fbpx

“الموجة السوداء”: كيم غطاس تتعقب أصل التوتر بين السعودية وإيران

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم يكن بإمكان الكاتبة اللبنانية كيم غطاس أن تختار توقيتاً أفضل لإصدار كتابها “الموجة السوداء: المملكة العربية السعودية، وإيران، والصراع الذي دام أربعين عاماً، والذي كشف خفايا الثقافة والدين والذاكرة الجماعية في الشرق الأوسط”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استهل العالم العربي عام 2020 بما أُطلق عليه “موجة الاحتجاجات والثورات العالمية لعام 2019″، وأبرزها ما شهدته دول مثل العراق ومصر والجزائر ولبنان من انتفاضات. كما بدأ شهر كانون الثاني/ يناير بضربة جوية أميركية مصيرية بطائرة مسيرة، أدت إلى اغتيال اللواء قاسم سليماني، رئيس الحرس الثوري الإيراني الذي يبلغ من العمر 62 سنة، والذي ساهم في تغيير طبيعة الحرب الأهلية السورية وفاقم من نفوذ إيران بالعراق. واختتم هذا الشهر بطرح خطة “السلام” الإسرائيلية – الفلسطينية المريرة التي قدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي أزيح الستار عنها في 28 كانون الثاني.

تماشياً مع هذا السياق، لم يكن بإمكان الكاتبة اللبنانية كيم غطاس أن تختار توقيتاً أفضل لإصدار كتابها “الموجة السوداء: المملكة العربية السعودية، وإيران، والصراع الذي دام أربعين عاماً، والذي كشف خفايا الثقافة والدين والذاكرة الجماعية في الشرق الأوسط”. فبعدما غطت غطاس الأحداث التي وقعت في المنطقة على مدى 20 عاماً خلال عملها مراسلةً لـ”هيئة الإذاعة البريطانية” (BBC)، وصحيفة “فاينانشال تايمز”، تمكنت بسلاسة من الدمج بين الأحداث التاريخية على مدى العقود الأربعة الماضية، والتي تعتبر وفقاً لما قالته، بمثابة دليل إلزامي للتصدي للعناوين الرئيسية المثيرة التي فشلت في وصف التعبير السياسي الحقيقي الذي اتسمت به هذه الفترة.

كيم غطاس

تقول غطاس لـ”درج”، “لقد جمعت القطع المتناثرة من التاريخ على مدى 40 عاماً عبر سبع دول من مصر إلى باكستان”. وأضافت، “لقد تتبعت خطواتنا إلى فترة اتسمت بأنها أقل عنفاً وأقل طائفية، وهذا من شأنه أن يساعدك في فهم السبب الذي دفعنا إلى الوصول إلى ما نحن عليه اليوم. وبمجرد أن تدرك هذا الأمر، يصبح بوسعك أن تجد سبيلاً أفضل للمضي قدماً”.

وترى غطاس أن الأحداث المماثلة لعام 1979، وهي الثورة الإسلامية في إيران وهجوم جماعة الجهيمان على الحرم في المملكة العربية السعودية، تشكل متغيرات أساسية في المعادلة الأكبر في الشرق الأوسط، ولا يقتصر تأثيرها على الصراعات السابقة مثل الحرب الإيرانية – العراقية والحروب الأهلية في سوريا واليمن ولبنان والعراق فحسب، بل يمتد تأثيرها ليشمل أيضاً فشل الربيع العربي وصعود المنظمات الأصولية المتطرفة مثل تنظيم “القاعدة” وتنظيم الدولة الإسلامية.

فبدايةً من عام 1979، شكلت ثلاثة أحداث الإطار الرئيسي بالنسبة إلى غطاس، ووضعت الوصفة التي أفضت إلى كارثة في الشرق الأوسط. أولها الإطاحة بـ”الحليف الغربي”، آية الله الخميني خلال الثورة الإسلامية في إيران، ثم الحصار الذي فرضه المتعصبون السعوديون على المسجد الحرام في مكة، وأخيراً، الغزو السوفياتي لأفغانستان الذي دعمته الولايات المتحدة، الذي وصفته بأنه “ساحة القتال الأولى للجهاد في العصر الحديث”. وتستكشف غطاس التاريخ من خلال الروايات الإنسانية لأشخاص بارزين اكتست حياتهم بالصراعات الجيوسياسية، وقدم بعضهم حياته في سبيل معركة التسامح.

“ثمة فجوة كبيرة في فهم الناس لطبيعة المنطقة وثقافتها. هذه هي الفجوة التي أتمنى أن أملأها في هذا الكتاب، لأنني أفعل ذلك بأسلوب بسيط وسهل”.

أردفت غطاس، “ثمة فجوة كبيرة في فهم الناس لطبيعة المنطقة وثقافتها. هذه هي الفجوة التي أتمنى أن أملأها في هذا الكتاب، لأنني أفعل ذلك بأسلوب بسيط وسهل للغاية من خلال عرض قصص الناس، والروائيين، والنشطاء، ورجال الدين، والأشخاص الذين تأثرت حياتهم بالأبعاد الجيوسياسية”.

فقد تعرض بعض من أبطالها الإصلاحيين على رأسهم، بادية فحص، ونصر أبو زيد، وياسين الحاج صالح، وجمال خاشقجي، الذين قاوموا هذا التحول القمعي الذي حدث عام 1979، إلى القتل أو النفي، أو “الأكثرية مكتومة الصوت أو المجبرة على الصمت” وفق تعبير غطاس.

غلاف كتاب “الموجة السوداء”

بينما تزخر كتابات غطاس بتفاصيل متنوعة تبدو وكأنها موجهة إلى جمهور غربي، فإن التشبيهات الحميمة العميقة التي تعرضها تتناغم بانسجام مع شباب المنطقة. يبدو ذلك جليّاً في ما خلصت إليه في كتابها، حيث أشارت إلى أن الكتاب يُعد محاولة للإجابة عن السؤال: “ما الذي حدث لنا؟”.

توضّح غطاس قائلةً، “إنه سؤال يطرحه كثيرون منا كل واحد على نفسه”. وأردفت: “لقد اعتدنا أن نقول (سقا الله على الأيام)، تلك الأيام التي كان فيها نطاق الخيارات أمامنا واسعاً، سواء أكانت خيارات سياسية أم ثقافية أم كانت متعلقة بالأحكام الدينية، بشأن الطريقة التي نفهم من خلالها الدين ونمارسه”.

تُعبر كلماتها عن فهم عميق للإحباط الذي يعاني منه الجيل الجديد من الشباب العربي الذي يرزح تحت وطأة الشعور بالدونية، من جرّاء الهيمنة الغربية واسعة النطاق، إلى جانب الافتقار إلى الفهم التاريخي الناجم عن تواضع مستوى التعليم. لماذا لم يرفض آباؤهم تسليح النزعة الطائفية واضطهاد النساء والفساد الممنهج؟ تصف غطّاس مقطع فيديو يصوّر كلمة إحدى الشابات الإيرانيات إبّان تظاهرات عام 2017، حين قالت، “لقد رفعتم أيديكم (عام 1979) لتدمروا حياتنا، والآن نحن نرفع أيدينا من أجل تصحيح أخطائكم”، في ما يعكس أصداء ما رددته حناجر آلاف الشباب العربي خلال عاميّ 2019 و2020، الذين بدوا متمسّكين باستماتة بما اعتبروه فرصتهم الأخيرة في إصلاح الضرر الذي تسبب به الجيل الأقدم سناً. 

تتابع غطّاس، “لقد كتبت هذا الكتاب من أجل القرّاء في كل مكان، بيد أنه موجّه في المقام الأول إلى جيل الشباب في المنطقة، أولئك الذين لا يريدون العيش مع أشباح عام 1979، مع أشباح ماضينا”.

بينما تزخر كتابات غطاس بتفاصيل متنوعة تبدو وكأنها موجهة إلى جمهور غربي، فإن التشبيهات الحميمة العميقة التي تعرضها تتناغم بانسجام مع شباب المنطقة.

تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تحتل موقعاً جانبياً في رواية غطّاس، بينما تختار عوضاً عن ذلك التركيز الشديد على إرادة ومسؤولية كل من إيران والسعودية. لا يعني ذلك أن الكاتبة لا تأخذ في الاعتبار السياسات الخارجية الإجرامية للولايات المتحدة أو تعفيها من المساءلة بخصوص قراراتها الطائشة، لكنّها بالأحرى اختارت تجنب اتباع نهج “الضحية العربية”، من أجل إبراز الدور الكارثي والشرير للممارسات الإيرانية والسعودية، فضلاً عن ممارسات الفاعلين الإقليميين الآخرين، بما في ذلك استراتيجيات العنف الديني وتأجيج النعرات القومية. لكنها تشدد على رغم ذلك على مناهضة تناول الإعلام الغربي الاستشراقي، النزاعات في منطقة الشرق الأوسط من منظور المصلحة الغربية، مذكّرةً القرّاء بأن، “الغالبية العظمى من ضحايا العنف الجهادي هم من المسلمين أنفسهم وداخل بلادهم ذاتها”. ومع ذلك، فإن سعيها إلى تجاوز العوامل المعقدة التي تضافرت خلال 40 عاماً من تاريخ المنطقة يجعلها تفنّد وتدحض التحليلات الاختزالية التي تنسب العداء السعودي الإيراني إلى مجرد خلاف سنيّ – شيعي. وتوضح أن، “الانقسام السنّي الشيعي كان خامداً في معظم الأحيان، قبل أن يأخذ طابعاً مسلحاً في السنوات التي أعقبت عام 1979”. ما يبرز أهمية وجود تحقيق دقيق حول أسباب الحروب الأهلية المختلفة في شتى أنحاء المنطقة. 

تأمل غطّاس بأن يُترجم عملها إلى اللغة العربية في وقت قريب، قائلةً إنه ربما يكون مفيداً حتى بالنسبة إلى المواطنين الذين يعتقدون أنهم يفهمون المنطقة بشكل كافٍ.

وتضيف غطّاس لـ”درج”، “ردود الأفعال الإجمالية الآتية من القرّاء مدهشة حتى الآن، تبدو التعليقات إيجابية بشأن ما يتعلمونه من الكتاب، فضلاً عن رؤيتهم للمنطقة من زاوية مختلفة. فقد علق أشخاص من المنطقة قرأوا الكتاب، قائلين إن الكثير من الأشياء تبدو مفهومة ومنطقية فجأة، ولا سيما تلك الأحداث التي عايشوها لكنّهم لم يتمكنوا من فهمها في سياق أكبر”.

وتتابع، “تلقيت تعليقات من إيرانيين وسعوديين يشعرون بأن أصواتهم باتت مسموعة وبأن روايتهم عن الأحداث قد حُكيت، كما وردتني ردود أفعال رائعة من أناس يقولون إن ذلك الكتاب أخبرهم بأشياء لا يعلمونها عن بلدهم أو المنطقة بأسرها، وعن مدى امتنانهم لأن ثمة شخصاً جمع قطع اللغز معاً”.