fbpx

ساحات الاحتجاج العراقية: المتظاهرون نهاراً والملثمون ليلاً ..

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم أخرج إلا بعدما عُرضت عليّ صور لي أخذت بأوضاعٍ مُهينة أثناء التعذيب، وطُلب مني أن أوقع على ورقة وأبصم من دون معرفة محتواها ومن جعلني أبصم حذرني من العودة إلى ساحة الاحتجاج لأن ثمن هذه الورقة غالٍ.”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“لا أدري حتى الآن إذا كُنت مسجوناً أو مختطفاً. حتى أنني كنت عاجزاً عن إحصاء أيام اختفائي، إلا بعد خروجي، حين أخبرتني زوجتي أنها كانت 10 أيام، فالغرفةُ التي وضعت فيها كانت بلا ملامح، مظلمة تماماً. وحين كنت أتعرض للتعذيب، لم أكن قادراً على رؤية من يعذّبني. كانوا يستخدمون مصباحاً كهربائياً ليُضيء ما حولهم، ومن قوّة الضوء لم أكن أرى شيئاً”. 

تصاعدت حالات خطف ناشطين عراقيين مؤخراً، يروي أ. أ. حكاية اختطافه، أو اعتقاله، فهو حتى الآن وبعد خروجه لا يعرف الجهة التي اختطفته وعذبته وهو في طريقه عائد الى منزله.  يقول لـ”درج”: “بعد خروجي من ساحة التحرير، متجهاً إلى أحد فروع منطقة البتاويين، إلى محل لبيع المشروبات الكحولية قبل العودة إلى المنزل، إلا أن سيارة نوع (مونيكا) بيضاء، أعاقتني، وقبل أن أعي ما حولي، سحبني شخصان من الملثمين والمسلحين إلى داخل السيارة. ضربة واحدة على رأسي أنستني كل شيء، ولم أفق إلا في غرفةٍ ظلماء.”

لم يكن أ. أ. لوحده داخل الغرفة، كان معه 5 أشخاص أيضاً، تم اعتقالهم كل واحد في مكان. يضيف: “كلٌّ منا تعرض للتعذيب بشكل منفرد. وأنا لم أخرج إلا بعدما عُرضت عليّ صور لي أخذت بأوضاعٍ مُهينة أثناء التعذيب، وطُلب مني أن أوقع على ورقة وأبصم من دون معرفة محتواها”. وتابع: “من جعلني أبصم على هذه الورقة حذرني من العودة إلى ساحة الاحتجاج لأن ثمن هذه الورقة غالٍ.”

خرج أ. أ. من معتقله، من دون أن يعرف مصير من كانوا معه، ولم يعد يزور ساحات الاحتجاج بعدما استعاد حريته في 15 شباط/ فبراير 2020.

وحكاية اختطاف وتعذيب أ.أ ليست حدثاً معزولاً بل باتت أمراً يتكرر مع ناشطين كثر في الحركة الاحتجاجية العراقية التي شهدت من سيطرة “سرايا السلام” التابعة للزعيم مقتدى الصدر على الساحات تصعيداً في العنف والقتل المباشر والاغتيال والاختطاف بحق ناشطين عراقيين.

متظاهرون في ساحة البصرة

مفقودون

من يزور ساحات التظاهر سيسمع الكثير من الحكايات والوقائع الصادمة، فجاسب الهليجي، الرجل الخمسيني الذي يجوب ساحة التحرير، ليس متظاهراً هُناك، بل هو يلوذ بذاتهِ إلى تلك الساحة التي ابتلعت ولده في أحد الأيام، ولم يعرف مصيره حتى الساعة. يقول الهليجي “فقدت ولدي علي منذ 10 كانون الثاني/ ديسمبر، ولم يعد حتى اللحظة.” وعلي البالغ من العمر 18 سنة لم يعد إلى منزله في تلك الليلة، وبقي والداه بانتظاره من دون جدوى. يقول أبو علي: “خرجت وبحثت عنه في الساحة وسألت زملاءه عنه، لكنهم أكدوا لي أنه استقل سيارة أجرة من تقاطع تمثال السعدون عائداً إلى المنزل.”

لجأ أبو علي إلى مركز الشرطة، وأبلغ عن اختفاء ابنه، إنما حتى الآن لا خبر. يردف: “أنا راضٍ في حال قُتل لكنني أريد جثمانه على الأقل لدفنه، ومعرفة مكان قبره وزيارته بين الحين والآخر.”

ساحةُ التحرير ليلاً تختلف عنها مساءً، هذا ما يؤكده نشطاء. يقول ب.ح. لـ”درج”: “لم تعد ساحة التحرير تضجّ بالمتظاهرين كالسابق، على رغم مبادراتٍ يقوم بها طلاب المدارس وبعض النساء والشباب لإعادة تفعيل ساحة التظاهر، إنما ما أن يأتي الغروب حتى تبدأ العصابات بالسيطرة على المكان”.

فيديوات تنشُرها جهاتٌ تابعة لبعض الفصائل المسلحة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تُدينُ الموجودين في ساحة التحرير ليلاً. س.ع. تابعٌ لسرايا السلام يعمل على نشر هذا النوع من الفيديوات بشكل يومي ويقول: “أنا أصور الصراعات داخل ساحة التحرير ليلاً بين الأفراد في خيم التظاهرات هُناك.”

ويؤكد ب.ح. أن هذه الصراعات الليلية تتولاها ميليشيات مسلحة مندسة داخل ساحة التظاهر، لتتهم بها المتظاهرين وتشوه صورة التظاهرات. ويقول “المتظاهرون الفاعلون والناشطون الحقيقيون أصبحوا يغادرون ساحات التظاهر ليلاً ولا يزورونها إلا عند النهار ويلازمون الساحة حتى الغروب ثم يعودون إلى منازلهم خوفاً من عمليات الاعتقال والاختطاف هناك.”

سلسلةُ اغتيالات 

الأسبوع الثاني من آذار/ مارس 2020، شهد سلسلة اغتيالات تعرض لها متظاهرون في الساحات. وربما البداية كانت مع اغتيال المحامي كرار عادل في محافظة ميسان، حين كان ومعه الناشط والمسرحي عبد القدوس قاسم يستقلان سيارة نوع “كيا ريو”، واثناء مرورهما في الحي الصناعي عند العاشرة مساءً من تاريخ 10 آذار، أطلق النار عليهم مسلحون ملثمون كانوا يستقلون دراجة نارية، ما أدى إلى مقتل الناشطين فوراً.

تؤكد حنين، زميلة عبد القدوس أن “الكثير من منشوراته الأخيرة كان يشير إلى أنه مُتيقن من أن نهايته قريبة، كان ذلك واضحاً من خلال تأكيد عبد القدوس أن الموت على بعد امتارٍ منه وأن يد الفصائل المسلحة ستطاوله.”

انتهى الأسبوع الثاني من آذار باغتيال الناشط ساجب البندر في محافظة البصرة بعد مغادرته المسجد عند إنهائه من صلاة الجمعة. يقول ع. ك. أحد النشطاء في البصرة إن “النشطاء هناك يعانون الأمرين، فالأمور هنا لا تنحصر بالاختطاف أو التهديد أو الاعتقال، لا أحد يتفاهم مع النشطاء هنا، والاجراء الوحيد هو القتل”. ويؤكد أن “البصرة كانت واحدة من المحافظات التي خسرت أكبر عدد من النشطاء بسبب الاغتيالات المنظمة.”

عملياتُ الاغتيال التي تستهدف نشطاء معروفين واحدة لم تتغير في جميع المحافظات. يقول رعد ستار ناشط في بغداد: “حين نرى أي دراجة نارية يستقلها شخص أو اثنان تقف بجانبنا نخشى أن الموت سيكون حليفنا، فالاغتيالات أصبحت بهذا الشكل (ملثمون يستقلون دراجة نارية يطلقون النار على النشطاء ويهربون) من دون مراقبٍ أو محاسب.”

وسيلةٌ أخرى للاغتيالات تتبع في بغداد، حصراً في ساحة الخلاني، بعد هدنة دامت أسبوعاً كاملاً بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب، إلا أنها لم تستمر. يؤكد إحسان الجنابي أحد المتظاهرين في ساحة الخلاني أن “عناصر مكافحة الشغب نكثوا بعهدهم بهذه الهدنة في الأسبوع الثاني من آذار، وعاودوا استخدام الغاز مسيل الدموع والقنابل الدخانية والرصاص الحي، فضلاً عن رصاص بنادق الصيد”.

الرصاص الحي في ساحة الخلاني اقتنص سجاد الشمري أحد المتظاهرين هناك والذي لم يتجاوز الخامسة عشرة.

اللواء الركن عبد الحسين التميمي قائد عمليات بغداد، أكد في تصريحٍ له أن “القوات الأمنية تعمل بشكل جاد ودؤوب على الكشف عن أسماء الذين اعتدوا على المتظاهرين السلميين”.

وأشار إلى أن “بنادق الصيد التي تستخدم لضرب المتظاهرين في ساحة الخلاني غير تابعةٍ لأي جهة أمنية ولا حتى قوات مكافحة الشغب، وأن الأخيرة والجهات الأمنية الأخرى مُكلفة بعدم إطلاق النار على المتظاهرين، وعدم مواجتهم باساليب عنيفة.”

عملياتُ بغداد أكدت أنها تعمل بشكلٍ جاد للكشف عن أسماء المتهمين بقتل المتظاهرين منذ 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وحتى اللحظة.

بينما أدانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق محاولات التعنيف والاغتيالات التي يتعرض لها نشطاء ومتظاهرون في العراق. وأكدت فاتن الحلفي وهي عضوة في المفوضية أننا “لا نزال نقوم برصد هذه الأعمال وأننا نعمل على إيصال التقارير اللازمة للمجتمع الدولي، كما أننا نضغط على الجهات المعنية للكشف عن أسماء القتلة والمعتدين.”