تواجه إسرائيل اليوم تهديدين خطيرين قد يتطلبان سريعاً اتخاذ قرارات صعبة، بما يؤدي إلى الحرب. إذ تتزايد في الشمال قوة محور إيران-“حزب الله”- سوريا تحت إشراف روسي، مع تقارير تؤكد محاولة إيران إنشاء قواعد دائمة ومصانع صواريخ في سوريا ولبنان. ويبدو أن إيران، وفي استجابة لهجمات يُزعم أن إسرائيل شنّتها في سورية، قد أوقفت موقتاً جهودها هذه، لكن يعتقد أنها استأنفتها أخيراً.
واستناداً إلى الصورة المعلنة للجميع، لا يسع المرء أن يقول بثقة ما الذي تفعله إيران. ومن المحتمل أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي وغيره من المتحدثين الإسرائيليين قد بالغوا في تقدير التهديدات، سعياً منهم إلى تركيز الاهتمام الدولي عليها.
في الوقت ذاته، هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاقية النووية مع إيران بحلول مايو\ أيار ما لم يوافق حلفاء الولايات المتحدة على “إصلاحها” بحلول ذلك الوقت. وقد أعرب الحلفاء، بسبب الافتقار إلى بدائل أفضل وبسبب القلق من احتمال انهيار الاتفاق النووي بأكمله، عن استعدادهم للقيام بذلك. وإذا حدث ذلك بالفعل، فسيكون ذلك إنجازاً رائعاً للرئيس ترامب، تحقق بأسلوبه المعتاد بطريقة مذلّة ومهينة.
لكن المشكلة الحقيقية هي أنه ليس من الواضح كلياً ما إذا كان ترامب يسعى حقاً إلى اتفاق مع الأوروبيين. فتصرفاته الأخيرة، بما في ذلك تعيين وزير الخارجية الجديد ومستشار الأمن القومي الجديد، تشير عملياً إلى اتجاه معاكس، وهو أنّه ينوي الانسحاب من الاتفاق. وفي أي حال، سيكون من الشاقّ والعسير جعل الإيرانيين يوافقون على أي تغييرات.
وفي غضون ذلك كلّه، تتواصل المعركة الإقليمية من أجل السلطة على قدم وساق، مع استمرار إيران في ترسيخ نفسها قوةً إقليمية مهيمنة تسيطر على “الهلال الشيعي” الممتد على طول الطريق إلى البحر المتوسط، وسط استمرار ضعف السنّة. وعلى رغم عبارات الرئيس الأميركي الصارمة، إلا أن الولايات المتحدة توقفت عن لعب دور قيادي في الشرق الأوسط. في حين أنّ روسيا، على النقيض من ذلك، تبسط نفوذها في شتّى أنحاء المنطقة من خلال مناورات استراتيجية متميزة وصفقات بيع أسلحة ومفاعلات نووية.
وكخطوة ديبلوماسية، فإنّ إسرائيل محقة في محاولة تركيز الاهتمام الدولي على أنشطة إيران في سوريا، وحتى في تضخيم التهديد إلى حد ما، طالما أننا لا ننتهك ديبلوماسيتنا العامة. بيد أن سياسة إسرائيل الفعلية يجب أن تستند إلى فهم دقيق قدر الإمكان لما يفعله الإيرانيون حقاً. أعتقد أن إسرائيل قوية وآمنة بما يكفي لتبني استراتيجية أمن قومي على أساس ضبط النفس، لذا فقد دعوت إلى تركيز أكبر على الدفاع والديبلوماسية. ومع ذلك، أعتقد أن إسرائيل لا يمكنها أن تسمح لإيران بتأسيس وجود عسكري دائم على حدودها، بما في ذلك القواعد الجوية والبحرية والبرية؛ وأنّ التغيير في ظروف اسرائيل الاستراتيجية سيكون تغييراً شديداً.
إذا أثبتنا أن إيران تحاول بالفعل ترسيخ وجود عسكري دائم في سورية، فإنّ على إسرائيل تبني موقف ردع واضح وثابت يعمل على منع إيران من ذلك. ولتحقيق هذه الغاية، على إسرائيل أن تتبنى نهج “الديبلوماسية القسرية”، أي التهديد الموثوق باستخدام القوة العسكرية لتجنب الصراع وتحقيق النتيجة الديبلوماسية المرغوبة.
وكجزء من هذا النهج، ولحث السوريين على وضع حد لأنشطة إيران على أراضيهم، على دمشق أن تفهم أنها تلعب حقاً بالنار هذه المرة، وأن إسرائيل سترد من خلال شن هجمات متدرجة ضد أهداف النظام، إلى درجة تهديد وجوده ذاته. وعلى طهران أيضاً أن تفهم أنها إذا استمرت في جهودها فلن تكون لديها تلك الحصانة من الهجمات التي تمتعت بها حتى الآن بسبب المسافة الجغرافية، وأن أهداف النظام الإيراني ستدخل أيضاً في اللعبة.
قد تفضي هذه التوصية إلى تصعيد حاد وحتى إلى حرب. ولكن إذا تبين أن السوريين والإيرانيين تجاهلوا تحذيرات إسرائيل، فسنكون في طريقنا إلى الصراع في كل الأحوال، ومن الأفضل إخضاع إيران للاختبار الآن قبل عبورها العتبة النووية. إن من شأن سياسة ردع إسرائيلية كهذه أن تؤدي بلا شك إلى رد روسي قوي، وهذا هو القصد بالضبط: إجبار روسيا على كبح جماح سوريا و”حزب الله” وإيران وبالتالي درء الصراع. من الواضح أن هذا النهج يتطلب أعلى مستويات التنسيق مع الإدارة الأميركية، إلى الحد الذي هو عليه اليوم.
وبغض النظر عن العبارات المتشددة التي يستخدمها الرئيس الأميركي، فإن الهجوم العسكري الأميركي ضد البرنامج النووي الإيراني ربما غير مطروح على الطاولة. تستطيع إسرائيل بالطبع مواصلة تدابيرها السرية ضده، لكن هذه التدابير أثبتت محدوديّة فاعليتها حتى الآن. إذا تمّ تفكيك الاتفاق النووي فلن يكون لدينا بالتأكيد سوى خيار نهائي واحد: ضربة إسرائيلية. في الجانب الإيجابي، إنّ ضربة كهذه قد تمتع الآن الولايات المتحدة، في حين أن معارضة إدارة أوباما كانت السبب الرئيس وراء امتناع إسرائيل عن الهجوم. في المقابل، لا يمكن ضربة إسرائيلية أن تتسبب إلا في تأخير البرنامج الإيراني بضع سنوات، على حساب حرب مع “حزب الله” وربما إيران نفسها.
يتعيّن على إسرائيل أن تشجع إدارة ترامب على التوصل إلى تسوية مع الأوروبيين وأن تتوصّل، إذا لزم الأمر، إلى “إصلاح” جزئي للاتفاق. ومختلف الخيارات الأخرى أسوأ من ذلك بكثير. أما معركة ضمان عدم انتهاء صلاحية القيود المفروضة على قدرات إيران النووية، فينبغي تركها لتكون معركة المستقبل، أي أقرب إلى وقت انتهاء صلاحية الصفقة.
لا شكّ في أنّ المعارضين للاتفاقية النووية يحتفلون بدنوّ تحقيق حلمهم الأكبر وهو إلغاء الاتفاقية، لكنهم قد يجدون حلمهم قريباً وقد تحول إلى كابوس. تتصرّف إسرائيل بالفعل كما لو أنّ إيران و”حزب الله” يردعانها، في حين أنها تتوخّى الحذر في تصرفاتها في سوريا، وتمتنع عن شنّ عمليات هجومية في لبنان. فتخيل كيف ستبدو الأمور من دون الاتفاق النووي، وفي ما إذا استطاعت إيران بالفعل أن تتجاوز العتبة النووية.
* تشاك فريليتش
*ترجمة: ماهر الجنيدي- باحث وكاتب سوري
هذا الموضوع تم اعداده وترجمته عن موقع “هآرتس” لمراجعة المقال الاصلي زوروا الرابط التالي