fbpx

هلع ونسويات وكورونا: الانتفاضة تسجّل ثلاثيّتها ضد السلطة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم الظروف الصعبة في البلد، فقد صوّب الصراع ضد السلطة من جديد، وأظهر التكامل والنضوج في خطاب الانتفاضة، من العمل النقابيّ فالعمل النسويّ فالمواجهة المباشرة في السياسة والاقتصاد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم تسِر نشاطات الأحد، 8 آذار/ مارس، كلها بالشكل المخطّط له. لكن لا يهم، فالرسالة بلغت المعنيّين وغيرهم، على الأصعدة كافة. عموماً، عُلّقت النشاطات بسبب التطوّرات الصحيّة، أي انتشار فايروس “كورونا” في لبنان من المرحلة الثانية إلى المرحلة الثالثة. فمنذ أسبوعٍ، طمأننا وزير الصحّة إلى أن “لا داعي للهلع”، من دون أن يتّخذ أي إجراءٍ وقائيٍّ جدّي، ومنذ أيّام، ظهر من جديد ليبشّرنا بأن الأمر خرج عن السيطرة ولم تعد الإصابات تقتصر على المسافرين. وفي واقعٍ كواقعنا، أي في دولة مترهّلة وسلطة مستهترة، يبدو تعليق النشاطات والتزام حجورنا الصحيّة المنزليّة الخيار الأمثل، وطبعاً ضرورة ضبط التجمّعات – إلى حدٍّ ما. 

ما المقصود بهذا الـ”حدّ ما”، وما كان مقرّراً أصلاً لهذا الأحد، 8 آذار؟ عالمياً، إنّه اليوم العالمي للنساء، ومحليّاً، هو موعد إجراء انتخابات مجلس المندوبين في نقابة المهندسين، وفي السياق العام هو اليوم الـ144 في انتفاضة لبنان 2019/2020. وعلى هذا الأساس، كانت تحرّكات اليوم.

بتفاصيل المحطّة الأولى: “النقابة تنتفض”. استطاع الشارع أن يُشكّل لائحة بهذا العنوان، تضم ما يقارب الـ150 مرشّحاً (عدد مجلس المندوبين 253) ليخوضوا المعركة ضدّ أطراف السلطة. لائحة تضم شبّاناً وشابات تجمعهم رؤية مشتركة للنقابة ودورها في البلد، بعيداً ممّا ترتكبه اليوم في تشريع التعديات واختزالها بشركة تأمين. واللافت أنّ معظم هؤلاء، عند إعلانهم ترشّحهم على صفحات التواصل الاجتماعيّ، استعملوا صورةً لهم في الشارع خلال الانتفاضة، بعيداً من الرسميّات والصور النمطيّة، وهي صور تعيد لك الأمل بأنّهم سيعيدون هذه النقابة إلى موقعها الطبيعيّ. أمّا ما حصل على أرض الواقع، فكان تأجيل الانتخابات بسبب الظرف الصحيّ – استنسابيّاً، ذلك لأنّ في نقابة طرابلس ما زال الاستحقاق جارياً والتأجيل طال حصراً انتخابات بيروت. ولكن في كلّ حال، كانت الغلبة في طرابلس للوائح الانتفاضة والمستقلّين، على عكس توقّعات السلطة. وحول التناقض في الموقف من التأجيل، تقول جنى نخّال (مهندسة مرشّحة على لائحة “النقابة تنتفض”) لـ”درج”: “ببساطة، أجّلوا انتخابات بيروت لأنّ فيها لائحة موحّدة للمجموعات في الانتفاضة وكان يمكننا أن نحقّق شيئاً ما. طبعاً لا أقلّل من شأن الفايروس المنتشر وضرورة الوقاية، ولكن أقول ذلك تعقيباً على القرار الاستنتسابي. شو ما في كورونا بطرابلس؟ أو ما في لائحة موحّدة ضد السلطة بطرابلس؟ هنا تتّضح المسألة. في بيروت، إن أجريت الانتخابات وحقّقنا ما كنّا سنحقّقه – ذلك لأن حظوظنا كانت عالية جداً، فهذا يعني أنّنا كنّا سنفوز بأكثرية مجلس المندوبين، وهذا يعني أنّنا كنّا سنحسم هيئات الفروع لمصلحتنا، وهذا يعني تغييراً في سياسات المهنة بذاتها، أي إعادة تعريف ماهية هذه المهنة وما موقعها في المجتمع عموماً، وليس على مستوى المهندسين والمهندسات وحسب”.

“النقابة تنتفض”. استطاع الشارع أن يُشكّل لائحة بهذا العنوان، تضم ما يقارب الـ150 مرشّحاً (عدد مجلس المندوبين 253) ليخوضوا المعركة ضدّ أطراف السلطة.

ثم تضيف نخّال، حول بقية نشاطات يوم الأحد: “كان من المفترض أيضاً أن نتلو كلمة خلال الانتخابات (ستُسجَّل وتُنشر على مواقع التواصل) حول اليوم العالمي للنساء، الذي يُصادف أيضاً في 8 آذار، وفيها نشرح لماذا أردنا أن تنطلق المسيرة الأولى من أمام النقابة، لربط هذه المناسبة بالعمل النقابيّ. وفي هذا السياق، نقول إنّ على النقابات أن تطّلع على حقوق النساء بالعمل وحقّهنّ بمكان عملٍ آمن، وتشجيع النساء على الانخراط في العمل النقابيّ. فكما هو واضح، المنظومة الحاليّة تستغل العمّال في الدرجة الأولى، لكنّها في الدرجة الثانية تستغلّ النساء من جديد، لا لشيءٍ سوى لأنّهنَّ نساء”. وما هذا سوى تأكيد أنّ معركة مواجهة السلطة في النقابات ومعركة التحرّر من المنظومة البطريَركية، هما معركة واحدة.

أمّا المجموعات الداعية إلى التظاهرة، فقرّرت تأجيلها نظراً إلى الظروف الصحيّة، فالدولة مستهترة تماماً بهذا الشأن. إلّا أن النشاط بقيَ قائماً بمن أراد المشاركة. ومرّت المسيرَتَان من أمام المتحف – رمزاً لحفظ التاريخ وهنا الحديث عن تاريخ نضال النساء وتجاربهنّ، ونقابة الهندسة كما أشرنا، والكولا – “مكان التظاهرة الأولى لحراك المخيمات خارج جدرانها”، ثم جامع عبد الناصر – حيث كانت نقطة التجمّع لأهالي المفقودين خلال الحرب الأهلية، ثم تقاطع بشارة الخوري – بجوار الأمن العام للإشارة إلى القمع المُمارس من السلطة تجاه غالبية فئات المجتمع لا سيّما المهمّشة منه، فوزارة المالية – احتجاجاً على السياسات الماليّة والاقتصاديّة الجائرة، وختاماً في ساحة رياض الصلح، الاستحقاق الثالث والأخير لهذا اليوم الطويل، أي مقابل السراي الحكومي ومجلس النوّاب وشارع المصارف ما بينهما. ويأتي موعد هذا التجمّع مع استحقاق دفع سندات اليوروبوندز أو التمنّع عن ذلك وإعادة هيكلة الدَين العام.

لم يكن هذا الأحد إذاً عاديّ، على رغم الظروف الصعبة في البلد، فقد صوّب الصراع ضد السلطة من جديد، وأظهر التكامل والنضوج في خطاب الانتفاضة، من العمل النقابيّ فالعمل النسويّ فالمواجهة المباشرة في السياسة والاقتصاد. فالسلطة، وعلى مدى قرونٍ ثلاثة، أمعَنَت استغلالاً بكل ميادين الحياة، وحان الوقت لتردّ الفئات المتضرّرة الصاع صاعَين، أو ثلاثة كما حصل اليوم. سوف يستعيد الشارع نقاباته ويسخّرها في خدمة فئات المجتمع، وسوف يعمل الثائرون والثائرات على هدم النظام الأبويّ القاتل، وستستمرّ الانتفاضة إلى حين الانتقال إلى نمط حياةٍ أكثر عدالة، بعيداً من استغلال العمّال والنساء والإنسان عموماً.