fbpx

بين السوريين والفلسطينيين… من الأسوأ حالاً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ثمة سوريون لا يريدون أن يصبحوا فلسطينيين جدداً في هذا العالم، إنما ثمة كثر من السوريين يرون أن قضيتهم أكثر تعقيداً وصعوبة وأكثر مأساوية من قضية الفلسطينيين.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يختلف كثر بشأن عقد أي مقاربة بين قضيتي الفلسطينيين والسوريين، مع ذلك ثمة مشروعية كبيرة في ادعاء أن ثمة مشتركات، أو تشابهات، بين القضيتين المذكورتين، علماً أن الأولى، ولها 72 عاماً، تتعلق بمواجهة مشروع استعماري استيطاني عنصري (نسبة إلى الدين)، في حين الثانية، ولها 9 أعوام، تتعلق بمحاولة إنهاء حكم عائلة، هيمنت بالقوة على السوريين وعلى مواردهم وعلى دولتهم، منذ نصف قرن. 

مثلاً، نحن إزاء بلد أضحى “سورية الأسد” إلى الأبد، ما يختصر الوطن والشعب والحاضر والمستقبل في سردية جديدة، فكل شيء ينبع من الأسد القائد والباني، الأب والمعلم، ما يذكرنا بإسرائيل، التي تعاملت مع الفلسطينيين، أي أصحاب الأرض الأصليين، باعتبارهم طارئين على المكان والزمان في بلدهم، واعتبار اليهود الإسرائيليين أصحاب الحق في فلسطين – إسرائيل، بناء على “وعد” إلهي، وأسطورة «أرض الميعاد». 

مع طول أمد الصراع السوري، فإن التشابهات، في الواقع، باتت تتزايد، وصارت أكثر وضوحاً، لقضيتين من أكثر القضايا العادلة في العالم، وهو ما يمكن تمثله في الآتي:

أولاً، منذ البداية تم حرف أو إزاحة القضية السورية، من كونها ثورة شعب ضد نظام تأسس على الفساد والاستبداد الى كونها قضية تتعلق بمكافحة الإرهاب وحماية “الأقليات” وقضية إنسانية وقضية لاجئين، هذا يذكرنا بما حصل مع الفلسطينيين منذ عقود.

ثانياً، باتت القضية السورية مستعصية على الحل، مثل القضية الفلسطينية، مع أنها واضحة جداً، مع مئات آلاف الضحايا، وملايين اللاجئين والمشردين، وخراب مدن بكاملها، إلى درجة أنها أضحت أكبر بكثير من مأساة الفلسطينيين، وأكثر هولاً، على رغم مرور أكثر من 7 عقود عليها، فيما قضية السوريين عمرها بضع سنوات، ومع ذلك فقد دخلت، أو أُدخلت، في متاهة تفاوضية في جنيف وأستانا، تشبه تماماً المتاهة التفاوضية التي أدخل فيها الفلسطينيون.

ثالثاً، أضحت القضية السورية قضية دولية، أيضاً، وبات حلها بأيدي الفاعلين الدوليين، وليس بأيدي شعبها، وهذا أكثر شيء ينطبق على قضية الفلسطينيين، بحسب تجربة أكثر من 7 عقود، وبالنسبة إلى العالم العربي فهو في شأن القضيتين يقف عاجزاً أو حائراً، وبلا أي فائدة.

 إنه الزمن الذي باتت فيه المقارنة تتعلق بالسؤال ليس عمن هو الأفضل حالاً، إنما عمن هو الأسوأ حالاً.

رابعاً، لم يقدم الدعم أو التعاطف، الدولي للثورة السورية أي شيء ملموس، فحتى الدعم العسكري كان محدوداً ومضبوطاً، في غرفتي الموم والكوك، وكان يخضع لسقف معين، مفاده أن لا غلبة للنظام، ولا هزيمة للمعارضة، أما القرارات الدولية، وضمنها قرارات مجلس الأمن الدولي، فبقيت مجرد حبر على ورق، وهو ما حصل مع الفلسطينيين في عشرات القرارات الدولية التي لم تفعل لهم شيئاً يذكر.

على الصعيد الداخلي، تمكن ملاحظة الآتي:

أولاً، كما أن الحركة الوطنية الفلسطينية ذهبت للـ”الكفاح المسلح” مباشرة من دون إعداد سياسي، وفي غياب أحزاب سياسية مجربة، حصل ذلك مع السوريين أيضاً، ما شكل إحدى أهم نقاط ضعفهم، وإلى الآن.

ثانياً، منذ البداية تم إخراج الشعب من معادلات الصراع ضد النظام، وحصره بالفصائل المسلحة، وبالمعارضة السياسية ذات الطابع البيروقراطي، الأمر الذي يشبه التحولات التي حصلت في الساحة الفلسطينية، مع تجييش بني المقاومة وتآكل كفاحها، وترهل بناها.

ثالثاً، كان لطغيان العسكرة، وتغليب الصراع بالوسائل المسلحة، أثرهما الكبير في خروج معظم الشعب السوري من المعادلات، وارتهان معارضته، بكياناتها السياسية والعسكرية والمدنية، للإملاءات أو التوظيفات السياسية الخارجية.

رابعاً، لم توضح المعارضة السورية استراتيجيتها السياسية والعسكرية في إسقاط النظام، وتم إخضاع ذلك للعفوية والتجريبية والفوضى، وتالياً لحسابات خارجية، الأمر الذي استنزفها، وأرهق شعبها، من دون تحقيق نتائج ملموسة، كأنها تكرر في ذلك التجربة الفلسطينية التي افتقدت استراتيجية عسكرية، أو سياسية، ما أدى إلى إخفاق مختلف الخيارات التي انتهجتها القيادة الفلسطينية. 

خامساً، لم تنتبه المعارضة السورية، في ذهابها نحو العمل المسلح، وطرحها هدف إسقاط النظام، من دون أي أهداف توسطية أو تدريجية، أخرى، إلى أن النظام يتفوق عليها من الناحية العسكرية، بشكل لا يقاس، وأن المعطيات العربية والدولية لا تسمح لها بتحقيق ما تريده، وأن الأجدى لها طرح أهداف سياسية قابلة للتحقيق، كمرحلة أولى. في المثال الفلسطيني، أيضاً، كان الظن أن فصائل المقاومة بإمكانها تحرير فلسطين، وجعلت ذلك مهمتها الرئيسة، متجاهلة أهمية بناء مجتمعات الفلسطينيين وتعزيز صمودها وتطوير إمكاناتها، فلا هي استطاعت التحرير ولا هي تمكنت من تنمية مجتمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج.

سادساً، كما لا توجد إجماعات سياسية عند السوريين، بعد 9 أعوام من الثورة، وثمة افتراقات كثيرة في ما بينهم، ثمة مثل ذلك في الحالة الفلسطينية، وهو واقع مؤسف في تجربتين تفتقدان إلى الحيوية والدينامية والفعالية السياسية التي تحتاجها كل واحدة منهما.

لنلاحظ تلك المقاربة من زاوية أخرى، إذ إن ظلم النظام السوري السوريين فاق ظلم إسرائيل الفلسطينيين، ومصدر القياس هنا أن إسرائيل عدو خارجي، لا يقتل شعبه، أي مواطنيه من اليهود الإسرائيليين، في حين أن النظام يقتل شعبه ويشرّده، بعدما حرم أفراده من حقوق المواطنة، وبينما إسرائيل، الاستعمارية الاستيطانية العنصرية، تقرن إجراءاتها القمعية الأمنية، ضد الفلسطينيين، بإجراءات سياسية واقتصادية لاستيعابهم، وتسهيل هضم حقوقهم، فإن النظام في مواجهة شعبه يلجأ إلى الصراع الصفري، أي استئصال السوريين، باستخدام العنف المفرط، وغير المسبوق، بالبراميل المتفجرة والصواريخ والأسلحة المدفعية، وأشكال الحصار المختلفة، وهذا هو الفارق الأساس.

ثمة سوريون لا يريدون أن يصبحوا فلسطينيين جدداً في هذا العالم، إنما ثمة كثر من السوريين يرون أن قضيتهم أكثر تعقيداً وصعوبة وأكثر مأساوية من قضية الفلسطينيين. إنه الزمن الذي باتت فيه المقارنة تتعلق بالسؤال ليس عمن هو الأفضل حالاً، إنما عمن هو الأسوأ حالاً.