fbpx

بين الثورة المصرية وحكم العسكر… ما تحت جبل الجليد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مرت مطلع العام الذكرى التاسعة للانتصار الجزئي لثورة يناير وتنحي مبارك، ما العوامل التي أدت إلى إعادة السيطرة العسكرية على الحكم بعد انتصار محدود للثورة المصرية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مرت مطلع العام الذكرى التاسعة للانتصار الجزئي لثورة يناير وتنحي مبارك، ما العوامل التي أدت إلى إعادة السيطرة العسكرية على الحكم بعد انتصار محدود للثورة المصرية؟ 

أن تنحني للعاصفة ثم تعيد توجيهها 

على رغم تغير أساليب الحكم منذ إنشاء الجمهورية العسكرية المصرية في تموز/ يوليو 1952 إلى وقتنا الحالي، إلا أنها احتفظت بهدف استراتيجي حتى لو اختلفت التكتيكات، وهو سيطرة طبقة عسكرية حاكمة مغلقة لا تسمح بضم نخب حاكمة من خارجها في ما عدا البيروقراطية التابعة لها والتي تدين لها بالولاء وتشاركها الأهداف. كما تدير موارد مصر وتعيد توزيعها وفقاً لرؤيتها، وتنسف أي قدرة على الفعل أو التنظيم الذي قد يؤدي إلى خلق منافسة على الحكم مع الطبقة العسكرية الحاكمة. 

وقد ساهمت 4 عوامل رئيسية في السيطرة العسكرية على الثقافة السياسية:

1-المملوكية العسكرية.

2- تدمير المؤسسات التمثيلية والمستقلة.

3- السيطرة على المعلومات وقنوات صناعة القيم.

4- خلق حالة حرب دائمة أو حالة تهديد وجودي دائم.

  1.  كيف تصاعدت المملوكية العسكرية كقناعات تاريخية بسيطرة العسكري على المدني؟ 

 اعتمد الجيش الحديث في نشأته الأولى على مماليك صغار لم يتم استهدافهم في مذبحة القلعة. عام 1820، جندت الأكاديمية العسكرية الأولى 1000 من المماليك الشباب لإنشاء كادر الضباط الحديث. ورث ضباط المماليك في الجيش المصري الحديث ما يمكن أن نسميه رياتونية اجتماعية واقتصادية، حيث الجيش هو المصدر الرئيسي لاكتساب مكانة اجتماعية واقتصادية عالية ومصدر للسيطرة السياسية، مع اعتقاد قوي بالتفوق الطبقي على بقية المجتمع. فعلى عكس البرجوازية الأوروبية، كانت القوة الاقتصادية في المجتمع المصري تتركز دائماً على الدولة وبيروقراطيتها. كانت الدولة المصرية قادرة دائماً على التحكم في الموارد الاقتصادية وإعادة توزيعها على الدوائر الموالية. 

An Egyptian university student shouts slogans during a protest against the military rule at Cairo University in the Egyptian capital on February 11, 2012. Student activists held strikes in Egypt to mark a year since they toppled Hosni Mubarak, leaving an increasingly unpopular and defiant military in charge. AFP PHOTO/MARCO LONGARI (Photo by MARCO LONGARI / AFP)

تطورت المملوكية العسكرية بعد تموز/ يوليو 1952 وتحول الجيش إلى القاعدة الرئيسية للحكم والحصول على الامتيازات. شغل الكثير من الضباط مناصب عليا في المجتمع. من عام 1952 إلى عام 1970 تم شغل جميع المناصب القيادية السياسية الرئيسية والإدارية الكبرى والوسيطة من قبل ضباط الجيش. كان التحكم في مؤسسات توليد الثروة مثل شركات القطاع العام والمؤسسات الربحية الحكومية، إضافة إلى مؤسسات صناعة القرار السياسي، قد عمق التفوق الطبقي والاجتماعي بين العسكريين الحكام والمدنيين المحكومين. 

تحت حكم مبارك تعمق إحساس التفوق، إذ تم منح إدارة المدن والقرى والأحياء والهيئات الحكومية لضباط متقاعدين كمكافأة ولاء. كما توسع دور الجيش في الاقتصاد المدني وتمدد لمشروعات كانت حكراً على المدنيين. احتفظت ميزانية هذه المشروعات وأرباحها بسريتها وبعدها من أي رقابة مدنية، وساهم توسع العسكريين في شغل المناصب الإدارية في الدولة في توسيع رقابة عسكرية على القطاع المدني، ما ساهم في خلق وضع فيه اختلال شديد للتوازن يراقب فيه العسكري المدني ويعلو فيه العسكري الحاكم (المحصن ضد الرقابة) على المدني المحكوم (الخاضع للرقابة). 

تحت حكم مبارك تعمق إحساس التفوق، إذ تم منح إدارة المدن والقرى والأحياء والهيئات الحكومية لضباط متقاعدين كمكافأة ولاء.

ساهمت المملوكية العسكرية في خلق دوافع لدى العسكريين في إبقاء انشطتهم العسكرية خارج الرقابة المدنية، وكان هذا من أهم دوافع المجلس الأعلى للقوات المسلحة أثناء إدارة المرحلة الانتقالية وفي مرحلة استعادة السلطة للحفاظ على الأنشطة الاقتصادية، الحفاظ على الحصانة من الرقابة، وقدرة العسكريين على محاكمة المدنيين وتحصين العسكريين من المحاكمات المدنية، والرغبة في الاحتفاظ بالتأثير الأكبر في القرار السياسي كمؤسسة تعلو ولا يعلى عليها.  

  1. تدمير المؤسسات التمثيلية والمستقلة

كانت الدولة المصرية والمؤسسة العسكرية في القلب منها على مر العصور حريصة على تقويض أي محاولة مستقلة لتجميع المصالح الجماعية في مجموعات مستقلة بخلاف مؤسسات الدولة، وكذا التفكيك المنهجي لأي مركز محتمل، قد يولد نخبة سياسية مستقلة تحل محل الجيش أو تنافسه في الحكم. 

بعد السيطرة العسكرية على الحكم عام 1952، كان الضباط يهدفون إلى تفكيك المراكز القديمة للسلطة، وكانت على رأس هذه المراكز المنظمات السياسية المدنية والأحزاب السياسية. حتى النقابات والنقابات العمالية خضعت للسلطة المركزية لمراقبتها ومراقبة أنشطتها.

لم يكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة عام 2011 استثناءً، فقد كان يهدف في المراحل الأولى من حكمه إلى تقويض أي محاولات لبناء مجتمع مدني قوي. صعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة حملته القمعية على المجتمع المدني، بما فيها منظمات تعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان في مصر، أو المنظمات الدولية التي تعمل في مصر في مشاريع بناء الديموقراطية. في آب/ أغسطس 2011، فتح النائب العام تحقيقاً بعد تلقيه شكاوى من وكالات حكومية تتهم منظمات في المجتمع المدني “بالخيانة العظمى والتآمر ضد مصر وتنفيذ جداول أعمال أجنبية لإلحاق الضرر بالأمن القومي المصري”. أدت الحملة إلى إغلاق الكثير من منظمات المجتمع المدني، وطرد المنظمات الدولية لتعزيز الديموقراطية إلى خارج البلاد.

 لم يحافظ الجيش على تعهده بعدم استخدام القوة ضد المحتجين. وهكذا، بدأت تدريجاً شيطنة بعض الجماعات لتبرير الاعتداء عليها. بدأ الأمر بمجموعات صغيرة نسبياً مثل بعض حركات الشباب أو مجموعات الأقليات مثل الأقباط. ثم توسع لاستهداف مجموعات أخرى مثل روابط مشجعي كرة القدم، أو حتى المنتمين إلى التيارات الإسلامية بعد الإطاحة بمحمد مرسي عام 2013.

بدأ الجيش يهاجم الأحزاب السياسية لعدم منحها الوقت اللازم لتطوير رؤيتها وتقديم برامج بديلة. على رغم أن الجيش استخدم شخصيات بارزة من ما يسمى الأحزاب المدنية بعد استعادة السلطة لتشكيل الحكومة الأولى في تموز 2013، إلا أنه بدأ لاحقاً يتخلّص منها تدريجاً، محاولاً استبدالها بتكنوقراط أو ضباط عسكريين موالين.

  1. السيطرة على المعلومات وقنوات صناعة القيم

كانت محاسبة القادة العسكريين سواء في البرلمان أو في وسائل الإعلام من المحرمات السياسية الصامتة في ظل نظام مبارك. فبينما كان الغضب يتصاعد ضد قوات الأمن في عهد مبارك، نجح الجيش في إبعاد نفسه عن الغضب الشعبي من خلال عدم مشاركته في الإجراءات الأمنية اليومية واحاطة نفسه بإطار من السرية المعلوماتية. وهكذا، بحلول وقت الانتفاضة في كانون الثاني/ يناير 2011، كان الجيش المؤسسة الأكثر احتراماً بين 88 في المئة من المصريين وفقاً لمسح مركز “بيو” للأبحاث. ومع ذلك، انخفض هذا المستوى من الثقة من 88 في المئة عام 2011 إلى 75 في المئة عام 2012 وفقاً للاستطلاع نفسه. يمكن القول، بدأ الجيش كان يفقد بعض شعبيته في عام واحد لأنه بدأ يفقد احتكار الإعلام والمعلومات بعد انتفاضة 2011 إذ ارتفعت أصوات ضد إمبراطورية الجيش العسكرية، والتكتيكات العنيفة ضد المتظاهرين بطريقة جعلت الجيش للمرة الأولى يخضع للمساءلة الشعبية والإعلامية. 

لم يحافظ الجيش على تعهده بعدم استخدام القوة ضد المحتجين. وهكذا، بدأت تدريجاً شيطنة بعض الجماعات لتبرير الاعتداء عليها.

 كانت استعادة الاحتكار على المجال الإعلامي أحد الأهداف الرئيسية بعد الاستيلاء العسكري عام 2013. وفقاً لمنظمة “مراسلون بلا حدود” (RSF)، فرض النظام العسكري سيطرته على وسائل الإعلام عن طريق الاستحواز على وسائل الإعلام المستقلة من قبل رجال أعمال موالين. علاوة على ذلك، فقد كانت أي محاولات لتقديم أي تقارير أو روايات بديلة مختلفة عن التقارير الحكومية يتم تجريمها بموجب القانون. 

سيطر النظام بقيادة الجيش على النظام التعليمي وعسكر مكوناته. فرض التعليم العسكري بموجب القانون على المدارس والجامعات المدنية منذ عام 1973. كان التعليم العسكري أداة فعالة لنشر الروايات العسكرية للطلاب في المدارس أو الجامعات كذلك. استخدم النظام العسكري المدارس والجامعات مساحةً لتمجيد الجيش ودوره الريادي في المجتمع من خلال التربية العسكرية المفروضة بقوة القانون على الطلاب. 

في محاولة لنشر السردية العسكرية الرسمية، فرضت الحكومة المدعومة من الجيش “دورة للأمن القومي العسكري” للدعاة وأساتذة الجامعات والقضاة والديبلوماسيين ونواب البرلمان والطلاب، إلخ. في هذه الدورة، قام الضباط العسكريون بتلقين المجموعات المستهدفة المدنية لتلافي الروايات السياسية من بعض الجماعات السياسية، لأنها يمكن أن تشكل تهديدات للأمن القومي ووحدة الدولة. 

  1. حرب دائمة أو تهديد وجودي دائم

استخدم الحكم العسكري المصري العداء ضد عدو أجنبي على شكل إسرائيل وحلفائها الغربيين لتوليد دعاية وطنية حتى عام 1979 عندما وقعت مصر على معاهدة السلام مع إسرائيل. وهكذا، على عكس أسلافهم في عام 1952، وبسبب العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، والسلام الرسمي مع إسرائيل، لم يكن للضباط في 2011 و2013 صورة واضحة عن عدو أجنبي. لذلك، وضع الضباط صورة للعدو الداخلي والخارجي تدريجياً من خلال خلق حالة حرب دون حرب حقيقية. وهكذا، اعتمدت الروايات العسكرية على مفهومين لتحقيق هذا الهدف، الأول هو مفهوم حروب الجيل الرابع، والثاني هو مفهوم الحرب على الإرهاب.

أ- حروب الجيل الرابع.

 طور الجيش حالة حرب من خلال تحويل تركيزه على معارضين سياسيين داخليين بدلاً من أعداء أجانب.

منذ عام 2011، أكد الجيش ووسائل الإعلام التابعة له مراراً وتكراراً أن مصر تواجه حروب الجيل الرابع. وأكد السيسي هذا المفهوم في مناسبات عدة. بعد التدريب العقائدي للقضاة على المفهوم الجديد، تم تبني المفهوم من قبل القضاء أيضاً. في شباط/ فبراير 2018، أصدر النائب العام مرسوماً أمر فيه وكلاء النيابة بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تضر “بالأمن القومي” من خلال نشر “أخبار وبيانات كاذبة”. 

أعطت مفاهيم حروب الجيل الرابع الجيش المبرر اللازم للتدخل مباشرة لتصعيد استخدام العنف إلى أقصى حد. من خلال تفسير عمل المعارضة السياسية على أنه عمل حرب!

ب- الحرب على الإرهاب وعسكرة المجال العام.

استغل الجيش العمليات العسكرية ضد الجهاديين في سيناء لتبرير المزيد من القمع ضد المعارضين السياسيين المدنيين. وسّع النظام جرائم الإرهاب لاستهداف المعارضة غير العنيفة. سمح التعريف الفضفاض بالإرهاب للسلطات القضائية بمقاضاة الكثير من الناشطين وسجن آخرين (بما في ذلك قادة الأحزاب السياسية) بتهمة “مساعدة جماعة إرهابية في ترويج أفكارها”، أو “نشر أخبار كاذبة”. 

وعليه، يمكن القول إن انتفاضة يناير فشلت في تطوير انتصارها الجزئي في شباط 2011، لأنها فشلت في إدراك طبيعة المصالح القابعة تحت جبل الجليد، وهي مصالح متعلقة بجمهورية يوليو العسكرية وليس فقط نظام مبارك.

كما وظف الجيش المصري عبر هذه العوامل عدداً من التكتيكات المتباينة بداية من تشويه الخصوم إعلامياً، والتحالف مع الخصوم ضد الخصوم، وتماسك وظيفي وعقائدي منبعه قناعة كاملة بضرورة سيطرة العسكري على المدني، وتكتيكات عنيفة مبنية على تغيير عقائدي في تحديد العدو وطريقة استهدافه، ونجح من خلال هذه التكتيكات في استعادة الرواية الرسمية المعتمدة وحشد أنصار واستعادة شرعية حكمه في غضون عامين ونصف العام، أمام عدد من الخصوم محدودي الخبرة ومحدودي القدرة على المناورة وبناء التحالفات وتحديد الأهداف النهائية.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.