fbpx

مشروع كوشنر: “أنا الجنازة والمشيعون معاً”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مشروع كوشنر ذاك لا يعدو أن يكون تمهيداً لسلسلة من مناقصات لمقاولي العالم، يساعد نتانياهو وترامب في انتخاباتهما المقبلة، ويحاول الانطلاق من واقع ممزق إلى شبكة لاصقة جديدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في فيلم عمر أميرالاي الرائع “هنالك الكثير مما يمكن أن يُقال بعد…”، مع سعدالله ونوس في أواخر حياته، قال سعدالله:

“حين زار السادات إسرائيل… لم أعرف كيف أصف شعوري… كان فيه شيءٌ من الذهول، على رغم أن تلك الزيارة لم تفاجئني”.

وفي يومٍ كانت الشمس فيه متألقة جداً، وعلى رغم أنني كنت محبوساً في الغرفة، وقد أغلقت النوافذ الخارجية والداخلية، وكنت أحسّ أن الشمس تتسلل من شقوق النوافذ، كأنها عدوانٌ على سكينتي الداخلية، جلست وكتبت “أنا الجنازة والمشيعون معاً”. وكان ذلك كما أذكر آخر نص كتبته وتلته فترة طويلة من الصمت.

بعدما أنهيت كتابة ذلك النص، قلت لنفسي إنني متعب وينبغي أن أذهب وأستريح في مكانٍ ما، حلب أو اللاذقية. لكنني كنت شديد التوتر، وأعلم أنني لن أستطيع السيطرة على نفسي. كان الوقت عند الغروب تقريباً، تناولت حبة منوم، لأخرج من حالتي، واستيقظت بعد ساعتين أشدّ ضيقاً وتوتراً. في تلك الليلة، أقدمت على محاولة الانتحار الجدية.

في “أنا الجنازة والمشيعون معاً”، الذي نشر في جريدة “السفير” آنذاك، قال سعدالله ونوس: “إلى أن أستردّ “لائي” المقموعة، ستظل الجنازة تمضي، ونحن وراءها نجرجر الأذيال”. وفي حواره مع عمر، قال: “إن المنطقة لن تصل إلى سلام ما لم يحصل تغيير جذري في الدول والمجتمعات العربية، وفي إسرائيل أيضاً”.

فهما شرطان متوازيان إذاً:

يتعلق أولهما بالدول والمجتمعات العربية، أو شرق الأوسطية، وتحوّل تلك البلدان من بلدان مفوّتة إلى بلدان حديثة، تعتمد على وجود مجتمع مدني قوي، ودولة مدنية يحكمها القانون ويسودها، ومجتمعات حرة لها دور رئيس في اختيار حكوماتها، وبرامج تنمية فعّالة وعضوية وعادلة اجتماعياً.  

هذا المضمون، الذي ما زال بعيداً، يتم تجاهله بأنانية مطلقة من قبل الحكام المصريين على السلطنة، بتشجيع خارجي عنصري قديم. وذلك كان سبباً في ما نشهده منذ الربيع الأول قبل 9 سنوات، ومن انتفاضات حالية ربما تكون ربيعاً ثانياً، معدّلاً بحيث يكون أكثر قابلية للنجاح. ولعل الأمر يحتاج إلى عقدٍ أو عقدين من الزمن، حتى نستطيع رؤية حالة صحية، إن قيض لنا أن نراها.

الصفقة التي يتم تدليلها بلقب “صفقة القرن” مثالٌ على المقاربة الخاطئة، الظرفية، التي لن تفعل إلا أن تزيد من تعميق المشكلة.

في حين يتعلق ثانيهما بإسرائيل، تلك التي تتمتع ببنية أكثر عصرية وحداثة، فيها تقدم وتصنيع واقتصاد ناجح، وفيها قانون وانتخابات حرة وحكومات منتخبة، وفيها تطور علمي لافت. وفي الوقت ذاته، ما زالت هناك فئات مفوّتة أيضاً في المجتمع الإسرائيلي، وبنية فيها من التهجين والتجميع أحياناً، وحالة يفوز فيها بالانتخابات من هو أكثر بطشاً، أو قدرة على حماية إسرائيل من “الوحوش” المحيطة بها، الأكثر ذهاباً إلى الحدّ الأقصى في الجشع والعنصرية والتطرف. وهذا الواقع كما يبدو، سيكون الجوّ السائد، إلى أن يرى الإسرائيليون أملاً حقيقياً بالسلام، ويدركوا أن هناك شركاء فيه، ويستجمعوا قواهم المعتدلة والسلمية والقادرة على التفاعل الإيجابي مع المحيط في الداخل والخارج. وقد لمعت بعض البوارق عند اندلاع الربيع العربي الأول، وسرعان ما فقدت القوة على الاستمرار لأسباب فيها ومن حولها. وإذا كانت “الدولة الدينية” مجرد إيديولوجيا حامية لبعض السلطات العربية، فهي عمى وعائق هائل أمام السلام والتوازن والاستقرار في الجانب الإسرائيلي، لا بدّ من مواجهة موضوعه باستراتيجية متينة وحديثة. ذلك الازدواج (يهودية سياسية بتنويعاتها- إسلامية سياسية بتنويعاتها) عائق كبير على الجانبين، مع تداخلات أحياناً.

الصفقة التي يتم تدليلها بلقب “صفقة القرن” مثالٌ على المقاربة الخاطئة، الظرفية، التي لن تفعل إلا أن تزيد من تعميق المشكلة، وإطالة الطريق إلى السلام والمستقبل المعقول والمقبول والملائم. والاحتفاء العميق بها في إسرائيل، والسطحي المتسرّع في بعض العالم العربي، لا يكفيان لإعطائها شرعيةً وأرضاً صلبة للتحقيق. في حين أن أولئك أيضاً الذين سارعوا إلى رفضها بعنف لفظي معتاد، واحتفوا بها كشيء يشغلهم ويشغل شعوبهم عن اهتماماتها الجوهرية، ليسوا أقل وأضعف خدمة لأغراض هذه الصفقة المطروحة أو نتاءتها.

ربما يجدر بكلّ المعنيين أن “يحسبوها صح”، وألا يستعجلوا إلى ردود الفعل الشكلية والعابرة، أولئك الذين يبادرون إلى قبولها أو تمرير موقف إيجابي منها، وخصوصاً أولئك الذين يحتفلون برفضها، واستخدام ذلك الرفض في تجديد سياسات عتيقة فشلت مراراً، وأكل الدهر عليها ولم يشرب بعد.

ولا يأخذ ذرة واحدة من الصدقية، موقف رافض على سبيل المثال من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- ويا ضيعان الاسم والبريق-، وقد ترافقه على الصفحة نفسها صورة احتفال لهذه الجبهة، التي تشكل جزءاً عزيزاً وحميمياً من شبابنا وعمرنا. وقد ظهرت أمام المنبر الكالح الشيب، صورة كبيرة تغطي الكادر لواحد من أقبح طغاة العالم وسفاحيه: بشار الأسد. يموت الناس مرة واحدة، ويموت جورج حبش الأسطورة بفكره ووطنيته ونقائه وأخلاقه يومياً. فكيف يكون الأمر مع “جبهات” أخرى أوغلت في ذلك الطريق منذ عقود، وأوغلت من ثمّ بدمائنا وشاركت بسفكه مباشرة. 

يحتفل الممانعون بأي “مؤامرة” طارئة تحيي مَوتهم، وينتفض المسايرون إذ يرون الأرض تنزلق من تحت أقدامهم، فلا عزيمة ولا همة لديهم للرقص معها، ولا كلماتٍ وقدرات خطابية تستطيع بعث تلك الصور القديمة. كان لياسر عرفات وأحمد ياسين بعض أصالة في أرض البساطة القديمة، لا يمكن لا لمحمود عباس ولا لاسماعيل هنية أن يجارياها، إلا على شكل هزلي وهازل.

الاحتفاء العميق بصفقة القرن في إسرائيل، والسطحي المتسرّع في بعض العالم العربي، لا يكفيان لإعطائها شرعيةً وأرضاً صلبة للتحقيق.

ولا نتحدث عن الجامعة العربية، وكلمات مندوبيها التي لا طنين ولا رنين لها، إلا بسبب الفراغ المحيط بها. وأنت تعرف تماماً أنهم يقولون ما لا يفعلون، علناً وبوضوح لا تشوبه شائبة. ويستفزك هؤلاء الذين لهم موقف متفاعل مع الصفقة أكثر من الممانعين لها ولكل شيء، لأنهم جاؤوا أساساً لغرض آخر إلى الاجتماع كما يبدو. رحم الله القذافي، فقد كان مهرجاً صريحاً على الأقل.

مشروع كوشنر ذاك لا يعدو أن يكون تمهيداً لسلسلة من مناقصات لمقاولي العالم، يساعد نتانياهو وترامب في انتخاباتهما المقبلة، ويحاول الانطلاق من واقع ممزق إلى شبكة لاصقة جديدة، تخلق كائناً مسخاً يأخذ من مشروع الدولة ثنائية القومية- التي ينبغي تقديمها إلى الواجهة الآن غالباً- من دون أن يعطيها، ولا يستطيع الحياة على ذلك الشكل إلا إن تحول إلى بلدٍ عجيب يشبه ذاك الذي تخيله جورج أورويل. إنه يكرس الظلم القديم الذي حاق بالفلسطينيين، ويثبّت الظلم الجديد، ويخلق حالة غير قابلة للحياة. ولكنه يحمل عوامل مادية ملموسة تنبغي مناقشتها وتفنيدها أو تأييدها بقوة التاريخ الواقع القائم والقانون الدولي، حتى لو بدرجة من المرونة تقتضيها استحالة الحل وحيد الاتجاه. فلم يعد “التحرير من البحر إلى النهر” واقعياً أو ممكناً، وإلا لعادت المطالبة بالقسطنطينية اليونانية، والأناضول الأرميني، وأميركا السكان الأصليين؛ من دون غض النظر عما يحمله التغيير أو العودة إلى الأصول من تمزيق ومذابح جديدة، عفناها وعافتنا بعد ما سال من دمائنا في العقد الأخير.

منذ مئة عام، اختارت عرائض نصف يهود فلسطين، المقدمة لبعثة مؤتمر صلح باريس (كنغ- كرين) أن تؤيد المشروع الصهيوني القائم على الهجرة وتأسيس دولة يهودية، واختار نصفهم الآخر تأييد المشروع إذا حصل تعديل عليه لا يهمل مصالح أهل الأرض. ولا يمكن الآن نجاح مشروع كوشنر إلا إذا كان هنالك أكثر من نصف قوي وفاعل في الجانب اليهودي، يرى السلام في التفاهم والألفة، ليبدأ التغيير الجذري الذي تكلم عنه في الجانب الإسرائيلي. والأهم منه والسابق عليه ربما، أن يحدث تغيير جذري في بنية النظام العربي- الإسلامي، والأنظمة المعنية في شرقنا الأوسط التعيس.

https://daraj.media/%d9%87%d9%84-%d9%85%d9%86%d8%ad%d8%aa-%d8%ae%d8%b7%d8%a9-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a8-%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%8048-%d9%85%d9%82%d8%b9%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a5%d8%b6%d8%a7%d9%81%d9%8a/
حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!