fbpx

كورونا العراق : تكتّم ومعتقدات جعلت المرض وصمة عار…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حالاتٌ كثيرة وأسر كثيرة مصابة في العراق، إلا أن غياب الوعي بالتعامل مع هؤلاء وحتى لدى بعض الكوادر الطبية يشعرهم بأنهم منبوذون، وأن مرض “كورونا” أشبه بوصمة عار، وأن الجميع يتجنبهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تسبب تعليق كتبته عاتكة (29 سنة)، على منشورٍ لأحد أصدقائها في “فايسبوك”، بنقل عملها من مستشفى الفرات إلى مستشفى الطارمية في بغداد، كإجراء تأديبي. 

تقول عاتكة لـ”درج”: “كتب أحد اصدقائي منشوراً على فايسبوك ذكر فيه أن هناك حالات مصابة بمرض كورونا في مستشفى الفرات في بغداد، وقد أجبتهُ مؤيدة فكرته وقلت إن الحالات لا تزال في الحجر”. 

وقع الحادث قبل أكثر من 3 أسابيعٍ من تصاعد إصابات مرض كورونا covid-19، في العراق، تقول عاتكة “ما أن أصبحت الساعة 12 ليلاً حتى اتصل بي مدير المستشفى وأخبرني أن مدير صحة الكرخ يريد التحدث إليّ يوم غد بسبب تعليق لي عبر فايسبوك”.

تعمل عاتكة في مستشفى الفرات، وتتابع دراستها لتصبح تقنية طبية في مجال التخدير، تذكرُ أنها نُقلت من مستشفى الفرات بسبب تعليقها هذا، وتضيف: “الدكتور جاسب لطيف الحجامي مدير صحة بغداد/ الكرخ، تحدث إلي معاتباً لأنني كتبت تعليقاً ينافي الصحة حين أكدت وجود حالات في المستشفى”. وأضافت: “الحجامي اتهمني بأنني أخرج مع المتظاهرين واصفاً إياهم بـ(البعثيين) في ساحات التظاهر، حيث كُنت وقتها بين المتظاهرين في خيم الإسعاف والطبابة”.

الحجر الصحي 

مستشفى الفرات، هو المعتمد لحالات الحجر الصحي في بغداد، تقول عاتكة “المستشفى لا يسع إلا لـ100 مصاب، وكل مصاب مشكوك بأمره يتم حجره في غرفة، بمفرده وأحياناً مع عائلته، حتى ظهور نتائج التحليل التي يتم إرسالها إلى مختبر الصحة المركزي، وتظهر بعد 48 ساعة من إرسالها”.

في مستشفى الحجر الصحي يفتقر الأطباء للكمامات، وبدلات الوقاية، تقول عاتكة، “بدلات الوقاية التي استخدمناها في مستشفى الفرات مع ظهور فايروس كورونا، كانت صُنعت عام 2003 وانتهت صلاحيتها منذ عام 2018، فاضطر العاملون في الكادر الطبي إلى شراء بدلات صالحة على حسابهم الخاص”.

العاملون في مستشفى الفرات، الذي خُصص لحجر المصابين بـ”كورونا”، لا  يضعون كمامات، هذا ما أكدته عاتكة، مضيفة: “بعد مدة من ظهور الفايروس أصبح أفراد الكادر المسؤول عن ردهات الحجر وحدهم من يضع كمامات، فيما الآخرون توقفوا عن ذلك”.

لا غرف أوكسيجين في المستشفى، مع العلم أنها ضرورية لمعالجة “كورونا” كونه مرضاً يصيب الجهاز التنفسي. المصاب يخرج بعد حجر يستمر 14 يوماً، وبعد إجراء تحليلين يثبتان أنه شُفي تماماً، فيما “البعض يحتاج إلى مدة حجر أطول، إلا ان المستشفى لا يستمر بحجره في حال احتاج إلى ذلك بل يخرجه لأنه لا يستوعب أكثر من 100 مريض”.

تلفت عاتكة إلى أن “أحد المرضى بعد 14 يوماً من حجره قمنا باجراء تحليل له، وكانت النتائج إيجابية، ما يعني أنه لا يزال حاملاً المرض ولم يُشفَ بعد، إلا أن المستشفى سمح لهُ بالخروج، وأقام على إثر ذلك مأدُبة طعام”.

الكتمان

لم تكُن عاتكة الصوت الوحيد الذي حاولت جهات رسمية إسكاتهُ حين تحدث عن انتشار المرض، يقول ع.ز. لـ”درج”: “اتصلت بصديقي وهو مدير مكتب د. عبد الرحمن المحمداوي، مدير مستشفى الكاظمية التعليمي، وأخبرني أن الأخير مصاب بالفايروس، وأن الدكتور جاسب الحجامي مدير صحة بغداد الكرخ يرفض الإعلان عن الخبر خوفاً من هرب الكادر الطبي من المستشفى”.

بعد ساعات انتشرت صور للتحليل الطبي الخاص بالمحمداوي، وتبيّن أنه مصاب بالفايروس، كما أن مدير مكتبه هو الآخر مصاب، بينما أعلن مدير صحة بغداد الكرخ جاسب الحجامي أن “مدير مستشفى الكاظمية للتعليم بصحة جيدة ولا صحة لتلك الأقاويل”.

لجوء الكوادر الطبية في العراق إلى الكتمان أثار غضب المواطنين، وأفقدهم ثقتهم بالجهات الطبية والصحية العراقية، وعلى رغم تأكيد مصدر رفض الكشف عن اسمه تابع لمختبر الصحة المركزي (الذي يعدّ المختبر الوحيد في العراق المكلف والمعتمد من قبل منظمة الصحة الدولية بتحليل حالات الإصابة بفايروس كورونا) ارتفاع أرقام المصابين. 

يؤكد المصدر أن “50 في المئة من التقصير الذي دفع إلى انتشار الفايروس سببه المؤسسات الصحية في العراق وعلى رأسها وزارة الصحة، بينما الـ50 في المئة الأخرى سببها مواطنون لعدم تعاونهم مع الكوادر الطبية والصحية وتجاهل خطورة الوباء”.

الإصرار على المشاركة في مناسبات دينية يضاعف من انتشار الفيروس

يؤكد المصدر، “نتبع طرائق بدائيةً جداً في كيفية إجراء التحليل للمرض، وهذا ما لاحظه مراقبون جاءوا لمتابعة إجراءاتنا وأساليبنا في التحليل في المختبر”، مشيراً إلى أن “الذنب ليس ذنبنا فالمشكلة في الواقع الصحي المتهاوي في العراق، وعلى رغم حرصنا على مضاعفة عملنا في المختبر، إذ أعلنت حالة الطوارئ وأصبح العمل داخل المختبر على مدار الـ24 ساعة، إلا أن ذلك ليس كافياً لكف انتشار الفايروس”.

قلة الوعي بين شرائح واسعة من أهم الاسباب التي أدت إلى انتشار الفايروس، يروي مالك الزبيدي معاون مدير مركز الحسينية الصحي في بغداد أن “امرأة جاءت إلى المركز، وقد ظهرت عليها أعراض مرض كورونا، من ضيق تنفس وارتفاع في درجة الحرارة وصداع…”، مضيفاً: “وفقاً لما تقوم به المستشفيات، تجب معاملة الحالة على أنها مصابة حتى إثبات العكس، عملنا على إرسالها إلى مستشفى مجاور للمركز، لإجراء التحاليل اللازمة، إلا أن السيدة اتصلت بزوجها، الذي تحدث إليّ، شاتماً ومهدداً مانعاً إيانا من الحجر على زوجته لحين ظهور نتائج الفحص، ما دفعنا إلى أخذ بعض المعلومات عن سيدة وتركناها تذهب إلى منزلها، فلا حيلة لنا مع هذا النوع من المصابين الذين قد يتسببون بالاساءة أو بالضرر لنا أو للمركز أو المستشفى”.

وبالتزامن مع مناسبة ذكرى وفاة موسى الكاظم أحد الأئمة الشيعة والذي يقع مرقده في منطقة الكاظمية في بغداد، حيث يتجه جميع الشيعة من المحافظات العراقية وكذلك من الدول المجاورة لإتمام مراسيم الزيارة، حذرت وزارة الصحة العراقية من التجمعات وأكد المتحدث باسمها سيف البدر من “أنه على رغم أهمية هذه الطقوس الدينية، إلا أنها قد تكون واحدة من اهم اسباب انتقال الفايروس وتفشيه، لهذا نحذر المواطنين من ممارسة الطقوس والتجمعات ونرجو منهم التزام منازلهم”.

ونتيجة عدم التزام المواطنين بتحذيرات الوزارة، وعلى رغم فرض حظر التجول لمدة أسبوع في العراق ابتداءً من 16 آذار/ مارس 2020 ولغاية 24 منه، إلا أن زائري مرقد موسى الكاظم في منطقة الكاظمية واصلوا أداء الطقوس، ودخل بعضهم في صدامات مع القوات الأمنية في مناطق متفرقة من تقاطع الجندول في الاعظمية وساحة عدن في الكاظمية كمحاولة للوصول الى المرقد الديني.

 وصمة عار 

يقول يعرب الدليمي لـ”درج”: “قبل 3 أيام وأنا أستمع إلى صوت القرآن يعلو من مذياع جاري، راودتني الشكوك ودفعني هذا إلى زيارته، ففوجئت بخروجه وهو يرتدي كمامة وقفازين، وأخبرني انه مصابٌ بالمرض، وينتظر من الله أن يُنجيه”. 

خوف يعرب من المرض، دفعه إلى الهروب من جاره، ويضيف “ركضت فوراً إلى منزلي، لا اعتقد أن بامكاني التواصل مع شخص يحمل فايروس قاتلاً ومعدياً، ولست أنا الوحيد من فعل هذا، حتى صاحب محل بيع المواد الغذائية، صار يتجنب التعامل مع جارنا هذا”. 

حالاتٌ كثيرة وأسر كثيرة مصابة في العراق، إلا أن غياب الوعي بالتعامل مع هؤلاء لدى المواطنين وحتى لدى بعض الكوادر الطبية يشعرهم بأنهم منبوذون، وأن مرض “كورونا” أشبه بوصمة عار، وأن الجميع يتجنبهم. يقول أحمد عبد القادر أحد العاملين في أحد مستشفيات بغداد “نقوم بوضع الطعام على حاويات رمي القمامة، خوفاً من الاقتراب من المرضى المحجورين، ونبلغ المريض بمكان وضع الطعام من بعد، فالأمر ليس سهلاً علينا”.

هذا ما دفع أغلب المصابين بهذا المرض إلى الهرب، وفضل البعض اتخاذ غرفة في منزله لتكون حجراً صحياً له، إلا أن ذلك لم يمنع من ارتفاع حالات الإصابة بشكل سريع في العراق، ليؤكد الطبيب أحمد القيسي أننا “نخشى من احتمال ارتفاع الإصابة بشكل مخيف بعد مناسبة ذكرى استشهاد موسى الكاظم، ولعدم التزام المواطنين بحظر التجول، وإصرارهم على التجمعات، ما سيقود إلى ارتفاع حصيلة الإصابات”..

حظر تجول وأساليب وقائية

في العراق، يستخدم البعض أساليب قائمة على معتقدات شعبية للوقاية من الفايروس، فمثلاً النساء الطاعنات في السن يستخدمن الثوم والبصل، ويعتقدن أنهما يقللان من احتمال الإصابة بالمرض، بينما تقوم أخريات بإشعال مادة الحرمل وهي تستخدم بخوراً في المنازل، ويجد البعض أنها من وسائل الوقاية من المرض، بينما يجد آخرون أن زيارة الأئمة والتوكل على الله والدعاء، أفضل وسيلة للتخلص من “كورونا” الذي يعتبره هؤلاء ابتلاء إلهياً للعباد، بسبب “انتشار الفساد والمفسدين في الأرض”.

حكومة إقليم كردستان في العراق، عملت بعد انتشار المرض بنسبة كبيرة في السليمانية ودهوك على فرض حظر التجول لمدة 14 يوماً، وبعد انخفاض عدد الإصابات مددت الحكومة في الإقليم الحظر أسبوعاً إضافياً، بينما فرضت محافظة دهوك إحدى محافظات الإقليم حظراً للتجول مدته أسبوعان تماشياً مع الإجراءات التي اتخذت في السليمانية واربيل.

وقامت حكومة المركز هي الأخرى بفرض حظر للتجول لأسبوعٍ كامل، وفرضت حكومة المركز غرامة قدرها 100 الف دينار عراقي على كل من يخالف هذا القرار، وفي حال تكراره المخالفة ستصل الغرامة إلى 300 ألف دينار عراقي مع حجز سيارته لمدة 5 أيام، وعلى رغم ذلك عدد ليس بالقليل من المواطنين لم يلتزموا بذلك، لأسباب منها البحث عن لقمة العيش.

يقول بشار وهو سائق سيارة أجرة “نحن نعتمد في معيشتنا على عملنا اليومي، وفي حال فرض حظر التجول سنكون عاجزين عن توفير المال لأُسرنا، بينما لم تبادر الحكومة العراقية إلى صرف أي مبلغٍ للمواطن العراقي في هذه الأزمة كما فعلت حكومات دول أخرى”.

حظر التجول، وبقاء المواطنين في منازلهم، دفع معظم أصحاب محال بيع المواد الغذائية، والخضروات إلى رفع أسعار المواد إلى الضعف، ما دفع جهاز الأمن الوطني العراقي إلى نشر رقم هاتفٍ خاص يلجأ إليه أي مواطن عراقي يتعرض لمحاولة استغلال من قبل تجار بيع المواد الغذائية أو البقالين وحتى الصيادلة الذين بالغوا بأسعار الكمامات والقفازات والمواد المعقمة.