fbpx

التغيير الديموغرافي يُطبّق على نارٍ هادئة في عفرين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يُعاني النازحون، والمُقدر أعدادهم بأكثر من 170 ألف مدني، صعوبة الوصول إلى مدينة عفرين، بسبب منع الجيش السوري الحر والقوات التركية دخولهم المدينة، ورفض النظام السوري عودتهم مجدداً إلى نُبل والزهراء؛ فيلجأ الكثير منهم إلى المبين بمقربة من تلك الحواجز، وسط غياب للخيم والطعام والمياه. نتيجة ذلك، تزداد المخاطر على حياة المدنيين العالقين بين حواجز النظام والجيش الحر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دفعت الأوضاع المعيشية الصعبة في مدينة نُبل، الشاب بهزاد (اسم مستعار)، للعودةِ مع عائلته إلى منزله وسط مدينة عفرين، بعدما نزح منها نتيجة قصف الطائرات التركية الأماكن المأهولة بالسكان.

ساعات طويلة قضاها بهزاد مع أفراد عائلته، في الطرقات الجبلية المؤدية إلى مدينة عفرين. حين وصل بهزاد إلى منزله وجد عائلة عربية تسكنه.

طلب الشاب الكردي من العائلة أن تخرج من بيته، كونه صاحب المنزل، فجرى تهديده بالقتل. عرف منهم أن أحد أبنائهم ينتمي إلى الفصائل العسكرية التي دخلت مدينة عفرين مع الجيش التركي.

يقول بهزاد: “عُدت إلى عفرين، من دون أن أنتظر عودة الهدوء إلى المدينة، خوفاً من حديث الناس عن الدخول إلى المنازل وإسكان عوائل فيها بدل سكانها الأصليين. فكرت أن بعودتي سأحافظ على منزلي فلا يدخله أحد. فوجدت أنني أول الناس الذين اِستُوطنت منازلهم”.

لا يزال بهزاد يدق كل أبواب الفصائل الموجودة في عفرين، للعودةِ إلى منزله، لكنه لم يلقَ أي ردٍ، بل هُدد مرات عدة، وبقي مشرداً من دون مأوى يتنقل بين منازل أقربائه في المدينة.

يوم دخل مقاتلو الجيش السوري الحر عفرين، طردوا ثلاث عوائِل كُردية من قرية قره بابا في ناحية راجو، وأسكنوا 17 عائلة عربية فيها، وقامت تلك القوى باسكان 15 عائلة عربية في قرية عتمانا، وهؤلاء كانوا من عوائل المُقاتلين العرب أنفسهم.

ثم أسكن الجيش الحر 15 عائِلة عربية في قرية قتمي شرق مدينة عفرين. وقتمي هي قرية كردية إيزيدية فرّ سكانها خوفاً من المجازر والإجبار على تغيير المعتقد الديني. بالمقابل اسكن المقاتلون عوائِلهم في عددٍ من الوحدات السكنية داخِل مدينة عفرين طبقاً لشهادات من أهل القرية.

وبحسب نفس الشهود، قامت فصائل من الجيش السوري الحر بتوطين عشر عائِلات عربية في بيوت مُطِلة على سد بحيرة ميدانكي، تعود ملكيتها لسكان قرية نازا التابعة لناحية شران، وبحسب شهود عيان كانوا ضمن قافلة العودة إلى القرية، فقد قام عناصر الحاجز القريب من المنطقة بمنع الأهالي من دخول القرية وهددوهم بالسِلاح.

التهديد بالقتل في حالِ العودة

الحال ذاتها، تنطبق على أزاد، الذي تركَ منزله في إحدى قُرى بلدة راجو، وفر منها مع عائِلته إلى بلدة نُبل القريبة من عفرين، بعد أن قُصفت منازل القرية مراتٍ عدة، على رغم أنها لا تحوي مقارّ عسكرية.

قرر أزاد العودةِ إلى منزله، بعد أن عاد الهدوء إلى المنطقة، بشكلٍ نسبي، إلا أن اتصال أحد أقاربه في القرية منعه من العودة.

يروي أزاد مأساته: “وأنا في طريق العودةِ إلى قريتي من بلدة نُبل، تلقيت اتصالاً من أحد الأقرباء الموجودين في القرية، وكان قد سمِع أنني في طريق العودة، فطلب مني أن أبقى في بلدة نُبل، لأن عائِلة عربية ينتمي أفرادُها إلى الجيش الحر قد دخلت المنزل وقالت أن هذا المنزل أصبح لهم من اليوم، بحجة أنني كُنت متعاطفاً مع وحدات حماية الشعب. وأنهم في حال عودتي سيقومون بقتلي مع عائِلتي، دفعني الأمر للعودةٍ من حيث أتيت إلى نُبل”. وأشار أزاد إلى أنه لم يُشارك منذ اليوم الأول من الأحداث في سوريا إلى جانب أحد، لا سياسياً، ولا عسكرياً.

يواجه عدد كبير من العائِلات الكُردية صعوبات ومعوقات تحول دون عودتهم إلى قراهم ومنازِلهم؛ خصوصاً مع شيوع معلومات عن اعتقال شُبان بحجة الانتماء إلى وحدات حماية الشعب، ما أجبر الأهالي على البقاء في نُبل وتل رفعت. وتقوم الحواجز بفرض مبالغ مالية تفوق 500 دولار لتسمح لقسم من العوائل بالدخول إلى قُراها ومركز مدينة عفرين.

الفصائل تمنع المدنيين من دخول القُرى

منع فصيل جيش الشرقية بمنع سكان قرية حمام، التابعة لناحية جنديرس أهالي القرية من السكن في منازلهم، بينما حولوا المنازل المرتفعة والمؤسسة بشكلٍ جيد إلى مقار ومساكن لهم. إضافةً إلى منع الفصائل أكثر من 200 عائلة من أهالي قرية كفر صفرة التابعة لناحية جنديرس من العودة إلى منازلهم. ووفق ما ذكر مركز عفرين الإعلامي، فإن أهالي القرية ينتشرون في قرى حسيركة وديوان وحجيلار وجلمة، يقفون عاجزين أمام الشاحنات والعربات التابعة للجيش السوري الحر، التي تقل أثاث منازلهم إلى خارج القرية.

وأجبرت “حركة أحرار الشام الإسلامية”، أهالي قرية كوران في ناحية جندريس على الوقوف عند أطراف القرية، ومنعتهم من الدخول إليها، على رغم أنهم حصلوا على الموافقات التي طلبوها للدخول إلى منازلهم في القرية. وقدّرت مصادر محلية أعداد الأشخاص المنتشرين على أطراف القرية بـ300 شخص.

منعت فصائل الجيش السوري الحر أهالي قرية قرميتلق التابعة لناحية شيه (شيخ الحديد)، من العودة إلى منازلهم، وقسمت العوائل إلى مجموعات، كل مجموعة في منزِل. فيما حولت عدد من المنازل إلى مقار عسكرية بعد أن استولت عليها.

وجلب الجيش السوري الحر 3 عوائلِ، واختار لها منازل في قرية كاخوري التابعة لناحية ماباتا. إضافةً إلى توطين عائلاتهم في قريتي ميدان اكبس وموساكا الحدوديتين. وحصلت عمليات توطين عوائل من المخيمات المنتشرة بريف مدينة إدلب، في منازِل المدنيين في مركز ناحية جنديرس.

استقدم المسلحون التركمان، عوائِل تركمانية من مدينة إعزاز وقُدمت لهم منازِل سكنية في قرية قرنة التابعة لناحية بلبله، وقرية باسوفاني التابعة لناحية شيراوا.

هدم منازل المدنيين وحرقها

كشف مركز عفرين الإعلامي نقلاً عن مصادر محلية، إقدام الفصائل السورية الموالية للقوات التركية على حرق منازل المدنيين في قرية ميدان اكبس شمال غربي مركز مدينة عفرين، عُرِفَ منها منازل كل من محمد خضر محة، كمال حنان، أغا بيت كشة.

يقوم مركز عفرين الإعلامي بتوثيق الانتهاكات، بخاصة تلك المرتبطة بتوطين عوائل سورية عربية في عفرين، إضافةً إلى توثيق التغيير الديموغرافي وانتهاكات بحق أصحاب المنازل.

يؤكد المركز عبر أحد العاملين فيه والذي رفض ذكر اسمه أن تلك الفصائل تسعى الفصائل لإحداث تغيير ديموغرافي حقيقي في منطقة عفرين، ويُشير إلى أن “النازحين عادوا ونزحوا مُجدداً بعدما تم الاستيلاء على منازلهم، وتوجهوا نحو حلب والشهباء والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، إضافةً إلى وجود عددٍ من العوائل في قراهم لدى أقربائهم بانتظار حل يُعيد لهم منازلهم”. ووصف الوضع في مدينة عفرين بالكارثي، لأن هناك مخططاً يستهدف طبيعة المنطقة والمدنيين الكُرد فيها.

دعوات رسمية للتوطين

أكد المتحدث باسم “فيلق الرحمن” في يوم 25 مارس\ آذار، إنهم يتواصلون مع الحكومة التركية والجيش السوري الحر والحكومة السورية الموقتة، لتوطين مهجري الغوطة الشرقية في منطقة عفرين. وأضاف المتحدث في تصريحٍ له لوكالة “سمارت للأنباء”، إنهم يأملون بالوصول إلى الموافقة على طرحهم.

قدر وائل علوان، المتحدث باسم فيلق الرحمن، أعداد المقاتلين مع عائلاتهم بأكثر من 40 ألف شخص، 7 آلاف منهم من مقاتلي الفيلق المنسحبين من الغوطة الشرقية.

وقد نقل الجيش السوري الحر 50 عائلة عربية هجرها النظام السوري من الغوطة الشرقية إلى ناحية جندريس غرب مدينة عفرين، وأسكنها في منازِل المدنيين.

المهجرون الكُرد: الخط الفاصل بين النظام والمعارضة

من جهتها قالت مُنظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن “قوات الحكومة السورية تمنع بعض المدنيين الفارين من العمليات العسكرية التي تقودها تركيا في عفرين من دخول الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة. تقطعت السبل بالمدنيين في مناطق ذات موارد محدودة من الغذاء والمياه نظيفة والإمدادات الطبية. على السلطات الحكومية السورية تسهيل حرية التنقل وتقديم المساعدات إلى المدنيين المتضررين”.

أفادت مصادر محلية من مدينة عفرين، بأن حاجز قرية الباسوطة منع مرور قافلة مدنية لأكثر من 300 عربة، لمئات العوائل، أغلبهم من الأطفال وكبار السن. وأشارت إلى المصادر أن حواجز النظام السوري في قرية سوغناكه بناحية شيراوا تمنع المدنيين من العودة إلى أماكن نزوحهم. وخيم النازحون بالقُرب من الحاجز، وداخل سياراتهم، وسط أوضاعٍ إنسانية صعبة، من دون طعام أو أدوية لكبار السن.

واعتقلت قوات النظام السوري على حاجز قرية دير جمال، شمال مدينة حلب، الشبان المطلوبين لخدمة جيش النظام السوري. وسبق أن اعتقلت عشرات الشُبان على حاجز قرية برج القاص، وأفرجت عنهم بوساطات شعبية.

يُعاني النازحون، والمُقدر أعدادهم بأكثر من 170 ألف مدني، صعوبة الوصول إلى مدينة عفرين، بسبب منع الجيش السوري الحر والقوات التركية دخولهم المدينة، ورفض النظام السوري عودتهم مجدداً إلى نُبل والزهراء؛ فيلجأ الكثير منهم إلى المبين بمقربة من تلك الحواجز، وسط غياب للخيم والطعام والمياه.

نتيجة ذلك، تزداد المخاطر على حياة المدنيين العالقين بين حواجز النظام والجيش الحر، إذ توفيت امرأة خمسينية تدعى خالدة عثمان على حاجز لجيش الاحتلال التركي في قرية كيمار، بسبب تفاقم مرضها ونقص التغذية، وفق ناشطين نقلاً عن ذويها، ولا يزال مصير مئات العالقين المسنين في خطر.