fbpx

كيف يضر القلق المناخي بصحتنا العقلية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يشعر خبراء بقلقٍ متزايد بخصوص أثر أقل وضوحاً لحالة الطوارئ المتفاقمة، وهو الضغط النفسي الذي تفرضه هذه الأزمة على صحة الأشخاص العقلية، بخاصة الشباب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وجدت كلوفر هوغان نفسها على مدار أسابيع تبكي خلال النهار وتستيقظ فزعة في الليل. تربت الفتاة البالغة من العمر 20 سنة التي تعيش الآن في لندن، في ولاية كوينزلاند في أستراليا، محاطة بالحياة البرية التي تتمتع بها البلد، حيث كانت تصطاد الضفادع من ماء المرحاض وتهرب من الثعابين المعلقة في السقف.

أدت حرائق الغابات التي عصفت بموطنها الأم راهناً إلى خسائر فادحة. “وجدت نفسي أجهش بالبكاء… بمجرد رؤية الصور المروعة للغاية التي تصف ما يحدث في أستراليا، هذا أمر طاغٍ ومرعب”.

قالت هوغان إن لحظة انهيارها التام أتت عندما سمعت بنفوق نصف مليار حيوان حرقاً بينما تكتسح الحرائق الأدغال. “شعرت في تلك اللحظة بأن قلبي يتمزق. أحسست بالهلع التام”.

يستحيل تجاهل الأثر المادي لأزمة المناخ، لكن الخبراء يشعرون بقلقٍ متزايد بخصوص أثر آخر أقل وضوحاً لحالة الطوارئ المتفاقمة، وهو الضغط النفسي الذي تفرضه هذه الأزمة على صحة الأشخاص العقلية، بخاصة الشباب.

يحذر المختصون النفسيون من أن وطأة هذا الأثر قد تكون منهكة لعدد متزايد من الأشخاص الذين تسيطر عليهم الحقيقة العلمية المتمثلة في الانهيار الأيكولوجي (البيئي) الوشيك، وأيضاً من عايشوا ظواهر مناخية مأساوية، وهم غالباً في خطوط مواجهة التغيرات المناخية الأمامية التي شهدتها بلدان الجنوب العالمي.

أمضى الدكتور باتريك كينيدي- ويليامز، المختص في علم النفس السريري في جامعة هارفارد، سنوات حياته المهنية في معالجة مشكلات الصحة العقلية الشائعة بما في ذلك القلق والاكتئاب والصدمات النفسية، وذلك حتى عامين مضيا. ثم طرأ شيء جديد. فقد بدأ علماء وباحثون في مجال المناخ يعملون في جامعة أوكسفور، يتقرّبون منه طلباً للمساعدة.

“وجدت نفسي أجهش بالبكاء… بمجرد رؤية الصور المروعة للغاية التي تصف ما يحدث في أستراليا، هذا أمر طاغٍ ومرعب”.

قال كينيدي-ويليامز، “كان هؤلاء هم الأشخاص الذين يواجهون بصفة أساسية وابلاً من المعلومات السلبية والأوضاع المتدهورة في مجال عملهم… وكلما انهمكوا في تلك المسألة، زاد إدراكهم بما ينبغي فعله، وزاد إحساسهم بأن هذا يفوق قدرتهم على إحداث تغيير ملموس. ويمكن أن تكون الآثار المترتبة على ذلك وخيمة للغاية، مثل الإصابة بالقلق والاحتراق والاستنزاف النفسي وأيضاً ما يشبه العجز والتعطل المهني”.

بدأ كينيدي- ويليامز البحث في الموضوع وأدرك أن العلماء والباحثين ليسوا وحدهم من يعاني. وقال، “على سبيل المثال، هناك حاجة ماسة للمساعدة بين الآباء الذين يلتمسون الدعم لمعرفة كيفية التحدث مع أبنائهم حول هذا الأمر”.

عندما بدأ في التركيز على تأثير ذلك في الشباب، افترض أن معظم المتأثرين بذلك سيكونون من الشباب اليافعين أو على أقل تقدير من هم في بداية دراستهم الثانوية. لكنه سرعان ما اكتشف مستويات مرتفعة للغاية من التوتر والقلق المرتبطين بالتغيرات البيئية بين أطفال أعمارهم أصغر بكثير مما كان يتوقع.

وأضاف: “أكثر ما أدهشني هو مدى حداثة السن التي يبدأ فيها الأطفال بإدراك الأزمة ومن ثم القلق. كانت ابنتي في السادسة وحسب من عمرها عندما جاءت إليّ وقالت: هل سننتصر في الحرب ضد التغيرات المناخية يا أبي؟ وأربكني هذا السؤال وقتها للحظة. وبين لي فعلياً أهمية أن يكون الآباء مستعدين لخوض هذه المناقشات، حتى يمكننا تقديم إجابة مفيدة”.

يقول كينيدي- ويليامز إنه لا توجد طريقة لحماية الشباب والنشء كلياً من حقيقة الأزمة المناخية، ويرى أنه حتى لو كان هذا ممكناً فإنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية. بدلاً من محاولة حمايتهم، على الآباء التحدث مع أطفالهم حول مخاوفهم ومساعدتهم في الإحساس بأن لديهم القدرة على فعل شيء -مهما كان صغيراً- يمكنه أن يحدث فارقاً.

كانت إحدى اللحظات الحاسمة لكينيدي- ويليامز هي عندما أدرك أن التصدي “للقلق المناخي” والتصدي للأزمة المناخية ذاتها مرتبطان ارتباطاً وثيقاً.

ويقول، “من وجهة نظرنا بصفتنا اختصاصيين نفسيين، الأمر الإيجابي هنا هو أننا أدركنا مبكراً أن هناك علاجاً واحداً للقلق المناخي والتغيرات المناخية، وهو: التحرك واتخاذ إجراء. يتمحور الأمر حول النهوض وفعل أي شيء يمكنه المساعدة”… 

“سجل التغييرات التي حققتها واحتفل بها. لا يوجد أحد عاجز تماماً. تواصل مع أشخاص آخرين واستوعب في الوقت نفسه أنك لن تعالج هذه الأزمة بمفردك. لا يقع هذا العبء كله على عاتقك، ولا يستطيع أي شخص تحمل العمل على إيجاد حل لأزمة تغير المناخ على مدار الساعة 7 أيام في الأسبوع”.

يحذر المختصون النفسيون من أن وطأة هذا الأثر قد تكون منهكة لعدد متزايد من الأشخاص الذين تسيطر عليهم الحقيقة العلمية المتمثلة في الانهيار الأيكولوجي (البيئي) الوشيك.

تتوافق هذه النصائح بالتأكيد مع ما فعلته هوغان، التي أسست مبادرة “قوة الطبيعة” (Force of Nature) التي تهدف إلى مساعدة الشباب على إدراك قدرتهم على إحداث تغيير. 

تهدف مجموعة هوغان إلى توجيه الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و24 سنة، من خلال دورة مكثفة حول الأزمة المناخية لمساعدتهم في التغلب على قلقهم وإدراك أن بإمكانهم التدخل وفعل شيء واتخاذ موقف. 

قالت هوغان، “هذه هي البداية وحسب. سنشهد أزمة مناخية جسيمة وهائلة وواسعة النطاق في جميع دول العالم، لذا يتعلق الأمر باكتساب مهارة التكيف العاطفي حتى نستطيع المواصلة، ولكن على نحو يشعل شرارة مبادرة فردية تثير حقاً الإعجاب”.

علاوة على القلق المناخي – المُتمثل في الخوف من أن النظام الحالي يدفع الأرض إلى ما هو أبعد من حدودها الأيكولوجية – يُحذر خبراء أيضاً من ارتفاع حاد في الصدمات النفسية الناجمة عن التعرض للكوارث المرتبطة بالمناخ.

خلفت العواصف الشديدة والحرائق الهائلة وموجات الجفاف والحرّ، التي شهدها الجنوب العالمي، بصماتها ليس على المستوى المادي وحسب، بل أيضاً على السلامة العقلية لملايين البشر.

وصفت إليزابيث واثوتي، الناشطة الكينية في مجال البيئة والمناخ، تجربتها مع القلق المناخي بأنها لا تقتصر على المستقبل فحسب بقدر ما تتعلق بما يحدث الآن في الوقت الراهن. وقالت، “إن الناس في الدول الأفريقية يعانون من القلق البيئي بشكل مختلف لأن تغير المناخ بالنسبة إلينا يتعلق بالتأثيرات التي نواجهها الآن بالفعل واحتمالات تفاقم الوضع سوءاً”.

تتعاون واثوتي مع الشباب من خلال مبادرة “الجيل الأخضر” التي أطلقتها، وترى آثار القلق البيئي مباشرةً. ومن بين المخاوف الشائعة التي تسمعها بين الطلاب، قولهم “لن نموت بسبب كبر السن، بل سنموت بسبب تغير المناخ”.

يُمكن أن تتسبب الظواهر المناخية البالغة الشدة في الوقوع في شراك الفقر، ما يفاقم مشكلات الصحة النفسية، وقد أوضحت واثوتي أنها شهدت تفاقم حالات الإجهاد، والاكتئاب، وإدمان الكحول والمخدرات، باعتبارها من الآثار الجانبية المترتبة على القلق والصدمات النفسية بسبب المناخ في بلادها.

اكتشف الباحث مستويات مرتفعة للغاية من التوتر والقلق المرتبطين بالتغيرات البيئية بين أطفال أعمارهم أصغر بكثير مما كان يتوقع.

حتى في المملكة المتحدة، توصلت دراسة حديثة أجرتها “وكالة البيئة” إلى أن الأشخاص الذين يواجهون ظروفاً مناخية قاسية مثل العواصف أو الفيضانات هم أكثر عرضة بنسبة 50 في المئة للإصابة بمشكلات في الصحة العقلية، بما في ذلك الإجهاد والاكتئاب، لسنوات طويلة بعد ذلك.

فقد وقَّع أكثر من ألف من علماء النفس السريريين على رسالة مفتوحة تسلط الضوء على تأثير الأزمة في سلامة الناس وتوقعوا ظهور حالات تعاني من “صدمات نفسية حادة على نطاق عالمي نتيجة الظواهر المناخية بالغة الشدة والهجرة القسرية والصراعات”.

قالت عالمة النفس السريرية، كارين نايت، التي أعدت الرسالة، “تتداخل الآثار الجسدية المرتبطة بالظواهر المناخية القاسية، ونقص الغذاء، والصراعات، مع العبء الإضافي المتمثل في التأثيرات على الصحة العقلية، وهذا تحديداً هو ما يشعر علماء النفس بالقلق بشأنه”.

وأضافت أن الخوف والصدمات النفسية “أثرا بشكل كبير على السلامة النفسية”، بخاصة لدى الأطفال. وتابعت: “يُشكل هذا الأمر أهمية قصوى بالنسبة إلينا ولا بد أن يكون جزءاً من النقاش عندما نتحدث عن تدهور المناخ”.

قال البروفيسور مايك وانغ، رئيس رابطة علماء النفس السريريين بالمملكة المتحدة، وأحد الموقعين البارزين على الرسالة، إن “التقاعس عن العمل واللامبالاة هما من امتيازات الماضي… أصبح علماء النفس اليوم مستعدين بل وراغبين في مساعدة الدول في حماية صحة وسلامة مواطنيها نظراً للعواقب الاجتماعية والنفسية الحتمية المترتبة على تغير المناخ”.

أدى احتشاد هذا الكم من المتخصصين في الطب النفسي حول أزمة المناخ إلى تشكيل خبراء في أنحاء العالم مجموعات بهدف البحث ومعالجة العدد المتزايد من الأشخاص الذين سقطوا ضحايا جراء الأزمة الحالية، في محاولة لمساعدتهم على الانتقال من الخوف والعجز إلى المشاركة الفعلية في إحداث تغييرات.

بيد أنه حتى بالنسبة لهؤلاء الذين يتبنون هذه النصيحة، لا تزال تلك الأزمة تتسبب في إحداث خسائر فادحة. كينيدي-ويليامز -الذي أسس مجموعته الخاصة المعروفة باسم “علماء نفس المناخ”، وهي مجموعة متخصصة في القلق المناخي- قال إنه وزملاءه ليسوا في معزل عن الآثار النفسية للأزمة.

وأوضح أن “هذا الأمر عالمي لدرجة أننا جميعاً عانينا من عواقب الحزن واليأس المرتبطة بالمناخ، ونتحدث عن إحساسنا بأننا نتأرجح في فترات بين الأمل واليأس… إنها حقيقة واقعة بالنسبة إلينا تماماً كما هي بالنسبة إلى أي شخص آخر”.

نصائح للآباء

تذكر أنك لست بحاجة إلى أن تكون خبيراً في المناخ، لا بأس من استكشاف المعارف والتعلم مع أبنائك. إذا طرح طفلك سؤالاً لا تمكنك الإجابة عنه على الفور، فأجب عليه قائلاً، “يا له من سؤال رائع. دعني أبحث في هذا الأمر حتى أتمكن من الإجابة عنه على النحو الصحيح”.

حاول الإقرار بمشاعر الأطفال، بدلاً من الحد منها. إذا أعرب الأطفال عن قلقهم، فمن الأفضل أن تقول: “لا بأس أن تشعر بالقلق. إليك ما يمكننا فعله حيال هذا الأمر”، بدلاً من أن تقول: “لا تقلق. كل شيء على ما يرام”. ولكن حاول دوماً دعم هذه المشاعر من خلال اقتراحات بفعل إيجابي.

خلفت العواصف الشديدة والحرائق الهائلة وموجات الجفاف والحرّ، التي شهدها الجنوب العالمي، بصماتها ليس على المستوى المادي وحسب، بل أيضاً على السلامة العقلية لملايين البشر.

تسبب المعلومات السلبية صعوبة أكبر. عادةً ما يكون للحقائق السيئة والمقلقة تأثير أقوى، وبالتالي تترسخ في الذهن. لذا حاول الموازنة عند الحديث وذكر ثلاثة أخبار إيجابية، لكل خبر سلبي، وتجهيز بعض الأمثلة على الأخبار الجيدة المرتبطة بالمناخ، على سبيل المثال، المشاريع الناجحة التي تطلقها حركات الحفاظ على البيئة.

بالنسبة إلى الأطفال الأصغر سناً، اقتصر في حديثك معهم على الأحداث المحلية والملموسة. اقترح فعاليات مدرسية لجمع القمامة. أما بالنسبة إلى المراهقين، فشجعهم على التفاعل على نطاق أوسع، وساعدهم على مراسلة أعضاء البرلمان والمشاركة في الاحتجاجات والانضمام إلى المجتمعات والحملات على المستوى المحلي.

ضع أهدافاً عملية لجميع أفراد العائلة واستمر في متابعة نجاحاتكم المناخية وتسجيلها والاحتفال بها سوياً (حتى ولو على قطعة من الورق معلقة على باب الثلاجة). إضافة إلى ترسيخ رسالة مفادها أن الأفعال الصغيرة يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً.

هذا المقال مترجم عن theguardian.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي