fbpx

قُبيل الانتخابات العراقية مقتدى الصدر يُعيد اختراع نفسه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

على رغم أن مقتدى الصدر لا يشغل منصباً رسمياً في الحكومة أو في الساحة السياسة، فإنه ما زال واحداً من أقوى الشخصيات في العراق، وقادراً على حشد مئات الآلاف من الأتباع إلى الشوارع من خلال إرث عائلته الديني. يمكن أن يكون لتطوره السياسي عواقب بعيدة المدى على الحكومة العراقية المقبلة، والطبقة السياسية الشيعية المتصدعة في البلاد، وعلاقات العراق مع الجارة إيران.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما دخلت القوات الأميركية بغداد عام 2003، كان مقتدى الصدر رجل دين شيعياً شاباً، ولم يكن معروفاً لدى القوات الأميركية التي أطاحت بصدام حسين وأشعلت فتيل عهد من الاضطرابات الصاخبة في العراق الجديد.

ومع تحول حرب تحرير العراق إلى احتلال، قام الصدر، نجل أحد آيات الله العظمى (أعلى مكانة في سلك رجال الدين الشيعة)، والذي قُتل بسبب معارضته لصدام، بحشد ميليشيا مثلت تحدياً خطيراً للقوات الأميركية، وتعهدت الولايات المتحدة بقتله أو القبض عليه.

وبعد بضع سنوات، تورّط جيش المهدي التابع للصدر في الحرب الطائفية المريرة في العراق.

وبحسب موالين له، كان هذا مقتدى الصدر القديم- الذي يستجيب لمتطلبات العصر. وبعد مرور خمسة عشر عاماً، اتخذ الصدر، الذي يبلغ من العمر 44  سنة الآن، منعطفاً دراماتيكياً آخر- وحاول الوصول إلى البلدان الإسلامية السنية القوية، ونأى بنفسه عن إيران، ما أدى إلى تدمير حركته السياسية بشكلٍ فعالٍ.

الآن، وفي خضم التحضير للانتخابات في شهر مايو/ أيار، يقوم رجل الدين الشيعي الذي يوقره ملايين المتدينين، بتشكيل تحالف جديد مع الشيوعيين والعلمانيين.

يقول ضياء الأسدي، رئيس كتلة الأحرار- الجناح السياسي لحركة الصدر- في مجلس النواب العراقي: “ينبغي علينا أن نواجه الأمر. من دمر بلدنا، هي الجماعات أو الأحزاب المتحالفة على أُسس طائفية أو عرقية”.

وعلى رغم أن الصدر لا يشغل منصباً رسمياً في الحكومة أو في الساحة السياسة، فإنه ما زال واحداً من أقوى الشخصيات في العراق، وقادراً على حشد مئات الآلاف من الأتباع إلى الشوارع من خلال إرث عائلته الديني.

يمكن أن يكون لتطوره السياسي عواقب بعيدة المدى على الحكومة العراقية المقبلة، والطبقة السياسية الشيعية المتصدعة في البلاد، وعلاقات العراق مع الجارة إيران.

يطلب التحالف الجديد في العراق من أتباعه اتخاذ خطوة كبيرة في التخلي عن الدين أساساً للتصويت.فمنذ أول انتخابات برلمانية في البلاد، عُقدت بعد الحرب عام 2005، أدلى العراقيون بأصواتهم في الغالب على أُسس طائفية وعرقية. ويدين الصدر بهذا العدد الهائل من التابعين، إلى حد كبير إلى إرث عائلته الديني.

يقول الأسدي، وهو أكاديمي عراقي تلقى تعليمه ما بين العراق والمملكة المتحدة: “يعتقد السيد مقتدى الصدر أنه ليس من اختصاص أو مهمات أي سياسي أن ينشر الإسلام أو التعاليم الدينية”. ويضيف: “ربما يرى البعض ذلك على أنه خروج عن الأفكار الدينية التي تبناها والده ووالد زوجته”، الأمر الذي يصفه الأسدي بأنه تحول تدريجي.

في مدينة الصدر، التي تقع على مشارف بغداد، تشهد الشوارع التي تنتشر فيها القمامة وبالوعات الصرف الصحي المفتوحة، على إهمال الحكومة، على رغم انتخاب أكثر من 30 عضواً من حركة الصدر في البرلمان والكثير من المناصب الوزارية.

قبل عام 2003، كان الحي المترامي الأطراف الذي عاشت فيه الطبقة العاملة من أتباع الصدر، يُعرف باسم مدينة صدام. واندلعت الاحتجاجات التي سحقتها حكومة صدام سريعاً في تلك المنطقة عندما قُتل والد الصدر عام 1999.

وكما هي الحال في بقية أنحاء العراق، فإن خيبة الأمل من السياسة العراقية تستشري بعمق.

تقول صابرين هاشم، وهي ربة منزل شابة، ترتدي عباءة سوداء ترتديها معظم النساء في العراق خارج المنزل، وهي تتسوق في شارع يحمل ملصقات عليها صورة والد الصدر ووالد زوجته: “أُفضّل أن أصوت لأحد السـُّـنة”. وتتابع: “كم مر من الوقت؟ أعتقد أن 15 عاماً قد مرت؟ ولم نر شيئاً من الحكومة الشيعية”.

هناك أسس دينية يمليها اسم الصدر، ويعود الفضل إلى والد رجل الدين الراحل، آية الله محمد صادق الصدر، في إحياء عقيدة خروج الإمام بين الشيعة العراقيين. ويعتقد أتباعه أن خليفة النبي محمد، الثاني عشر اختفى في مدينة سامراء العراقية منذ أكثر من ألف عام، وسوف يعود ليُبشّر بقرب يوم القيامة.

ورث الصدر الأصغر أيضاً إرثاً من النشاطات والخدمات الاجتماعية للفقراء والمحرومين من الشيعة- وهو إرثٌ تعرض للخطر في السنوات الأخيرة من قِبل أعضاء فاسدين من فصيله السياسي.

وقد أمر الصدر بتطهير شامل في محاولة للتصدي لهذا الفساد، وحظر جميع أعضاء البرلمان الحاليين من الترشح في الانتخابات المزمع انعقادها في شهر مايو/ أيار. ويؤكد أنه يريد ضخ “دماء جديدة” في العملية الانتخابية.

وعن التحالف مع الحزب الشيوعي العراقي، الذي يقول العرف إنه يتألف من الملحدين “يرى الناس أن هذا لن ينجح”، يعترض الأسدي على ذلك، ويضيف قائلاً: “أعتقد أن هذا التحالف سيُكلل بالنجاح لأنهم يتشاركون في المبادئ ذاتها، إلى حد ما. إذ إنهم ينتمون إلى الطبقات الاجتماعية ذاتها، ويقاتلون من أجل القيم ذاتها، ويتشاركون في تاريخ الاضطهاد عينه، والقمع من قِبل الأنظمة المختلفة”.

يشعل هذا التحالف فتيل مزيد من الخلافات بين الصدر وجارة العراق القوية، إيران.

وقد حذر علي أكبر ولايتي، وزير الخارجية الإيراني السابق، وهو أحد كبار مساعدي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، عندما زار بغداد أخيراً، المسؤولين العراقيين من أنه سيكون من غير المقبول وجود الشيوعيون في الحكومة.

على النقيض من الميليشيات المُدعومة من قبل إيران، والتي تم تجميعها لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، عندما انهار الجيش العراقي قبل أربع سنوات، يروج الصدر لنفسه على نحو متزايد باعتباره قومياً عراقياً.

وقد تواصل مع المملكة العربية السعودية- التي تتهيأ تدريجياً للانغماس في الشأن العراقي، بعد عقد من العداء للحكومة التي يقودها الشيعة في البلاد، محاولاً التقليل من عزلة العراق بين دول الخليج العربي.

يقول الأسدي: “لهذا السبب زار السيد مقتدى الصدر السعودية الصيف الماضي، ليخبر السعوديين بأن الشيعة في العراق لن يكونوا امتداداً للثورة الإيرانية”. ويردف: “سعت زيارته إلى مطالبتهم بأن يكونوا أكثر حضوراً في العراق”، مشيراً إلى زيادة الاستثمارات الديبلوماسية والاقتصادية في البلاد.

ويعترف الأسدي بأن إيران ليست راضية عن الصدر، لكنه يقول إن دور الصدر في معارضة التدخل الأميركي في المنطقة- وهو الموقف ذاته الذي تتخذه إيران- يمنع طهران من معارضته الصريحة والمباشرة.

ويضيف الأسدي أن الصدر اتخذ الموقف ذاته ضد تركيا وروسيا، محذراً إياهم من التدخل في العراق. وقد طالب ضمنياً، بمغادرة جميع القوات الأجنبية، ودعا أيضاً إلى التخلص من المقاتلين الإيرانيين.

إلا أنه بمعارضته التأثير الإيراني، يضع الصدر نفسه في وفاق استثنائي مع الولايات المتحدة.

يقول روبرت فورد، السفير الأميركي السابق الذي خدم في العراق نائباً لرئيس البعثة: “لقد أصبح قومياً عراقياً بدلاً من إسلامي شيعي عراقي”. ويضيف: “لا أعتقد أن السياسة الأميركية تسعى إلى محاولة السيطرة على العراق. نحن ببساطة نطمح في أن تكون دولة ذات سيادة مستقلة، بدلاً من كونها مجرد دولة تابعة لإيران المجاورة، ولذلك إن كان بإمكان الصدر تحقيق هذا الهدف، فإنه يتماشى مع أهداف السياسة الأميركية”.

عام 2004، بينما كانت سلطات الاحتلال الأميركية مسؤولة عن العراق، شكل الصدر ميليشيات لمحاربة القوات الأميركية، متوغلاً بذلك في عمق الثغرات الأمنية التي خلقتها الولايات المتحدة عندما فككت الجيش العراقي. وقد أطلق الصدر على تلك المليشيات اسم “جيش المهدي”، تشبهاً بالإمام الثاني عشر، الذي يُبشر ظهوره الموعود ببزوغ الخلاص.

وقد أرسل أفراد من الميليشيات إلى الفلوجة للقتال إلى جانب المقاتلين السنة الذين يقاتلون القوات الأميركية هناك. وتعهد الجيش الأميركي، بناءً على مذكرة اعتقال عراقية، بالقبض عليه أو قتله.

أثناء الحرب الطائفية التي تلت ذلك، اتُهم قادة جيش المهدي بإدارة كتائب الموت في المناطق السنية. ويشير مسؤولون تابعون إلى الصدر إلى أن رجل الدين كان يقضي فترات طويلة في إيران خلال ذلك الوقت، ويقول الآن إن هؤلاء المقاتلين لم يكونوا تحت سيطرته.

وافق الصدر في النهاية على وقف إطلاق النار في معركته ضد القوات الأميركية والقوات العراقية المدعومة من قِبل الولايات المتحدة. وعاد من إيران بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011، واستبدل ميليشياته بمنظمة للخدمات الاجتماعية.

غير أنه أعاد إحياء المقاومة وتنشيط المقاتلين مرة أخرى عام 2014، وشكّل “كتائب السلام” لحماية سامراء ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وأطلقت تلك القوة شبه العسكرية، النار وقتلت أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء حيدر العبادي في شهر مارس/ آذار، عندما لم يتوقف عند إحدى نقاط التفتيش التابعة لها.

يقول فورد، الذي يعمل حالياً في جامعة ييل ومعهد الشرق الأوسط: “حتى اليوم، لا يبدو واضحاً أن مقتدى الصدر لديه سيطرة ميدانية يومية على ميليشياته”. ويضيف: “أعتقد أن الحكومة العراقية لديها مشكلة حقيقية مع الميليشيات المختلفة، سواء الشيعية أو الكردية أو السنية. ويعد النهج الذي ستتبعه الحكومة العراقية في المحاولة التدريجية لفرض المزيد من السيطرة على هذه القوات، عاملاً رئيسياً في تطوير العراق خلال السنوات المقبلة”.

  • جين آراف

هذا المقال مترجم عن موقع npr ولقراءة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي.