fbpx

لماذا نخاف كثيراً من فايروس “كورونا”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الأزمات الوجودية مهمة لتصفية الذهن والتفكير بوضوح؛ فهي غالباً ما تقنع السياسيين بالقيام بإصلاحات كبيرة ومؤلمة لكنها ضرورية، وذلك لأنها ترغمهم على قبول فكرة عدم وجود خيار آخر وأنهم إذا فشلوا في ذلك فلن تُهدم مسيرتهم المهنية فحسب بل بلادهم أيضا

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المشاعر بطبيعتها يصعب التعبير عنها بكلمات، لذا يُعد وصف حالة القلق التي تنتاب الجميع الآن، تحدياً كبيراً.

إن مجرد وصف البشر بأنهم خائفون من فايروس “كورونا” الذي يجتاح العالم الآن لا يوفي المشكلة حقها. لأن كلمة “خائف” ليست قوية أو دقيقة بما يكفي للتعبير عن درجة الخوف التي يشعر بها البشر الآن.

علامات القلق في كل مكان سواء، تمكنك رؤيتها في أوجه ركاب المترو عندما يسعل أحد أو في عيني سائقة “أوبر” التي ترمقك من فوق قناع الوجه عبر مرآة الرؤية الخلفية. يمكنك أن تستشفها من ردود الفعل الهائلة وغير المتناسبة والمؤذية التي تقوم بها بعض المجتمعات وسنناقش هذه النقطة في ما بعد.

لأوضح لكم هذا من البداية: أنا لا أقول أن لا أسباب كافية ومنطقية للقلق، فهناك عدد وفيات وإصابات هائل. لكن الأدهى من ذلك، أن معدل الإصابة يتسارع ما يعني أن هذا الوباء العالمي لم يصل إلى ذروته بعد.

جاءت استجابات حكومات الصين والولايات المتحدة الأميركية وإيران وإيطاليا متخبطة فالبعض حاول الكذب بشأن مدى تفشي المرض ومعاقبة من يفضحونه. وفي مثل هذه الأوقات، يرغب الناس بالطبع بل ويتوقعون إلى أن تكون لديهم حكومة عقلانية تستند إلى الحقائق وجاهزة بكاملها لحمايتهم. لكن الأميركيين يفتقرون إلى أحد هذه العناصر الآن.

تعمل إدارة ترامب الآن بأقل عدد ممكن للأعضاء (هل يمكنك ذكر أسماء وزراء الأمن الداخلي، والصحة والخدمات الإنسانية أو رئيس الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ؟)، بل إن الرئيس عام 2018 أقال الفريق المعني بالاستجابة للأوبئة.

لذا فالوضع يثير الرعب حقاً ولا أريد أن يُفهم من مضمون كلامي أن إيلون ماسك كان محقاً عندما غرد قائلاً، “الذعر من فايروس كورونا حماقة” (على رغم أن الذعر بالفعل لا يفيد) أو أن ترامب ربما كان على شيء من الصواب عندما قال إن فايروس “كورونا” خدعة من “الحزب الديموقراطي”. فهذه هي الحماقة بعينها.

لكن ما أقصده هو أن حجم رد الفعل العالمي لفايروس “كورونا” يشير إلى أن ثمة شيئاً غريباً يحدث.

أولاً، نحن -البشر- نجونا مما هو أسوأ من ذلك من دون هلع. ولا أقصد الكوارث القديمة مثل الموت الأسود (الطاعون) الذي قضى على نحو 200 مليون شخص في العصور الوسطى. بل أتحدث عن فايروس العوز المناعي البشري “الإيدز” (الذي كانت نسبة الوفاة جراء الإصابة به 100 في المئة أي أعلى من فيروس كورونا بنحو 95-99 في المئة) وفايروس “سارس” وإنفلونزا الخنازير، إضافة إلى الإنفلونزا الموسمية التي أودت بحياة 80 ألف شخص، بين عامي 2017 و2018 في الولايات المتحدة الأميركية وحده. أما كوفيد-19 فتسبب في وفاة حوالى 75910 أشخاص في العالم كله. هذا إلى جانب حوادث المرور التي تتسبب في مصرع حوالى 1.25 مليون شخص سنوياً لكنها في الوقت ذاته لا تؤثر كثيراً -سواء بالإيجاب أو السلب- في سلوكيات البشر.

ومع أنه من المرجح ألا يصاب معظم البشر بهذا الفايروس وأن معظم من يصابون به سيشفون (بفرض أنه لن يتحور)، تتعامل الشعوب والحكومات مع الأمر بطرائق مبالغ فيها.

وبعض ردود الأفعال سخيف وغير مفيد، مثل ارتداء أقنعة جراحة مسامية ورطبة (تسبب ذلك قطعاً في نقص عالمي في الأقنعة) أو حمى الشراء الناتج عن الذعر والتهافت على شراء زبدة الفول السوداني ومناديل المرحاض وغيرها وكأنهم يستعدون لنهاية العالم وهو سلوك يطلق عليه الألمان شراء الفئران (Hamsterkauf).

ومن جهة أخرى، استغل الغوغائيون والمؤمنون بنظرية المؤامرة هذا الفايروس لمصلحتهم حتى أن موسوعة “ويكيبيديا” أنشأت صفحة لمتابعة هذه الخرافات المنتشرة. وعلى رأس هذه الخرافات، خرافة أن الصين طورت هذا الفايروس للقضاء على تظاهرات هونغ كونغ أو لإخضاع الإيغور، أو خرافة أن الفايروس جزء من مخطط للتحكم بعدد سكان العالم بدعم من بيل غيتس الشريك المؤسس لشركة “مايكروسوفت”، أو خرافة أن الفايروس صُمم في مختبر كندي للأسلحة البيولوجية (لا بد أن هذه هي المرة الأولى التي يُلقى فيها باللوم على كندا بسبب شيء عدائي ربما منذ عملية سرقة شراب القيقب عام 2012).

على رغم سخافة ردود الأفعال كالأمثلة التي ذكرناها، بدأت هذه الأفعال التأثير في حياتنا وفي الاقتصاد بطرائق بالغة الضرر، فضلاً عن أنها لا تفيد أبداً في مكافحة الوباء، فكما قال فريد زكريا الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست”، يستغل الشعبويون هذا المرض لتكثيف هجماتهم على الهجرة، فأكثر من 10 في المئة من سكان العالم الآن في حالة من العزل الإجباري. فقد ألغت إيطاليا القداس في الكنائس وألغت آيرلندا مسيرات يوم القديس باتريك وألغت طوكيو مهرجان الكرز السنوي. أما إسرائيل التي تعد واحدة من أكثر الدول حرصاً على حدودها، فقد تبنت سيناريو فيلم “حرب الزومبي العالمية” (World War Z) وفرضت حجراً صحياً لمدة 14 يوماً على كل من يدخل البلاد من أي بلد كان. هذه الإجراءات من شأنها تضييق الخناق على الأنشطة الاقتصادية الحيوية على المدى القصير وقد تدمر سلاسل الإمداد العالمية على المدى البعيد.

لكن ما الرابط الذي يفسر كل هذه المبالغات التي تتنافى مع العلوم الطبية والمنطق؟ أعتقد أن لهذا السؤال ثلاث إجابات بسيطة.

الإجابة الأولى هي أن فايروس “كورونا” جديد ولا نراه بأعيننا وأحياناً يكون فتاكاً، كما أنه لا يزال غامضاً إلى حد كبير،  فلا تكمن المشكلة في أنه لا يزال أمامنا الكثير لاكتشاف لقاح، بل في أننا لا ندرك حجم المشكلة التي نواجهها، فنحن لا نعرف على وجه التحديد مدى خطورة المرض أو العدد الفعلي للأشخاص المصابين. (هذه المشكلة الأخيرة ناتجة جزئياً عن نقص يثير الحيرة في أدوات الفحص في الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم كله)، وكما قال لي مايكل باركون الأستاذ الفخري للعلوم السياسية بجامعة سيراكيوز في رسالة عبر البريد الإلكتروني: الطبيعة الخفية والغامضة لهذا العدو تجعله أكثر إثارة للرعب وبيئة خصبة للتفسيرات وأساليب العلاج الخيالية.

ثانياً، يثير فايروس “كورونا” الرعب أكثر من غيره لأنه يجسد المشكلات التي كانت بالفعل تسبب قلقاً شديداً للعالم كله وهي بالتحديد: العولمة، والهجرة الجماعية، والاعتماد المتبادل بين الدول. هذه هي القضايا التي يلعب على وترها ترامب وغيره من الشعبويين منذ سنوات والتي لاقت صدى لدى الكثير من الناخبين الذين يشعرون بأنهم يواجهون قوى لا يفهمونها وليس بمقدورهم السيطرة عليها. ونظراً إلى ظهور “كورونا” من الصين -هدف ترامب المفضل- وانتقاله عبر المسارات التي خلقتها العولمة لنقل البضائع والخدمات والأفراد، أصبح الفايروس يمثل كل ما يخشاه ويبغضه الشعبويون. هذه الحقيقة جعلت من الفايروس “تجسيداً وإثباتاً للمخاوف من العالم الخارجي ومن الآخر التي تسيطر على ترامب وأتباعه”، على حد قول باركون.

السبب الثالث للرعب الذي يثيره “كورونا” هو الشعور بالذنب الذي ينتاب الذين يرون أنه ربما بدأت الطريقة القاسية التي تتعامل بها البشرية مع عالم الطبيعة -بدءاً من حرق الكربون لقرون عدة وحتى سنوات من فرط استخدام المضادات الحيوية- في تدمير المحيط الحيوي، فقد ظل هذا الدمار لعقود طويلة مجرد مشكلة مجردة لا نشعر بها. لكن في السنوات الأخيرة ومع اجتياح الحرائق الغابات وتغير المناخ الذي أصبح أكثر حرارة ورطوبة وتطرفاً، أصبح من المستحيل تجاهل هذه المشكلة. يشعر كثر بأننا أفسدنا الأنظمة الطبيعية وأننا سندفع ثمناً باهظاً لذلك. ويغذي فايروس “كورونا” هذا الشعور، إذ يبدو وكأنه عقاب لا مفر منه. كما قال باركون “نحن نعيش في عالم يعج بأفكار نهاية العالم” أو كما قال لي أحد أصدقائي “حتى لو لم يقضِ علينا هذا الفايروس، فالأمر غير مهم لأن الفايروس المقبل سيفعل أو ربما الذي يليه”.

ومع أن هذا الخوف المتفشي قد يدفع البشر إلى التخبط والتصرف بطرائق غريبة، إلا أن له جانباً إيجابياً. ألفت كتاباً منذ سنوات أناقش فيه فكرة أن الحكومات لا تتعامل مع التحديات الكبرى المهددة للحياة إلا عندما لا تجد مناصاً من ذلك، فالأزمات الوجودية مهمة لتصفية الذهن والتفكير بوضوح؛ فهي غالباً ما تقنع السياسيين بالقيام بإصلاحات كبيرة ومؤلمة لكنها ضرورية، وذلك لأنها ترغمهم على قبول فكرة عدم وجود خيار آخر وأنهم إذا فشلوا في ذلك فلن تُهدم مسيرتهم المهنية فحسب بل بلادهم أيضاً.

قد يكون “كورونا” من تلك الأزمات الدافعة للتغيير، وإن لم يكن كذلك، فالفايروس المقبل أو الذي يليه سيكون كذلك. لكن حتى الآن لا دليل على أن قادتنا يدركون النتائج الصحيحة ويعترفون بالحجم الحقيقي للمشكلة ويتعاونون بطريقة تتسم بالشفافية والفعالية والتنسيق. وهذا أكثر ما يثير خوفنا.

هذا المقال مترجم عن  foreignpolicy.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط هنا