fbpx

اسكتوا وتفرجوا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المسيرات والاعتداء على الرموز في بيروت كانت رأس جبل الجليد من برنامج كامل لتطويق أي اعتراض على المستقبل الذي يُرسم للبنان، وقد بدأ فور صدور نتائج الانتخابات حتى لا تأخذ الظنون أفكار أحد وألا يتوهم أن في قدرته تغيير الواقع القائم المستند الى ترسانة هائلة من السلاح والتجييش المذهبي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ما جرى بعد الانتخابات النيابية اللبنانية يوم الأحد الماضي،  من تظاهرات دراجة واستفزازات لأهالي عدد من المناطق بهتافات طائفية، وتكسير لافتات واهانة رموز، ليس صدفة ولا عفويا كما تقدم الأحداث.

المسيرات التي شارك فيها الآلاف من انصار “حزب الله” وحركة “أمل”، ربما بدأت صدفة او بتدبير محلي، لكن من الجلي أنها حازت رضى قيادات أرفع مستوى كانت تستطيع سحب مؤيديها من الشوارع بمكالمة هاتفية واحدة على ما علّمت التجربة. لكن القيادات هذه لم تفعل الا بعدما باتت الأمور على وشك الخروج عن السيطرة، ثم تحولت الى رسائل سياسية في اتجاهات عدة.

الأرجح أن تجوّل الآلاف من راكبي الدراجات النارية المتأهبين للانخراط في أي منازلة مع أي شخص يرد على استفزازتهم، ليس أمرا شديد التنظيم خلافا لأعمال “حزب الله” المعتادة ما يترك هامشاً لعدم الافراط في تحميل ما جرى ليلي الاحد والاثنين أكثر مما يحتمل. لكن العدد الكبير من المشاركين وامتداد المسيرات على يومين يقولان أن هناك أمراً ما، أحب الواقفون وراء المراهقين المنتشين بفوز نوابهم، قوله.

ترهيب سكان العاصمة واعادة رسم خطوط الانقسام الطائفي والمذهبي هما من الأهداف البديهية للمسيرات التي جاءت ترجمة فورية لنتائج الانتخابات، حيث استطاع “حزب الله” انتزاع مقعد سني لمصلحة حلفائه في “جمعية المشاريع” (الأحباش) وافضى تآكل الزعامة الحريرية الى فقدانها مقعد آخر قد يصبح في تصرف الحزب إذا دعت الحاجة.

لكن ثمة أهداف أكبر كثيراً من التذكير بمناخات اجتياح بيروت قبل عشرة أعوام بالتمام. فعودة لبنان ساحة للصراعات الإقليمية بعد الفشل في اجتراح وظيفة أو دور له، سياسية او اقتصادية على مدى العقود الثلاثة الماضية، وتصاعد التوتر الاسرائيلي – الايراني واحتمال انقلاب التوتر هذا مواجهة عسكرية، سيان كانت واسعة أو محدودة، هي عوامل ستفرض على لبنان الانصياع لمعطيات صراع خارجي يتمتع بوكلاء محليين أقوياء.

لا يرغب الوكلاء هؤلاء في أي تشويش على مجهودهم الحربي متى بدأ القتال، لا في السياسة ولا في الإعلام ولا في الشارع بسبب ادراكهم ان الانقسامات الداخلية في هذه المرحلة أعمق مما كانت عليه اثناء حرب تموز (يوليو) 2006. عليه، سيفرضون على اللبنانيين الذين لا يشاركونهم الرغبة في الانخراط في حرب جديدة من حروب الاستتباع، الصمت ولو بالقوة.

خزين الشعارات التي تبرر دفع لبنان الى المواجهة الايرانية – الاسرائيلية المتوقعة، ما زال مقنعا “لجمهور المقاومة” ومواليه. فكل حرب على اسرائيل هي مقدمة لنصر إلهي آخر يصبّ في نهاية الأمر في تحرير القدس التي طالت الطريق إليها أكثر مما ينبغي. لكن الشعارات هذه باتت تثير التساؤلات عند اقسام اخرى من اللبنانيين، الذين لن يجنوا فائدة من الجولة المقبلة من القتال حتى لو دارت على الاراضي السورية، وجاءت اعباءها كمزيد من الجمود الاقتصادي اضافة الى القتلى من الحزبيين الذين قد يسقطون في سوريا. والحرب ستسفر عن تفاقم الانقسام الوطني والمزيد من التفكك في مؤسسات الدولة وعجزها.

المسيرات والاعتداء على الرموز في بيروت كانت رأس جبل الجليد من برنامج كامل لتطويق أي اعتراض على المستقبل الذي يُرسم للبنان، وقد بدأ فور صدور نتائج الانتخابات حتى لا تأخذ الظنون أفكار أحد وألا يتوهم أن في قدرته تغيير الواقع القائم المستند الى ترسانة هائلة من السلاح والتجييش المذهبي، وتجاهل معنى الشراكة في وطن مع آخرين قد تكون طموحاتهم أقل كثيراً من إفناء اسرائيل في سبع دقائق ونصف.

على هؤلاء الآخرين أن يصمتوا وأن يتفرجوا على مصائرهم تُقرر عنهم.