fbpx

العراق: نساء ساحة التحرير يوجهّن رسالة الى التيار الصدري

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم وجود ميليشيات سرايا السلام التابعة للتيار الصدري في ساحة التظاهر إلا أن ذلك لم يمنع النساء من التظاهر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سارة طالب، هدى خضير، جنان الشحماني، ناشطات عراقيات سقطن ضحية تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لتتصدر أسماؤهن وصورهن المسيرة النسوية التي أطلقتها نساء التحرير صباح يوم الخميس 13 شباط/ فبراير 2020، مع شعار “احنه ثورة مو عورة”، الذي رُفع رداً على التغريدة الأخيرة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، التي أكد فيها ضرورة الفصل بين الجنسين في ساحات التظاهر، تجنباً للوقوع في “أخطاءٍ” تخالف الشرع والدين، والطابع الاجتماعي العراقي….

أجساد الشباب في ساحة التظاهر، كانت سوراً حامياً للمسيرة النسوية، تقول انسام سلمان، وهي من منظمي المسيرة، “إخوتنا من المحتجين الرجال كانوا مثالاً في الاهتمام والرعاية لتظاهرتنا، إذ عملوا على حمايتنا والحرص علينا وتجنيبنا أي مكروه قد نتعرض له”، مضيفة: “شباب ساحات التظاهر رافقونا في مسيرتنا حتى نهايتها”.

على رغم وجود ميليشيات سرايا السلام التابعة للتيار الصدري في ساحة التظاهر إلا أن ذلك لم يمنع النساء من التظاهر. تقول انسام: “نحن لا نعرف من هم بالضبط الأشخاص الذين في الساحة وهم تابعون للتيار الصدري، لأنهم لم يكونوا يرتدون قبعاتهم الزرق، بعدما أمرهم زعيمهم بنزعها، كما أننا لم نُعر اهتماماً لوجودهم فقضيتنا أسمى من هذه المهاترات”.

وقبل المسيرة، أطلقت المنظِمات هاشتاغ #إحنه_ثورة_مو_عورة، الذي انتشر في الصفحات العراقية، وساهم في إنجاح المسيرة وإيصال رسالتها.

تشويه دور المرأة

لم تكُن تغريدة الصدر هي المحاولة الوحيدة لإبعاد النساء من ساحات التظاهر، فبينما يطالع العراقيون أخبار التظاهرات تقرأ شيماء أخباراً من نوع آخر تنذر بموتها الوشيك.

وباليد ذاتها التي أنقذت الكثير من جرحى التظاهرات، تمسك شيماء هاتفها النقال وتفتح صفحة “فايسبوك”، لتجد تهديدات بالقتل وصوراً مسيئة وطعناً بشرفها في صفحات ممولة ومجموعات تابعة لأحزاب معارضة للاحتجاجات.                            

شيماء طبيبة في إحدى المفارز الطبية في ساحة التحرير تكرس وقتها وجهدها لخدمة المتظاهرين، فتسعف المصابين وتقدم لهم ما تيسّر من أجل البقاء والصمود، من الطعام والشراب والدواء، إضافة إلى الدعم والتشجيع المعنوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها شخصية اجتماعية معروفة في الشارع العراقي.

وعلى رغم التهديدات التي تعرضت لها شيماء إلا أنها صامدة في ساحات التظاهر حتى الآن، تقول: “إصراري على البقاء في الشارع مع المتظاهرين لا يأتي من كوني مواطنة ناشطة أو متظاهرة فقط، إنما بصفتي طبيبة عراقية تؤدي واجبها تجاه أبناء بلدها فالطب مهنة إنسانية تسمو فوق كل شيء”.

 لن نموت!

ما زال يتردد على مسامع إسراء صدى صوت أحد المتظاهرين وهو ينظر إليها ويقول بنبرة واثقة تتحدى الموت” لا تخافي نحن لا نموت”، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بين يديها.

قرب جسر الجمهورية عند شارع أبو النؤاس على ضفاف نهر دجلة سقط المتظاهر ذو الـ16 عاماً مصاباً بقنبلة مسيلة للدموع في رأسهِ، سارعت المسعفة الجوالة إسراء إلى إنقاذه، حملتهُ ووضعتهُ في حضنها محاولةً إسعافه وهي تتوسلهُ: “أرجوك لا تمت سأنقذك”، فيبدد خوفها ردّ فعله وعدم خشيته من الموت، ثم يفارق الحياة بين أحضانها، تلك اللحظات كانت وقوداً دفعها لملازمة ساحات التظاهر حتى هذهِ اللحظة .

لم تكُن تغريدة الصدر هي المحاولة الوحيدة لإبعاد النساء من ساحات التظاهر، فبينما يطالع العراقيون أخبار التظاهرات تقرأ شيماء أخباراً من نوع آخر تنذر بموتها الوشيك.

خرجت إسراء إلى ساحة التحرير تلبية لنداء الحاجة لمتبرعي الدم مع بداية تظاهرات تشرين الأول، بسبب كثرة الجرحى والمصابين، ثم واصلت الاحتجاج رداً على حجم القمع الذي يتعرض لهُ المتظاهرون بحسب قولها.

إسراء (18 سنة) شاركت في دورة إسعافات أولية وعملت مسعفة جوالة بعدما مات اثنان من أصدقائها المقربين في تظاهرات العراق، ولا تزال مرابطة في شوارع الاحتجاجات منذ 105 أيام، إذ أسعفت الكثير من المصابين وأنقذت حياة كثر منهم.

الخبزُ قضيتها 

مروة وزوجها يجلسان في ساحة التظاهر، يفترشان عجين الخبز ويرصّانه إلى التنور الذي اشترياه بـ56 ألف دينارٍ عراقي.

زوجان وثلاثة أطفال لا يمتلكون سوى بيت صغير في إحدى عشوائيات بغداد، وسيارة أجرة أشبه بالمُعطّلة يعمل عليها زوجُ مروة ليحصل على قوتِ يومه الذي لا يصل إلى 10 آلاف دينار عراقي. وقد اشترى الزوجان التنور الذي يفوق سعره قُدرتهما الشرائية، تقول مروة: “يذهب زوجي إلى العمل بسيارة أجرته خلال ساعات النهار، ويعود بمبلغٍ زهيد نشتري به الطحين والغاز ونقوم بالخَبزِ لتقديم رغيف الخبز إلى المتظاهرين”.

يضع الزوجان تنور الخبز عند إحدى الخيم التي نُصبت على مقربة من ساتر جسر الجمهورية، تضيف مروة لـ”درج”: “خرجتُ إلى التظاهرات بعد 25 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2019 بعدما أصيب زوجي بطلقٍ ناريّ في يده، خشيت أن تكون هذه نهايته لهذا خرجت إلى ساحة التظاهر”.

تستدركُ مروة سبب خروجها جنباً إلى جنب مع زوجها وتقول، “حسناً لم يكُن زوجي السبب الوحيد لوقوفي هنا، فأنا أعيش في بيتِ تجاوز، حاولت أمانة بغداد مصادرته أكثر من مرة، يكفي أن يكون مستقبل أبنائي عبارة عن بيت تجاوز، يحق للحكومة هدمه ومصادرته بأي لحظة، كما أننا عاجزون عن توفير أي شيء يضمن لأطفالنا مستقبلهم، هذا سببٌ آخر لبقائنا حتى هذه اللحظة، على رغم ما واجهناه من خطر البقاء”.

لم تستسلم مروة لتهديدات وجهتها قوات مكافحة الشغب لها ولأبنائها في إحدى المداهمات لمنعهم من التظاهر، ولم تتراجع بعد تعرض زوجها لإصابة في هذه التظاهرات، بقيت محتجةً حتى اللحظة على القدر، وعلى الوضع العام لهذه البلاد غير الصالحة للعيش بحسب رأيها، فقضيّة هذه المرأة، مستقبل آمن ورغيف خبزٍ يُشبع بطون أطفالها الثلاثة.

أين يغسل المتظاهرون ثيابهم؟

الماءُ البارد، ومسحوق الغسيل يرسمان خطوطاً إضافيةً على يد أم سلوان، تلك السيدة الطاعنة في السن والتي كفاها ما حفره الوقتُ بهمومه وأحداثه على وجهها ويديها، وتفاصيل جسدها، تقف منذ السابعة صباح كل يوم، وحتى الثامنة مساءً لتغسل ملابس المتظاهرين في ساحة التحرير وعند الطريق المؤدي إلى نفق التحرير الذي يؤدي بدوره إلى ساحة الوثبة والخلاني.

لم يكُن التحرير خيار هذه السيدة التي قالت لـ”درج” إن “خروج سلوان وإخوته إلى ساحة التحرير هو السبب الرئيس الذي دفعني للحاق بهم، أخشى أن يختطفهم الموت بقنبلة غازٍ مسيلٍ للدموع كما حصل مع أحد أبناء عمومتهم”. وتساعد أم سلوان أم علي أيضاً في مهمتها اليومية، لتسجل النساء الطاعنات في السن أدواراً لافتة في هذه الانتفاضة الشعبية الجميلة.

تقول أم علي: “كان علي يُحضر ملابس المتظاهرين كل يوم لأغسلها في البيت، ومع اقتراب الشتاء بدأت هذه الملابس تتزايد فوجدتُ أنه من الصعب نقلها، وقررت الخروج إلى التحرير للقيام بهذه المهمة، إضافة إلى رغبتي في البقاء إلى جانب ولدي”.

لم تمنع هاتين السيدتين الموت عن التهام أجساد الشباب، إلا أنهما فضلتا أن تكونا على مقربةٍ منه، نساءٌ كثيراتٌ قررن البقاء في ساحة التحرير، على رغم المخاطر، والهجومات التي قد تتعرض لها الموجودات في الساحات.

خيمة أم علي

لا تكاد تشق طريقك في ساحة التحرير حتى تسمع صوتها يناديك كي تساعدها في طهو الطعام أو تقشير البطاطا، امرأة خمسينية تنصب خيمتها في ساحة التظاهر وتعد الطعام للمتظاهرين ويساعدونها بطيبة خاطر.

أم علي، أم لأربعة أبناء استشهدوا في معارك العراق ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، خرجت منذ انطلاق الاحتجاجات وشدّت عود خيمتها في ساحة التحرير بعدما تركتها الحكومة العراقية من دون دعم مادي أو تعويض عن فقدان أبنائها الشهداء، إلا أنها تؤكد “أرفض أن يقال إنني خرجت للمطالبة بتعويض عن أبنائي الشهداء، أنا خرجت من أجل مستقبل أجيال مقبلة، أما بالنسبة إلي فلم يتبقَ من العمر شيء”.

متظاهرون شباب كثيرون يعتبرون أم علي أماً لهم، فهي تنصحهم حين يحتاجون إلى النُصح، وتحتويهم بحنان الأم ورأفتها.

“خرجتُ إلى التظاهرات بعد 25 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2019 بعدما أصيب زوجي بطلقٍ ناريّ في يده، خشيت أن تكون هذه نهايته لهذا خرجت إلى ساحة التظاهر”

تزامناً مع انسحاب التيار الصدري من ساحة التحرير قامت قوات مكافحة الشغب بحرق خيمة هذه السيدة، إلا أنها لم تفقد عزيمتها وإصرارها فنصبت خيمة جديدة تحت نصب الحرية، ولا تزال تتحدى الموت وتطهو الطعام وتقدمهُ للمتظاهرين حتى اليوم.

النساء من مختلف الأعمار والفئات هن زخم الساحات وقلبها… نساء العراق ثورة لا عورة!