطينية من أراضٍ تخضع للاحتلال العسكري إلى أراضٍ مهودة معبأة بالاستيطان وبالمستوطنين الذين يعيشون حياة رفاه اجتماعي بفعل الدعم والتسهيلات الحكومية. يعيش الآن داخل الضفة الغربية والقدس المحتلتين منذ عام 1967 حوالى 700 ألف مستوطن يتوزعون على 196 مستوطنة و120 بؤرة استيطانية. تسيطر دولة الاحتلال على 60 في المئة من أراضي الضفة والقدس و85 في المئة من الموارد المائية. المشروع الاستيطاني يديره مقاولون ومستثمرون إسرائيليون، بينهم جنرالات متقاعدون ويستثمرون في البناء وفي الزراعة والمصنوعات المختلفة. بهذا تحول الاستيطان من مشروع ايديلوجي أمني إلى مشروع تجاري يجلب الارباح والمنافع والامتيازات لشرائح متزايدة من المجتمع الاسرائيلي مع استمرار التذرع بالأمن وبالأيديولوجيا كما يحدث في منطقة الأغوار التي تدر أرباحا وفيرة على الإسرائيليين. الاحتلال الاستيطاني تحول إلى مشروع رابح على عكس مآلات الاحتلالات الاستعمارية سابقاً، وفي بعض الدول راهناً في أفريقيا وكذلك أفغانستان والعراق. 

المتغير الفلسطيني 

إذا كان من الجائز القول إن المواقف الإسرائيلية كانت منسجمة تماماً مع دولة كولونيالية عنصرية تتلفع بأيديولوجيا دينية، وهذه الدولة قادت الاوضاع الداخلية والخارجية إلى “حل الصفقة”، مجسدة بذلك مقولة “على أنقاضكم نحيا”. غير أن الموقف الفلسطيني يختلف، فمن جهة لجأت حركة تحرر وطني إلى شرطي العالم الأميركي للمساعدة في الخلاص من الاحتلال، من دون أن تتوقف عند حقيقة الموقف الأميركي والعلاقة الأميركية الإسرائيلية التي برع ادوارد سعيد في وصفها. وبمعزل عن امتلاك القيادة عناصر قوة تستطيع المساومة بها. قبلت القيادة الفلسطينية بمقايضة توفير الاستقرار والحفاظ على الأمن الإسرائيلي مقابل الانسحاب الإسرائيلي من المدن والمخيمات وجزء من القرى والبلدات الفلسطينية، وإقامة سلطة الحكم الذاتي، ووعد بالتفاوض على القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود في السنة الثالثة من ممارسة الحكم الذاتي. لكن المقايضة سرعان ما تخلخلت جراء عمليات “حركة حماس” و”الجهاد الاسلامي” التي تركزت ضد أهداف مدنية في العمق الإسرائيلي. وأدى الاضطراب الأمني الإسرائيلي إلى إجراءات إسرائيلية مشددة ضد المواطنين الفلسطينيين الذين شعروا بأن التغيير سار نحو الأسوأ في عهد السلطة. كان من شأن شق شبكة الطرق الالتفافية الإسرائيلية وإطلاق الاستيطان على عواهنه وبناء جدار الفصل العنصري وعزل مدينة القدس عن الضفة والقطاع وانخفاض نسبة العمالة داخل إسرائيل، هذه الوقائع وضعت مقومات نظام ابارتهايد مدعوم كأولوية من الحكومة، ومن المحكمة العليا الإسرائيلية. وكان ذلك كافياً لإعادة النظر في مسار أوسلو. خلافاً لذلك تسلحت القيادة بالانتظار والانتقال من رهان إلى آخر ومن إدارة أميركية إلى أخرى. 

لم تخض السلطة وكذلك المعارضة معركة جدية ضد الاستيطان الذي كان يقوض الاستقلال المنشود. ولم تخوضا معركة جدية ضد تهويد مدينة القدس وعزلها. الشيء نفسه انطبق على الموقف من جدار الفصل العنصري حين تم الاكتفاء بقرار المحكمة الدولية الذي دعا إلى إزالته. اتسمت مقاومة الجدار والاستيطان بالنخبوية والانعزال وكان العنصر الفاعل فيها أصحاب الأراضي المصادرة والبيوت المهدمة، وعلى رغم وجود شركاء متضامنين دوليين وإسرائيليين إلا أنها لم تتحول إلى مقاومة جماهيرية وبقيت رمزية وغير مؤثرة. وعلى جبهة التفاوض لم يُثر المفاوض الفلسطيني مشكلة الاستيطان باعتبارها نقيضاً للحل، واستمر في تقديم خطاب سياسي وإعلامي فيه الكثير من التذمر والشكوى من دون فائدة، بل على العكس كان الخطاب الممجوج يجلب الإحباط للمواطن الفلسطيني. والأهم كانت النتيجة مضاعفة الاستيطان 300 في المئة، منذ اتفاق أوسلو وحتى الإعلان عن الصفقة. بهذا المعنى استخدم اتفاق أوسلو للتغطية على التوسع الاستيطاني في نظر العالم الذي كان يعتقد بوجود عملية سياسية وأنها ستعالج كل قضايا الخلاف، هذا الخداع الذي بدأ منذ الإعلان عن اتفاق اوسلو الذي سمح لدول عربية وإسلامية وأفريقية بإقامة علاقات مع إسرائيل كدفعة على حساب حل القضية الفلسطينية. 

الحل المسمى صفقة، جاء تتويجاً لمسار سياسي بدأ باتفاق اوسلو قبل 27 عاماً.

خسرت السلطة في رهانها على الولايات المتحدة وإسرائيل، وساهمت بشكل غير مباشر ومن موقعها في مسار أوسلو في انتشار الاستيطان وممارسة الخنق الاقتصادي والقمع ومصادرة الموارد وصولاً إلى صفقة القرن. وتحولت إلى سلطة مهيضة الجناح بسبب انفصالها عن هموم الناس الذين تحكمهم. كان المطلوب من السلطة كسب ثقة شعبها باعتماد سياسة تطوير الموارد من داخل المجتمع والانتقال من اقتصاد الريع إلى العمل المنتج. لقد فعلت العكس باعتمادها الاقتصاد الحر والدعم الخارجي الذي جعلها لا تقوى على رفض الأجندات الخارجية إلا قليلاً. وبموافقتها على اتفاق باريس الاقتصادي تكرست علاقات تبعية للاقتصاد الإسرائيلي. وفتحت السلطة الأبواب أمام احتكارات رأس المال الفلسطيني واستثماراته التي استهدفت الربح أولاً وأخيراً. وكان من نتيجة ذلك نشوء شرائح فاسدة من داخل السلطة وخارجها، تستخدم الواسطة والمحسوبية وتستخدم الوظيفة الحكومية في خلق امتيازات خاصة، وشجعت السلطة التهرب الضريبي، إلى أن ساد نظام “الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقراً”.

وكان مطلوباً من السلطة أن تضع منظومة قوانين تدعم التحرر الاجتماعي وتتخلص من القوانين البالية التي تعود لستينات القرن العشرين. لم تفعل ذلك وبقيت تعمل وفقاً لقوانين تعزز الذكورية وتتعامل مع النساء بتمييز سلبي. وأهدرت السلطة فرصة اعتماد نظام تعليمي تحرري ومناهج تعليم تعتمد الحداثة والانفتاح على كل تطور. خلافاً لذلك أقرت السلطة مناهج تعليم كبلت عقول الطلاب بقيود السلطات السياسية والاجتماعية والدينية، وأخضعت العلم لسلطة دين متزمتة، وميزت بين الأديان والمعتقدات، وميزت ضد النساء متنكرة في كل ذلك لتاريخها العلماني. وفي القضية الديموقراطية أبقت القيادة على مؤسسات منظمة التحرير كما هي ولم تحدث أي شكل من أشكال الإصلاح في بنيتها. وغابت الانتخابات وتعطلت الديموقراطية النسبية. وانتشر الفساد والبيروقراطية وأعيد إنتاج الإعلام التقليدي الأبوي، ومارست أجهزة الأمن أشكالاً مباشرة وغير مباشرة من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان كما تشير تقارير المنظمات الحقوقية. وكانت النتيجة انفصال الشعب عن السلطة والمنظمة، ونشوء أزمة ثقة بين الطرفين، ما أدى إلى إضعافهما لمصلحة الاحتلال. ولم يكن وضع المعارضة “حركة حماس”، أفضل حالاً، وهي تسير على طريق اوسلو عبر ما يسمى اتفاق التهدئة في غزة. ما أدى إلى مزيد من الإضعاف. 

الهشاشة السياسية والفكرية، والهشاشة الداخلية، والتحولات في إسرائيل والنظام العربي والدولي، عوامل أدت مجتمعة إلى صفقة القرن. ما حصل كارثة لا تمكن مواجهتها برفض الصفقة فقط، بل بمراجعة نقدية للمسار الذي أدى إليها، وببناء البديل. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.