fbpx

العراق: ليس “كورونا” بل شائعات انتشاره ما يقتل المواطنين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إصاباتٌ كثيرة تظهر في بغداد، من دون أن تعلن عنها وزارة الصحة العراقية أو دائرة صحة بغداد، إلا أن العاملين في المستشفيات العراقية يؤكدون وجودها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“الإصابة بفيروس كورونا ليست أمراً جديداً في العراق، ومن المؤسف أن نعترف بأن المرض لم يظهر خلال الأيام القليلة الماضية، وحسب، بل منذ شهر كانون الثاني/ يناير الماضي وتحديداً في 28 منه، ظهرت أول إصابتين في دائرة صحة الرصافة في منطقة بغداد الجديدة/ الغدير”. (س.ع.) العامل في دائرة صحة الرصافة يؤكد هذه المعلومة قائلاً، “المستشفيات العراقية عموماً لن تعترف بظهور المرض كونها خاضعة لجهات سياسية ترفض الكشف عن وجود حالات كهذه”.

الاعتراف بالفيروس اضطراراً 

بعد سقوط الطالب الإيراني الآتي من طهران للدراسة في الحوزة الدينية في مدينة النجف في العراق (التي تعدّ المدرسة الأولى للعلوم الدينية للشيعة) في مرقد الامام علي ابن ابي طالب، ونقلهِ إلى مستشفى الحيدرية في النجف، والكشف عن اصابته بوباء كورونا، اضطرت وزارة الصحة العراقية إلى الاعتراف بوجود الإصابة. يقول س.ع. “الوزارة في بادئ الأمر وقبل الإعلان عن الحالة الأولى المصابة في النجف لم تتخذ أي إجراءات احترازية، إلا أنها اضطرت إلى الاعتراف بالأمر، مع سقوط هذا الطالب أمام أعين الناس في مرقد أمير المؤمنين في النجف.” 

كورونا من النجف إلى الكوت

الطالب الإيراني سهيل أميري ومعه 15 شخصاً عراقياً آخر، كان يشتبه بإصابتهم بالمرض لأنهم كانوا على تماسٍ مباشر مع الطالب، تم نقلهم إلى مستشفى الحيدرية في النجف، للحجر عليهم صحياً، إلا أن “العشائر في تلك المنطقة حيث مبنى المستشفى قامت بترويعهم وطردهم من المبنى الذي حاصرته”، بحسب سيف الحسيني أحد الشهود في المنطقة. وأكد الحسيني أن “العشائر في تلك المنطقة طالبت بنقل الطالب ومن معه إلى مستشفى آخر خارج المحافظة خوفاً على حياة أبناء المحافظة وأبناء منطقة الحيدرية”.

تم نقل الطالب ومن معه إلى مستشفى الزهراء في الكوت، هذا ما أكده ح.ص. أحد المحللين في مختبر كيمياء الدم في المستشفى، قائلاً لـ”درج”: “منذ نقل الطالب الإيراني ومن معه من الوافدين الى مستشفى الزهراء في الكوت، وتم الحجر عليهم هناك وأنا أمنح نفسي إجازة مفتوحة، لأن الموت على بعد خطواتٍ مني في هذه الحال”. 

يشير ح.ص. إلى أن “غرفة الحجر الصحي التي وضع فيها الطالب الإيراني الذي تأكدت إصابته ومعه اثنان من الإيرانيين و3 عراقيين من أصل 15 شخصاً كان يشتبه بهم، تقع قرب غرفة الطوارئ، وهذه واحدة من الأخطاء المرتكبة، فبذلك لا تمكن حماية مرضى المستشفى ولا العاملين فيه من الوباء، لهذا لا أنوي أن أضحي بحياتي وأمارس عملي اليومي وقررت ملازمة المنزل، حتى مغادرة المحجورين المستشفى وعودتهم إلى إيران”.

التهديد العشائري لم يتسبب بنقل حالة المصاب الايراني من النجف الى الكوت وحسب، بل تسبب أيضاً بإخفاء الكوادر الطبية في بغداد حالات كثيرة، وهذا ما أكدته الدكتورة دينا الموسوي قائلة “أكثر من تهديد عشائري تعرض له الأطباء في العراق بسبب الكشف عن مصابين بفيروس كورونا، ويكون التهديد إما بملاحقة الطبيب عشائرياً أو تجنيب المرضى الحجر الصحي”.

غلقٌ حدودي 

بعد انتشار فيروس كورونا في دولٍ جارةٍ للعراق وأخرى صديقة له، وجه المتحدث باسم وزارة الداخلية أحمد الصحاف بمنع السفارات من منح تأشيرات دخول إلى العراق للوافدين من دول كالصين، وإيران، وتايلند، وكوريا الجنوبيّة، واليابان، وإيطاليا، وسنغافورة، إلا أن الخطوط الجوية العراقية، وبتوجيه من مدير سلطة الطيران المدني استمرت برحلاتها إلى إيران مصدرة بياناً تؤكد فيه أن “لا خطورة من استمرار الرحلات بين العراق وإيران مع اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة، والفحص الطبي المشدد”.

ويؤكد مصدر يرفض الكشف عن اسمه أن “لا إجراءات حقيقية تُذكر اتُخذت عبر الحدود العراقية مع دولٍ مصابة بالكورونا مثل إيران أو الكويت”. ويتابع: “في حال سيطرت الحكومة العراقية على المنافذ الحدودية الرسمية بين العراق وايران، فإن هنالك منافذ أخرى غير قانونية ستكون واحدة من وسائل نقل الفيروس مثل خورمال، وسيد صادق، وحلبجة، وغيرها وهي منافذ غير رسمية بين البلدين”.

وجه المتحدث باسم وزارة الداخلية أحمد الصحاف بمنع السفارات من منح تأشيرات دخول إلى العراق للوافدين من دول كالصين، وإيران…

ويذكر المصدر أن “الإجراءات الصحية والطبية على الحدود العراقية- الإيرانية، وحتى داخل المطارات لا تتجاوز استخدام أجهزة الكشف عن الكورونا، والتي يتم استخدامها بشكل عشوائي وغير منظم، فضلاً عن عدم أخذ أي إجراءات احترازية  فعلية تذكر”.

محافظاتٌ داخل العراق تغلق هي الأخرى حدودها مع نظيراتها في سبيل درء الكورونا عن أهلها، أو الحدّ من انتشاره، إذ أغلقت محافظة بابل حدودها مع النجف بعد الإعلان عن أول إصابة، بينما أغلقت النجف حدودها مع المحافظات الأخرى، وأمر مدير عام التربية في المحافظة عادل البصيصي بتعطيل الدوام الرسمي حتى إشعار آخر.

الشائعات أخطر من الفيروس 

المصادر الطبية والصحية المختصة في العراق، تجد أن الشائعات ومخاوف المواطنين باتت أكبر بكثير من الوباء ذاته، ليؤكد المتحدث الرسمي باسم الوزارة سيف البدر أنه “عدا عن الإصابة التي اكتشفت في النجف والإصابات الأربع الأخرى في كركوك، لم تسجل أي محافظة عراقية حتى الآن أي إصابة أخرى”.

ويشير البدر إلى أن “وزارة الصحة نشرت أرقاماً لهواتف المعنيين في كل محافظة وكل منطقة، كالأطباء المسؤولين عن الكشف عن الفيروس في حال وجود حالة مشكوك بأمرها، كما أننا خصصنا مستشفى من كل محافظة لتكون حجراً صحياً للمصابين، وعملنا على توعية المواطنين من خلال رسائل قصيرة تصل عبر الهواتف النقالة لكل مواطن في كيفية الوقاية من الكورونا”.

نقابة الأطباء العراقيين تتخذ إجراءات أيضاً، تقول عضو مجلس نقابة الاطباء د. شيماء الكمالي لـ”درج” إن “الشائعات هولت المرض الذي لا تتجاوز احتمال الوفاة بسببه نسبة 2 في المئة، بينما يصل احتمال التعافي منه إلى 98 في المئة”.

تؤكد الكمالي أن “الأفراد بتهافتون على شراء الكمامات، علماً أن لا حاجة لاستخدامها إلا في المناطق المزدحمة والمغلقة، وتناسوا أن الأهم من ذلك هو تعقيم ما هو حولنا وغسل الأسطح”، مشيرة إلى أن “الإشاعة بين الناس صارت أخطر من الفيروس ذاته”.

إصاباتٌ غير معلنة

إصاباتٌ كثيرة تظهر في بغداد، من دون أن تعلن عنها وزارة الصحة العراقية أو دائرة صحة بغداد، إلا أن العاملين في المستشفيات العراقية يؤكدون وجودها. أ.ش. طبيب في مستشفى الإسكان في بغداد يؤكد أن “هناك طفلاً مصاباً بكورونا تم نقله إلى الطوارئ، إلا أن إدارة المستشفى ترفض الإعلان عن ذلك”.

في المقابل، نُقل شخص آخر إلى المحجر الصحي في بغداد وهو مستشفى الفرات، بعدما تأكدت إصابته، يقول (ح.م.ح.) وهو مصدر طبي في مستشفى بغداد الكرخ إن “الحالة العائدة من إيران والتي زارت قسم الطوارئ في المستشفى نكرت في بادئ الامر أنها آتية من إيران، بل من اسطنبول، ولكن بعد إجراء تحليل (pcr) لها وتأكيد إصابتها بالمرض، اعترفت الحالة بأنها أتت من ايران، وتم تحويلها إلى الحجر الصحي فوراً في مستشفى الفرات”.

مستشفى مدينة الطب في بغداد يؤكد وجود حالة مصابة لم تعلن عنها دائرة صحة بغداد، ويضيف أن هناك “حالة في طوارئ المستشفى مصابة بشكل مؤكد”، ذاكراً أن “المستشفيات بمعظمها لا تعلن عن الحالات ولأسباب نجهلها”.

“لا إجراءات حقيقية تُذكر اتُخذت عبر الحدود العراقية مع دولٍ مصابة بالكورونا مثل إيران أو الكويت”.

في محافظة البصرة وفي مستشفى الجمهورية تحديداً تم الإعلان عن إصابة حسين عبد الواحد، من قضاء شط العرب، وعاينه الطبيب عبد علي سمعان.

وأعلن المتحدث الرسمي لوزارة الصحة العراقية سيف البدر عن إصابة مؤكدة في بغداد اعترفت بها الوزارة والكوادر الطبية بشكل علني وكانت هذه الحالة آتية من ايران وتم الحجر عليها في مستشفى الفرات في بغداد، لتصل عدد الإصابات بالعراق إلى “6 إصابات أعلنتها وزارة الصحة العراقية”.

السياسة و”كورونا”

شغل “كورونا” الشارع العراقي، حتى أن المواطنين نسوا ساحات التظاهر بشكل نسبي بسببها، كما دعا زعماء سياسيون المتظاهرين إلى مغادرة الساحة لتجنب الوباء، بالضبط كما فعل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في تغريدة له عبر “تويتر” قال خلالها إنه يطلب من أبنائه المتظاهرين العودة إلى منازلهم تجنباً الوباء، وإنه سيُلغي في الوقت الحاضر فكرة التظاهرة المليونية وإحاطة المنطقة الخضراء بالمتظاهرين من اتباعه لأنه يجد أن حياتهم أهم بكثير من التظاهرات في الوقت الحالي.

“كورونا يرعب الناس ويخدم السياسيين، لأنه يلهي الناس عن التظاهر وعن التفكير بحكومة محمد توفيق علاوي”، يقول أحد المتظاهرين، مضيفاً: “بعد إصابة محافظ البصرة السابق ماجد النصراوي بالفيروس، ولجوء السيد مقتدى الصدر من إيران إلى لبنان وثم إلى الحنانة في النجف هرباً من الفيروس، صرنا نخشى استشراءه في العراق بخاصة أن سياسيي العراق على تواصل دائم ومباشر مع إيران ومع البرلمان والحكومة الإيرانية التي أثبتت أخيراً أن معظم أفرادها مصابون بهذا المرض”.

بسخرية يتعامل المواطنون في العراق مع الفيروس ويتفننون في المقاربات السياسة حوله، إلا أنهم وبحسب آراءٍ طبية “يبالغون بالتعامل مع المرض وبث شائعاته المبالغ فيها”. هذا ما أكدته الدكتورة ايناس موسى مشيرةً إلى “أن المرض غير مميت كما يقال، لكن أصحاب المناعة الضعيفة جداً هم الأكثر عرضة للخطر، إلا أن الشارع العراقي يبالغ في وصف الوباء”.

الكمامة 

سعر صندوق الكمامة الذي كان يبلغ في العراق قُرابة الـ5 دولارات في فترة تصعيد التظاهرات العراقية، وكثرة استخدامها بسبب الغاز مسيل الدموع في ساحات التظاهر، يتصاعد ليبلغ اليوم أكثر من 40 دولاراً، بخاصة أن الكمامة من نوع (n95) تحتكرها بعض الصيدليات. يذكر الصيدلاني علي عبد الامير أن “هذا النوع من الكمامات أي (n95) تقريباً انقرض من الصيدليات وأصبح حكراً على صيدليات معينة لبيعها بأسعار مرتفة جداً بالنسبة إلى المواطن البسيط، ومن دون رقابةٍ جادة تمارسها وزارة الصحة على أصحاب الصيدليات من المحتكرين”.

المصادر الطبية والصحية المختصة في العراق، تجد أن الشائعات ومخاوف المواطنين باتت أكبر بكثير من الوباء ذاته.

وزارة الصحة العراقية لم تقدم حتى الآن أي مبادرة جادة للوقاية من المرض، يذكر وائل حسين وهو ممرض في أحد مستشفيات بغداد أن “المستشفيات في العراق بطبيعة الحال لا تلتزم مقومات الصحة والوقاية، والأمر يزداد سوءاً مع انتشار الوباء، عدا الكمامات والكفوف لا وسائل وقائية، لا غرف للحجر الصحي ولا حتى للاجهزة المستخدمة وكيفية تعقيمها ولا مراقبة للحالات المشتبه بها والتي تحتاج إلى العزل”.

وزارة الصناعة العراقية أعلنت عن عملها الدؤوب في صناعة الكمامات بشكل يومي في بيان لها، مؤكدة أنها “ستعمل على تقديم 30 ألف كمامة يومياً”.

بانتظار الصيف

لا إجراءات جادة تجاه الكورونا في العراق سوى تعطيل الدوام، إذ أعلن إقليم كردستان عن تعطيل الدوام الرسمي لمدة شهر كامل، بينما أعلنت كل من محافظة نينوى وديالى وبابل والمثنى عن تعطيل الدوام الرسمي لأيام قليلة، فضلاً عن تمديد عطلة نصف السنة لطلبة المدارس، إضافة إلى بعث وزارة الصحة رسائل عبر الهواتف النقالة للتوعية بالمرض وطرائق الوقاية منه. وأكدت الوزارة أن العراق في مأمن مؤكد من المرض مع حلول فصل الصيف إذ لا يعيش الفيروس في حال تجاوزت درجة الحرارة الـ30، وهذا التصريح يثير الشارع العراقي الذي يشير إلى أن المؤسسات الحكومة الخدمية ومنها الصحة تنتظر دائماً معجزات القدر والطبيعة لحل الأزمات التي تواجه البلاد.

إلا أن الدكتور عبد الرحيم الساعدي يؤكد “أن درجة الحرارة لا علاقة لها بالفيروس ذلك أنه يعيش داخل جسم الإنسان، ولا يعتمد على درجة الحرارة خارج الجسم، وينتقل من خلال التنفس”.