fbpx

حرب روسية– تركية أم اتفاق جديد لتقاسم الأراضي السورية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

السؤال الأهم الآن هو، هل بلغ التصعيد العسكري بين الجيشين التركي والسوري، والمواجهة بين موسكو وأنقرة الحد الذي يمكن القول معه إن الجسور التي أقامها بوتين وأردوغان تهدمت كلها دفعة واحدة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تعد المؤشرات على تعرض العلاقات الروسية- التركية إلى أسوأ انتكاسة منذ سنوات، تقتصر على تبادل الاتهامات بتأجيج الموقف حول إدلب، أو الفتور الذي أظهره الكرملين في التعامل مع الدعوات التركية إلى تنظيم لقاء على مستوى رئاسي لمحاصرة الأزمة المتصاعدة، إذ أعادت تهديدات بالقتل تلقاها السفير الروسي لدى تركيا أليكسي يرخوف، أجواء أسوأ مرحلة كادت تسفر عن انزلاق الوضع نحو مواجهة عسكرية بين الجانبين عام 2015.
وأعلنت موسكو اتخاذ تدابير مشددة لحماية السفارة الروسية في أنقرة، بعدما حذر السفير الروسي من أن الوضع في إدلب «تسبب في إطلاق هستيريا معادية لروسيا» على شبكات التواصل الاجتماعي التركية.
ولفت يرخوف في مقابلة مع وكالة «سبوتينك» إلى أن «التصعيد في سوريا مؤلم ومقلق للغاية. مات ضباط روس وبعد ذلك جنود أتراك، والآن نشهد هذا الصخب الوحشي على الشبكات الاجتماعية”. وأشار إلى أنه تلقى تهديدات مباشرة بالقتل على وسائل التواصل حملت عبارات مثل: «ودع حياتك» و«لن يحزن عليك أحد» و”لقد حان الوقت كي تحترق”. ورأى أن «التعطش الدموي لدى بعض المدونين وبعض المنشورات، والغضب والكراهية، تؤدي أحياناً إلى تثبيت القدرة على التفكير المنطقي لديهم». وذكر السفير أن هذه الأجواء كانت انتشرت قبل 5 سنوات “بدلاً من إدلب كانت (المعارك) في حلب، وأسفر الوضع عن أزمة إسقاط المقاتلة الروسية ثم مقتل السفير الروسي أندريه كارلوف”. وما يلفت النظر في حديث يرخوف أنه وجه اتهامات مبطنة إلى الحكومة التركية بـ«تأجيج الوضع»، مشيراً إلى أن «الشيء الثاني، في رأيي، الأكثر خطورة هو الإحجام المطلق عن فهم الشريك ومنطق تصرفاته، وغياب الاعتراف بحق الآخر في وجهة نظره الخاصة المختلفة، وهذا ما يمكن أن يتحول إلى كارثة كبيرة”.

لكن حديث السفير لم يكن وحده سبب إثارة الغضب لدى أوساط تركية، إذ نشطت السفارة الروسية لدى أنقرة في توجيه رسائل مباشرة إلى الشارع التركي، من خلال نشر استطلاعات للرأي حول الوضع في إدلب، وحول العلاقة مع الولايات المتحدة. وكان بين هذه الاستبيانات سؤال للشعب التركي، عما إذا كان يعتبر الأميركيين حلفاء له، على خلفية إعلان واشنطن وقوفها إلى جانب أنقرة حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضد الجيش السوري. ونشرت السفارة جدولاً يوضح حجم المساعدات التي قدمتها واشنطن للأكراد، مع ملاحظة: «نترك الخيار لك». وبدا أن هذا التحرك من جانب السفارة لعب دوراً في تأجيج مشاعر ضد الروس على خلفية الوضع في إدلب، ومقتل نحو 13 جندياً تركياً في الفترة الأخيرة بنيران الجيش السوري.

التراشق الكلامي بين الطرفين احتدم وتزايد في الفترة الأخيرة، فأردوغان اتهم حليفته روسيا بارتكاب مجازر في إدلب، ورد المتحدث الرئاسي الروسي بيسكوف بأن “وجود قوات ومدرعات تركية في إدلب يجعل الوضع أكثر سوءاً بكثير، إضافة إلى نقل الأسلحة والذخيرة عبر الحدود السورية– التركية”. واتهمت موسكو أردوغان بأنه قدّم لـ”هيئة تحرير الشام” (القاعدة) في سوريا الأسلحة والمعدات الثقيلة.

نشطت السفارة الروسية لدى أنقرة في توجيه رسائل مباشرة إلى الشارع التركي، من خلال نشر استطلاعات للرأي حول الوضع في إدلب، وحول العلاقة مع الولايات المتحدة.

من اللافت أيضاً أن زعيم “الحزب القومي التركي” دولت بهجلي انضم هو الآخر إلى مزاد التحذيرات لموسكو، بل مضى أبعد عندما طالب بذهاب القوات التركية إلى دمشق لاقتلاع بشار. موسكو أبدت استياءها من تصريحات بهجلي، لأنها فهمت الرسالة التي تنص على تمتع أردوغان بدعم حزبين يشكلان الأغلبية البرلمانية، بينما تحاشت الرد مباشرة على تهديدات أردوغان. لكنها من طرف آخر هدّأت من وتيرة الهجوم على إدلب، وانصب جهدها على السيطرة على مناطق في محيط مدينة حلب بهدف تأمين الطريق الدولي حلب- دمشق الذي سيطرت عليه بالكامل أثناء العمليات الأخيرة.

ورأى الباحث في مركز الشؤون الاقتصادية والديبلوماسية (ايدام) في اسطنبول امري كورتساس في حديث مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية أن “تركيا تحاول لي يد روسيا، إنها تريد أن تتوصل مع موسكو وربما بشكل مباشر مع دمشق إلى اتفاقية شاملة ودائمة، ليس فقط في إدلب ولكن أيضاً توفر لها السيطرة على جميع مناطق شمال سوريا حيث الجيش التركي”. وأضاف:” من الواضح أن أردوغان يطمح لصفقة مع بوتين لأنه قال، من الآن فصاعداً لن نغمض أعيننا عن التعصب والخيانة من القناصة داخل قوى المعارضة التي تقدم ذريعة لهجمات نظام الأسد”. هذا هو ما تريده موسكو بالتحديد ويتحدث عنه بوتين، إذ قال متحدث باسمه إن “التصعيد الأخير في ادلب هو نتيجة مهاجمة إرهابيين محافظات مجاورة، ما دفع الجيش السوري للرد”.

اتفاقات ومصالح مشتركة

أنتج التقارب التركي- الروسي خلال السنوات الماضية سلسلة تفاهمات سياسية، تجلت في شكل أساسي في الأزمة السورية، فعلى وقع تفاهمات آستانة أبدل كل من القيصر والسلطان لغة التهديدات بلغة براغماتية تجلت في اللقاءات والاتصالات المتكررة بينهما. ولعل ثلاثة أسباب رئيسية وقفت وراء التفاهمات السابقة، وهي توتر علاقات تركيا مع الغرب بشقيه الأميركي والأوروبي، إذ رأت أنقرة في سياسة واشنطن تجاه الأزمة السورية خيانة لثوابت العلاقة بين البلدين بعدما أصرت الإدارة الأميركية على دعم أكراد سوريا بالسلاح، فيما رأت روسيا في هذا التوتر فرصة لكسب تركيا إلى جانبها. وثانياً: البعد الاقتصادي الذي يشكل عاملاً حيوياً في العلاقة الروسية– التركية حيث صفقات النفط والغاز والأسلحة. وثالثاً: إن التدخل العسكري الروسي في سوريا أنتج معادلة جديدة على الأرض رأت تركيا أن من الأفضل التعامل معها في ظل تغير موازين القوى والاصطفافات الإقليمية.

شكلت إدلب طوال السنوات الثلاث الأخيرة الماضية المساحة الأكبر والأوضح للاختلاف بين روسيا وتركيا في سوريا. وسعى الطرفان في كل مرة يطفو فيها التباعد بينهما على السطح، إلى الاتفاق على وقف إطلاق النار، وغالباً ما يكون الاتفاق هشاً. وفي الحقيقة، موسكو وانقرة ظلتا تؤجلان التوصل إلى حلول لمشكلات محورية في الملف السوري (الانتقال السياسي، وضع المعارضة الاسلامية المدعومة تركيا، علاقة موسكو بالامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا إرهابياً، إضافة إلى ازمة ادلب). ولكنهما مع ذلك تمكنتا من العمل المشترك إلى أن وصلتا إلى هذه المرحلة من الحرب السورية التي تستلزم إيجاد الحلول لهذه المشكلات المؤجلة.

وفيما تعتبر طهران أن الوجود التركي في سوريا يهدد مصالحها الاستراتيجية، تنظر موسكو إلى هذا الوجود بشكل مختلف، وهو ما تكشفت عنه التفاهمات التي تجاوزت الملف السوري المعقد إلى قضايا جيوسياسية مهمة لروسيا وخططها في المنطقة.

بوتين الطرف الأقوى في سوريا

يجب الإقرار بواقع أن من يتحكم في خيوط اللعبة في سوريا حتى الآن هو بوتين، وبالتالي فإن أي تحرك للقوات السورية وبخاصة ضرب أهداف تركية لا يمكن أن يحصل من دون غطاء وقبول من روسيا، من هنا فإن التصعيد الأخير يعكس برأي المراقبين” حجم الخلاف الكبير الحالي بين موسكو وأنقرة”.

تدخل أميركي مباشر أم دعم ديبلوماسي؟

السؤال الأهم الآن هو: هل بلغ التصعيد العسكري بين الجيشين التركي والسوري، والمواجهة بين موسكو وأنقرة الحد الذي يمكن القول معه إن الجسور التي أقامها بوتين وأردوغان تهدمت كلها دفعة واحدة؟

واشنطن كررت تأييدها ودعمها لتركيا على لسان مسؤولين في إدارة ترامب، في ما يعكس رغبتها في” الاستفادة من فرصة الشقاق ” الذي ظهر في جدار العلاقات التركية– الروسية”. وقال المبعوث الأميركي لسوريا جيمس جيفري إن “بلاده ستبحث مع المسؤولين الأتراك ما تحتاجه أنقرة في مواجهة الاعتداء الذي تتعرض له”، مؤكداً إن “للأتراك جيشاً قادراً وقوياً، ولا نعتقد أنهم غير قادرين على الرد على الهجمة الحالية”.

ترى واشنطن أن الروس يواجهون مصاعب كبيرة في دفع النظام السوري إلى الإمام، إما بسبب خلافات داخل الحكومة الروسية، إذ إن الجيش الروسي منخرط كما يقول جيفري “بشكل أكبر في الهجوم على إدلب”، أو بسبب وجود مشكلات بين طهران وموسكو ودمشق، حيث للأسد راعيان بحسب جيفري. إلا أن باحثاً في برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات أيكان أرديمير قال إن “أردوغان مستعد لتصعيد القتال ضد قوات النظام، وليس ضد القوات الروسية”. ورأى كبير الباحثين في معهد واشنطن باراك بارافي أن “أردوغان يدرك بشكل متزايد أن اتفاقه مع روسيا محكوم عليه بالفشل، ولكنه مع ذلك يحتاج إلى دعم موسكو لضمان عدم قيام الأسد بشن هجمات انتقامية عندما يستعيد سيطرته على الحدود مع تركيا، ولهذا فهو سيستمر في التنسيق عن كثب مع بوتين لأنه حليفه الوحيد في الصراع”.

يصعب أخذ إنذار أردوغان بانسحاب قوات الأسد المُدارة روسياً إلى ما بعد نقاط المراقبة التركية بحلول نهاية الشهر على محمل الجد، فالانسحاب من المساحات الواسعة التي قضمتها تلك القوات على مراحل لا يعني إلحاق هزيمة بقوات الأسد، بل إلحاق الهزيمة والعار بموسكو وببوتين شخصياً. وكما نعلم فإن لجم بوتين في سوريا من قبل أنقرة يتطلب تغيير قواعد اللعبة أمريكياً، حتى إذا لم يصل الوضع إلى مواجهة مباشرة، إذ تحتاج أنقرة دعماً والتزاماً مضمونين سواء من واشنطن أو من حلف الناتو.

قواعد اللعبة في سوريا تغيرت بعد سليماني  

يرى محللون غربيون أن انقلاب العلاقة الروسية– التركية يعود إلى التغييرات التي أحدثها قتل قاسم سليماني في رسالة إلى محور آستانة بأن إيران وروسيا وتركيا مطالبة بتغيير سياستها في المنطقة، بخاصة تركيا التي تطالبها واشنطن بحسم خياراتها في علاقاتها مع الناتو وموقعها فيه. يقول الباحث في معهد واشنطن سونر جاغباي إن “بوتين يدرك أن الإفراط في ممارسة الضغوط في إدلب قد يعيد أردوغان إلى أحضان واشنطن، وبالتالي يكرر خطأ ستاين في 1945- 1946 عندما دفعت مطالبات السوفيات بأراض تركية إلى انضمام البلاد إلى حلف الأطلسي لتصبح حليفاً مقرباً من الولايات المتحدة”.

يقول المحلل الاميركي بوبي غوش في مقال نشرته “بلومبرغ” إن “بوتين استغل الخلافات بين أردوغان وواشنطن لإضعاف الحلف الأطلسي ولتأمين صفقات تجارية مربحة مع تركيا بدءاً من بيع المعدات العسكرية وانتهاءً بخطوط أنابيب الغاز. وانغمس في طموحات أردوغان الإقليمية والدولية متظاهراً مثل اوباما ومن بعده ترامب بالصمم أمام خطاب أردوغان العدائي ضد حلفاء روسيا مثل الاسد وحفتر”.

أنتج التقارب التركي- الروسي خلال السنوات الماضية سلسلة تفاهمات سياسية، تجلت في شكل أساسي في الأزمة السورية.

يعي الكرملين بحسب جاغابتاي أن “مصالح روسيا الاستراتيجية الطويلة الامد ستتحقق بشكل أفضل من خلال عرض اتفاق جديد على أردوغان في إدلب، حتى وإن كان يعتزم خرق هذا الاتفاق في وقت لاحق، بل وحتى ربما سيسمح بوتين لتركيا بشن هجمات رمزية على أهداف نظام الأسد”.

إلا أن بوتين لن يسمح لأردوغان بطرد قوات الأسد من إدلب بشكل كامل. ونظراً للطبيعة غير المتناسقة لعلاقة تركيا مع روسيا والتهديد الحقيقي الذي تشكله موسكو على المصالح التركية في ليبيا، سيضطر أردوغان إلى القبول باتفاق حول إدلب، إذا عرض عليه بوتين اتفاقاً كهذا. وسيرتكز هذا الاتفاق المحتمل وفقاً لما ذكره جاغباتاي على المصالح الأساسية للأسد. فنظامه ذو القيادة العلوية لا يزال يرغب في استعادة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي، ولكن بأقل عدد ممكن من السكان العرب السنّة، بما أن شرارة انتفاضة 2011 انطلقت من هذه المجتمعات. ويشير ذلك إلى أنه حالما يضمن الأسد أمن الطريقين السريعين الاستراتيجيينM4  و M5اللذين يمران عبر إدلب شرقاً وجنوباً، فقد يسمح لأردوغان- على الأقل موقتاً- بالسيطرة على القسمين الغربي والشمالي من المحافظة المتاخمين لتركيا. ومن شأن ترتيب كهذا أن يحصر معظم سكان إدلب (بمن فيهم حوالى 2 إلى 3 ملايين مدني) في منطقة تبلغ مساحتها نحو 1000 ميل مربع. لكن المخاطرة بهذا الوضع البشري الهش، قد يكون الثمن الذي هم على استعداد لدفعه من أجل إيجاد حل لإدلب في وقت ما في المستقبل. ويرى المحلل في صحيفة “زود دويتشه” انتون كروغر، أن “بوتين لا يمكن الوثوق به، وها هو أردوغان يدفع الثمن”. وأكد أن “الرئيس التركي على رغم تهديداته المتكررة لروسيا والأسد لا يملك خيارات كثيرة”.

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 27.03.2024

“بنك عودة” في قبضة الرقابة السويسرية… فما هو مصدر الـ 20 مليون دولار التي وفّرها في سويسرا؟

في الوقت الذي لم ينكشف فيه اسم السياسي الذي قام بتحويل مالي مشبوه إلى حساب مسؤول لبناني رفيع المستوى، والذي امتنع بنك عودة سويسرا عن ابلاغ "مكتب الإبلاغ عن غسيل الأموال" عنه، وهو ما ذكره بيان هيئة الرقابة على سوق المال في سويسرا "فينما" (FINMA)، تساءل خبراء عن مصدر أكثر من 20 مليون دولار التي…