fbpx

ماذا تعلمنا من رسوم الأطفال عن تصورهم للعلماء على مدى 50 عاماً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

بين عامي 1966 و1977، طلب عالم الاجتماع ديفيد تشامبرز من 4087 طفلاً من المدارس الابتدائية، معظمهم من كندا والولايات المتحدة، رسم صورة تعبر عن تصورهم لشكل العالِم. تضمنت رسومهم التوضيحية بشكل منتظم، أشخاصاً بمعاطف بيضاء ونظارات إضافةً إلى معدات مخبرية وكتب، وفي كثير من الأحيان، نجد في هذه الرسوم عبارات يحيلها الأطفال إلى العلماء الذين تم رسمهم مثل “لقد قمت باكتشاف!” أو ببساطة عبارة “أمرٌ رائع!”…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

احتمال رسم الأطفال النساء أصبح أكبر مما كان عليه في الماضي، لكنهم ينزعون من جديد نحو رسم الرجال كلما تقدموا في السن.

بين عامي 1966 و1977، طلب عالم الاجتماع ديفيد تشامبرز من 4087 طفلاً من المدارس الابتدائية، معظمهم من كندا والولايات المتحدة، رسم صورة تعبر عن تصورهم لشكل العالِم. تضمنت رسومهم التوضيحية بشكل منتظم، أشخاصاً بمعاطف بيضاء ونظارات إضافةً إلى معدات مخبرية وكتب، وفي كثير من الأحيان، نجد في هذه الرسوم عبارات يحيلها الأطفال إلى العلماء الذين تم رسمهم مثل “لقد قمت باكتشاف!” أو ببساطة عبارة “أمرٌ رائع!”. وفي إحدى الحالات المتميزة، رسم طالبٌ في الصف الثالث مختبراً يحمل لافتة كتب عليها:SIKRIT STUFF FOR SIKRIT ENVINSHUNS – SIKRIT. (“أمور سرية لاختراعات سرية، سري” مع احتوائها أخطاء مطبعية تدل على حداثة سن من كتبها).

لقد أصبحت تجربة “رسم العالم” جزءاً تقليدياً من العلوم الاجتماعية، وقد تكررت العديد من المرات خلال العقود المُنصرمة، لفهم كيفية تصور الأطفال للعلماء، لكن عندما نظر ديفيد ميلر، من جامعة “نورث وسترن”، إلى بيانات تشامبرز الأصلية، التي نشرت عام 1983، لفتت انتباهه ميزةٌ فارقةٌ واحدةٌ، من بين ما يقرب من 5000 رسمة نتجت أثناء الدراسة، 28 منها فقط مثلت عالمة امرأة، وجميع هذه الرسوم الـ28، رسمتها فتيات، ولم يرسم أي طفل عالمة امرأة.

يقول ميلر، “عندما أصف هذه النتائج لباحثين آخرين، فغالباً ما يتخذون موقفاً متشائماً ويعتقدون أن الأمور ربما لم تتغير كثيراً”، لكن هذا ليس صحيحاً. فقد قام ميلر وزملاؤه الآن بتحليل مجموعة من البيانات ممتدة على مدى خمسة عقود، تشمل نتائج 78 دراسة، طُلِب خلالها بشكلٍ جماعيٍ من أكثر من 20 ألف طفل رسم صورة عن تصورهم للعلماء. وقد أظهرت نتائجهم أنه خلال تلك الفترة، زاد احتمال رسم عالمات. وابتداءً من الثمانينات فصاعداً، رسم في المتوسط، 28 في المئة من الأطفال عالمات إناث، مقارنة بنسبة 0.6 في المئة في الدراسة الأصلية التي أجراها تشامبرز.

تبدو تلك النتيجة منطقية، فمنذ الستينات، ازداد تمثيل المرأة في مجال العلوم بشكلٍ لافت. في الولايات المتحدة، على الأقل، يحصل المزيد من النساء على درجات علمية مرموقة، تشمل 48 في المئة من درجات الكيمياء عام 2015 مقارنة بنسبة 19 في المئة فقط عام 1966. ونجد أن العالمات من النساء، حتى وإن كان عددهن لا يزال أقل في الكثير من الأحيان مقارنة بأقرانهن الذكور، غالباً ما يظهرن في الكتب المدرسية والمجلات والبرامج التلفزيونية الموجهة إلى الأطفال. يقول ميلر: “إنه أمرٌ يدعو للتفاؤل، أن تتغير الصور النمطية لدى الأطفال مع تغير أدوار الجنسين في المجتمع أيضاً”.

ومع ذلك، ما زال الأطفال في عصرنا هذا يرسمون ضعف عدد العلماء الذكور على الأقل مقارنة بالعالمات الإناث. تقول سابنا شيريان، الباحثة من جامعة واشنطن، تركز في دراستها على الفوارق بين الجنسين في العلوم “لا تزال نسبة الـ28 في المئة من النساء العالمات بعيدة كل البعد من المساواة بين الجنسين”، وتلاحظ أيضاً أنه في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة النساء في مجالات مثل الكيمياء والبيولوجيا عبر العقود، لا تزال المرأة تحصل على أقل من 20 في المئة من الدرجات العلمية في علوم الكمبيوتر والهندسة والفيزياء. وتضيف: “يراودني الفضول لأعرف ما الذي سيظهر عليه تحليل اختبار رسم عالم الكمبيوتر أو عالم فيزياء، بمرور الوقت”، مردفةً: “يمكن أن يساعدنا هذا التحليل على تحديد المجالات المحددة التي تحتاج إلى أكبر قدر من العمل لتنويع تمثيلها”.

ترى جوسلين ستينك، من جامعة ميشيغان الغربية، التي تدرس التمثيل الإعلامي في مجال العلم أن “الصور النمطية للجنسين المتعلقة بالعلماء لا تقوم فقط بتشكيل تصور الفتيان والفتيات في سن المراهقة حول من هو العالِم، بل تؤثر أيضاً في تصوراتهم حول من يمكن أن يكون عالِماً”. وقد تؤثر في ما إذا كانت الطالبات يبحثن لأنفسهن عن مكانٍ في مجال العلوم، وهل يسعين إلى مزاولة مهن علمية على الإطلاق. وقد تؤثر أيضاً في كيفية رؤية الطلاب الذكور لأقرانهم الإناث، أو التفاعل معهن في أماكن مهنية لاحقاً في الحياة.

ويؤكد توني شميدر، من جامعة كولومبيا البريطانية، الذي يدرس الصور النمطية والهوية الاجتماعية أن “بإمكان الصور النمطية أن تلعب دوراً مهماً في تقييد معتقدات الأطفال في ما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله”، موضحاً أنه “إذا تمكّنّا من تغيير هذه التمثيلات، ستتمكن الفتيات الصغيرات بسهولةٍ أكبر، من تصور مستقبل لأنفسهن في مجال العلوم”.

توصل فريق ميلر أيضاً إلى أن الصور النمطية المتعلقة بالجنسين حول العلماء أقوى بين الصبيان مقارنةً بالبنات. وباستثناء الدراسة الأصلية لتشامبرز، فقد رسمت الفتيات عالمات نساء في نحو 45 في المئة من الوقت، في حين أن الأولاد فعلوا ذلك بنسبة 5 في المئة فقط. وهذا بالكاد أمر غير متوقع، إذ عادةً ما يرسم الأطفال جنسهم حتى عندما يطلب منهم رسم شخص عام، فماذا إذا تعلّق الأمر بعالم؟

ومع ذلك، فإنه من الجدير بالذكر، أن حتى الفتيات، عندما يكبرن، يملن أكثر نحو رسم العلماء الرجال. في عمر 6 سنوات، ترسم الفتيات 70 في المئة من العلماء نساءً، لكن هذه النسبة تتحول في سن العاشرة إلى 11 في المئة وبحلول سن 16 سنة، يرسمن نحو 75 في المئة من العلماء رجالاً. يقول ميلر “إن المدرسة المتوسطة تشكل فترة حاسمة، يتعلمون أثناءها هذه المعلومات الجنسانية حول ما هو العالم”.

استُخدِمت تجربة “رسم العالم” على نطاق واسعٍ لأنه من السهل جداً إدارتها، لكن هناك بعض الجدل حول ما هي القياسات التي يجريها هذا الاختبار وما يكشفه بالفعل. لقد أشار بعض النقاد إلى أن الأطفال ربما يرسمون عدداً أكبر من الرجال بغض النظر عن ذلك، ولكن ميلر يرى أن هذا ليس صحيحاً. على سبيل المثال، أظهر فريق من الباحثين عام 2008، أن أطفال المدارس الابتدائية رسموا 66 في المئة من العلماء كرجال، بالمقارنة مع 40 في المئة فقط من الأطباء البيطريين و25 في المئة من المعلمين. وهم بذلك لم يرسموا نوعاً من التحيز الجنساني العالمي على الورق، وإنما يعكسون، بدلاً من ذلك، بدقة نسبة النساء والرجال في مختلف المهن.

اقترح باحثون آخرون أن الطلاب ربما يرسمون ما يعتقدون أنه يجب أن تكون عليه الصورة النمطية لعالمٍ ما، وليس ما يفكرون فيه بالفعل. لكن هذا مثير للاهتمام في حد ذاته. تقول أليس إيجلي، وهي أيضاً من جامعة “نورث وسترن”، وساهمت في الدراسة الجديدة: “أنظر إلى تجربة رسم عالم، كمقياس غير مباشرٍ لمعتقدات الأطفال حول العلوم”، مضيفةً: “على المدى الطويل، تعكس الصور النمطية ما يلاحظه الناس في الحياة اليومية، وهذه ليست مجرد أساطير”.

في الواقع، الأمر يتجاوز مسألة الجنس. وعبر مختلف الدراسات التي تدور حول “رسم عالمٍ” كان حوالى 79 في المئة من العلماء المُمثلين في الرسوم من البيض، ما يعكس مرة أخرى النقص النسبي للأشخاص ذوي الألوان في مختلف المجالات. غير أن ميلر يعتبر أن هذه النتيجة يصعب تفسيرها، لأنه من الصعب نسب التحيز الجنسي إلى رسم الطفل، الذي يعتمد أيضاً على عوامل أخرى كالألوان التي تُوَفر له أثناء الرسم.

كما أنه من الصعب أيضاً معرفة كيف يمكن توضيح مدى تنامي القبول الاجتماعي المتزايد لمسألة الجنسين غير الثنائية، في رسومات الأطفال. لا يمكن وصف جزء معين من الرسومات بوضوح، ومعرفة ما إذا كانت تمثل ذكراً أو أنثى، وقد أخبرني ميلر أنه في الوقت الحالي، لم تتغير هذه النسبة.

*إد يونغ

هذا الموضوع تم اعداده وترجمته عن موقع The Atlantic لمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي