fbpx

الانتخابات التربوية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

شكلية ديكور هيئة الاشراف على الانتخابات تندرج في آلة ضخمة لم تبدأ العمل مع هذا الاستحقاق ولن تتوقف بعده. هي آلة ذات همّ تربوي بمعنى صوغ المواطن اللبناني وتطلعاته وآماله بما يتوافق مع ضيق العيش فيه، وضيق أفق سياسييه وتقديم التغيير، سواء من الداخل او الخارج، كاستحالة لا تقل عن محاولة كسر الحائط بالرأس العاري.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استقالت سيلفانا اللقيس من هيئة الاشراف على الانتخابات النيابية اللبنانية احتجاجاً على عدم أداء الهيئة مهماتها واقتصارها على أداء دور “الديكور الانتخابي”. وزير الداخلية ردّ باعتبار الخطوة “يأساً من القدرة على التغيير” متمنياً أن تعود السيدة سيلفانا عن استقالتها.

تشبه الاستقالة والردّ عليها سجالات كانت تجري في فترة انحسار الأحزاب اليسارية، عندما كانت القيادة تطالب المستقيلين من الاحزاب والمنشقين عنها “بالعودة الى صفوف الأحزاب “والعمل على التغيير من الداخل”. كانت القيادة تتجاهل أن الاستقالة جاءت رفضاً لنهج غير قابل للتغيير وأن “العمل من الداخل” هو رابع المستحيلات بل خامسها وسادسها.

وفي حالة هيئة الاشراف على الانتخابات، سيكون “التغيير” الذي تحدث عنه المكتب الاعلامي لوزير الداخلية مجرد تغيير للديكور الذي اشارت اليه السيدة اللقيس مُقدِّمة لائحة بمآخذ تبدأ برفضها ان تكون “شاهدة زور” ما يضفي قدراً من الجذرية غير قابلة للتجاوز بين الموقفين.

بيد أن شكلية ديكور هيئة الاشراف على الانتخابات تندرج في آلة ضخمة لم تبدأ العمل مع هذا الاستحقاق ولن تتوقف بعده. هي آلة ذات همّ تربوي بمعنى صوغ المواطن اللبناني وتطلعاته وآماله بما يتوافق مع ضيق العيش فيه، وضيق أفق سياسييه وتقديم التغيير، سواء من الداخل او الخارج، كاستحالة لا تقل عن محاولة كسر الحائط بالرأس العاري. يسعى القائمون على هذه الآلة التربوية الى اقناع اللبنانيين بأنهم يعيشون عهداً من القوة والاستقرار لم يشهد البلد مثيلاً له، ويطلبون من خلال هذه الانتخابات تمديد زمن القوة والكرامة والانتصارات والاستقرار، فيما يقدمون صور المأساة السورية ويستعيدون صور الحرب الأهلية كبدائل وحيدة عن استمرار سيطرتهم على لبنان. لا ضرورة في أن يكون السياسيون اللبنانيون واعين بهدف ترويض المواطن وتربيته. فعندما تدور الالات لتخرج منتجات جاهزة، تتراجع أهمية وعي الصانع.

الخوف من مصير مشابه للدول المجاورة أو من اعتداء اسرائيلي وشيك، يرفده ضخ للخوف من الشريك في الوطن. ملء الأدمغة والألسن بـ”داعش” مهمة يسيرة ما دامت سيرورة التورط في الحروب السورية، كسلسلة مفهومة من الأفعال والردود عليها، غير قابلة للنقاش. والترهيب من سيطرة إيران على العاصمة بيروت بضاعة سهلة الترويج، وكأن المدينة قادرة على الوقوف وحدها في وجه التمدد الايراني اذا انتخبت لائحة أكثرها من المجهولين فيما يغطي ظلُ قاسم سليماني أربع دول عربية.

يضاف الى هذه الأدوات التربوية لائحة من الممارسات اليومية، مثل نشر الصور الضخمة على نحو يشكل تلوثاً بصرياً في حيز يشكو من كل أنواع التلوث، ومثل المواكب الصاخبة واقفال الشوارع قرب بيوت المسؤولين واحاطة هؤلاء أنفسهم بأعداد لا تحصى من المرافقين شاكي السلاح ذوي الميول السادية المستمتعين بإهانة المواطنين إذا صدف أن مرّ واحد منهم أمام موكب المسؤول – الزعيم – نصف الإله.

لا يعني ذلك أن ما من أخطار أمنية على حياة السياسيين اللبنانيين. فسجلّ الاغتيالات في بلدنا حافل وطويل. لكن الاغتيالات شملت أيضاً مثقفين وكتاباً ونقابيين وناشطين مختلفين، ما يجعل من الصعوبة بمكان حماية كل المنتمين الى هذه الفئات من جهة، ويهمل حقيقة ان الاغتيالات يرتبط أكثرها بمناخات ومعطيات غالباً ما تكون معروفة عند كثر من بينهم مواطنون عاديون، من جهة ثانية.

عليه، تكمن أهداف الحماية الاستعراضية والمشهدية والمواكب المؤللة، ليس فقط في رفع الخطر عن حياة المسؤول الرسمي او الحزبي بل أيضاً في إقناع العامة بلا عقلانية تغيير المسؤولين وانزالهم عن عروشهم وإخراجهم من سياراتهم المصفحة ومساءلتهم. فهم ليسوا “موظفين عموميين”، إذا صحّت ترجمة هذه العبارة عن الانكليزية، بل هم احفاد من ارتقوا سلالم السلطة بقوة العصبية والمال والتوكيل الالهي او الوراثي غير القابل للعزل. يبرر هذا الاستنتاج بؤس الحياة الذي تكابده اكثرية الناخبين وصعوبة وضع أي برنامج انتخابي على طاولة التشريح والنقاش، اللذين يتعرض كل من يسعى اليهما الى اتهامات مسبقة التوضيب، كالخيانة وخدمة العدو الصهيوني وتلقي الاموال من السفارات الاجنبية او انتزاع القرار من الطائفة المعصومة.

وتقدم الحملة الانتخابية التي تخوضها ماكينات اللوائح الكبرى، الممثلة كلها لتحالف السلطة، صورة عن التربية المأمولة للمواطن المؤيد للتيار السياسي العريض في طائفته من دون قدرة على المحاسبة. هي، في العمق، حملات تربوية وليست انتخابية ذلك انها تُبقي المنافسة بين البرامج وكفاءات المرشحين في مواقع متدنية لا قيمة فعلية لها في تشكيل السلطة التشريعية التي يمكن بسهولة الاستغناء عنها بمجلس ملّي مؤلف من ستة اشخاص يعرفهم اللبنانيون منذ عقود ويمثلون الطوائف الرئيسة.

الصور هائلة الأحجام والمواكب والسلاح الظاهر، دروس يومية في استعصاء التغيير ومساهمات في تربية المواطن المثالي المطالب بالخضوع أو الرحيل، فإذا تنازل مرشح وتقرب من ناخب محتمل، عدها هذا الاخير مكرمة من سيد الى عبد أقسم أن يبكر صباح الانتخابات ليكافئ المنعم على نعمته.