fbpx

سر زيارة وفد مصري الصين: علاج زائف أم خطة احترازية؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أن هدف الزيارة الفعلي هو حصول مصر على كواشف عن الفيروس المستجد، والإطلاع على خطة الوقاية الصينية أملاً بالاستفادة منها مستقبلاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“وزيرة الصحة راحت الصين علشان تديهم علاج فيروس كورونا اللي مصر اكتشتفته، واديتهم نسخة من جهاز علاج الفيروسات اللي اكتشفه اللواء الدكتور عبدالعاطي”، جملة قالتها سيدة خمسينية بصوت عالٍ داخل سيارة نقل عام في أحد شوارع القاهرة، بعد 24 ساعة من زيارة وزيرة الصحة المصرية الصين على رأس وفد وزاري، في 2 آذار/ مارس 2020.

الشائعة انتشرت بين المصريين بمختلف طبقاتهم الاجتماعية والثقافية كالنار في الهشيم، ودعم درجة صدقيتها سببان: الأول توقيت الزيارة الغريب، فعلى رغم حالة العزلة التي تعيشها الصين حالياً ووقف الرحلات الجوية بينها وبين الكثير من دول العالم بينها مصر، إلا أن الوزيرة قطعت تلك العزلة وسافرت إليها، من دون أن ترتدي بدلة واقية –كالتي ظهرت بها وهي تتفقد مستشفى النجيلة المخصصة للحجر الصحي للمصريين العائدين من الصين فور إعلان اكتشاف فيروس كورونا بها أواخر العام الماضي. والسبب الثاني، هو أن إعلان الزيارة جاء بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي، والوزيرة هالة زايد كانت تحمل رسالة تضامن مع الصين لتعزيز سبل التعاون بين البلدين، لمكافحة الفيروس المستجد، الذي صنف وباء عالمياً.

“نحن مهتمون جداً بمد يد العون لمساعدة الصين في التغلب على هذا الوباء، ومصر تفعل ذلك من أجل الإنسانية”، تصريح أطلقته زايد خلال مؤتمر صحافي عقدته في مطار القاهرة الدولي برفقة السفير الصيني، قبل مغادرتها المطار إلى بكين، موضحة أنها تحمل معها هدية من السيسي وشعب مصر تحوي مستلزمات طبية وقائية، مشيرة إلى ضرورة تبادل الخبرات بين البلدين حول الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا.

دُعمت الشائعة السابقة بشكل كبير عبر “السوشيل ميديا” وانتشرت على مدى واسع عبر غروبات وصفحات داعمة للنظام الحاكم في مصر، ما ساعد على انتشارها بقوة بين قطاع واسع من أفراد المجتمع. وكشف مصدر لـ”درج”، أن بعض العسكريين المتقاعدين يروجون تلك النظرية، وقالوا إنها حقيقة لا شك فيها، “العالم كله يعرف بالكلام ده”. وأشاروا إلى أن العلاج هو الجهاز الذي اخترعه إبراهيم عبدالعاطي، لعلاج فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي “سي” وفيروس نقص المناعة “الإيدز”، الذي سبق أن تبناه الجيش المصري خلال 2014.

دعم الجيش المصري الاختراع وقتها، وأعلن أن عبدالعاطي يحمل رتبة “لواء”، وهي أعلى رتبة عسكرية تمنح لمن لم يخوضوا حرباً أو قدموا خدمات استثنائية ويخرج كثر من العسكريين في مصر حاملين هذه الرتبة رفيعة المستوى. وظهر عبدالعاطي بالبدلة العسكرية وفوق كتفه “سيفان ونسر” بعدها، وعاد بعد 3 أعوام ليعلن خلال حوار مع صحيفة “المصري اليوم” واسعة الانتشار في مصر عام 2017، أنه يواصل تطوير أبحاثه وجهازه. وأشار إلى أنه في مرحلة الأبحاث الأولية كان هناك تعاون مع مركز أبحاث الأمراض “نمرو” التابع للبحرية الأميركية، قبل أن يطالبه اللواء طاهر عبدالله رئيس الهيئة الهندسية السابق (هيئة تابعة للقوات المسلحة)، بألا يتعاون مع أحد، “فالبحث ملك مصر وحدها”، وفقاً لحواره مع الصحيفة.

أشار مصدر إلى أن العلاج هو الجهاز الذي اخترعه إبراهيم عبدالعاطي، لعلاج فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي “سي” وفيروس نقص المناعة “الإيدز”.

ولا يخفى على أحد سيطرة النظام الحاكم على جميع وسائل الإعلام في مصر المقروءة والمسموعة والمرئية، فأغلبها خاضع لملكية أجهزته بشكل مباشر، والقلة الباقية تسير وفقاً لتوجيهات سيادية، وبينها الصحيفة سابقة الذكر التي أقيل رئيس تحريرها ومورست تهديدات ومضايقات عدة بحقها وحق مالك أكبر حصة فيها، رجل الأعمال صلاح دياب، بعدما ضاق النظام الحاكم ذرعاً بمانشيت “الدولة تحشد الناخبين”، خلال الانتخابات الرئاسية السابقة. يؤشر ذلك إلى أن الحوار تم بمعرفة الجهاز السيادي وقادة الجيش المصري وسمحوا به، وبكل كلمة قيلت فيه، بخاصة أن رئيس التحرير برر إجراء الحوار معه، قائلاً: “لقد سعى إلينا ومعه شخصيات فاعلة”، ومعروف بين الأوساط الإعلامية، أن ضابطاً من المخابرات يراجع كل حرف يسطر على صفحات أي جريدة في مصر قبل أن يسمح بطبعها، وله سلطة تغيير الموضوعات و”بروزتها” إضافة إلى الحجب كلياً، لذا فقد تمت الموافقة على الحوار بشكل تام، لحاجة في نفس يعقوب لم نعلمها حتى الآن”.

وزيرة الصحة المصرية هالة زايد

السؤال الآن حول ما إذا كان هناك دعم يلقاه “عبدالعاطي” بشكل مباشر وغير مباشر، فماذا حدث للاختراع في 2014، على خشبة المسرح وأمام الجمهور، حين احتفى الجيش بشكل مبالغ فيه بالاختراع وأعطاه الكثير من الأضواء والدعم، ومنح مخترعه أسمى رتبة عسكرية، وأُبرز الرجل إعلامياً في الداخل والخارج، تزامناً مع موجة من السخرية والجدل من قبل المصريين عبر “السوشيل ميديا”. وذلك نتيجة التشكيك في حقيقة الاختراع وجدواه وواقعيته. وبعدها تداولت وسائل الإعلام أنباء عن مفاوضات بين مصر والشركة الأميركية المصنعة لدواء علاج فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي سي، المسمى “سوفالدي”. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2017 –بعد أشهر من الإعلان عن اختراع عبدالعاطي- وصلت مصر دفعة من “سوفالدي” بعد توقيع اتفاقية بين الحكومة المصرية والشركة المصنعة، وأتاحت الحكومة الدواء للمصريين بنسبة 1 في المئة من سعره العالمي، إذ وصل سعر الدواء في مصر 800 جنيه (53 دولاراً) فيما وصلت تكلفته عالمياً 140 ألف دولار. وسُمح للشركات المحلية بتصنيع العقار داخل مصر، في آب/ أغسطس 2015، وبدأت الدولة إدخال العقاقير المصنعة محلياً بدلاً من المستوردة في البرنامج العلاجي. وكشف الدكتور وحيد دوس رئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، أن الدولة عالجت 3 ملايين مواطن من الالتهاب الكبدي الوبائي “سي”، خلال الفترة بين عام 2014 ونيسان/ أبريل 2019. ويشكل المرض معضلة كبيرة لقطاع الصحة المصرية، فهناك 5 ملايين مواطن مصري مصابون بالمرض، الذي يحصد أرواح 40 ألف شخص سنوياً، وفقاً لإحصاء البنك الدولي.

لا يخفى على أحد سيطرة النظام الحاكم على جميع وسائل الإعلام في مصر المقروءة والمسموعة والمرئية، فأغلبها خاضع لملكية أجهزته بشكل مباشر.

تعامل مصر مع الموقف حالياً اختلف عن السابق، فعلى رغم التزامها الصمت التام قبل 5 أعوام، سارعت هذه المرة إلى نفي أنباء أنها قدمت علاجاً لفيروس كورونا إلى الصين. وأعلنت وزارة الصحة في بيان، أن الزيارة جاءت في إطار حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على التضامن مع الصين حكومة وشعباً، نظراً إلى عمق العلاقات بين البلدين، وأن الوزيرة كانت محملة برسالة مواساة من الرئيس السيسي للشعب الصيني في وفاة ضحايا فيروس كورونا المستجد، إضافة إلى تبادل الخبرات والبيانات مع سلطات الصحة في الصين، التي منحت مصر 1000 كاشف عن الفيروس، والوثائق الفنية المحدثة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الصين لمواجهة الفيروس، والتقرير المشترك لخبراء منظمة الصحة العالمية والخبراء الصينيين حول الزيارة التفقدية الأخيرة التي قام بها وفد الخبراء إلى مناطق عدة في الصين.

ويبدو أن هدف الزيارة الفعلي هو حصول مصر على كواشف عن الفيروس المستجد، والإطلاع على خطة الوقاية الصينية أملاً بالاستفادة منها مستقبلاً، بخاصة أن مصر من الدول التي تمتاز بكثافة سكانية عالية، على الأقل هذه هي الأسباب الظاهرية حتى الآن.