fbpx

ظلامة علي جمول مع بيئته: الأخ الأكبر يرحب بكم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على ضوء الأحداث الأخيرة في لبنان، ذهب الكثير من الناشطين إلى تشبيه واقعنا اليوم بواقع رواية 1984 لجورج أورويل.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“واختفى وجه الأخ الأكبر وظهرت على الشاشة بحروفٍ بارزة ضخمة كبيرة نداءات الحزب الثلاثة: الحرب هي السلم، والحرية هي العبودية، والجهل هو القوة. وكان وجه الأخ الأكبر ما زال يتلكّأ في الاختفاء، أمّا التأثير الّذي تركه في مخيّلة الجمهور فلا يمكن زواله بسرعة”. (جورج أورويل، رواية “1984”).

 من منّا لا يعرف رواية جورج أورويل، “1984”، تلك الّتي اعتُبِرت من ألذع الروايات في نقدها أنظمة الحكم التوتاليتاريّة وأجهزة مراقبتها. الرواية الديستوبيّة، والّتي مُنِعَت في أكثر من بلد، تدور حول شخصيّتَين رئيسيّتَين: ونستون، الرجل المرميّ في تلك الأمّة، والأخ الأكبر، كرمزٍ مدلّلٍ على الديكتاتوريّات الّتي تعتمد القمع  بأشكاله كلها لحفظ سلطتها.

غلاف رواية 1984 لجورج أورويل

على ضوء الأحداث الأخيرة في لبنان، ذهب الكثير من الناشطين إلى تشبيه واقعنا اليوم بواقع الرواية. أصابوا في هذا التشبيه عموماً، إلّا أنّهم أخطأوا بفارقٍ جوهريّ: في لبنان، لا وجود للأخ الأكبر. في لبنان عصبة من الأخوة الكبار، لكلٍّ منهم أسلوبه في الحكم، ولكلّ أسلوبٍ وسيلته في قمع من يخالفه الرأي، ولكم أن تتخايلوا بقيّة المشهد.

ولكن ما هي تحديداً “الأحداث الأخيرة في لبنان؟”، في الأمس، برزت قضيّة الشاب علي جمّول، إثر نشره على صفحته الفايسبوكيّة منشوراً لأحد مناصري “حزب الله” مع تعليقٍ عليه. ببساطة، هذا التعليق، لم يرق لهؤلاء المناصرين، فما كان منهم – أسوةً بشريعة الغاب – إلّا أن توجّهوا إلى منزله في عزّة/ النبطيّة للاعتداء عليه. المشكلة أنّهم لم يجدوه، فـ”فركوا أذن أخيه الأصغر” (بحسب تعبيرهم)، البالغ من العمر 17 سنة، كوسيلة للضغط عليه للاعتذار، وهدّدوا والدَيه، ومنعوه من القدوم إلى قريته. المشهد برمّته مؤسف، يقول أحد أصدقاء جمّول إنّ “هذه التصرّفات باتت مرفوضة تماماً. لا يستطيع أحد أن ينتهك حرمة منازل الناس فقط لانزعاجه من منشورٍ فايسبوكيّ. على هؤلاء المناصرين أن يتقبّلوا فكرة أنّ في لبنان أشخاصاً – من “البيئة” ذاتها – لا يؤيّدون ما يفعلونه. منطق “الترباية” هذا لم يعد مقبولاً”.

في اليوم ذاته، كان الناشطَان خلدون جابر ووسام الخُضريّ على موعدٍ مع ما يُسمّى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتيّة في لبنان، للتحقيق – أيضاً وأيضاً – في مسألة منشوراتٍ فايسبوكيّة. في مراجعة بسيطة لصفحتَيهما، نجد أن جلّ ما ارتكبوه هو المداورة على انتقاد السلطة بشكلٍ أكثر ما يُقال عنه، أنّه ساخر.

على المقلب ذاته، أُحيلَ الناشط شربل الخوري قبل مدة قصيرة إلى التحقيق بسبب منشورٍ فايسبوكيّ، ثمّ أُوقِف بقرارٍ سياسيٍّ واضح، من جهة “التيّار الوطني الحر”. اللّافت أن ذلك حصل بالتزامن مع معركة خاضها الشاب مازن أبو زيد ضدّ بنك الاعتماد في النبطية بسبب السقف الجديد على السحوبات. من جهة الشارع، فقد تبنّى المسألتَين: معركة الحرّيّات والمعركة ضد المصارف. أمّا من جهة مناصري السلطة، فما كان منهم إلّا أن افتخروا وبعزٍّ بقرار “القاضية القوية” غادة عون، أو قاضية العهد، لأن ما قاله شربل “عَيب”. فعليّاً، العَيب هو ما حصل مع مازن، العيب هو القوى الأمنية الّتي تفرّجت على مدير المصرف يضرب القانون عرض الحائط، وهو الحق الّذي لا يُحَصَّل إلّا بعد التلويح باللجوء إلى شريعة الغاب – والعَيب الأكبر هو في القضيّة ذاتها، قضيّة شربل، في أن القضاء برهن في غير مرّة، أنّه بعيد كل البعد من العدل، وأقرب إلى الوصاية.

في لبنان عصبة من الأخوة الكبار، لكلٍّ منهم أسلوبه في الحكم، ولكلّ أسلوبٍ وسيلته في قمع من يخالفه الرأي.

وقبل هذه الانتهاكات كلها، اعتدى مجهولون على الصحافيّ الاقتصاديّ محمّد زبيب في شارع الحمرا بعد ندوةٍ له، ليتبيّن في ما بعد أنّهم من مرافقي المصرفيّ مروان خير الدين. محمد الّذي أزعج، منذ بداية الثورة وما قبل، “الأوليغارشيا الحاكمة” كما يحب أن يسمّيها، عقد مؤتمراً صحافياً لرفع دعوى ضد خير الدين ضمن الأطر القانونيّة المناسبة. اللافت هو أن حتّى في هذا المؤتمر، حضر أزلام خير الدين وصرّحوا جهاراً بأنّ “الثورة زاحت عن الفاسدين وراحت على مروان خير الدين”؛ وهي مقولة خاطئة، فالثورة لم تزح عن أي فاسد وما زالت تتبنّى شعار “كلّن يعني كلّن”، ومروان خير الدين ثبُتَ ما ثبُتَ عليه في اشتراكه في حكم الأوليغارشيا، وفي صَيد الحيوانات، وفي قمع الحريّات – ليس فقط مع زبيب، بل أيضاً مع المخرج ربيع الأمين حين استُدعيَ للمكتب ذاته، مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتيّة (أو “المكتب الثاني”، ربّما) وقال يومها ربيع ثلاثيّته الشهيرة ضدّ خير الدين.

ممنوعٌ علينا النقض أو النقد أو الانتقاد. علينا أن نسلّم بالموجود.

خلاصةً، تلك القضايا يربطها خيط واضح: الأخ الأكبر الّذي يراقبنا، قبل أن يقمعنا. ممنوعٌ علينا النقض أو النقد أو الانتقاد. علينا أن نسلّم بالموجود، وكل ما يزيح عمّا رسمته لنا السلطة مسبقاً مصيره الاستدعاء أو الاعتداء عليه أو غيرها من أشكال الترهيب الجسديّ أو النفسيّ أو المعنويّ. لكن كان ذلك، تحديداً، في زمن ما قبل 17 تشرين الأول/ أكتوبر في لبنان. ما يجهله مناصرو السلطة، أن ونستون، بطل الرواية، وبينما كان يتماشى مُرغماً مع الجمهور المؤيّد للحاكم، “عاد فركّز نظره على الصحيفة واكتشف أنّه كان قد ملأ نصفها من دون وعي بهذه العبارة الّتي كتبها بأحرفٍ كبيرة: فليسقط الأخ الأكبر، فليسقط الأخ الأكبر، فليسقط الأخ الأكبر…”.