fbpx

براءة مارك زوكربيرغ المثيرة للغضب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كتبت The Atlantic: “يكتسب زوكربيرغ نظرة معينة عندما يعتذر، وهو أمر يثير غضباً شديداً، ليست نظرة تجهم بالضبط، ولا احمرار الوجه من شدة الخجل، إنه فراغ ينقل بطريقة ما ببساطة أنه حزين لأن الأمور آلت إلى ما آلت إليه. إن براءته مثيرة للغضب، وقابلة للتبادل مع البراءة المغرضة لكلمة “التكنولوجيا” نفسها، التي تحولت إلى نوع من التمويه التجاري.”

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أمضى مارك زوكربيرغ معظم حياته في الاعتذار، لكنه لم يستطع تحسين حياته كثيراً. منذ أن تم القبض عليه وهو ينقل صور زملائه من شبكة الإنترانت الخاصة في جامعة هارفارد لمصلحة موقع Facemash، وهو موقع خاص به على الإنترنت، والذي نشره سنة 2003، كان مارك يشرح كيف أنه لم يرغب في أن يتحول الأمر إلى ما آل إليه، وأنه يتخذ خطوات للتأكد من أن ذلك لن يحدث مرة أخرى، وأن هذه التكنولوجيا المثالية لا تزال نقية.

استعداداً لظهوره أمام مجلس الشيوخ، لمناقشة كارثة كامبريدج أناليتيكا، استأجر زوكربيرغ فريقاً من الخبراء لأخذ “دورة مكثفة في التواضع والجاذبية”، وفقاً لصحيفة “التايمز”. وكانت إحدى أهم مفارقات العقد الماضي هو كيف بإمكان مخترع أعظم وسيلة للتواصل بين الأشخاص في عصرنا ألا يعرف كيف يدير علاقاته العامة الأساسية.
على وسائل التواصل الاجتماعي، بُنيت منشورات مارك زوكربيرغ المزورة الساخرة على فكرة أن زوكربيرغ ليس إنساناً في الحقيقة لكنه يتظاهر بذلك فقط، إنه إما إنسان آلي أو نوع من السحليات الغريبة، ذلك لأنه يعطي انطباعاً غير إنساني بغض النظر عما يفعل. عندما يكون صامتاً، يتساءل العالم عمّا يخفيه. عندما يتكلم ويدافع عن شركته، يبدو متكبراً. عندما يعترف بالخطأ، يبدو غير مسؤول.

ومع ذلك، من الغريب أن تحتقر مثل هذا الوجه، الخجول والعادي والمسالم. يوضح الكره المتعلق بزوكربيرغ إلى أي مدى عمقت العقود الأولى من القرن الواحد والعشرين العداء تجاه مديري التقنية. لعقود من الزمان، تم التعامل مع الابتكار، سواء من قبل الجمهور أو من قبل الحكومة، باعتباره منفعة في حد ذاته. ولسبب وجيه في عصر ما بعد الحرب، خلق الابتكار فرص عمل وأدى إلى نمو استفادت منه الطبقة الوسطى، ولم يعد التغيير التكنولوجي فائدة عالمية بعد الآن؛ لأن تأثيره الاقتصادي الرئيسي نتج عنه انفجار من انعدام المساواة في الدخول. أما تأثيره الاجتماعي الأهم فهو تمزيق النسيج الذي يدعم المجتمع البشري، إذ صار “فيسبوك” عبارة عن آلة إدمان هائلة تنتج الاكتئاب وتنتشر المعلومات المضللة.

لقد جعل كل من فورد وأديسون وغيرهما من أسياد الصناعة أنفسهم أثرياء، وخلقوا من طريق المصادفة الطبقة الوسطى، التي قامت بدورها بتقوية أسس المؤسسات الديموقراطية الأميركية. وقد جعل المدراء الجدد للتكنولوجيا أنفسهم أغنياء وقضوا على الطبقة الوسطى من طريق المصادفة أيضاً، بينما كانوا يضعفون الديموقراطية. إذ يبدو أنهم يتقمصون أدوارهم الجديدة كأشرار بالتزام وبصيرة كبيرين، سواء كان ذلك صورة كاريكاتورية لبيتر تيل وعمليات نقل دمه أو عمليات الشراء الواسعة لفيلات ما بعد الأحداث المروعة. كل هذه الألاعيب لا تتعدى كونها غرابة أطوار إذا كنا متأكدين جميعاً من قيمة المنتجات التي ينتجها هؤلاء. الأفضل والأذكى توجهوا إلى وادي السليكون لأنهم يريدون بناء المستقبل. لكن ماذا لو كان المستقبل رديئاً؟ إذا عرفنا ما نعرفه الآن، فلماذا يريد أي شاب لامع أن يعمل في “فيسبوك” أكثر مما يريد أن يعمل في شركة تبغ كبيرة؟

على الأقل، كان لدى أباطرة السرقة قدر من الصدق حول ما كانوا يفعلونه في العالم. على فراش الموت، طلب السارق العظيم أندرو كارنيجي لقاء مع شريكه السابق هنري كلاي فريك. فأجابه “أخبره بأنني سأراه في الجحيم، حيث نحن ذاهبون”. وفي تصريح زوكربيرغ الموجه إلى الكونغرس، لا يعكس تعليقه الافتتاحي مثل هذا الوعي الذاتي: “فيسبوك شركة مثالية وإيجابية. بالنسبة إلى معظم الموجودين، ركزنا على الخير الذي يجلبه الناس المتواصلون مع بعضهم بعضاً”. من المدهش، بالنسبة إلى زوكربيرغ، أن نمو ثروته الشخصية لا يمكن فصله عن تحسين الشأن العام، إنه شكل مدمر من الجهل الأعمى.
لقد عرفنا مخاطر “فيسبوك” منذ سنوات. لقد عرفناها قبل وسائل التواصل الاجتماعي، مع كامبريدج أناليتيكا ومن دونها، لقد حرّف وقسّم المعلومات السياسية التي أدت في النهاية إلى انتخاب دونالد ترامب؛ وهذا هو السبب الذي جعل اعتذار زوكربيرغ يبدو زائفاً. السبب في أن زوكربيرغ سيعتذر بشدة بسبب إصراره على بقاء السلطة، على رغم أنه من الواضح أنه لا يستطيع إدارتها بطريقة مسؤولة. إذ لا يهم ما يقوله أو حتى ما يفعله، ما يهم هو ما نفعله وما يفعله المستخدمون وما تفعله حكومات العالم. أعني، لا أريد أن أكون شخصاً سيئاً، ولكن، كتبت على غلاف مجلة The Atlantic، منذ ست سنوات موضوعاً حول كيف يجعلنا “فيسبوك” وحيدين، وكان البحث عن الآثار السلبية لاستخدام “فيسبوك”، حتى ذلك الحين، واضحاً تماماً. كانت زينب توفيكجي تكتب عن العواقب السياسية للمنصة قبل أن يحلم أي شخص بأن ترامب سيحصل على المنصب. خدعتني مرة، عار عليك؛ خدعتني مرتين، عار علي؟ ماذا تقول عندما تكتشف أن أحدهم كان يخدعك لمدة خمس عشرة سنة؟ ليس الأمر كما لو لم يتم إخبارنا بأن استخدام “فيسبوك” قد تكون له عواقب وخيمة على خصوصيتنا الرقمية. هل كتبوا على الجدار في “فيسبوك” أنهم كانوا سيكسرون القواعد، ماذا كنا نعتقد أنهم سيفعلون؟

تسبب الحلم بعالم متصل كلياً ببعضه بعضاً في الاغتراب بشكل لم يسبق له مثيل. لقد تحول حلم عالم المعرفة التي يمكن الوصول إليها على الفور إلى غباء وأكاذيب. نحن نلوم زوكربيرغ لأننا لا نستطيع أن نلقي اللوم على أنفسنا. الحقيقة هي أننا عقدنا صفقة مع “فيسبوك”، فنحن نتخلى عن معلوماتنا مجاناً. لسنا قادرين على تحمل مسؤوليتنا الخاصة الناتجة عن العالم الذي اخترناه، قمنا بتحويل صانعي التقنية إلى وحوش يمكننا إلقاء اللوم عليهم.

كتب نوربرت فينر، الأب الروحي للسيبرانية، في كتاب  God & Golem Inc.، سنة 1964: “أوكلوا للإنسان المهمات التي يختص فيها الإنسان وأوكلوا لأجهزة الكمبيوتر المهمات التي تختص فيها أجهزة الكمبيوتر”. هذا الأمر سيبيّن لنا السياسة التي ينبغي اتباعها عندما نجمع بين البشر وأجهزة الكمبيوتر معاً في مشاريع مشتركة. إنها سياسة بعيدة كل البعد من الإنسان عابد الأدوات كما أنها بعيدة أيضاً من الإنسان الذي لا يرى تدهور الإنسان وانحطاطه إلا في استخدام مواد ميكانيكية مساعدة كيفما كانت فكرتها”. ولكن من في الكونغرس يمكنه فهم هذا التمييز؟ من يستطيع حتى أن يفهم ما يعتذر عنه زوكربيرغ، من لم تخطر في باله استراتيجية وطنية معقولة لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي؟ أمضى زوكربيرغ حياته بشكل دوري في التقليل من شأنه، من دون أي نتائج.

ما زال الناس يستخدمون “فيسبوك”، أليس كذلك؟ أنا ما زلت أفعل. سيتم نشر هذه القصة على “فيسبوك”. كيف يمكن ألا يحصل هذا؟ هل يمكنك تخيل عالم لا يتم فيه نشر هذه  القصة على “فيسبوك”؟ أستطيع أن أتذكر واحداً، لكنني لا أستطيع أن أتخيل واحداً آخراً.

يكتسب زوكربيرغ نظرة معينة عندما يعتذر، وهو أمر يثير غضباً شديداً، ليست نظرة تجهم بالضبط، ولا احمرار الوجه من شدة الخجل، إنه فراغ ينقل بطريقة ما ببساطة أنه حزين لأن الأمور آلت إلى ما آلت إليه. إن براءته مثيرة للغضب، وقابلة للتبادل مع البراءة المغرضة لكلمة “التكنولوجيا” نفسها، التي تحولت إلى نوع من التمويه التجاري. تشير “التكنولوجيا” إلى ممارسة فكرية يبني عليها المهندسون أشياء أنيقة لتحسين العالم. معظم شركات التكنولوجيا الكبرى هي أعمال تجارية. هذا كل ما هم عليه. يبتكرون طرقاً لكسب المال.

لكن السذاجة المثيرة للغضب التي يظهرها زوكربيرغ هي مرآة لعدم مسؤوليتنا- سواء الشخصية أو السياسية. وكراهية مارك زوكربيرغ في النهاية بمثابة إدانة لأنفسنا، إنها نتيجة قلق عميق حول العالم الذي نبنيه.

ترجم هذا المقال عن newyorker ولقراءة المقال الاصلي زوروال الرابط التالي