fbpx

لا تنسوا أبي!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منظمة “مواطنة” توثق لحظات الانتظار الصعبة لعائلات محتجزين ومخاوف انتشار فيروس الكورونا..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتحدث فاطمة محمد قحطان (35 سنة) عن والدها المحتجز بألم ووجع. وتتمنى أن يكون أبيها على قيد الحياة أولاً. 

لا أخبار ولا إفادات عن محمد قحطان، السياسي المعروف، المحتجز لدى سلطة جماعة أنصارالله المسلحة (الحوثيين) منذ خمس سنوات. ومنذ اعتقاله في 4 أبريل/ نيسان 2015، انقطعت أخباره ولم تصل عائلته أي تطمينات عن مصير الرجل الذي يسير في عقده السابع.

ومع كل جولة مفاوضات، بين أطراف النزاع في اليمن، تتمنى فاطمة أن يحقق المتحاورون تقدماً في ملف تبادل الأسرى والمحتجزين، وأن يكون والدها في طليعة الدُفع الأولى.

آخر الأخبار السارة التي تابعتها فاطمة، كما هو حال آلاف الأُسر التي تترقب عودة ذويها، كانت في فبراير/ شباط الماضي، عندما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن انفراجة قريبة في ملف الأسرى والمحتجزين برعايته. ومع تكرر الوعود والإخفاقات المتكررة، لم تعد عائلة قحطان “تصدق كل ما يقوله المتحاورن، لكن لايزال لدينا أمل: عودته ولو بعد حين”. وحتى هذه اللحظة، لم نشهد أي إفراجات بموجب هذا الاتفاق.

تقول فاطمة والدمعة تخنقها:” سيتفاجأ أبي عندما يعود الى منزلنا بأشياء كثيرة قد تغيرت في حياتنا: زيادة عدد الأحفاد، ابنه زيد الذي خطب له أبي، قد تزوج وأنجب طفلة، وإبنه عبد الرحمن بات يدرس دراسات عُليا في الخارج، وبقية الأبناء التحقوا بالجامعات، وعمتي شقيقة والدي الكبرى قد توفيت. سيتألم والدي عندما يرى أمه الحبيبة، قد فقدت الذاكرة، إذ اصابتها جلطة بعد احتجازه ولم تعد تتذكر من الناس الا القليل، خصوصاً الذين عرفتهم في مرحلة الثمانينات”. تضيف فاطمة:” جدتي كبيرة في السن، وقلب أبي معلقٌ بها كثيراً”. 

محمد قحطان

محمد قحطان القيادي البارز في حزب التجمع اليمني للاصلاح، من مواليد 1958، يعد أحد أهم السياسيين المختفيين قسرياً في البلاد.

ويبدو أن عائلته باتت غير واثقة بمدى جدية القوى المتحاربة لطرح اسمه بقوة ضمن قوائم الصفقات. وتناشد فاطمة الأطراف المعنية “أن لا ينسوا والدنا الذي اشتعل رأسه شيباً، ووهن جسده على مدى خمس سنوات من الاختفاء القسري”.

تقول فاطمة: “خلال الخمس الأعوام الفائتة، لم تصلنا إلا أخبار متضاربة ما بين أنه بخير، وما بين أنه مات في قصفٍ للتحالف، وما بين أنه مريض، ولا ندري ما مدى صحة كل هذه الاخبار”. وتضيف:” لا أحد استجاب لتوسلاتنا وأبسط حقوقنا؛ نريد مرسال مكتوب من والدنا، ولكن تم تجاهلنا حتى كان البعض ينكرون وجوده أصلاً”.

“قد أموت في الغد، قد يموت أحد أفراد أسرتي في الغد أيضاً بسبب “الكورونا” أو بغيرها فمالذي سيحدث إن أعدتم والدي إلينا لنعيش ما تبقى من أيامنا سوياً”.

تأمل عائلة قحطان أن يكون ضمن هذه الصفقة التي أعلنتها اللجنة الدولية للصليب الاحمر. “نريد أن نراه نريد أن نسمع صوته.. لا نملك سوى الدعاء والصبر ونتضرع إلى الله أن يفك أسره ويعيده إلينا بصحته وعقله”.

يحيى الديلمي.. الحاج العائد من مكة إلى المُعتقل

عندما قرر يحيى حسين الديلمي الذهاب لأداء فريضة الحج، كان واثقاً كل الثقة بأنه سيعود إلى بيته في صنعاء، عقب إتمام حجته عن إحدى قريباته المتوفيات، لكن كميناً كان في انتظار الحاج يحيى، على بعد 10كم جنوب مدينة مأرب: نقطة الفلج.

في 9 أغسطس/ آب 2019، تم احتجاز القاضي الديلمي ومعه رفيق رحلته الحاج فؤاد فاخر، عندما أوقفت نقطة أمنية تتبع السلطات في مأرب حافلة النقل الدولي، وصعد مجموعة من أفراد النقطة إلى داخله يناديان على هذين الاسمين، واقتادوهما إلى جهة غير معروفة. 

يقول إبراهيم الديلمي، وهو الشقيق الأصغر للعلامة الديلمي: “منذ ذلك التاريخ إلى اليوم لا ندري أين أخذوه، لا ندري كيف صحته، إنه يعاني من السكر، ولا ندري هل يمكّنوه من استخدام الدواء أم لا”. ويضيف إبراهيم (37 سنة)، وهو يسرد الخصال الحميدة في شخصية شقيقة الأكبر: “لا نخشى على نفسيته ومعنوياته، إنه رجل قوي الإيمان ومجرب لحياة السجون والمعتقلات، ولكن صحته هي كل ما يهمنا، لديه سكر واحتكاك في المفاصل، ويعاني من داء النقرس”.

العلامة يحيى الديلمي، أحد أشهر خطباء مدينة صنعاء، كان سجيناً قبل 15 عاماً في السجن المركزي بصنعاء إبان معارضته حرب النظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح على حركة الحوثيين في صعدة مطلع العام 2004. وعندما هبت الانتفاضة الشعبية في 2011، كان الرجل في مقدمة المحتجين في وجه نظام الرئيس علي عبدالله صالح، وكان أحد أشهر خطباء ساحة التغيير، العابرين للغة التحريض المذهبي والمنادين بالتعايش والتفاهم بين ابناء المذاهب المختلفة. لكن هذا النهج المعتدل لم يشفع له عندما وجد نفسه بين يدي خاطفين ينفذون أوامر قيادات نافذة في حكومة الرئيس هادي.

يعيل العلامة الديلمي عائلة كبيرة وأبناء من زوجتين، أصغرهم علي (5 سنوات) الذي كان أشد المتعلقين به. 

ينادي الطفل علي، على أبيه كل يوم: بابا بابا، بينما باتت جدته (والدة يحيى الديلمي)، أحيانا تتمتم بكلمات عن ولدها المخطوف بدون وعيها، حيث لا يفارقها حضوره للحظة، كما يقول إبراهيم. ويضيف: “الوالدة متأثرة جداً وتتضرع الى الله كل يوم أن يفك أسره”. 

وتترقب عائلتي الديلمي وحاجب، أخبار جولات المفاوضات بشأن اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين بشوق وتلهف: “نرجو من الله أن يفك أسرهم”. يقول إبراهيم: “لم يكن أخي مقاتلاً في معركة حتى نعتبره أسيراً ولكنه خُطِف اختطافاً وهو في طريقه إلى بلاده وفي يديه ثياب الإحرام.. أين الإنسانية وأخلاق المسلمين؟!”. 

من يمسح دموع أم زكريا

“نرجوكم ونناشدكم مكّنوني من زيارة ولدي ومعرفة مكان احتجازه”، هكذا تستغيث أم زكريا أحمد قاسم بالمنظمات الانسانية والجهات الرسمية، أن يساعدوها لمعرفة مصير ولدها المعتقل منذ يناير/ كانون الثاني 2018 في عدن.

وتضيف، وهي تصف كيف تم اقتياد ولدها (65 سنة) بعد صلاة الفجر، من قبل أشخاص ملثمين مدججين بالسلاح: “أخذوه بالقوة ومن ذاك التاريخ اختفى خبره”. 

ورغم أن اتفاق الرياض بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً على تبادل الاسرى والمحتجزين قبل خمسة أشهر، إلا أن السجون والمعتقلات لا تزال مكتظة بالمئات من جميع الأطراف. وزكريا، الذي كان ناشطاً اجتماعياً في المجال الخيري، أحد المختفين قسرياً، الذين تبحث عوائلهم عن أية إفادات بشأن وضعهم الصحي والنفسي. 

تقول أم زكريا أنها تلقت تطمينات من جهات أمنية في عدن في وقت سابق من السنة الماضية بأن زكريا موجود لديهم. لكن تلك الجهات أنكرت وجوده لاحقاً، لتدخل الأم وأولاد زكريا، في دوامة من القلق والتفكير العاصف. 

“لا أدري هل لايزال ولدي على قيد الحياة أم قد مات تحت وطأة التعذيب”. وتضيف: “عامين متواصلين على احتجاز ولدي وكل يوم وأنا أسأل نفسي هل ابني بخير أم قد مات؟ إن كان حياً فكيف وضعه الصحي والنفسي؟ وكيف حالته؟ لكن أملي في الله كبير ولدي إحساس بالتمكن من العثور عليه والله لن يخيب أملي”.

وبحسب أقارب زكريا، فإنه كان يعمل في توزيع مساعدات من خلال جمعية “إقرأ” الخيرية التي يديرها. وتقول عائلته أنه شخصية مسالمة، ولم يحمل السلاح، وأن عمله الوحيد إنحصر في أعمال الخير، ومساعدة الجرحى وإسعافهم.

المتوكل.. ثلاثة أعوام في المجهول

في 27 أبريل/ نيسان 2017، وبينما كان الدكتور مصطفى المتوكل عائداً من سيئون بعد سفره للمشاركة في مؤتمر بالمغرب، صعد جنود موالون لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي في نقطة الفلج بمأرب إلى الحافلة التي كان يستقلها، وأخذوه إلى مكان مجهول، ولم يسمحوا لعائلته بزيارته أو التواصل معه.

سافر الدكتور مصطفى إلى المغرب للمشاركة في المؤتمر السنوي للهيئات الاستثمارية، بعد تلقيه دعوة باعتباره رئيساً للهيئة العامة للاستثمار في صنعاء. تقول عائلته إنه مر من المناطق التي تسيطر عليها حكومة هادي، وسافر من مطار سيئون وعاد منه، واستقل حافلة عمومية بثقة لأنه شخصية أكاديمية ومدنية ولم يتوقع أن يتم اعتقاله.

في 15 مايو/ أيار 2017 سافرت زوجته الأستاذة الجامعية  إلهام المتوكل إلى مأرب، رافقها فريق قانوني من أجل المطالبة بحقها القانوني في زيارته والاطمئنان عليه، وكان برفقتها في الزيارة أيضاً ثلاثة من أعضاء نقابة هيئة التدريس بجامعة صنعاء، من بينهم رئيس النقابة، تضامناً مع زميلهم.

في مبنى محافظة مأرب تم استقبالها كمذنبة، وهي الباحثة عن زوجها المختفي قسرياً. تقول إلهام : “لم أتصور تلك المعاملة السيئة من بعض المسؤولين في مأرب، حيث تم التعامل معي وكأني عبد الملك الحوثي، بينما أنا لست سوى زوجة مفجوعة باختفاء رفيق حياتها ومنع أي تواصل به”.

ورغم تكبدها مشقة السفر الطويل بين صنعاء ومأرب، أوصدت في وجهها الأبواب، ولم تعثر على ما يخفف معاناتها.

قبل مغادرتها مأرب تلقى محاميها اتصالاً من هاتف محظور الرقم. أخبرهم المتصل أن الدكتور لم يعد موجوداً في مأرب، مؤكداً أنه قد تم تسليمه للسعودية. ثم أضاف: “لا تتعبونا ولا نتعبكم، الأفضل أن تغادروا”. وهو ما قررته إلهام بعد أسبوعين من الزيارة.

لدى الدكتور مصطفى المتوكل ثلاث بنات وولدين، توفى أحد أبنائه في ماليزيا بسبب خطأ طبي بعد تعرضه لحادث سيارة. كانت الوفاة بعد أشهر من اختفاء أبيه القسري، قضاها الحسين في حسرة على والده حسب إفادة أسرته. تقول إحدى بناته : “كان عاماً كارثياً بالنسبة لنا، اختفاء والدنا القسري ثم موت شقيقي المؤلم”. تضيف:  “اضطررنا إلى تهريب جثمانه عبر عُمان خوفاً من احتجازه في مأرب مثلما حدث مع والدي”.

“كورونا”.. مخاوف إضافية

في الشهور الأولى من السنة الجارية 2020، إنتشر في العالم فيروس “كورونا” المعروف علمياً ب”كوفيد-19″، وذلك فاقم مخاوف أسر المحتجزين والمختفيين قسرياً في اليمن، من أن ينتقل هذا المرض إلى أماكن الاحتجاز. 

أصدرت “مواطنة” في ديسمبر/ كانون الأول 2019 دراسة عن وضع أماكن الاحتجاز في اليمن، وأظهرت الدراسة عدم استيفاء أماكن الاحتجاز للمعايير الدولية والوطنية فيما يتعلق بالبيئة المكانية، والخدمات الأساسية اللازم توفرها في أماكن الاحتجاز. وفي حال انتشار فيروس “كورونا” في مراكز الاحتجاز، والتي لا تتوفر فيها أدنى إحتياطات السلامة، فإن النتائج ستكون كارثية.

أُعتقل الموظف في وزارة المياه والبيئة، عبدالكريم الإرياني (55 سنة)، من مقر عمله بصنعاء، وتم إخفاؤه لـ23 يوماً قبل أن تعلن السلطات الأمنية التابعة للحوثيين في صنعاء إحتجازه في جهاز الأمن القومي.

تقول أبرار الإرياني (19 سنة)، البنت الأكبر للإرياني، معلقةً على أخبار انتشار فيروس الكورونا في العالم: 

“ما الضير في الإفراج عن أبي، وأباء الكثير من الفتيات الأخريات؟!”. وتواصل بالقول: 

“قد أموت في الغد، قد يموت أحد أفراد أسرتي في الغد أيضاً بسبب “الكورونا” أو بغيرها فمالذي سيحدث إن أعدتم والدي إلينا لنعيش ما تبقى من أيامنا سوياً”.

وتواصل أبرار: “مرت سنة وثلاثة أشهر على احتجاز والدي، ليتخيل كلاً منكم كيف مرت عليه وعلينا كل تلك الأيام، والدتي تغرق كل يوم في دموعها، أنا لا حياة لدي ولا شعور بالأمل، أختيَ يدفعن الأيام كصخور في رأس الجبل”.

وتتابع: “نستمع للأغاني التي كان يسمعها والدي، نقرأ ما كان يقرأه، نشاهد ما كان يشاهده، نلعب ما كان يلعبه، لكن لا فائدة لا شيء يغطي غياب والدي عنا سوى حضوره بيننا اليوم أو غداً”.

وتختتم أبرار بالقول: “أعيدوا التفكير في مساوئ احتجاز رجل يبلغ من العمر 55 عاماً عليه وعلى عائلته، فكروا بالبهجة التي ستصنعونها إن أعدتموه لأهله ليعيشوا بقية أيامهم سوياً ، نحِن لوالدي جداً ، فلترحموا هذا الحنين”.

وكان ممثلو أطراف النزاع في اليمن، قد وافقوا على خطة مفصلة لإتمام أول عملية تبادل رسمية واسعة النطاق للأسرى والمحتجزين منذ بداية النزاع، وهي خطوة أولى نحو الوفاء بالتزامات الأطراف بالإفراج المرحلي عن جميع الأسرى والمحتجزين على خلفية النزاع وفقًا لاتفاقية ستوكهولم. 

ويبقى التعويل على التسريع من تنفيذ الأطراف لالتزاماتها بموجب إتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين، أملاً أخيراً للحد من تفشي فيروس “كورونا” في مراكز الاحتجاز، وتعريض حياة المحتجزين للخطر.

نشرت هذه المادة نقلاً عن موقع “خيوط” وبالتزامن مع منظمة “مواطنة”.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!