fbpx

تواطؤ أوروبي ضد اللاجئين على الحدود التركية اليونانية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

، إن لم تتحرك دول العالم الحر للشروع بحل سياسي عادل في سوريا، سيبقى هؤلاء الملايين في تركيا، وفي سوريا على الحدود التركية قنابل موقوتة لا يعلم أحد متى ستنفجر

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]


ما زالت الصور والفيديوات المؤلمة تصل من الحدود التركية- اليونانية حيث لاجئون عالقون بأسوأ الظروف، تحاصرهم المعاملة اللاإنسانية من حرس الحدود والشرطة وخفر الساحل اليونانيين.

وجل ما تفرزه هذه المشاهد صدمة لكل عامل وناشط في الحقل الحقوقي والإعلامي، فيسأل، هل هذا نموذج حقوق الإنسان والحرية التي نناضل لأجلها؟ وهل هذه هي القيم الإنسانية التي تتبناها الأنظمة الديموقراطية الأوروبية؟ إنها ازدواجية معايير أوروبية مستهجنة حيال أزمة اللجوء السوري بحسب الدولة التي يلجأون إليها، فهذه الدول تطالب بحقوقهم عندما يكونون بعيدين من حدود القارة الأوروبية، وتعتبرهم خطراً يجب التصدي له بكل الوسائل عندما يطرقون أبوابها. ولم يتوقف الموقف الأوروبي المتناقض عند هذا الحد من اللامعقولية بل تعداه إلى مكافأة الحكومة اليونانية والتعبير عن دعمها بما يقوم به من انتهاكات بحق هؤلاء اللاجئين، فالمهم ألا يصلوا إلى الأراضي الأوروبية، بأي وسيلة وطريقة كانت، فهل الغاية تبرر الوسيلة؟

كيف بدأت الأزمة؟ 

يعتقد البعض أن الأزمة الحالية بدأت إثر إعلان الحكومة التركية في 27 شباط/ فبراير الجاري أنها لن تمنع طالبي اللجوء والمهاجرين من مغادرة الأراضي التركية للوصول إلى الاتحاد الأوروبي، ليصل المئات إلى جزر بحر إيجه، ويصل الآلاف منهم وبينهم سوريون إلى الحدود البرية بين اليونان وتركيا.

ولكن ما تعتبره الدول الأوروبية خطراً بوصول آلاف اللاجئين إلى أراضيها سبق هذا التاريخ بكثير، وهو نتيجة طبيعية لسياسة الاتحاد الأوروبي في تعاملها مع الملف السوري سياسياً، وذلك عبر تخليها عن دورها ومسؤوليتها الدولية بوقف الحرب التي يشنها الحلف الروسي- الإيراني- السوري ضد المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، وجمع مئات الآلاف من المناهضين لحكم الأسد في شمال سوريا، على الحدود السورية- التركية ومع تقدم قوات النظام أصبح حلم هؤلاء الوصول الى أوروبا هرباً وخوفاً من سيطرة الأسد والعودة إلى رحمته.

يأتي ذلك في غياب أفق لحل سياسي شامل وعادل للمسألة السورية، بعدما تراخت دول الاتحاد الأوروبي في الدفع به عبر مسار جنيف بما تملكه من قوة سياسية وديبلوماسية في مجلس الأمن، يضاف إلى ذلك وجود أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري مقيمين في تركيا وقسم لا بأس به منهم لن يعود الى سوريا في حال استكمل نظام الأسد إحكام قبضته على كامل التراب السوري، وبهذا يصبح قسم كبير من هؤلاء مشاريع مهاجرين يحلمون بحياة جديدة في أوروبا.

أمام هذه الأسباب جاء الانفجار الكبير الذي ولد هذه الأزمة متمثلاً بانطلاق الحملة العسكرية الروسية الأخيرة مطلع العام الحالي للسيطرة على محافظة ادلب، ونزوح أكثر من مليون ونصف المليون مدني سوري باتجاه الحدود التركية، مع فقدان الأمل لدى ملايين السوريين من تحرك دولي لإيقاف المجزرة المفتوحة بحقهم منذ 9 سنوات، فاختار كثيرون منهم مغادرة تركيا، ومن نزح إلى الحدود يحلم بدخول تركيا ومنها إلى أوروبا.

الموقف التركي 

تركيا التي يقيم فيها ما يزيد عن 3 ملايين سوري، والتي تستضيف العدد الأكبر منهم، تخشى من موجة لجوء جديدة آتية من إدلب لقرابة مليون ونصف المليون سوري هجروا خلال شهرين بعد العملية العسكرية الأخيرة للأسد وحلفائه. وبذلك تعتقد الحكومة التركية أنها تتحمل عبء المسألة السورية على عاتقها نيابة عن المجتمع الدولي، وتخشى من وصول هذه الأعداد الجديدة الكبيرة من السوريين الى تركيا، وما سيحمله ذلك من انعكاسات على الداخل التركي، وبخاصة حكومة “حزب العدالة والتنمية” إثر غليان الشارع التركي بعد مقتل عشرات الجنود الأتراك شمال غربي سوريا بنيران قوات الأسد وحلفائه.

لذا كان قرار الحكومة التركية الضغط على الاتحاد الأوروبي عبر الدفع بعشرات آلاف اللاجئين إلى الحدود مع اليونان أملاً بانتزاع تنازلات منه، للوفاء بالالتزامات المالية التي تم الاتفاق عليها عام 2016، وللحصول على دعم سياسي وربما عسكري أوروبي أكبر في مواجهة الطموح الروسي في سوريا، وربما وصولاً إلى منطقة آمنة على طول الحدود التركية- السورية بعمق 30 كلم، لاحتواء هؤلاء اللاجئين وتشكيل حاجز بشري بين أكراد تركيا وأكراد سوريا.

يحرص الاتحاد الأوروبي على منع وصول موجة لجوء جديدة إلى أراضيه شبيهة بأزمة عام 2015. وفي هذا السياق، صرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بأن الاتحاد سيقدم لليونان “كل الدعم اللازم” لمساعدتها على مواجهة تدفق اللاجئين، متابعة أن “من يسعون إلى اختبار وحدة أوروبا سيخيب أملهم”، لافتةً إلى أن الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود “فرونتكس” مستعدة لمساعدة أثينا على نشر قوات على الحدود.

وزير الداخلية  الألماني هورست زيهوفر، أعلن في تدوينة له بالعربية، أن “حدود أوروبا ليست مفتوحة أمام اللاجئين من تركيا”. وجاء الموقف ذاته من فريدريش ميرتس، من حزب ميركل الذي قال: “يجب إرسال إشارة واضحة للاجئين في تركيا أنه ليس هناك جدوى من القدوم إلى ألمانيا… لا يمكننا استقبالكم هنا”.

في 1 آذار/ مارس 2020، قرّر “مجلس الأمن القومي الحكومي” اليوناني تعليق الاستفادة من نظام اللجوء لمدة شهر للأشخاص الذين عبروا الحدود بشكل غير منتظم، وهو إجراء ليس له أساس قانوني أو مبرر. كما عززت الحكومة اليونانية حدودها بالشرطة والجيش والقوات الخاصة، وطلبت مزيداً من الدعم من “الوكالة الأوروبية للحدود وخفر السواحل” (فرونتيكس)، فيما اعتبر رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا للحد من الهجرة بات في حكم “الميت”، متهماً تركيا بأنها تساعد على تدفق آلاف المهاجرين على الحدود.

 واقع مرير على الحدود وانتهاكات

أمام هذه التجاذبات السياسية بين تركيا من جهة واليونان والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، تحولت قضية اللاجئين العالقين بينهما إلى ورقة ضغط وابتزاز سياسي متبادل، تنافي المبادئ الإنسانية والأعراف الدولية، لترتكب القوات اليونانية انتهاكات بحق هؤلاء اللاجئين لا تعد ولا تحصى لعل أبرزها بحسب منظمتي “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية”:

– أعلنت اليونان أنه من تاريخ 2 آذار ستجري قواتها المسلحة مناورات بالذخيرة الحية بالقرب من حدود إفروس البرية وبحر إيجه. وتجمع آلاف الأشخاص على الحدود البرية والبحرية لتركيا مذ أعلنت السلطات التركية، في 28 شباط، أنها ستتوقف عن منع الناس من العبور هناك.

– إطلاق الأمن اليوناني قنابل الغاز من دون تمييز على الحشود لمنعهم من العبور، واستخدم خراطيم المياه والقوة المفرطة  لتفريق اللاجئين والمهاجرين متسبباً بحالات اختناق، وانتشرت صور توثق آثار الضرب الذي تعرضوا له على يد الأمن اليوناني بعد تجريدهم من ملابسهم وطردهم.

–   في 2 آذار، انتشر فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي يظهر على ما يبدو رجلاً سورياً من حلب يقول إنه قُتل برصاصة مطاطية أطلقها حرس الحدود اليوناني أثناء محاولته العبور إلى اليونان بصورة غير منتظمة، فيما أصيب لاجئ سوري آخر بقنبلة غاز استهدفت عينيه ليفقد البصر على اثرها ويعاد إلى أهله في مدينة غازي عينتاب التركية.

– في حادثة أخرى صورتها الكاميرات وتحدثت عنها قناتا “بي بي سي” و”الجزيرة” وغيرهما من وسائل الإعلام، شوهد حرس السواحل اليونانيون وهم يطلقون النار في البحر قرب زورق مهاجرين، ويدفعونه، وهم يحاولون إجباره على العودة إلى تركيا باستخدام قارب سريع يحمل على ما يبدو رجالاً ملثمين.

– ظهرت تقارير مفزعة عن أعمال عنف أهلية ضد العاملين في المجال الإنساني، والصحافيين، والمهاجرين، وطالبي اللجوء في ليسبوس منذ 29 شباط. 

– يمنع بعض السكان المحليين الحافلات من نقل الوافدين الجدد إلى مرفق النقاط الساخنة الحكومي لطالبي اللجوء والمهاجرين، بينما أفاد ناشطون محليون بأن رجالاً يحملون مضارب وسلاسل يتجمعون في الشوارع المؤدية إلى مخيم موريا للاجئين. في 1 آذار، اشتعل حريق مفتعل في منشأة مهاجرين خالية في الجزء الشمالي من الجزيرة، بحسب عاملين في المجال الإنساني شاركوا معلومات على وسائل التواصل الاجتماعي. ودمر حريق مستودعاً تستخدمه مجموعة غير حكومية في جزيرة خيوس في 2 آذار.

هذه لمحة صغيرة عن الانتهاكات بحق هؤلاء اللاجئين الذين دفعتهم الحروب والدمار للهروب من النزاع والاضطهاد في بلادهم، للبحث عن طريق إلى حياة جديدة وبدل أن تكون حماية أرواحهم وضمان سلامتهم أولوية لدى المجتمع الدولي تحولت مأساتهم الى ورقة على طاولة الابتزاز والاتفاق السياسي. ولكن يبقى الأهم الانتهاك اليوناني الجسيم للمعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة باتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، الذي تتحمل مسؤوليته الحكومة اليونانية التي استخدمت المادة 78(3) من معاهدة أداء الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد، “وهذا البند يسمح باتخاذ تدابير موقتة من قبل المجلس، بناءً على اقتراح من المفوضية وبالتشاور مع البرلمان الأوروبي، في حالة مواجهة واحدة أو أكثر من الدول الأعضاء لحالة طوارئ تتميز بتدفق مفاجئ من مواطنين من بلدان ثالثة”. إلا أن ذلك لا ينفي الحق المعترف به دولياً والمتمثل في طلب اللجوء ومبدأ عدم الإعادة القسرية والذي تم تأكيده أيضاً في قانون الاتحاد الأوروبي. كما أن الحكومة اليونانية تخالف اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بوضع اللاجئ وقانون اللاجئين في الاتحاد الأوروبي التي وقعت وصادقت عليهما، وبذلك “لا توفر أي أساس قانوني لتعليق تلقي طلبات اللجوء، كما يعترف “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” و”ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي” بالحق في طلب اللجوء.

وأمام هذا الجرح المفتوح المسمى سوريا والذي سيبقى ينزف دماً ولاجئين، إن لم تتحرك دول العالم الحر للشروع بحل سياسي عادل في سوريا، سيبقى هؤلاء الملايين في تركيا، وفي سوريا على الحدود التركية قنابل موقوتة لا يعلم أحد متى ستنفجر وإلى أي مدى ستتحمل هذا الضغط اللامعقول الممارس بحقها، فإن بقيت مكانها ينتظرها الموت قصفاً، وإن فكرت بالرحيل للبقاء تقابلها حدود مغلقة ومعاملة لا إنسانية مهينة، في عالم نعرَّفه بالعالم المتحضر.