fbpx

ما لا تعرفونه عن عكّار… سأخبركم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“شو إجاكي بنت أو عسكري؟” إنها النكتة الأكثر تداولاً عن عكار. فعلاً لا يكاد يخلو بيت في عكار من “عسكري”، فأصبح لقب “خزان الجيش”، يرافق كلمة عكار في الإعلام وبخاصة عند أي حادث يتعرض له الجيش.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“شو إجاكي بنت أو عسكري؟” إنها النكتة الأكثر تداولاً عن عكار. فعلاً لا يكاد يخلو بيت في عكار من “عسكري”، فأصبح لقب “خزان الجيش”، يرافق كلمة عكار في الإعلام وبخاصة عند أي حادث يتعرض له الجيش. يكفي أن تسلك طريق عكار لترى بعينيك أعداد العساكر الذين قد تصادفهم. 

“لحم كتافنا من ورا الجيش”، جملة أخرى تسمعها أيضاً كلما انتقدت هذه المؤسسة أو تفوهت بكلمة قد يعتبرها البعض إهانة للجيش. هذه العبارة لا تقال خوفاً من الجيش كما يحصل في بعض الدول الشقيقة والصديقة بل تُقال امتناناً لهذه المؤسسة التي يعتبر العكاكرة أنها الوحيدة التي نظرت إليهم على أنهم مواطنون لبنانيون وساهمت في نهضة قراهم النائية.

ولكن هذا الارتباط بين عكار والجيش طغى على كل ما عاداه. تاريخياً، العكاري هو فلاح، نقطة قوته هي الطبيعة الخصبة والأراضي المروية، والتدرج في الارتفاع، الأمر الذي أعطى لعكار ميزة التنوع في المحاصيل. الزراعة كانت من أهم أسباب ضمّ عكار إلى دولة لبنان الكبير. عكار تحتل المرتبة الثانية بعد البقاع من حيث المساحات المزروعة والإنتاج الزراعي. لكن “صيت” عكار الزراعي يكاد لا يذكر. قلّة من الناس تعرف أن نسبة كبيرة من استهلاكها للخضار والفواكه يأتي من عكار. الأغلبية تعتقد أننا لا ننتج سوى “عسكر”.

تسمع عن تفاح العاقورة وبشري ولكن لن تسمع أحداً ينادي على تفاح فنيدق أو عكار العتيقة. الكرز والمشمش العرسالي له مقام على الرفوف أما كرز جرد القبيات فقلة تعرفه. لم يرتبط اسم فواكه الخرمى أو الكاكي ببلدة بزبينا مع أنها من اوائل من زرعها. قمح سهل البقاع تحاك عنه قصص أما قمح منطقة الدريب فلا أحد يعرف أنه كان المفضل لدى السلاطين كما روى لي أحد كبار السن من منطقة النورة العكارية. يتباهون بزيت الكورة أو زيت الجنوب المقاوم ولا أحد يعرف أن زيت شدرا وزيت بينو يصدران إلى الخارج. تتفاخر المطاعم بالنبيذ اللبناني أو العرق الزحلاوي وما من أحد يسوق العرق البلدي العكاري. يكاد يكون الشنكليش المنتج الوحيد الذي يرتبط بقرية رحبة العكارية.

السياحة البيئية من القطاعات الوحيدة التي تشهد نمواً ملحوظاً في عكار ويعود الفضل بذلك إلى مبادرات فردية مثل مجموعة “درب عكار” أو “مجلس البيئة في القبيات”، وبفضل هذه الجهود الجبارة أصبحت عكار مقصداً لهواة رياضة المشي والتخييم، في محاولات لخلق هوية جديدة لعكار: عكار المناظر الطبيعية ودروب المشي، عكار وغاباتها الفريدة وأشجارها المعمرة. وكان هذا الباب، فرصة أيضاً لإتاحة فرص عمل ولو قليلة لعدد من شباب عكار، كأدلاء جبليين يرافقون الهاربين من زحمة المدن وغابات الاسمنت الى دروبها. أصبحت أسماء قرى كفنيدق، القبيات، مشمش، عكار العتيقة معروفة ويشار إليها على أنها الأجمل في لبنان من حيث الطبيعة والغابات وازدهرت فيها بيوت الضيافة. 

السياحة البيئية من القطاعات الوحيدة التي تشهد نمواً ملحوظاً في عكار ويعود الفضل بذلك إلى مبادرات فردية.

أتاح لي عملي في السنوات العشر الأخيرة أن أكوّن علاقة مباشرة مع تعاونيات وجمعيات وأفراد استثمروا في القطاع الزراعي والإنتاج الغذائي في منطقة عكار، بعض المبادرات نجحت وبعضها فشل ولكن المشكلة الأساسية تكمن في غياب عنصر الشباب. شباب عكار يلتحقون بالجيش أو ينزحون نحو المدن بحثاً عن عمل. معدل أعمار أعضاء التعاونيات يتجاوز الخمسين وقلة من الشباب ترى جدوى من الانخراط في العمل التعاوني. الشباب مقتنعون بأن لا مستقبل في القطاع الزراعي معللين ذلك بالمشكلات التي تواجه هذا القطاع. حتى أولئك الذين يتخصصون بالهندسة الزراعية أو التصنيع الغذائي ليسوا مهتمين بالبقاء في قراهم والاستثمار فيها.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الأمن الغذائي وهذا أصبح هاجس اللبنانيين وكثرت الأسئلة: هل المجاعة آتية؟ أتفهم ابن بيروت وهواجسه لكن عندما يصدر السؤال عن ابن عكار أضحك كثيراً.

منذ بدايات الثورة أردد دائماً أمام الأصدقاء أن الثورة الحقيقية ستنضج عندما يبادر شباب عكار وشاباتها، إلى احتلال التعاونيات وتحويلها إلى كولخوزات ومن معرفتي ببعض رؤساء التعاونيات أعرف أنهم ينتظرون ثورة كهذه. ويتجلى ذلك بالكثير من اللقاءات التي تنظمها التعاونيات مع ممولين وجمعيات دولية لحث الشباب على الانخراط في القطاع الزراعي، وأبرز مثال كان اللقاء الذي دعت إليه التعاونية الزراعية في القبيات، وكان لافتاً جداً الحضور الشبابي والاهتمام بالاستثمار في المجال الزراعي.

في عكار عدد لا بأس به من التعاونيات، بعضها بامكانيات صغيرة وبعضها بإمكانات تضاهي القطاع الخاص وقد استطاعت بعض التعاونيات أن تبني شبكة واسعة من العلاقات مع ممولين وجمعيات دولية يمدونهم بالمعدات أو بالخبرات التقنية والعملية التي يطلبونها ولكنهم ما زالوا يعانون من المشكلات نفسها: غياب التصريف والاعتماد بأغلب الأحيان على المعارض والمهرجانات والاكتفاء بتصنيع منتجات المونة بدل إنتاج أصناف جديدة من المنتجات ذات القيمة المضافة. 80 في المئة من منتجاتنا مستوردة ونسبة كبيرة منها وبمجهود صغير نستطيع تصنيعها. من الفواكه والخضار المجففة إلى عدد كبير من الصلصات، وصولاً إلى أنواع جديدة من الأجبان، ولكن هذا كله يحتاج إلى طاقات شبابية تعرف حاجات الأسواق تتعلم طرائق التصنيع وتأخذ المبادرة وتنطلق.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الأمن الغذائي وهذا أصبح هاجس اللبنانيين وكثرت الأسئلة: هل المجاعة آتية؟ أتفهم ابن بيروت وهواجسه لكن عندما يصدر السؤال عن ابن عكار أضحك كثيراً، وذلك لأن المدينة آنستنا اننا فلاحون، صحيح انني لا اعرف كيف “أنكش” الأرض ولم أتعلم من أبي زراعة البطاطا أو الاعتناء بالزيتون وكنت دائماً أفضل النوم عوضاً عن مساعدته في الأعمال الزراعية، إنما في داخل كل عكاري فلاح مخفيّ وربما حان وقت إخراجه.