fbpx

سوريا: سقوط سراقب يهدي الأسد جائزة استراتيجية ورمزية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

دفع أهل سراقب ثمناً باهظاً مقابل تذوق طعم الحرية لفترة وجيزة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت سراقب، البلدة الصغيرة التي تشتهر بقوالب البناء الخرسانية ومزارع الزيتون في شمال غربي سوريا، مكاناً هادئاً حتى سرت نزعة الحرية عبر البلاد أثناء الربيع العربي عام 2011.

أصبحت سراقب مركزاً مهماً للثورة ضد بشار الأسد في وقت مبكر، وازدهرت فيها حرية التعبير وألوان الفنون. اكتست حيطان البلدة بالأشعار والشعارات الثورية والرسائل الموجهة إلى الأحبة المفقودين، ونظم سكان البلدة، البالغ عددهم نحو 30 ألفاً، انتخابات محلية عام 2017.

صمدت سراقب لسنوات عدة أمام صعود الفصائل الإسلامية، بينما كانت الثورة تتحول إلى حرب أهلية، لكنها في نهاية المطاف وقعت تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”، وهي مجموعة مسلحة مرتبطة بالقاعدة. والآن، بعد 8 سنوات من انسحاب قوات النظام من البلدة، عادت قوات الأسد مرة أخرى إلى شوارع سراقب الخالية التي دمرها القصف.

لم يكن هذا النصر بلا قيمة. فسراقب، التي تقع عند نقطة تقاطع الطريقين السريعين اللذين يصلان دمشق بحلب وغرب البلاد بشرقها، تجد نفسها، حرفياً ومجازاً، عند مفترق الطرق بين الماضي والمستقبل، وبين الأسد وشعبه، وبين الأمل في التغيير والظلام الذي يلف البلاد.

سراقب السورية

يقول الناشط المحلي أحمد خالد، (33 سنة)، الذي فرّ إلى مدينة إدلب أثناء الغارات الجوية على سراقب: “سراقب تعني الكثير بالنسبة إلينا. تمثل الحرية، والمقاومة والثورة والعدل. لا أدري إذا ما كنت سأتمكن من العودة”.

دفع أهل سراقب ثمناً باهظاً مقابل تذوق طعم الحرية لفترة وجيزة. فقد قابلت الحكومة احتجاجات عام 2011 بالعنف. ألقي القبض على المئات من أهل البلدة، وتعرضوا للتعذيب في سجون النظام، ويظل مصير البعض منهم مجهولاً حتى الآن.

بمساعدة مالية وعسكرية خارجية، بدأ الثوار يسلحون أنفسهم وبدأ تصارع الجيش السوري الحر مع القوات النظامية للسيطرة على البلدة ذات الموقع الاستراتيجي.

يقول خالد، “في البداية، كان لدينا أمل كبير. راقبنا سقوط رئيس مصر ورئيس تونس، ومن بعدهما معمر القذافي، فشجعنا هذا على الاستمرار. حين تحررت البلدة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، كنا أحراراً لأول مرة في حياتنا”.

أصبحت سراقب مركزاً مهماً للثورة ضد بشار الأسد في وقت مبكر، وازدهرت فيها حرية التعبير وألوان الفنون.

بحلول عام 2013، لاحظت سراقب وجود عدو جديد. يقول عدي الحسين، (28 سنة): “كنا نتظاهر في أحد الأيام، مطالبين بسقوط النظام، حين التقينا بمجموعة أخرى من الرجال. كانوا يحملون راية بيضاء عليها شعارات دينية”.

“بدأنا نهتف: سراقب مدنية! نريد دولة مدنية! فتعدى أحدهم على واحد من رفاقنا وهددنا قائلاً: سنقيم الخلافة بالقوة، ثم داسوا راية الجيش السوري الحر بأقدامهم وذهبوا”.

بدأت جماعة “أحرار الشام” الجهادية التدخل في سراقب شيئاً فشيئاً. افتتح عناصرها مخبزاً وعيادة طبية وقاموا بتوزيع الأموال على الأرامل، في محاولة للقيام بدور المجلس المحلي.

قال حسين: “أقاموا محكمة شرعية. وكانوا يحاولون دائماً كسب ثقة الناس عبر تقديم المال والخدمات لهم، لكن أظن أن الناس كانوا أذكى من أن يصدقوهم، لأنهم لم يلتزموا بأهداف الثورة ومبادئها”.

ويضيف: “أردنا سوريا حرة لجميع السوريين لكنهم أرادوا إقامة دولة إسلامية. واجهنا جميع المصاعب: تحدينا النظام، وأحرار الشام، والدولة الاسلامية وجبهة النصرة. سيطر الجهاديون على البلدة في النهاية لكننا غادرنا مدينتنا بكرامة وكنا نعرف كم عانينا لنحافظ على سراقب حرة”.

بعد مجيء روسيا لمساعدة الأسد عام 2015، بدأت كفة الحرب تميل لمصلحة النظام. بدأت الحكومة استعادة الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون في سلسلة من الحصارات الوحشية وحملات القصف التي قامت بها بمساعدة روسيا. ذهب المواطنون الذين كانوا خائفين من البقاء في المناطق التي سيطرت عليها الحكومة إلى إدلب، معقل الثوار الأقوى، حيث ازداد عدد السكان من مليون إلى 3 ملايين.

إدلب الآن هي المكان الوحيد الذي لا يقع تحت سيطرة الأسد. على رغم أنه من المفترض أن تكون محمية بموجب اتفاق لوقف التصعيد توسطت فيه روسيا وتركيا التي تدعم بعض فصائل إدلب، عام 2018، فقد تعرضت المنطقة خلال الفترة الأخيرة لهجوم شديد من النظام، أسفر عن مقتل أكثر من 300 مدني فيما فر 580 ألفاً شمالاً نحو الحدود التركية.

يهدف الأسد إلى استعادة السيطرة على الطريقين السريعين M4 وM5. وقد أدى سقوط سراقب إلى تقريب النظام من هدفه.

صمدت سراقب لسنوات عدة أمام صعود الفصائل الإسلامية، بينما كانت الثورة تتحول إلى حرب أهلية، لكنها في نهاية المطاف وقعت تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”.

أُجبر أحمد الحاج علي، البالغ من العمر 37 سنة، على مغادرة دكانه لإصلاح الدراجات النارية في المدينة والفرار إلى الشمال. هو الآن يخيم في بستان زيتون، بجانب مئات آلاف آخرين، في جو الشتاء البارد الرطب.

قال: “كان القصف غير محتمل. لم أشهد خلال 8 سنوات مثل هذا القصف أبداً”.

لقد مهدت روسيا الطريق لقوات الأسد على الأرض، بشن غارات جوية. لقد دمروا كل شيء. إنهم متوحشون”.

أرسلت تركيا تعزيزات إلى مراكز المراقبة في المنطقة رداً على هجوم النظام على إدلب، وأعطى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مهلة للأسد للانسحاب إلى خط تصعيد 2018 أو مواجهة عواقب عسكرية.

لكن بعد 9 سنوات من الحرب، لم يعد الناس في إدلب يأملون بأن تساعدهم القوى الخارجية الآن، في اللحظة الأخيرة.

قال علي: “كنت آمل أن تدافع التعزيزات التركية والثوار عن المدينة. لكن لسوء الحظ، لقد تلاشى هذا الأمل”.

تشبه سراقب الآن مدينة للأشباح: شوارعها محفوفة بالحطام وتكتظ بغبار الأنقاض الأبيض. أحرق بعض السكان أثاثهم قبل المغادرة، لمنع النظام من نهب منازلهم.

 لا تزال بعض ملاحظات العشاق المشهورة وشعر ثورة سراقب مكتوبة على جدران المدينة، على رغم القصف والتخريب الذي تعرضت له المدينة بسبب الجماعات الجهادية.

كتب على أحد الجدران “ستستمر الثورة” وكتب على آخر “غداً تشرق الشمس”.

هذا المقال مترجم عن theguardian.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي