fbpx

الإنتخابات المحلية التونسية : بروز للمستقلين وعودة للاسلاميين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كرست الانتخابات البلدية التي تمت قبل يومين في تونس فشل السياسيين في استقطاب الناخبين من جهة، وزهد الشعب التونسي في تصديق وعودهم من جهة أخرى من خلال نسبة إقبال ضعيفة على الاقتراع لم تتجاوز ال33%. وقدأعطت شريحة واسعة من الناخبين أصواتهم إلى المستقلين متأملين أن يحققوا التغيير المنشود في وضع البلاد، لكن يبقى اللافت في الانتخابات هو عودة الإسلاميين لتصدر المشهد السياسي، لكن من دون حصد الفوز الساحق المأمول، وبهذا يبقى تقاسم النفوذ محصورا بين الحزبين الرئيسيين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كرست الانتخابات البلدية التي تمت قبل يومين في تونس فشل السياسيين في استقطاب الناخبين من جهة، وزهد الشعب التونسي في تصديق وعودهم من جهة أخرى من خلال نسبة إقبال ضعيفة على الاقتراع لم تتجاوز ال33%.

وقدأعطت شريحة واسعة من الناخبين أصواتهم إلى المستقلين متأملين أن يحققوا التغيير المنشود في وضع البلاد، لكن يبقى اللافت في الانتخابات هو عودة الإسلاميين لتصدر المشهد السياسي، لكن من دون حصد الفوز الساحق المأمول، وبهذا يبقى تقاسم النفوذ محصورا بين الحزبين الرئيسيين.

العزوف عن التصويت، وإن كان متوقعاً، إلا أنه عكس خيبة أمل كبرى في السياسة وفي السياسيين، بعد سبع سنوات فقط من الثورة التونسية. وعلى رغم تداول السلطة بين الإسلاميين والأحزاب ذات المرجعية غير الدينية، إلا أن تلك الأحزاب كرست عجزها عن الإستجابة للمطالب الاجتماعية التي طرحها الحراك قبل سبع سنوات.

الإنتخابات البلدية 2018 هي الإنتخابات الأولى من نوعها بعد ثورة 2011، وقد جاءت بطعم المرارة واليأس من تغيير نحو الأفضل، خاصة وأن البلاد ترزح تحت أزمة إقتصادية كبرى واضطرابات اجتماعية تضع استقرارها على المحك، وسط عجز السياسيين عن إيجاد حلول ناجعة واقتصار الاهتمام على مصالح ضيقة.

بدت نسبة الاقتراع الضعيفة بمثابة درس أراد التونسيون وخصوصاً الجيل الشاب منهم أن يلقنه للسياسيين ووضعهم أمام حقيقة تقصيرهم في تنفيذ وعودهم الإنتخابية السابقة ودفعهم إلى مراجعة حساباتهم فيما يخص آدائهم السياسي. من أجل ذلك، راهن من انتخب من التونسيين على القوائم المستقلة على حساب القوائم الحزبية، فقد شهدت الإنتخابات صعوداً غير مسبوق للمستقلين، الذين حصدوا 33% من الأصوات وتصدروا المشهد البلدي في العديد من البلديات داخل العاصمة وخارجها في تحد للأحزاب بكل ما تملكه من إمكانيات مادية وقواعد شعبية.

صعود المستقلين يمكن اعتباره عقابا جماعيا من الناخبين في وجه الاحزاب، وهو يعكس في الوقت نفسه، نضجاً في وعي الناخبين وقدرتهم على التمييز بين من هو مستعد حقا لخدمة مصالحهم وبين من يتظاهر بذلك. كذلك فإن عدداً من المستقلين الذين صعدوا ينتمون أساسا إلى شرائح المجتمع المدني. ولا يخفى دور المجتمع المدني في تونس في إنجاح مسار الإنتقال الديمقراطي منذ الثورة وحتى اليوم، وكانت جائزة نوبل للسلام  التي منحت عام 2015 إلى اتحاد الشغل التونسي بمثابة مكافأة على ذلك.

من جديد، نجح التيار المدني في كسب ثقة التونسيين على حساب الأحزاب ليشكلوا البديل القوي الذي لابد منه لخلق توازن في الساحة السياسية.

بلديات 2018 كرست أيضا عودة قوية للإسلاميين الذين خسروا انتخابات 2014، حيث حصلت حركة النهضة أو الجناح التونسي للاخوان المسلمين على 28.56% من نسبة الاقتراع مقابل 21.22% لحزب نداء تونس المتكون من ائتلاف قوى علمانية وهو الحزب الحاكم حاليا. حركة النهضة وضعت آمالاً كبيرة للفوز بهذا الإستحقاق الإنتخابي، خاصة وأن النهضة كان الحزب الوحيد المستعد لخوضها، في مواجهة  تفككك الأحزاب الأخرى نتيجة الخلافات الداخلية التي تعصف بها وفقدانها لشعبيتها.

استراتيجية النهضة للفوز بالإنتخابات كانت قائمة على المراهنة على المستقلين، لذلك ضمت ما نسبته 50% من لوائح مرشحي النهضة أشخاصاً لا يحملون بالضرورة فكر الإسلام السياسي ولا يمتُّون له بصلة، وإنما جذبهم الطموح السياسي، لينخرطوا في قوائم الحركة، حيث وفرت لهم النهضة ماكينة انتخابية قوية، في حين تخاذلت الأحزاب الأخرى عن استقطابهم أو مساندتهم.

راهنت الحركة أيضا على وجود عدد كبير من النساء والشباب في قوائمها، وإن جاء ذلك استجابة إلى حد ما للقانون الانتخابي الذي فرض وجود هذه الفئات، لكن الحركة عملت على تنويع بروفايلات الأشخاص المكونين للقوائم،  وعلى وضع النساء السافرات على رأس بعضها، بالإضافة إلى إدراج الأقليات الدينية ضمنها، على غرار وضع شخصية يهودية ضمن المرشحين.

هذه الإستراتيجية وإن اثمرت، إلا أنها لم تحقق الفوز الساحق الذي كان منتظرا، بما أن الفارق بين حركة النهضة ومنافسها المباشر، حزب نداء تونس هو 5 نقاط تقريباً، وبذلك فإن المشهد في البلديات سيكون مماثلا للمشهد في مجلس النواب وحتى في الحكومة، أي أن المجالس البلدية ستكون مثل الفسيفساء، تجمع ممثلي الحزبين الرئيسيين مع بعض المقاعد للمستقلين والأحزاب الأخرى.

هذه التركيبة تعكس المشهد السياسي العام في البلاد بوجود حزبين كبيرين مع بعض الأحزاب الصغرى حولهما، ولكن الجديد هذه المرة هو وجود قوة ثالثة مثّلها المستقلون.

بالنسبة للحزب الحاكم أي نداء تونس، فإن هذه الإنتخابات كانت صفعة له، جراء آدائه الضعيف وجراء الخلافات الداخلية التي لا تنفك تهدد استقراره منذ نجاحه في الإنتخابات السابقة. كما أن الطموح اللامحدود للمدير التنفيذي للحزب، حافظ قايد السبسي، في خلافة والده، الباجي قايد السبسي، الرئيس الحالي للبلاد، أضرت كثيراً بشعبية الحزب وبمصداقيته. لذلك فالمطلوب الآن هو القيام بمراجعات وإصلاحات داخلية وهيكلية داخل نداء تونس، خاصة وأن الإنتخابات التشريعية والرئاسية القادمة على الأبواب، فقد تم تحديد موعدها في 2019. وإن لم يتدارك الحزب أمره الآن، فإنه سيفسح المجال للإسلاميين باكتساح الساحة السياسية.

عموماً، يمكن القول أن أول انتخابات بلدية في تونس مرت بسلام دون تزوير أو أحداث عنف كبيرة، عدا بعض الحوادث الفردية، كما لم يشكك أحد في نزاهة الإنتخابات ولا في الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات وهو شيء إيجابي يدل على ترسخ العملية الديمقراطية في الذهنية التونسية.

يذكر أن مليونا و797 ألفا و154 تونسيا أدلوا بأصواتهم يوم الأحد، من أصل أكثر من 5.3 ملايين ناخب مسجل. وقد تنافست 2173 قائمة في الإنتخابات (1099 قائمة حزبية، 177 قائمة إئتلافية، 897 قائمة مستقلة) في 350 دائرة بلدية.