fbpx

كاهنة بهلول تؤم مصلين وتؤذن بقيام إسلام فرنسي

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تقدّم كاهنة بهلول نفسها كناقدة للفكر الإسلامي بقدر ما تحاول أن تشرح رؤيتها لممكنات تطبيق جديد للإسلام يتماشى مع معايير حداثية وليبرالية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بشكل سرّي وبعيداً من أعين “المتربّصين” والميديا، تداعى 12 رجلاً و10 نساء إلى مسجد “فاطمة” في العاصمة الفرنسية باريس، نهار الجمعة 21 شباط/ فبراير لأداء صلاة الجمعة. فريضة قد تمرّ مرور الكرام في معظم المساجد على طول امتداد الأراضي الفرنسيّة، لكنّها صنعت الحدث في الشكل الذي اتّخذته إمامة الصلاة وموضوع الخطبة في تلك الصالة الدينية التي اصطلح أن تكون “نواة مشروع إصلاحي لإسلام فرنسي”. 

دخلت كاهنة بهلول، الباحثة الفرنسية ذات الأصول الجزائرية الأمازيغية المتخصصة في الدراسات الإسلامية، التاريخ كأول امرأة تؤمّ المصلّين من الجنسين في فرنسا. وذلك على خطى آمنة ودود التي أحدث خطابها في مسجد في كيب تاون في جنوب أفريقيا ضجّةً كبيرة عام 1994، ترجمتها إمامتها صلاة مختلطة في كاتدرائية القديس يوحنا في مانهاتن الأميركية عام 2005. وتشبّهاً بمسيرة شيرين خانكان في الدانمارك، استطاعت بهلول أن تعيد إحياء كسر المحظورات في القرآن والسنّة والأحاديث وطرحت مجدّداً فرضيات تحرّر الإسلام من وثنية النصوص الذكورية ومفاعيل السلطة الدينية البطريركية. 

لا تقدّم كاهنة بهلول نفسها كناقدة للفكر الإسلامي بقدر ما تحاول أن تشرح رؤيتها لممكنات تطبيق جديد للإسلام يتماشى مع معايير حداثية وليبرالية، إذ تتقفّى أثر “الشيخ الأكبر” محي الدين بن عربي، وتنهل من مصادر صوفيّة وتستعيد صور السمرقندي والجيلاني ورابعة العدوية والحلاج والبسطامي وآخرين، لتخرج بخلاصات عن أهمية مقام “الإحسان” في الإسلام. خلاصات دفعتها لتختار “الحب الإلهي” موضوعاً لصلاة الجمعة في “مسجد فاطمة” الذي أبصر النور السنة الماضية، بعد لقاء جمع بهلول بالكاتب والمفّكر المغاربي فاكر كرشان مؤسس جمعية “المعتزلة الجدد” في فرنسا. 

ولا يمكن المرور على مسيرة بهلول، المولودة في جبال الجزائر، والآتية من عائلة مؤمنة بصوفية أكبرية إلى باريس، حيث أتمّت دراستها في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا (EPHE)، من دون العودة إلى موضوع رسالتها لنيل الدكتوراه تحت إشراف بيار لوري، الذي عالج بشكل ذكي ولمّاح البعد الثيولوجي والقانوني في فكر ابن عربي، مع دعوة مبطّنة إلى الدفع بعجلة البحث عن إسلام يشبه هذا “البحر الزاخر من الحقائق”. 

دخلت كاهنة بهلول التاريخ كأول امرأة تؤمّ المصلّين من الجنسين في فرنسا.

لكنّ صوت الباحثة- الإمامة، وتلك صفة يندر استخدامها اليوم في زمن خفت فيه صوت البحث وانحسر حتى استحالت الإمامة في ولاية الدولة الإسلامية أو ولاية المرشد الأعلى سلطةً للإفتاء حصراً، لما كان سيأخذ مداه لولا جرأتها في طرح خطوط عريضة للإسلام الليبرالي الذي تحاول السلطات الفرنسية منذ سنوات أن تدمجه في شكل الجمهورية، وتطعّمه بعلمانية الـ1905. ومن المداميك التي قام عليها مشروع “مسجد فاطمة” تقول بهلول “الرجال والنساء سيصلّون في قاعة مشتركة، وللنساء حرية لبس الحجاب على الرأس من عدمه، على أن يتناوب على إمامة الصلاة بشكل دوري رجل وامرأة وتفتح أبواب المسجد لغير المسلمين كما للمسلمين”. 

في دحضها السردية التي قامت عليها انتقادات الشيخ سيد طنطاوي والشيخ يوسف القرضاوي لديناميّة أمينة ودود في الولايات الأميركية حين أمّت حشداً من الرجال والنساء، تلجأ بهلول إلى قياس زمني تربطه بالأعراف والتقاليد، إذ لا “إجماع” على “لا إمامة” المرأة في الإسلام، بغضّ النظر عمّن تؤمّ، لأنّ السنّة النبوية اتفقت على جواز إمامة المرأة للنساء حصراً ورفضته رفضاً قاطعاً للرجال. وتضرب بهلول مثلاً بأم ورقة بنت عبدالله بن نوفل الأنصارية التي سمح لها الرسول بأن “تؤم من في دارها” عندما غزا قرية بدرا بين مكة والمدينة شرط أن يقوم رجل اختاره الرسول بأداء الآذان مع كل إمامة للصلاة. وتشير بهلول إلى أنّ إمامة أم ورقة ليست حالة يتيمة، إذ سبق أن قامت عائشة بنت أبي بكر وأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، بإمامة الصلاة للنساء من دون أن يتضمّن ذلك ترميزاً إلى جواز إلقاء خطبة الجمعة من عدمه.  

ومن خلفية العارف بالفقه والمتبحّر بالدراسات الفلسفية للفكر الإسلامي المعاصر، تستند كاهنة بهلول إلى الباب التاسع والستين من فتوحات ابن عربي المكّية لتجيز إمامة المرأة بشكل مطلق، “فمن الناس من أجاز امامة المرأة على الإطلاق بالرجال والنساء وبه أقول ومنهم من منع إمامتها على الإطلاق ومنهم من أجاز إمامتها بالنساء دون الرجال”. وتدعّم الباحثة الفرنسية حجّتها باستشهادها بآراء الكثير من العلماء كالطبري وأبي ثور والمزني. 

على أنّ أدلّة المانعين في الكتاب والقياس والإجماع لم تمنع بهلول من إصرارها على عدم الوقوع في التناقض بين النص الديني (لا سيما في القرآن) وبين آليات التفسير وأنساقها الزمنيّة وتبدلاتها بين ماضوية مردها دوغمائية النص، وآنية فرصتها رغبوية الإصلاح، لذلك اعتبرت أنّ “الرسالة القرآنية ليست أنتي-نسوية في شكلها البنيوي ولا في مفاعيلها الأولية، لكنّها تعكس عادات مجتمع القرن السابع”، ولذلك ما زالت تعتقد بممكنات إسلام ليبرالي حديث في الجمهورية العلمانية.