fbpx

كوفيد 19 يميّز ضد النساء أيضاً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بينما تمنحك كروموزومات XX جهازاً مناعياً أقوى وتوقعاً لعمرٍ أطول بحسب ما ذكرته إحصاءات، فإن كونك أنثى يعرضك للتمييز ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، ويؤدي إلى تهميشك وتهميش صحتك، وذلك في سياق استجابة دول عدة لوباء “كوفيد 19”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انتشر كوفيد 19، المستجد من سلالة فايروس “كورونا”، في أنحاء العالم. صنفته “منظمة الصحة العالمية” تحت مسمى وباء اجتياحي. يعاني الآلاف في المستشفيات ويحارب الملايين لمنع انتشار الفايروس وذلك بالامتثال إلى تعليمات “منظمة الصحة العالمية”، التي تشمل الحظر، والحجر الذاتي، واتباع سبل النظافة الواجبة، والتدابير المُتخذة من طرف معظم حكومات الدول المصابة بالوباء. اتخذ مجلس الوزراء اللبناني القرار وأعلن “حالة الطوارئ الصحية”، وفي 15 آذار/ مارس من العام الجاري، أعلنت الحكومة حالة التعبئة العامة ودعت بموجبها إلى إغلاق الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والمرافق المستقلة والجامعات والمدارس الخاصة والحكومية وكذلك دور الحضانة. ودعا رئيس الجمهورية الجميع إلى مواصلة العمل من المنزل، على النحو الذي يرونه مناسباً، ليصبح التعليم عن بعد متاحاً لجميع الطلاب، وكذلك العمل بالنسبة إلى الموظفين، وبناءً عليه، تواصل المؤسسات عملها قدر الإمكان.

على رغم تجهيز قطاعات الصحة في لبنان تحت الإشراف المباشر لرئيس الوزراء واللجنة الوزارية لمكافحة فايروس “كورونا”، تركز خطة الطوارئ على المشكلات الصحية “الطارئة”، بينما لا تتناول حالة عدم المساواة الجنسانية التي تزيد من انتشار الأوضاع غير الصحية. لم تهمل خطة الطوارئ الجانب الجنساني فقط، بل عجزت عن التعامل مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة، وبخاصة في ما يتعلق بالجوانب الأكثر ضعفاً شاملةً النساء اللاتي لم يتلقين الدعم الكافي في الأزمة وحالات الطوارئ.

حين شعرت المرأة اللبنانية بالخطر، شاركت بفاعلية في المكافحة مستخدمةً جميع إمكاناتها المتاحة. لقد كانت في مقدمة الصفوف العلاجية كمقدمة رعاية صحية، كما حاكت الأقنعة والبدلات الواقية، وفعّلت الإنتاج المحلي للصابون الطبيعي في بعض القرى، كما دعمت التعليم والرعاية الصحية. دفعت المرأة اللبنانية المؤسسات غير الحكومية مثل “أبعاد” و”كفى” و”منظمة التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني” إلى مواصلة دعم المرأة التي قد تتعرض للخطر بسبب الحصار. أظهرت المرأة شجاعة منقطعة النظير في مواجهة المرض وتبعياته. حين أصيبت الإعلامية مي شدياق بـ”كورونا”، ولم تخشَ الوصمة الاجتماعية، وأعلنت عن إصابتها، بينما خاف وزير سابق “رجل” من وصمة العار ومكث في المستشفى تحت اسم مستعار. لكن ماذا عن انعكاسات الأزمة على النساء عموماً، والأقل حظاً ممن حوصرن في الحجر أو يتلقين العلاج خصوصاً؟ لماذا تنطوي أي استجابة على جانب رئيسي من الجنسانية؟

يلقي الفهم الجنساني لكوفيد-19 الضوء على مستويات مترابطة من عدم المساواة، تسببت في التعرض للعدوى وإحداث أثر شخصي واجتماعي واقتصادي للأزمة. نتيجة لذلك، يجب اعتبار الجنسانية مسألة شاملة لها تأثير ممتد على جميع جوانب الوباء المتفشي.

الصحة المهنية

تشكل النساء نسبة 75-80 في المئة من العاملين في مجال الرعاية الصحية عالمياً. ووفق أحدث الإحصاءات التي نشرتها نقابة الممرضات والممرضين في لبنان لعام 2019، تمثل النساء79.52 في المئة من فريق التمريض في لبنان مقابل نسبة 20.48 في المئة للذكور، ما يضع الممرضات في المقدمة لكونهن يمثلن أغلب مقدمي الرعاية ومن ثم يكنّ أكثر عُرضة للمخاطر المهنية الصحية في المستشفيات. قد يتعدى ذلك إصابتهن بالعدوى، فقد تتعرض عائلاتهن أيضاً لمخاطر إصابة أكبر، بخاصة إذا كن يرعين أشخاص ضعفاء مثل الرضع أو المسنين أو المرضى سلفاً. لذا قد يتضاعف الخطر ويؤدي إلى الوفاة. تحمل هذه المخاطر المهنية في طياتها مخاطر اقتصادية واجتماعية أيضاً. فقد تمثل أضراراً محتملة لموارد وكفاءة قطاع الصحة العامة، نتيجة لأن “حوادث مكان العمل تُقدر تكلفتها بقيمة 4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي السنوي”. وعلى رغم واقع أن الممرضات يمثلن أغلبية قطاع التمريض، إلى أنّ قليلات منهن يشغلن مناصب قيادية، ما لا يلبي متطلبات كثيرات منهن، من تخطيط الإجراءات وأوقات العمل، إلى فرض مسؤولية الأسرة عليهن وإدراج منتجات نظافة شهرية ضمن معداتهم الشخصية الوقائية.

يلقي الفهم الجنساني لكوفيد-19 الضوء على مستويات مترابطة من عدم المساواة، تسببت في التعرض للعدوى وإحداث أثر شخصي واجتماعي واقتصادي للأزمة.

قد يعاني المصابون من الطواقم الطبية أو الطواقم الصحية المساعدة على غرار المرضى، من الوصمة والعزلة الاجتماعية والرفض، وقد يكون هذا الأمر محطماً لروحهم المعنوية. ولذا على صناع القرار أخذ هذه العوامل في الاعتبار إذا أرادوا الوصول إلى العاملين في قطاع الرعاية الصحية الأكثر عرضة للإصابة والأكثر حاجة للرعاية. عليهم أن يأخذوا في حسبانهم أيضاً تخفيف التأثيرات الاجتماعية بالنسبة إلى عائلات الإناث العاملات في الرعاية الصحية، بسبب طول ابتعادهن من عائلاتهن وساعات العمل المنهكة. وعلى رغم أن هذه المقاربة قد تبدو صعبة، فقد قدمت فرنسا حلاً مبدعاً على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون الذي وعد بتحمل الحكومة لتكاليف رعاية أطفال العاملات في مجال الرعاية الصحية. والتزمت الحكومة الفرنسية بتحمل مسؤولية نقل وإسكان هؤلاء العاملين لضمان سهولة انتقالهم وحصولهم على القدر الملائم من الراحة. وسيعين هذا الأمر أيضاً على توفير عزلة مناسبة لهم، لأنهم الفئة الأكثر عرضة لخطر العدوى.   

عمل غير مدفوع الأجر

استفحال الآثار الاقتصادية على النساء ناتج من أوضاعهن غير العادلة في مجال العمل، سواء الرسمي أو غير الرسمي. إذ تعمل غالبية النساء في القطاع غير الرسمي الذي يفتقر لقوانين الحماية ويجعل النساء أكثر عرضة لخطر الفقر وبالتالي أكثر عرضة للعدوى. أما في القطاع الرسمي فتهيمن النساء على الأعمال ذات الدوام الجزئي التي تفتقر أيضاً للحماية القانونية وتزيد من ضعفهن. فضلاً عن أن الكثير من النساء يُجبرن على التخلي عن مصادرهن المحدودة لتقديم العلاج والرعاية، خصوصاً في مواقف يفتقر فيها المصابون بأعراض طفيفة للقدرة على الحصول على العلاج أو الرعاية الأساسية. 

وبين التأثيرات الأخرى الصاعدة، زيادة أعباء الأعمال المنزلية المتوقعة من النساء مما يستنزفهن جسدياً. قبل أزمة “كورونا”، قدرت دراسة لـ”منظمة العمل الدولية” أن النساء في العالم العربي يمضين معدل 329 دقيقة (5 ساعات و29 دقيقة) يومياً في أداء أعمال الرعاية غير المدفوعة و36 في الأعمال المدفوعة، في حين يمضي الرجال 70 دقيقة في الأعمال غير المدفوعة و222 دقيقة على التوالي. 

ومع إغلاق المدارس والجامعات، تقدر اليونيسكو أن 1363393 طالباً من مختلف المراحل التعليمية في لبنان سيلزمون منازلهم. 

إضافة إلى أعباء المهمات المنزلية سيكون على النساء تحمل عبء تدريس أبنائهن في المنزل وكذلك حضور أعمالهن الرسمية عبر العمل على الإنترنت، وكذلك ضمان الهدوء في المنزل حتى يتمكن الذكور المعيلون للأسر من القيام بأعمالهم. ونتيجة لذلك قد تجد النساء أنفسهن غير قادرات على الاستمرار في أعمالهن الرسمية، وقد يخسرن رواتبهن ومصادر دخولهن، ما يزيد من اتساع الهوة الجندرية التي بلغت في لبنان حداً جعلها في المركز 145 من بين 153 دولة في التقرير العالمي حول الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.  

بيد أن هذه الأزمة تحمل بعض الأمل بالنسبة إلى النساء. فبسبب قربهن من المجتمع قد تستفيد النساء من أوضاعهن التي تمكنهم من التأثير الإيجابي في كيفية تصميم وتطبيق نشاطات الوقاية وطرائق التفاعل المجتمعي ويجب أن يمنحن أدواراً أكبر في صناعة القرار. 

العنف الجنساني

يلاحظ أنه في أوقات الأزمات وزيادة التوترات نتيجة بقاء الناس في منازلهم وقلة الموارد وزيادة الضغوط النفسية، تزيد حدة العنف الموجه ضد النساء من قبل شركائهم أو أفراد أسرهم. وجاء في بيان للخط القومي الساخن للعنف المنزلي في الولايات المتحدة “إن إساءة المعاملة مرهونة بالسلطة والسيطرة. حين يضطر المضطهدون للبقاء في المنزل بالقرب من الجناة، يكون بإمكان الجناة استخدام أي وسيلة للتحكم في ضحاياهم، حتى لو كانت أزمة وطنية مثل فايروس كورونا المستجد”. في حين أكد المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين أن “انعدام الأمان المالي الذي كثيراً ما يمنع الضحايا من ترك منتهكيهم قد يزداد حدة في أعقاب الأزمة”. قد يمنع الخوف من إصابة الوالدين بالعدوى بعض ضحايا العنف المنزلي من مغادرة المنزل وإنهاء العلاقة المسيئة. وقد يمنعهم اكتظاظ المؤسسات الصحية والخوف من الإصابة بالعدوى، من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة إذا تعرضوا للانتهاك الجسدي. 

ثمة مشكلة أخرى تستحق تسليط الضوء عليها تتعلق بالأمهات المطلقات والمنفصلات وحقوقهن في الزيارة. فبسبب العزلة المنزلية قد يستخدم آباء الأمر حجة لحرمان الأم من حقوقها في الزيارة، في ظل تفشي الوباء وفرض قيود على الحركة. على الوالدين أن يُقدما مصلحة الأبناء ويتجنبا الصراع وأن يعوضا الأيام المفقودة بعد انقضاء الأزمة، وأن يبقيا على التواصل الصوتي والبصري عبر الهاتف ومكالمات الفيديو لدعم الأبناء نفسياً وعاطفياً. 

نساء معرضات للخطر

النساء المهاجرات العاملات في مجال الرعاية المنزلية واللواتي يعشن مع أرباب أعمالهن، يجب أن يحصلن على المعلومات والتعليم الكافي بخصوص انتشار المرض لسلامتهن وسلامة المقيمين في المنزل. وبسبب حظر التجول لن تتمكن هؤلاء النسوة من الحصول على إجازاتهن الأسبوعية، ما قد يعني اضطرارهن للعمل في أيام العطلة. وقد يتعرضن للعنف الجنسي نتيجة القلق والتوتر الشديد الذي يحدثه الوباء. وللأزمة تأثيرات مضاعفة في حياتهن، فهن بعيدات جسدياً من أسرهن ولا يستطعن تقديم الدعم المعنوي وقد تنقص مصادر دخولهن وسيحد الوباء من قدرتهن على السفر بحثاً عن الرزق، لهذا قد يواجه هؤلاء العاملون ومعظمهم من النساء خطر البطالة والفقر والعنف. 

تشكل النساء نسبة 75-80 في المئة من العاملين في مجال الرعاية الصحية عالمياً.

كما تواجه النساء اللاجئات ظروفاً قاسية وزيادة في العنف مقروناً بأعباء إضافية في الرعاية وتفتقر منازلهن للتدفئة والمياه النظيفة. ولذا طلبت الحكومة من المنظمات الدولية تحمل مسؤوليتها في تقديم الرعاية للمهاجرين السوريين واللاجئين الفلسطينيين وتقديم الرعاية الصحية والخدمات الوقائية المرتبطة بكورونا. بيد أنه في ظل حظر السفر وإغلاق قطاع البنوك ونقص الأموال المخصصة لمنظمة الأنروا وصندوق الاستجابة للأزمة اللبناني، من المتوقع أن تزيد الأمور سوءاً إذا انتشر فايروس “كورونا” إلى المخيمات. لذلك لا مناص من تقديم التعليم الكافي والتواصل اللازم بشأن طرائق الوقاية من المرض والحد من انتشاره ورعاية المصابين به. 

الصحة الجنسية والإنجابية

قالت الدكتورة ناتاليا كانم المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان “على رغم أن الخوف وانعدام اليقين هما استجابتان طبيعيتان لفايروس كورونا، علينا أن نسترشد بالحقائق والمعلومات المؤكدة. علينا أن نقف جنباً إلى جنب ونحارب الوصمة الاجتماعية والإقصاء وأن نضمن حصول الناس على المعلومات والخدمات التي يحتاجونها، خصوصاً الحوامل والمرضعات”. 

تُمثل الصحة الجنسية والإنجابية مسألة بالغة الأهمية في مجال الصحة العامة خلال الفترات التي تشهد انتشار الأوبئة، فضلاً عن أن ضمان السلامة أثناء الحمل والولادة يعتمد على وجود نُظم صحية فعالة والالتزام الصارم بالاحتياطات الخاصة بالعدوى. ولذا شرعت وزارة الصحة العامة في 18 آذار عام 2020، في تشكيل لجنة تتولى مسؤولية النساء الحوامل بموجب خطة الطوارئ لمواجهة مرض كوفيد-19.

إلى يومنا هذا، لا توجد أدلة علمية تشير إلى زيادة إمكانية تعرض النساء الحوامل للإصابة بمرض كوفيد-19. ولم يثبت حدوث انتقال مباشر للعدوى من الأم إلى حديثي الولادة، وفقاً لدراسة شملت 9 حالات نشرتها مجلة “ذا لانسيت” الطبية، غير أنّ ذلك لا يعد دليلاً كافياً. في حين أعلن الدكتور فراس الأبيض، مدير عام مستشفى “رفيق الحريري الحكومي الجامعي”، التي تُعد في طليعة مرافق الرعاية الصحية في لبنان لمواجهة مرض كوفيد-19، في تغريدة على حسابه عبر “تويتر” بتاريخ 18 آذار 2020، أن “فريق أطباء النساء والتوليد وضع بروتوكولات موصى بها للتعامل مع المرضى الحوامل المشتبه بإصابتهم اللواتي يُظهرن أعراض الإصابة في المخاض، كما تم إعداد المرافق المطلوبة وتدريب العاملين، وتبادل البروتوكولات مع المستشفيات الأخرى”.

أما في ما يتعلق بالرضاعة الطبيعية، فبالنظر إلى فوائدها والدور الضئيل لحليب الأم في نقل الفايروسات التنفسية الأخرى، يمكن أن تواصل الأم الرضاعة الطبيعية أو استدرار الحليب وحفظه، مع الالتزام بالاحتياطات اللازمة وفقاً لتعليمات منظمة “اليونيسيف”.

ماذا نفعل؟

ركَّز لبنان في خطة عمل الحكومة، كما فعلت دول أخرى، على الأهداف والغايات والمؤشرات الصحية فقط. وفشلت في تبني “خطة إنمائية تحويلية قائمة على ضمان حقوق الإنسان للجميع”، وفقاً لمعايير الأمم المتحدة. ويشمل ذلك طائفة من حقوق الإنسان، وهي الحق في الضمان الاجتماعي والسكن والرعاية الصحية والتعليم على النحو المنصوص عليه في “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

لتحسين استجابتنا الوطنية وتجنباً “لاستبداد حالة الطوارئ” في المستقبل، على لبنان تبني توصيات “الفريق الرفيع المستوى المعني بالاستجابة العالمية للأزمات الصحية”، وتوصيات “هيئة الأمم المتحدة للمرأة”، بشأن جهود التأهب والاستجابة لمراعاة ومعالجة الأدوار والمسؤوليات والديناميات الجنسانية أثناء تفشي مرض كوفيد-19. فضلاً عن أن عدم إدراك الاحتياجات مختلفة، يدل على أنك لا تسعى إلى وضع وإقرار سياسات للتخفيف من وطأة هذا الوباء.

تمثل النساء79.52 في المئة من فريق التمريض في لبنان مقابل نسبة 20.48 في المئة للذكور.

  لا بد من إشراك خبراء الشؤون الجنسانية في جميع مستويات التخطيط والعمليات لضمان فعالية الاستجابة ومدى ملاءمتها، وكذلك تدابير الاحتواء والتخفيف الرامية إلى معالجة العبء المتفاقم جراء أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر، وتسليط الضوء على مخاطر العنف الجنساني وسبل الاستجابة له، والتخفيف من حدة التأثيرات الاقتصادية والمعيشية الناجمة عن الأوبئة في وضع المرأة، من خلال استراتيجيات التمكين الاقتصادي الموجهة للمرأة، أو دراسة برامج التحويلات النقدية لمساعدتهن في التعافي وتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات في المستقبل.

وضعت “خطة العمل الوطنية حول المرأة والسلام والأمن” التي أقرتها “الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية” وأقرتها الحكومة، هذا الهدف في إطار “دعامة الإغاثة والإنعاش” وقد حان الوقت الآن لتفعيل تنفيذ هذه الدعامة الاستراتيجية.

●      من أجل التصدي لانتشار العدوى، يجب تمكين النساء اللواتي يضطلعن بدور رئيسي من الحصول على المعلومات، بوصفهن قنوات مؤثرة لتبادل المعلومات في مجتمعاتهن المحلية، كما تنبغي توعيتهن حول كيفية الوقاية من الوباء والتصدي له بطرق بسيطة يسهل استيعابها.

●      إيلاء الأولوية للحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك الرعاية الصحية قبل الولادة وبعدها، ضمن التدابير المتَّخذة لتخفيف العبء عن هياكل الرعاية الصحية.

●      أن يكون تقديم خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي للأفراد والأسر والمجتمعات المحلية والعاملين في قطاع الصحة ركناً أساسياً من أركان عملية الاستجابة.

●      تقديم الدعم للناجين من العنف الجنساني بما في ذلك خدمات الصحة العقلية والحماية، وزيادة الوعي بهذا الشأن. ويجب تحديث إجراءات الإحالة الخاصة بالعنف القائم على نوع الجنس لتعكس التغيرات في مرافق الرعاية المتاحة، في حين يجب إبلاغ المجتمعات المحلية الرئيسية ومقدمي الخدمات بهذه الإجراءات المحدّثة. وينبغي الحفاظ على عمل الخط الساخن رقم 1745 المُخصص لإبلاغ قوى الأمن الداخلي عن العنف الجنساني. على رغم تعليق العمل في المحاكم والإدارات القضائية لمنع انتشار الفايروس، ما زالت الخدمات التي تكفل معالجة المنازعات الأساسية قيد العمل، بحسب البيان الذي أدلى به وزير العدل. وتنبغي زيادة الوعي بأن تلك الحالات تشمل حالات العنف المنزلي (الأوامر التقييدية).

●      لطالما كان المجتمع المدني هو الدعامة الأساسية للدولة اللبنانية. لذا لا بد من دعم تأسيس شبكات التضامن بين الجماعات النسائية، والمنظمات غير الحكومية، والجهات الحكومية المعنية بالمرأة، حرصاً على ألا ينجم عن الاستجابة لمرض كوفيد 19 استحداث المعايير الجنسانية المجحفة أو تعزيزها، مع الممارسات التمييزية، وعدم المساواة، ولا سيما ضد الفئات المهمشة مثل النساء المسنات، وذوات الإعاقة، واللواتي يعانين من الفقر المدقع، فضلاً عن تبادل الموارد والخبرات، لإسماع أصواتهن وجعل النساء أكثر قدرة على التحمل للمساعدة على الانتقال من حالة الأزمة إلى مرحلة التعافي.

●      جمع البيانات المصنفة بحسب نوع الجنس المتعلقة بتفشي المرض والاستجابة له لفهم الاختلافات الجنسانية لتكون أساساً يستند إليه في وضع التدابير الوقائية والعلاجية.

إن الفقر المتزايد، وانخفاض الإنتاجية، وما يترتب على ذلك من انخفاض الأمن الغذائي على المستوى الوطني، وتدهور الأحوال المعيشية، ونضوب الأيدي الوطنية العاملة المدربة والكفاءات، واضطراب الاستقرار الاجتماعي العام، والشعور بالضيق، كلها أمور تهدد التنمية الوطنية والاستقرار السياسي وتهدد رفاه وأمن الأمة بأسرها.

ولكي نتعلم من حالات تفشي العدوى السابقة على الصعيد الدولي، علينا أن ندرك أن المشكلة التي اعترت نظم الاستجابة في كل من فايروس الإيبولا والمرض الذي يسبِّبه فايروس زيكا، كانت في تجاهل التفاوتات الجنسانية الهيكلية في برامج الاستجابة للأزمة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم هذه التفاوتات. وعلينا أن ندعو إلى إجراء تحليل سياقي في إطار حقوق الإنسان يأخذ في الاعتبار نوع الجنس باعتباره عاملاً اجتماعياً واقتصادياً محدداً للصحة.

تُظهر الثغرات في تدابير الرعاية التي كشفت عنها الأزمة الراهنة مجدداً ضرورة التحرك نحو نموذج اجتماعي اقتصادي يعترف بمساهمات المرأة القيمة في المجتمع ويضع الرعاية في صميم الأولويات، فتتوفر لجميع النساء والرجال خيارات تتسم بالمساواة والمرونة لتحقيق التوازن بين مسؤوليات عملهم ورعايتهم، وحقهم في عيش حياة كريمة. وهذا يسلط الضوء على الضرورة الملحة لاعتماد البرلماناللقوانين والتشريعات والقرارات التنفيذية الرئيسية الرامية إلى القضاء على التمييز ضد المرأة ودعم مشاركتها وحمايتها في الحياة الاقتصادية لتعزيز المساواة والقدرة على الصمود والإسهام في الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي والتنمية المستدامة.

فقد حان الوقت للقضاء على تهميش المرأة!

على الحكومة أن تدرك أن وباء “كورونا” المستجد له بالفعل منظور جنساني، فضلاً عن كونه مسألة تتعلق بالعدالة، تتطلب اهتماماً خاصاً واستجابة مُلحة لا سيما للنساء الأكثر تعرضاً للخطر، من أجل حمايتنا جميعاً.